صدر العدد التاسع من مجلة «الأديب الثقافية»، وهي مجلة «ثقافية فصلية تُعنى بقضايا الحداثة والحداثة البعدية»، وقد تضمنت مناقشات ومحاور وحوارات مختلفة، فقد جاءت «افتتاحية العدد»، بقلم رئيس التحرير بعنوان «نحن دولة بلا أمة أم أمة بلا دولة؟»، وفيها يوجِّه انتباه القارئ العربي إلى أن دال الدولة ودواله، بمعنى التحّوّل والزوال، يرتبط بخيارات الدولة - الأمة في التحَرُّر من الآيديولوجيات القومية والدينية، حيث لم تعد القومية العربية «رابطة قوية»، بل وأخفقت في كيفية تمثيل ذاتها النهضوية، ليس لـ«أنها مرحلة وليس نهاية»، وإنما لـ«أنها ذات طبيعة شعبوية ومعادية للديمقراطية، حتى التاريخ لم يعد (رابطة مشتركة) للجغرافيا كوعاء سياسي للتاريخ المشترك»، ويتساءل الكاتب في مهاد صريح: إذن فماذا تبقى من خيارات الدولة والأمة؟ أنحن إزاء أزمة مركبة من الدولة اللاأمة والأمة اللادولة؟».
وفي حقل «مناقشات»، تعرّض الشاعر والناقد والمترجم عبد الكريم كاصد في باب «نقد التحقيق» لـ«جناية أدونيس والكاتب علي محمود خضير على السيّاب»، حيث تساءل: «ألم تستوقف أدونيس، وهو يقدم أعمال السياب، الطريقة التي جُمعت بها أعمال السياب؟ ولعل الأدهى من ذلك هو ما نسبه المحقق من قصائد إلى السيّاب، وهي لغيره من الشعراء، من دون أن يتحقق من ذلك»!!
ويرى الناقد كاصد: «لم يخلص المحقق لأعمال السيّاب الشعرية الكاملة، لا توثيقه لها، ولا فيما أضافه إليها»، ويتساءل أيضاً: «إن لم يكن التوثيق شاغل المحقق الرئيس؛ فما هو الجانب الفني الذي استدعى كل هذا الركام العجيب من القصائد التي أضيفت إلى ركامات سابقة؟».
ولعل الأكثر إشكالية من ذلك كله «لم نعرف مثلاً الظرف الذي دفع السياب وجماعة (مجلة الشعر) إلى المشاركة في (مؤتمر الأدب العربي المعاصر) المنعقد في روما سنة 1961، برعاية (المنظمة العالمية لحرية الثقافة)، وبتمويل الاستخبارات الأميركية، كما كشفت عن ذلك مجلة «نيويورك تايمز» في مقالاتها الخمس بعد سنة 1966، كما لم نعرف ردَّه على ما أورده عيسى بلاطة من أن السياب ادّعى أن بعضاً من شعراء (مجلة شعر) سكروا وقصفوا بمبلغ العلاج الذي أمده به عبد الكريم قاسم».
وتسعى هذه المناقشات التي قدمها الشاعر والناقد عبد الكريم كاصد إلى استنطاق المسكوت عنه من وجهة نظر نقدية وانتقادية صريحة لأدونيس الذي تبنى هذه النسخة المحققة، وقدّم لها بكل ما تتضمن من أخطاء وتشوّهات ومغالطات.
وفي حقل «محور الفلسفة»، فتحت «الأديب الثقافية»، ضمن خطتها المقرّرة لملفات عام 2024، ملف «تراجع الفلسفة في عصر التحوّلات المعرفية المعاصرة»، بوصفها إشكالية معرفية تنطوي على مشكلات عدّة، على نخبة من الأكاديميين والمثقفين العراقيين، للنظر فيما آلت إليه الفلسفة العربية الآن، وما ستؤول إليه في المستقبل، وفق أربعة محاور على النحو الآتي:
تراجع الفلسفة في عصر الذكاء الاصطناعي/ تراجع الفلسفة في عصر التحوّل الرقمي/ تراجع الفلسفة في عصر تداخل الاختصاصات/ تراجع الفلسفة في عصر الواقع الافتراضي.
وقد أسهم في هذه المحاور: د. سعيد عدنان/ د. علي المرهج/ د. سنا صباح علي/ د. رائد عبيس/ د. إنصاف سلمان علوان/ عباس عبد جاسم.
وقدّم د. قيس كاظم الجنابي بحثاً في «اللون والجسد في لوحات يوسف الصائغ»، حيث رأى أن ما يرسمه الصائغ يقع خارج المدارس التشكيلية، وخارج قوانين الرسم، إلاّ أن الألوان المعتمة كالأسود والأزرق تشكل موضوعاً لهاجس داخلي، وشعوراً بالأزمة النفسية التي تعصف به.
وفي حقل «حوار»، حاور الأكاديمي أيهم العبّاد؛ الشاعر والناقد د. علي جعفر العلاق. وفي حقل «ثقافة عالمية»، قام الكاتب والمترجم المغربي عبد الرحيم نور الدين بترجمة حوار مع الناقد والفيلسوف وعالم اللسانيات جورج شتاينر. وتضمن حقل «نصوص»، «ثلاثية المجون الخدرة»، وهي مسرودة ممسرحة للكاتب شوقي كريم.
وفي حقل «تصوير»، كتب الفنان الفوتوغرافي المغربي أشرف بزناني سيرة ذاتية بعنوان «تحرير الخيال من قيود الواقع»، حيث شرح فيها تجربته في التصوير الفوتوغرافي، وكيفية تنشئة صور تتحدى الواقع وتثير اللاوعي.
ويبتدئ العدد من حيث ينتهي بـ«نقطة ابتداء» التي كتبتها د. هاجر سالم الأحمد بعنوان «تنافر القيم في الأدب الأزرق» الناتج عن التعارض بين الأدب والعالم المعلوماتي والرقمي، وكيف تتصدر موسيقى «الترند» الحركة الأدبية متفاعلة مع الوسط الاجتماعي لـ«الميديا».
وتصدر «الأديب الثقافية» بطبعتين ورقية وإلكترونية في آن.