الرياضة الجماعية... علاج للاكتئاب

تعزز ثقة الأطفال والمراهقين وتقلل من الضغوط النفسية

الرياضة الجماعية... علاج للاكتئاب
TT

الرياضة الجماعية... علاج للاكتئاب

الرياضة الجماعية... علاج للاكتئاب

لم تعد الرياضة مجرد نشاط ترفيهي يقبل عليه الشباب وصغار السن، بل أصبحت ضرورة حياتية، نظراً لفوائدها على المستويين الصحي والنفسي لجميع الأعمار.
وتناولت أحدث دراسة أميركية، علاقة الرياضة، تحديداً الألعاب الجماعية، بالصحة النفسية للأطفال والمراهقين، إلى حد يمكن أن يجعل منها علاجاً حقيقياً للأطفال الذين يعانون من الاكتئاب والاضطرابات النفسية، ربما بشكل أكثر من العقاقير التي ليست بالضرورة تنجح بمفردها في كثير من الأحيان في العلاج، خصوصاً الآثار النفسية بعيدة المدى.
وتم نشر هذه النتائج في النسخة الإلكترونية من مجلة «الرابطة الأميركية لطب الأطفال» (JAMA Pediatrics)، في نهاية شهر مايو (أيار) من العام الحالي.
- ضغوط نفسية
كانت الدراسة الطولية قد قامت بتتبع بيانات 10 آلاف شخص منذ عام 1994 - 1995، حينما كانوا في بداية المراهقة، ثم في عام 2008 حينما أصبحوا بالغين، وذلك من المراكز الصحية المختلفة بالولايات المتحدة، وكانوا جميعهم قد عانوا من طفولة تعيسة.
وهناك نسبة كبيرة جداً من الأطفال الأميركيين، تبلغ 50 في المائة على وجه التقريب، تعاني من الضغوط النفسية العائلية بشكل أو بآخر. ومن المعروف أن الأشخاص الذين مروا بطفولة تعيسة بسبب الاعتداءات الجسدية، أو النفسية، أو الجنسية، هم الأكثر عرضة للإصابة بالاضطرابات النفسية لاحقاً كبالغين.
وأجرت الدراسة مقارنة لنسبة حدوث 3 من الأمراض النفسية في البالغين، وهي القلق والاكتئاب والأعراض الاكتئابية (depressive symptoms) بين الذين مارسوا الرياضة الجماعية في طفولتهم أو مراهقتهم، وبين الذين لم يمارسوها.
وتبين أن المراهقين الذين عانوا من الصدمات النفسية في طفولتهم (childhood trauma)، وانخرطوا في رياضات جماعية كانوا أكثر صحة نفسية من أقرانهم الآخرين، حينما أصبحوا بالغين، وعانوا بشكل أقل من القلق والاكتئاب. وفي المرحلة العمرية الأولى للشباب من (24 وحتى 32 عاماً) درس الأشخاص الذين مارسوا الرياضات الجماعية في مراحل مراهقتهم في الفترة الدراسية من بداية المرحلة المتوسطة وحتى نهاية المرحلة الثانوية. وفي هذه الفئة كانت نسبة الأشخاص الذين تم تشخيص إصابتهم بالاكتئاب هي 17 في المائة مقابل 22 في المائة للذين لم يمارسوا الرياضة الجماعية. والأمر نفسه انطبق على أعراض القلق، حيث كانت نسبة الذين تم تشخيصهم في هذه الفئة العمرية هي 12 في المائة مقابل 17 في المائة من الأقران الآخرين.
- تعزيز الثقة بالنفس
بالنسبة لتكرار أعراض الاكتئاب، عانت فقط نسبة 22 في المائة منهم، في مقابل 27 في المائة لأفراد المجموعة، الذين لم ينتموا لفرق جماعية. وأوضح الفريق البحثي أن السبب في ذلك راجع إلى طبيعة الفرق الجماعية التي تزيد من ثقة المراهق في نفسه، وتعزز القبول الاجتماعي لديه كنوع من التعويض للأحداث المؤسفة، التي يلقاها في المنزل، خصوصاً أن هؤلاء الأطفال والمراهقين في الأغلب يعانون من الانطواء والشعور بالعزلة.
ومن هنا تكمن أهمية الرياضة الجماعية أكثر من الرياضات الفردية، حيث يشعر المراهق أنه ينتمي إلى مجتمع معين لهم هدف واحد، ويتشاركون في الأفراح والأحزان، حيث إن الألعاب تقوم بشكل أساسي على التناغم في الأداء بالشكل الذي يجعل من كل شخص في الفريق مهما صغرت مهامه عاملاً مهماً في تحديد المكسب والخسارة.
وكانت النتائج أكثر وضوحاً في الذكور من الفتيات، ولكن الباحثين أرجعوا ذلك إلى احتمالية أن توقيت بداية الدراسة في عام 1994 يكون المتسبب في هذا، حيث إن الرياضات الجماعية للفتيات لم تكن مثل كثرة الفرق الجماعية للذكور، كما هي الحال الآن. والمثير في الأمر أن تأثير الرياضة، على وجه التحديد، يفوق الأنشطة الجماعية الأخرى مثل فرق التمثيل أو الموسيقى، حيث لم تنجح هذه الأنشطة، بالقدر نفسه، في الحماية من الإصابة بالأمراض النفسية للأطفال الذين عانوا من الطفولة التعيسة. ومن المعروف أن أي نشاط جماعي يساعد في التحسن، ولكن الرياضة كانت الأكثر تأثيراً. وأشارت الدراسة إلى أن التأثير يمكن أن يختلف من شخص إلى آخر تبعاً لما يسمى «تجارب الطفولة التعيسة» (adverse childhood experiences)، التي تسمى اختصاراً «ACEs»، حيث إن الطفل الذي يتعرض لتجربة واحدة أليمة فقط، مثل الضرب في المنزل، يختلف بالطبع عن الطفل الذي يتعرض لعدة تجارب مثل الضرب والاعتداء الجنسي وفقدان أحد الوالدين، أو يعاني من التنمر من الأقران. والأمر الجيد أنه في الأغلب تقدم الرياضة نوعاً من الدعم القوي، ويكون تأثيرها أكثر إيجابية على الطفل الذي تعرض لتجارب أكثر، حيث يكون الاحتياج للتعويض أكثر من الآخرين لمعادلة الخبرات الأليمة.
وأوضح الباحثون أنه على ضوء نتائج هذه الدراسة، يجب توفير فرصة الانتماء إلى فرق جماعية لجميع الأطفال والمراهقين، بغض النظر عن المستوى المادي أو الاجتماعي للأسرة، خصوصاً أن الأمر يكون مكلفاً في الأندية الخاصة بطبيعة الحال. ونصح الباحثون بضرورة توافر هذه المعلومات، وأهميتها للجميع، سواء الأطباء أو الآباء أو المعلمين، خصوصاً أن الأسر التي تعاني من ضعف المستوى المادي، في الأغلب، يكون أطفالهم هم الأشد احتياجاً للدعم النفسي من خلال الرياضة الجماعية. وتبعاً للإحصائيات الأميركية، فإن الأطفال الذين ينحدرون من أسر فقيرة يمارسون الرياضة بشكل أقل من أقرانهم بنسبة تصل إلى 50 في المائة. وفي النهاية نصحت الدراسة بضرورة الاهتمام بهذه النتائج، وعدم التعامل مع الرياضة كنوع من الرفاهية، أو اللياقة البدنية فقط، ولكن كضمان للحفاظ على الصحة النفسية للأطفال.

- استشاري طب الأطفال.


مقالات ذات صلة

دراسة جديدة: «أوميغا 3» قد يكون مفتاح إبطاء سرطان البروستاتا

صحتك مكملات «أوميغا 3» قد تبطئ سرطان البروستاتا (جامعة أكسفورد)

دراسة جديدة: «أوميغا 3» قد يكون مفتاح إبطاء سرطان البروستاتا

توصلت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا إلى أن اتباع نظام غذائي منخفض في أحماض أوميغا 6 وغني بأحماض أوميغا 3 الدهنية، يمكن أن يبطئ سرطان البروستاتا.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

قد يتمكن الأشخاص الذين فقدوا أسناناً من الحصول على أخرى بشكل طبيعي، بحسب أطباء أسنان يابانيين يختبرون عقاراً رائداً.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
صحتك مرض ألزهايمر يؤدي ببطء إلى تآكل الذاكرة والمهارات الإدراكية (رويترز)

بينها الاكتئاب... 4 علامات تحذيرية تنذر بألزهايمر

يؤثر مرض ألزهايمر في المقام الأول على الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً، ولكن ليس من المبكر أبداً أن تكون على دراية بالعلامات التحذيرية لهذا الاضطراب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تناول وجبة إفطار متوازنة ودسمة يساعد على إدارة السعرات الحرارية اليومية (رويترز)

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

أظهرت دراسة حديثة أن تخطي وجبة الإفطار في منتصف العمر قد يجعلك أكثر بدانةً، ويؤثر سلباً على صحتك، وفقاً لصحيفة «التليغراف».

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك 10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

وصل إلى بريد «استشارات» استفسار من أحد المرضى هو: «عمري فوق الستين، ولدي مرض السكري وارتفاع ضغط الدم. وتناولت (فياغرا) للتغلب على مشكلة ضعف الانتصاب.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
TT

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)

قد يتمكن الأشخاص الذين فقدوا أسناناً من الحصول على أخرى بشكل طبيعي، بحسب أطباء أسنان يابانيين يختبرون عقاراً رائداً يأملون أن يشكل بديلاً لأطقم الأسنان أو عمليات الزرع.

على عكس الزواحف والأسماك التي عادة ما تكون قادرة على استبدال أنيابها، من المعروف على نطاق واسع أنّ البشر ومعظم الثدييات الأخرى لا ينمو في فمها سوى مجموعتين من الأسنان. لكن تحت اللثة ثمة براعم نائمة من مجموعة ثالثة، بحسب رئيس قسم جراحة الفم في المركز الطبي التابع لكلية البحوث الطبية في أوساكا، كاتسو تاكاهاشي.

في أكتوبر (تشرين الأول)، أطلق فريقه تجارب سريرية في هذا المستشفى، موفراً لأشخاص بالغين دواء تجريبياً يقول الفريق الطبي إنّه قادر على تحفيز نمو هذه الأسنان المخفية. ويقول تاكاهاشي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إنها تقنية «جديدة تماماً» في العالم.

وغالباً ما يُنظر إلى العلاجات المستخدمة للأسنان المفقودة بسبب التسوس أو الالتهابات على أنها مكلفة وتتطلب تدخلاً جراحياً. ويؤكد تاكاهاشي، قائد المشروع، أن «استعادة الأسنان الطبيعية لها بالتأكيد حسناتها».

وتشير الاختبارات التي أُجريت على فئران وقوارض إلى أن وقف عمل بروتين «أوساغ-1» (USAG-1) يمكن أن يوقظ المجموعة الثالثة من الأسنان، وقد نشر الباحثون صوراً مخبرية لأسنان حيوانات نمت من جديد.

وفي دراسة نُشرت العام الماضي، قال الفريق إن «العلاج لدى الفئران فعّال في تجديد الأسنان، ويمكن أن يشكل اختراقاً على صعيد علاج تشوهات الأسنان لدى البشر».

«ليست سوى البداية»

في المرحلة الراهنة، يعطي أطباء الأسنان الأولوية للاحتياجات «الماسة» للمرضى الذين خسروا ستاً من الأسنان الدائمة أو أكثر منذ الولادة.

ويشير تاكاهاشي إلى أنّ الجانب الوراثي يؤثر على نحو 0.1 في المائة من الأشخاص الذين قد يواجهون صعوبة كبيرة في المضغ، وفي اليابان غالباً ما يمضون معظم مراهقتهم وهم يضعون كمامة لإخفاء الفجوات الواسعة في أفواههم. ويضيف أنّ «هذا الدواء قد يكون نقطة تحوّل لهم»؛ لذلك يستهدف الدواء الأطفال في المقام الأول، ويريد الباحثون إتاحته قبل عام 2030.

ولا يعرف أنغراي كانغ، وهو أستاذ في طب الأسنان لدى جامعة كوين ماري في لندن، سوى فريق واحد آخر يسعى إلى تحقيق الهدف المماثل باستخدام الأجسام المضادة لجعل الأسنان تنمو من جديد أو لإصلاحها.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول الخبير في تكنولوجيا المناعة وغير المنخرط في البحث الياباني، إنّ «مجموعة تاكاهاشي تقود المسار».

ويعتبر كانغ أنّ عمل تاكاهاشي «مثير للاهتمام ويستحق المتابعة»؛ لأنّ دواء للأجسام المضادة يستهدف بروتيناً مطابقاً تقريباً لـ«USAG-1» يُستخدم أصلاً لعلاج هشاشة العظام.

ويضيف: «السباق لتجديد أسنان الإنسان ليس قصيراً، لكنه مجموعة من سباقات الماراثون المتتالية، على سبيل التشبيه». ويتابع: «إنها ليست سوى البداية».

ويرى الأستاذ في علاج جذور الأسنان في جامعة هونغ كونغ، تشينفي تشانغ، أنّ طريقة تاكاهاشي «مبتكرة وتحمل إمكانات».

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن «التأكيد على أن البشر يمتلكون براعم أسنان مخفية قادرة على إنتاج مجموعة ثالثة من الأسنان، هو مسألة ثورية ومثيرة للجدل».

ويشير إلى أنّ «النتائج التي لوحظت لدى الحيوانات لا يمكن دائماً ترجمتها بشكل مباشر إلى البشر». ويقول تشانغ إن نتائج التجارب على الحيوانات تثير «تساؤلات بشأن ما إذا كانت الأسنان الجديدة قادرة وظيفياً وجمالياً على أن تحل محل الأسنان المفقودة».

«في قمة السعادة»

يشير تاكاهاشي إلى أنّ موقع السنّ الجديدة في الفم يمكن التحكم به إن لم يكن تحديده، من خلال موقع حقن الدواء.

وفي حال نمت الأسنان في المكان الخطأ فيمكن نقلها عن طريق تقويم الأسنان أو الزرع، على حد قوله.

ولم يشارك أي مريض صغير يعاني من مشكلة خلقية في الأسنان في التجربة السريرية الأولى؛ إذ إن الهدف الرئيس هو اختبار سلامة الدواء لا فاعليته؛ لذا فإن المشاركين في المرحلة الحالية هم بالغون صحتهم جيدة خسروا سناً واحدة على الأقل.

ومع أنّ تجديد الأسنان ليس الهدف الصريح للتجربة هذه المرة، فإن هناك فرصة ضئيلة لحدوث ذلك للمشاركين، بحسب تاكاهاشي.

وإذا نمت أسنانهم، فسيكون الباحثون قد أكدوا أن الدواء فعّال لمَن يعانون من خسارة أسنان، وهو ما سيشكل نجاحاً طبياً. ويقول تاكاهاشي: «سأكون في قمة السعادة في حال حدث ذلك».

وقد تلقى هذه الأنباء ترحيباً خاصاً في اليابان التي تضم ثاني أعلى معدّل من السكان في العالم. وتظهر بيانات وزارة الصحة أن أكثر من 90 في المائة من الأشخاص الذين تتخطى أعمارهم 75 عاماً خسروا سنّاً واحدة على الأقل.

ويقول تاكاهاشي: «ثمة توقّعات عالية بأن تكون تقنيتنا قادرة بشكل مباشر على إطالة متوسط العمر الصحي المتوقع».