ربما يبدو العنوان غريبا على مرضى السيليك celiac disease (المرض الجوفي) بالتحديد، حيث إن هؤلاء المرضى تسوء حالتهم ويعانون من اضطرابات الجهاز الهضمي في حالة تناولهم لطعام يحتوي على بروتين الغلوتين Gluten الموجود في الكثير من الحبوب وأشهرها القمح، وليس العكس، بمعنى أنه لم يكن من المتعارف عليه أن تناول الغلوتين يمكن أن يؤدي إلى الإصابة بالمرض. ولكن هذا ما كشفت عنه أحدث دراسة عالمية تناولت مرض السيليك، وأشارت إلى أن الأطفال في عمر أقل من الخامسة تزيد فرص إصابتهم بالمرض كلما أفرطوا في تناول طعام يحتوي على كمية من الغلوتين خصوصاً هؤلاء المهيأين جينيا لذلك.
تأثيرات الغلوتين
وكانت الدراسة التي نشرت في منتصف شهر أغسطس (آب) من العام الحالي في مجلة الرابطة الطبية الأميركية Journal of the American Medical Association، أكدت أن كل غرام غلوتين في الطفل المعرض جينيا للإصابة ربما يكون خطرا ويقربه من الإصابة بالمرض. وعلى سبيل المثال فإن مجرد تناول نصف قطعة خبز زائدة عن الاحتياج لطفل أقل من عمر عامين يمكن أن يزيد من احتمالية الإصابة الفعلية بالسيليك في عمر الثالثة بنسبة تبلغ 7 في المائة. ومعظم الأطفال الذين أصيبوا بالفعل بمرض السيليك كانوا يتناولون كميات متزايدة من الغلوتين.
وعلى الرغم من هذه النتائج فإن الدراسة أكدت أنه من المبكر جدا التوصية بمنع الغلوتين من غذاء الأطفال حتى الأطفال المهيأين جينيا لذلك، ولكن أوصت بالاعتدال فقط في التناول لأنه من البروتينات المهمة للجسم خاصة في مرحلة النمو.
ومن المعروف أن هذا المرض نوع من الأمراض المناعية يصيب الأمعاء الدقيقة ويتسبب في تعاملها مع الغلوتين كما لو كان جسما غريبا. ويحدث نتيجة لذلك الكثير من الأعراض مثل الإسهال وآلام البطن وفقدان الوزن والإجهاد والأنيميا. ولذلك فإن هؤلاء المرضى يلتزمون بحمية خالية من الغلوتين، والأشخاص المهيأون لحدوث ذلك هم الذين لديهم أحد الأقارب من الدرجة الأولى مصاب مثل الوالدين أو الإخوة وتزيد فرصتهم بنسب تتراوح ما بين 1 و10 في المائة للإصابة بالمرض أكثر من الأشخاص الآخرين. وفي الأغلب يحدث المرض في الطفولة وإن كان من غير المعروف حتى الآن لماذا يصاب بعض الأطفال المهيأين جينيا بالمرض بينما لا يصاب الآخرون مهما تناولوا كميات من الغلوتين الذي يتعرض له الجميع بطبيعة الحال. وهو الأمر الذي يحتاج لمزيد من الدراسات ويشير إلى أنه يمكن أن تكون هناك عوامل أخرى مثل طبيعة الغذاء أو التعرض لأمراض معينة من شأنها أن تظهر المرض.
إصابات مرضية
تناولت هذه الدراسة العالمية حالات 6600 طفل من 6 مراكز بحثية من عدة بلدان مختلفة (ألمانيا والسويد وفنلندا والولايات المتحدة) وقام الباحثون بتتبع هؤلاء الأطفال منذ الطفولة وحتى بلوغهم 15 عاما، وجميعهم كانوا مهيأين جينيا للإصابة بمرض السيليك. وتمت متابعة نظامهم الغذائي بشكل يومي يشمل الثلاث وجبات وكمية الغلوتين التي يحصلون عليها.
من هؤلاء كانت هناك نسبة بلغت 18 في المائة حدث لهم استجابة مناعية لما يمكن اعتباره نوعا من المرض، بمعنى أن الأعراض لم تكن مكتملة للتشخيص. وهناك نسبة بلغت 7 في المائة أصيبوا بالمرض بالشكل الكامل له وعانوا من الأعراض، وكانت قمة ظهور هذه الأعراض في الفترة العمرية بين الثانية والثالثة، وبالتالي فإن هذه المرحلة تعد من أكثر المراحل حرجا في إمكانية أن يصاب الطفل بالمرض من عدمه. ويمكن اعتبار تناول الغلوتين المتزايد عامل خطورة لا يقل أهمية عن العامل الجيني. وأوضح الباحثون أن هناك عدة عوامل ربما تلعب دورا في الإصابة بمرض السيليك وتحتاج إلى مزيد من الدراسات مثل العدوى في الجهاز الهضمي أو تغير في البكتيريا النافعة في الأمعاء وكذلك التعرض بكثرة للمضادات الحيوية.
الغلوتين وسكري الأطفال
وأشار العلماء إلى أن أخطار الغلوتين ربما تتعدى الإصابة بمرض السيليك وذلك تبعا لدراسة نشرت في نفس الشهر في مجلة الرابطة الطبية الأميركية لطب الأطفال JAMA Pediatrics ووجدت أن التعرض لكميات كبيرة من الغلوتين ربما يكون مسؤولا أيضا عن إصابة الأطفال المهيأين جينيا بالنوع الأول من مرض السكرى، حيث إن هذا التعرض ربما يؤدي إلى استجابة مناعية من الجسم تدمر الخلايا المسؤولة عن إفراز الأنسولين في البنكرياس، والأمر الذي يزيد من هذه الفرضية هو وجود صلة بين الإصابة بالنوع الأول وبين الإصابة بمرض السيليك، وعلى وجه التقريب فإن هناك نسبة تبلغ 10 في المائة من مرضى السكري من النوع الأول مصابون بالسيليك.
أيضا هناك بعض الدراسات التي تشير إلى العلاقة بين مرضى السيليك واحتمالية إصابتهم بمرض مناعي جلدي وهو الصدفية psoriasis. وعلى الرغم من أن هذه الدراسات غير مؤكدة تماما فإن مرضى الصدفية الذين التزموا بحمية غذائية خالية من الغلوتين تحسنت الأعراض لديهم بنسبة معقولة، وعلى وجه التقريب فإن 25 في المائة من مرضى الصدفية لديهم حساسية من تناول الغلوتين حتى في حالة عدم إصابتهم بمرض السيليك بشكله الكامل.
وفضلا عن الصدفية فإن هناك نوعا معينا من حساسية الجلد يسبب حكة يكون السبب فيها هو الغلوتين أيضا، وهو الأمر الذي يشير إلى أن البروتين نفسه يرتبط بشكل وثيق بالأمراض المناعية، ولذلك فإن هناك توصيات طبية تنصح جميع مرضى الأمراض المناعية بالحرص في تناول الغلوتين أو الامتناع عنه تماما، ولا يشترط إن كانوا عانوا سابقا من أعراض الجهاز الهضمي من عدمه.
- استشاري طب أطفال