شهد النادي الأدبي الثقافي بجدة، مساء الأحد الماضي ندوة بعنوان «الروائيون الجدد»، شارك فيها كل من الناقدين: الدكتور معجب العدواني، والدكتور سحمي الهاجري، وأدارها القاص محمد علي قدس، وحضر الندوة الدكتور أحمد قران الزهراني الذي عيّن أخيرا مديرا عاما للأندية الأدبية السعودية.
* الرواية بوصفها خطابا متجددا
* الدكتور سحمي الهاجري، ركّز في ورقته على «دوافع الكتابة»؛ معداً أن عنوان الندوة «الروائيون الجدد».. يستحقُ لقبَ «العنوان الصامد»، فهو عنوان ما فتئ يستعاد منذ بدايةِ الألفية الثالثة؛ لأن كُتابَ الرواية الأولى، أو الأسماء الجديدة من الروائيين والروائيات ظلت دائماً تشكلُ الأكثرية بين الإصدارات الروائية المتلاحقة؛ وهو أمرٌ يدلُّ على أن بواعثَ هذه الظاهرة، والعواملَ المؤثرة فيها، ما زالت مستمرةً هي الأخرى.
وعرّف المعنى من الروائيين الجدد، بوصفه «الحديث عن تيار عام (..) ينتمي إلى خطاب أدبي جديد، وما زال في طور التشكل»، مشيراً إلى أن «صفة الروائيين الجدد تكاد تنطبق بصورة متوالية على جميع الروائيين والروائيات منذ البداية، فكل منهم مرّ بهذه الصفة في مرحلة من المراحل، قبل أن يصبح لبعضِهم معتمدُه الخاص فيما بعد».
أما لماذا استحق هذا العنوان لقبَ «العنوان الصامد» فـ«يعود غالباً لطبيعةِ الخطاب السائد، وجمود منظوماته الفكرية والقيمية والأخلاقية، أما الروايات ذاتهُا فليست مكرورة بالضرورة، كما يبدو في الظاهر، لأنها تستبطن منطقاً عميقاً لسيرورة متطورة تتشكلُ تدريجياً».
الدكتور الهاجري لاحظ «أن الطفرة الروائية المحلية في عمومها، لم تحدث نتيجةً لتطورٍ معرفي أو فكري أو فلسفي أو جمالي؛ بقدر ما هي وعي حاد بغياب هذا التطور»، وإن «فراغاً واسعاً حدث نتيجة لذلك الغياب، فسُنةُ الحياة تكرهُ الفراغ، ومن الدلالات المهمة في هذا السياق أن المادة المستدعاة لملء الفراغ صفتُها الأساس كبرُ الحجم.. ثم مع الاتساع المتزايد للفراغ، غدت مسألةُ الحجم وحدها لا تكفي؛ مما استدعى مزيداً من التكاثر الكمي المتواصل؛ مما يجعلنا نستعيدُ عبارة إمبرتو إيكو من «أن الكونَ السردي أقل دائماً من الكونِ الواقعي».
وقال: «نحن نرى الرواياتِ الجديدة، لأنها مشاهدة وملموسة، ولكننا لا نرى ما هو أكبر منها، وهو حجمُ الطلب عليها أو حجم الفراغ المفتوح، وهذا ما أدركه الناشرون بحسهم التجاري بصرف النظر عن قوة العمل أو ضعفه من الناحية الفنية».
* لماذا الرواية؟
* تحت هذا السؤال، تحدث الدكتور سحمي الهاجري عن أجناسُ الأدب الأخرى، معداً «أن الشعر والقصة القصيرة وحتى المقالة فنون ذاتية في المقام الأول، وتدل على الوعي الفردي أكثر مما تدلُ على الوعي الجماعي، ولأنها فنونٌ قديمة تاريخياً، فإنها مع الزمن تصالحت بصورة أو بأخرى مع خطاب التخلف، وأهم من هذا وذاك أنها فنون من صفاتها الاختصار والاختزال وتقديم الخلاصات النهائية؛ وقضية الخلاصات النهائية هي المشكلة، لأنها تُذكر بخلاصات الثقافة الأبوية، وهي خلاصات تجاوزها الزمن من جانب، ولا تكفي لسد الفراغ المفتوح من جانب آخر، فلم يعد الكاتب هو ذلك الكاهن أو الحكيم الذي يطل على الناسِ من شاهق، فلا جدال أن هذا العصر هو عصر المتلقي، وهو متلق بات يشارك في إنتاج الثقافة من منازلهِم على نطاق واسع، وبما يناسبُه وليس بما يُفرض عليه».
أما موضوع الكاتب، فرأى أنه جدير بالدراسة، لأنه «ينفتح على قضايا عدة مثل: قضية «دوافعِ الكتابة»، ومن دوافعِ الكتابة تنبثق قضيةُ «القصدية»، وقضية القصدية صاحبت الرواية منذ ظهورها، وغدت جزءاً من تعريفها، ثم تأتي قضية «مقولةِ الراوي» بوصفها مقولةً سردية، ومقولةُ الراوي تعود بنا مجدداً إلى القصدية، لأن الراوي هو الموجه الأول لآيديولوجيا النص».
* دوافع الروائيين الجدد
* وباستعراضه لشهادات الروائيين والروائيات الجدد عن العواملِ التي دفعتهم للكتابة، لاحظ الناقد الهاجري أن استقراء دوافع الكتابة تظهر عبارات دالة على أن الرواية تمثل بالنسبة لأحدهم «مسألة وجود»، أو أنها «تعادل الحرية»، أو أن الرواية «غدت المتنفس الكتابي والنفسي»، أو «أن كتابةَ الرواية ملاذٌ من الضياع»، وأنها بالنسبة للمرأة المتهمة بالضعف «القبضة القوية التي تملكها».
كما تبرز أسباب أخرى مثل التضييق الاجتماعي والثقافي؛ حيث تعبر عنها بعض الشهادات بأن: «الرواية تستوعب كلَ جنونِك وفنونِك.. تستوعب نثرَك وشعرَك.. وتستوعب فلسفتَك وحلمَك.. وكلَ مواهبك الكتابية»، ويشترك الكتاب والكاتبات في عبارات مثل: «كتبتُ الرواية لإعادة التوازن بين الداخلي والخارجي»، أو «كتبت الرواية لإعادة ترتيب داخلي بطريقتي، لا كما رتبها المجتمع والعائلة». كما يشترك بعضُ الكتاب والكاتبات أيضا في الدوافع أو الحوافز الثقافية، مثل قول أحدهم: «كتبتُ الرواية لأنها تتصدرُ الحركة الأدبية»، أو قول إحداهن: «كتبتُ الرواية لحبي للعائلة الثقافية»، ولاحظ الهاجري، أن «من الأمور الدالة أيضاً، أن الدوافع الفنية تأتي في ذيل القائمة، وفي إشارات عابرة».
وفي تحليله لهذه الدوافع قال الهاجري: «نحنُ – إذن - في كل الأحوال، أمام خطابٍ متجدد ومقتحم وجريء غمر الساحة الثقافية، وبث فيها حيوية جديدة ومستدامة بواسطة مجموعة من الرموز، والأفكار، والقيم الجمالية، والأخلاقية الحية، من خلال هذا الكم الكبير من النصوص الروائية المتمردة على مرحلة العماء السابقة لظهور الطفرة الروائية».
وبشأن الروائيات قال الهاجري: «ولأن المرأة هي حاضنةُ الحياة وراعيتُها وممثلتُها الأولى، فإن مشاعرَها وأفكارها تأتي في الغالب واضحة ومشبوبة ومحددة، في حين نجدُ التردد والتعثر والشتات يسيطرُ على الرجال، وهو ما تعكسه الروايات والشهادات بكل جلاء، ربما لأن الامتيازات الرجالية تمثل جزءاً عميقاً وغائراً في بنية الخطاب التقليدي الذي يحاورونه، فيختلط الذاتي والموضوعي لديهم بطريقة مربكة».
وفي ختام ورقته، أكد الهاجري، أن «الرواية المحلية، كانت ولا تزال، تعتمد على أن السياق أقوى من النصوص، وأن دلالات النصوص ما هي إلا مؤشرات إلى دلالاتٍ أكبر منها، وهي دلالاتُ السياق».
* فخ الأدلجة!
* أما الدكتور معجب العدواني، فقال إن مصطلح «الروائيون الجدد» هو «مصطلح غير بريء»، لأنه «يركز على الذوات، ويهمل أفعالها، ويستبيح تحديد الزمن وتقسيمه بالصورة التي نتطلع إليها، ويبدي مراوغة وانحيازًا في سكه، وفي اختياره».
مع ذلك، فقد وافق على أن المصطلح يمكنه أن «يحيلنا إلى التركيز على منجز أولئك الروائيين الفاعلين وغير الفاعلين خلال حقبة منصرمة منذ عقد أو يزيد»، مع تشديده على أن «ذلك كله يخلق حالة من القلق في إحلال العام في موقع الخاص، والجمعي في موقع الفردي».
بدايةً، شدد الدكتور العدواني على أنه «لا يمكن النظر إلى الروائيين الجدد بوصفهم طبقة واحدة؛ إذ أميل إلى تشكيلهم في اتجاهين لا يربط بينهما رابط، ولا يجمعهما جامع سوى التسمية والسجال»، متحدثاً عن فئتين من الروائيين الجدد، وهما: الروائيون الجدد الذين يصبون إلى معالجة الفعل الإنساني باجتياز الأدلجة إلى صوغ الفن والجمال، وقد راجت أعمال هذه الفئة رواجا تحقق بفضل ثورة المعلومات وانتشار وسائل التواصل، لكنها لم تحظ بحضورها المرتجى عربيا إلا في حالات قليلة.
أما الفئة الثانية فهم الروائيون الخاضعون لأدلجة ما، «إنهم أولئك الذين يكتبون الرواية بوصفها نصا ينطلق من آيديولوجية مضادة لموقف أو نص أو شخص، وتجبرك هذه الفئة على تناولها، على الرغم من ضعف الجمالية وضحالة الفكر، وذلك لكونها تمثل اتجاها قام بفرضها، ولها قراؤها المتعصبون، ولديها منصات النشر الخاصة بها».
وقال إن هذه الفئة «ظهرت تاريخيًا بعد ظهور رواية (بنات الرياض) ورواجها، وتنامي الحركة الروائية السعودية، لتتجلى بوصفها تيارا مضادا للمنجز، محاولة تشويهه وإرهاب كتابه، هي رواية (تطرف) بامتياز، ومن أمثلة ذلك (زوار السفارات)، و(المرآة المنعكسة)، و(حتى لا يضيع الحجاب)، ولا خلاف على أن هذه الأعمال رتيبة وغير متجاوزة وتفتقر إلى الدربة والاحترافية».
* البعد الأبوي للنقد
* ثم تحدث الدكتور العدواني عن البعد الأبوي للنقد، وقال: «لا تخلو زاوية النظر إلى الرواية السعودية، وتحديدًا الرواية الجديدة منها، من 3 وجهات نظر أساسية، تتمثل الأولى في نظرة تعتمد على منظومة الثناء والتمجيد والتبجيل، والثانية تحرص على أن تفتح أفقها لتراوح بين الثناء والكشف، والثالثة تركز على كشف العيوب وتفكيك العمل وسياقاته».
وهنا، انتقل الناقد العدواني إلى النقاد، جاعلاً إياهم «في رأس قائمة المسؤولين عن إسدال غطاء الوهم الذي روّجه النقد منذ البدء؛ إذ إن مسؤولياتهم في النظر إلى منجز الروائيين الجدد - كما أراها - ليست كما يقال عن ضرورة حضور نقد المواكبة، ولكن الأهم توفر عنصري الإثارة والرغبة، فليست كل الأعمال الروائية قادرة على فعل الإثارة، ولن يكون كل الفعل النقدي قادرا على فعل الرغبة».
وصنف مراحل النقد (هنا) إلى 3 مراحل: فقد «كانت بواكير النقد الروائي قليلة ولا سيما في مرحلة الحداثة في الثمانينات، (..) ويعود إلى غياب الروائيين والروائيات عن الانخراط في هذه المجموعة التي توهجت شعرًا ونقدًا، (..) لقد كان للرواية بفضل إمكاناتها المتصلة بالجنس الأدبي، وبدعم التنظيرات النقدية المصاحبة، أن تكون الملجأ المناسب للتجربة النقدية قي حقبة الثمانينات بعيدًا عن الأجناس الأخرى التي تمتح من العراقة في الثقافات التقليدية كالشعر، أو الأشكال النثرية الأخرى كالقصة القصيرة».
المرحلة الثانية، كانت «في منتصف فترة التسعينات؛ حيث كانت الأعمال الروائية لا تزيد عن سبعين عملا، ولكن الدراسات النقدية للرواية السعودية بدأت تتسع وتزيد، بسبب عاملين رئيسين: الأول يتصل بزيادة الوعي بدور الرواية، وكونها تنفي الأحادية وتنمذج التعددية. والعامل الثاني يعود إلى محاولة التأصيل للبعد الوطني، في الإطارين؛ المحلي والعربي».
وقال: «مع شيوع الفن الروائي في القرن الجديد، وتعدد قنوات النشر، وظهور حرفة الكتابة في الفنون مهما تباينت، ولم تعد الحاجة إلى النقد كبيرة، فقد تحول الروائيون أنفسهم إلى نقاد لأعمال آخرين»، مضيفاً: «كل هذه السياقات تبرز مسؤولية النقد، وتؤكد عظم دوره في تكريس غطاء التزوير، وخلق حالات الوهم».
* العلاقة مع الأجيال الروائية
* ولاحظ الدكتور العدواني «أن الرواية السعودية وقعت في السجال، وفي توتر صنعته التيارات المتطرفة، التي رفعت شعار الكراهية ضد من يقدم عملا روائيا في التسعينات، فحملوا على الروائيين، مثل: غازي القصيبي، وتركي الحمد، وعبده خال، ويعود ذلك لوعي أولئك بكون الرواية الجنس الأدبي القادر على التغيير الذي يرفضونه».
ثم قارن الناقد بين تجربتي السعودية والكويت في علاقة جيل الروائيين الجدد مع الأجيال السابقة.. ففي حين «نلمح علاقة إيجابية بين جيل الرواد في الكويت، ممثلا في: إسماعيل فهد إسماعيل، وطالب الرفاعي، وليلى العثمان، مع الروائيين الجدد، مثل: سعود السنعوسي، ووليد الرجيب، وسعداء الدعاس؛ حيث نلحظ ورود أسماء الجيل القديم في روايات الجدد، ومثال ذلك رواية (ساق البامبو)، وفي المقابل نلحظ أن تشجيعا كبيرا وواضحا للروائيين الجدد من الرواد في أمسياتهم وكتاباتهم، وقد نتج عن ذلك الدعم فوز بعض أولئك الشباب بجوائز كبرى»، فإن التجربة السعودية مختلفة، فالعلاقة «تميل إلى التوتر، وتنحو إلى الإلغاء، وهما مساران طبيعيان ناتجان عن تصور كبت للتجربة في عمومها».
وقال: «لو أردنا أن نحدد سمات الجماهيرية لدى هاتين الفئتين، سنراها متمثلة في نزق ردود بعضهم، وسرعة انفعالهم، والمبالغة والشطط في الردود العاطفية، والعجز عن الاعتدال، والابتعاد عن الاستجابة النقدية، ويقود ذلك بحسب فرويد إلى وحدة مشاعر يمكن أن تكون أساسا لتشكيل عشائري جديد».