بين الثورة السودانية والحراك الجزائري

رغم بعض أوجه التشابه بين ما جرى في السودان وبين الذي يجري الجزائر في كثير من الظروف، حيث بدأت الأحداث بتصاعد الاحتجاجات الشعبية في كلتا الدولتين العربيتين اللتين يطالب فيهما الشعبان بتصحيح الأوضاع المعيشية؛ وتغييرات في نظام الحكم، فإن بعض أوجه التشابه هذه تدعونا إلى أن نتساءل عن الأسباب التي جعلت الثورة تنتصر في السودان، ويتلاحم الجيش مع الشعب، وتمثل نموذجاً لثورة ترتقي في بداياتها بدولة عصرية أفضل مما كانت عليه قبل الثورة، رغم أن السودان دولة كبيرة تتشكل فيها فسيفساء تضم اتجاهات وأحزاباً وأقاليم متعددة الثقافات. في المقابل لا تزال الأحداث في الجزائر مستمرة وقابلة للتصعيد؛ فلا الجيش قبل بالتنازل عن السلطة، ولا الشعب قبل بأن ينفرد الجيش بالسلطة رغم أن الرئيس الجزائري قدم استقالته بعد 6 أسابيع من الحراك، وكان ذلك بمثابة دعوة تمهيد وتفاؤل لنجاح الثورة، في حين ظل الرئيس السوداني عمر البشير على رأس السلطة في السودان أكثر من 3 أشهر من الاحتجاجات السودانية، ورفض التنازل عنها، وهذا مثّل عقبة أمام الشعب السوداني، حينها قام الجيش بعزل الرئيس عن السلطة التي تمسك بها نحو 30 سنة، وكان رد فعله على الاحتجاجات السلميّة عنيفاً، ما تسبب في سقوط عشرات القتلى والجرحى في صفوف المتظاهرين.
يظل التساؤل، الذي في نظري يطرح نفسه: لماذا لم يتوافق الجيش في الجزائر مع الشعب، ويقوم بدوره بالتعاون مع الشعب ويكون للشعب دوره خصوصاً أن غالبيته من الشباب، وأن معظم مَن في الجيش من جيل الثورة التي حررت الجزائر من الاستعمار الفرنسي.
لا أحد ينكر دور الثورة الجزائرية التي يفتخر بها كل عربي ومسلم، خصوصاً جبهة التحرير الوطني الجزائرية التي كان لها الدور الأكبر في تحرير الوطن من الاستعمار الفرنسي، بيد أن التغيير من سنن الحياة، فلا بد لجيل الشباب الجديد من أن يأخذ دوره، فربما يحمل أفكاراً جديدة تساعد على التقدم، خصوصاً أن الجزائر دولة غنية بالنفط، ولا ننسى أن الجزائر من الدول التي ذاقت الأمرّين من أعمال إرهابية كانت تقودها الجماعات الدينية، خصوصاً جبهة الإنقاذ المتطرفة التي قادت الإرهاب، وبسببها سقط كثير من الضحايا، رغم أنه في ذلك الوقت كانت جبهة التحرير على رأس النظام، وكل ما تم هو تغيير القيادات مرات عدة من جبهة التحرير الجزائرية، وجاء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للسلطة في فترة حرجة واستقرت الأوضاع في الجزائر إلى حد ما.
بيد أننا لو رجعنا إلى السودان فسنجد أن كل الأطراف أعطت تنازلات، وأن الجيش كان مرناً في التعامل مع كل القوى السياسية، وكذلك قوى التغيير أعطت بدورها تنازلات، وكان لإثيوبيا دور الوسيط في التفاوض، فلقد نجحت في القيام بهذا الدور، ولم تتدخل الأمم المتحدة ولا مجلس الأمن في القضية، وعالجوا مشكلاتهم بأنفسهم.
الثورة السودانية مكنت السودان من أن ينهي هيمنة العسكر على السلطة؛ ووضعت السودان على طريق الحكم المدني الذي يقوم على دور المؤسسات، ورسمت للجيش مكانه الصحيح وهو حماية الدولة والمحافظة على سيادتها.
وختاماً؛ نتوصل إلى حقيقة أن الجيش والشعب هما طرفا المعادلة في أي نظام في الدول العربية وأي دولة أخرى، حيث إن الجيش هو يصون الأمن ويقود البلاد إلى بر الأمان، خصوصاً عندما تصل الأمور إلى طريق مسدودة، ولقد كان للجيوش العربية دور في حماية أوطانها، بيد أن التغيرات التي تحدث في العالم اليوم وما يحيط بالدول العربية، خصوصاً من أوضاع خطيرة وغير مستقرة أمنياً، تفرض الشراكة المجتمعية بين كل مؤسسات المجتمع لحفظ الأمن والسلام؛ بما فيها مؤسسة الجيش، التي لها دور رئيسي لا يقل عن دور أي مؤسسة أخرى.