«سيدات القاعدة» أقمن تجمعات في مكة لنشر الفكر الإرهابي

المداولات القضائية مستمرة تمهيدا للنطق بالحكم

ارشيفية
ارشيفية
TT

«سيدات القاعدة» أقمن تجمعات في مكة لنشر الفكر الإرهابي

ارشيفية
ارشيفية

أدت التجمعات النسائية غير المشروعة إلى انتقال الفكر التكفيري من ولاية قندهار (جنوب أفغانستان) إلى منطقة مكة المكرمة (غرب السعودية)، حيث كانت سيدة يمنية (هربت مع زوجها السعودي إلى قندهار) تحضر دروسا تكفيرية في منزل القتيل أسامة بن لادن، وسيدة سعودية تحمل الفكر التكفيري تعمل في إحدى المؤسسات الخيرية بباكستان.
والتقت المتهمتان 3 سيدات سعوديات، من بينهن الهاربة أروى بغدادي، لعقد اجتماعات نسائية مع أسر الموقوفين أو المقتولين، ويعملن جميعا على جمع الأموال لدعم تنظيم القاعدة في أفغانستان والعراق، كما قامت إحداهن بإرسال ابنيها إلى أفغانستان، وسعت لتزويج ابنتها القاصر من مقاتل أفغاني في أفغانستان.
وفتحت المحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض، أخيرا، ملفات قضاياهن التي أحيلت من هيئة التحقيق والادعاء العام، بعد أن ألقي القبض عليهن خلال الفترة الماضية، لتفنيد الاتهامات التي أقر بها النساء (أطلق سراحهن بأمر من القاضي)، تمهيدا للنطق بالحكم خلال الفترة المقبلة، خصوصا أن ممثل الادعاء العام طالب بعقوبة تعزيرية شديدة لهن ورادعة لغيرهن.
واعترفت المتهمة اليمنية بأنها لحقت بزوجها (سعودي الجنسية وموقوف حاليا) إلى أفغانستان، وتوجهت مع زوجها إلى إحدى المضافات التابعة لتنظيم القاعدة في مدينة كويتا الباكستانية، حيث جرى سحب جوازات السفر منهما، حيث تمكنت من الوصول إلى قندهار، وعلى الفور ذهبت إلى أحد المنازل التي تقيم فيها بعض الأسر اليمنية، وقابلت نساء، وهن: أم أسامة، وأم خلود، وأم الزبير، واصطحبها زوجها (الموقوف) - فيما بعد - إلى منزل أسامة بن لادن في قندهار، حيث كانت تحضر درسا أسبوعيا عند زوجة بن لادن يشمل العقيدة والفقه ودروسا عن القتال والرباط، ودور تنظيم القاعدة في تحقيق ذلك، ودور المرأة في الدعاء للمقاتلين، ومؤازرتهم، ومعهن زوجات عناصر التنظيم من الجنسيتين المصرية والجزائرية، كما كانت تتعلم اللغة العربية عند زوجة بن لادن الأخرى، وهي سعودية الجنسية. وقالت المتهمة اليمنية خلال اعترافاتها إنها بعد الغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001، توجهت مع مجموعة من النساء إلى قرية انجواي، ورحلن عبر حافلات إلى الحدود الباكستانية ومنها إلى كويتا، ثم سافرن إلى اليمن، بعد أن تسلمت جوازات سفرهن من المضافات، حيث قُبض عليها هناك من الأمن السياسي، وجرى توقيفها لمدة شهر، حيث قامت بالتسلل عبر الحدود السعودية - اليمنية بطريقة غير مشروعة بواسطة شقيقها، والتقت زوجها في منطقة جازان، وانتقلت معه إلى مكة المكرمة، واستأجرت شقة بجوار الحرم المكي، حيث كانت تكفّر الحكومة السعودية والأنظمة العربية التي تعطل فريضة الجهاد، وتتعامل مع الولايات المتحدة.
ورحلت المتهمة اليمنية إلى بلادها بعد أن ألقي القبض على زوجها، ثم عادت إلى السعودية بتأشيرة حج برفقة والدتها وأشقائها، وتعرفت على الهاربة السعودية أروى بغدادي، وذهبتا إلى منزل سيدة تدعى أم أسماء، ومكثت اليمنية عندها 4 أشهر، وكانت تجري مقابلات مع زميلاتها، ويتبادلن الأحاديث عن ذوي الموقوفين، وكلهن يحملن الفكر القتالي والتكفيري ضد الدولة، وكانت تلتقي معهن المتهمة الثالثة وكنيتها «أم صهيب»، وحضرت فيما بعد المتهمة الأولى التي تكنى بـ«أم تركي» و«أم اليزن»، وبدأن العمل على جمع التبرعات للمقاتلين، وكذلك إرسال البعض الآخر إلى أفغانستان. واعترفت المتهمة اليمنية بأنها مكثت في منزل المتهمة الثالثة (أم صهيب) 8 أشهر، وسهلت لها الأخيرة إنشاء بريد إلكتروني، حيث أخبرتها أم صهيب بأنها سبق لها السفر إلى باكستان أثناء الحرب السوفياتية، وقامت بالتدريس في مدرسة للأيتام بباكستان، ثم عادت إلى السعودية، حتى أوقف زوجها في قضية أمنية، وكانت مطلوبة للجهات الأمنية، إلا أنها لم تكن تتجاوب معهم، وكانت تتخفى في المنازل، وتدرس المتهمة مع عدد من النساء من بينهن والدة 3 أشخاص قتلوا في مواجهات أمنية بالمدينة المنورة.
يُذكر أن اللواء منصور التركي، المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية السعودية، طالب جميع النساء الغيورات على وطنهن بعدم التردد في الإبلاغ عن أي ملاحظة يجري رصدها داخل المجتمع النسائي، حيث إن التنظيمات الإرهابية الضالة استغلت عملية استدراج السعوديين لتدريبهم ودفعهم إلى الجرائم الإرهابية، ومن ثم العمل على إعادتهم مرة أخرى إلى السعودية خلايا محلية تكون نواة لتنظيم إرهابي جديد.
فيما أقرت المتهمة الأولى وكنيتها «أم اليزن» بأن ابنها، وهو مطلوب أمني، التحق بصفوف القتال في العراق عام 2007، وبعد 20 يوما وردها اتصال من مجهول يفيد بأن ابنها قُتل في عملية انتحارية، وبعد عام واحد دفعت المتهمة بابنها الآخر، وهو مطلوب أمني، للقتال في أفغانستان، حيث وردها اتصال بعد عامين، بأن ابنها قتل في عملية قصف أميركي في أفغانستان، لا سيما أن المتهمة كانت تحرض ابنيها قبل خروجهما للقتال على القيام بعملية إرهابية أو انتقامية في وزارة الداخلية، خلال مراجعتهما في قضية والدهما الموقوف.
وأفادت بأن هناك شخصا كان يلتقي مع ابنها (15 سنة)، وهو محمد عصام بغدادي (قُتل في مواجهات أمنية بنقطة تفتيش المثلث في وادي الدواسر عام 2010)، حيث كان البغدادي، وهو شقيق المتهمة الثانية أروى الهاربة إلى اليمن، متخفيا عن الأنظار، ويعتقد حينها أنه في العراق، ويسعى للحصول على هوية مزورة من أشخاص في جدة للرجوع إلى العراق مرة أخرى.
وطلب نجل المتهمة الأولى من والدته السيارة لتهريب القتيل بغدادي إلى جازان، للخروج إلى العراق عبر اليمن، وأنه سوف يرتدي عباءة نسائية للتخفي عن أنظار رجال الأمن، فعرضت على ابنها مرافقتهما إلى جازان حتى لا يُكتشف أمرهما، فرفض ذلك، وذهب ابنها إلى جازان، ولم يستطع الخروج، فعاد إلى الرياض حيث قُبض على والدها بعد مواجهات أمنية في نقطة المثلث بوادي الدواسر.
واعترفت أم اليزن بأن هناك تجمعات نسائية لزوجات الموقوفين بسجون المباحث في مكة المكرمة، وهن يحملن الأفكار والتوجهات الفكرية نفسها التي تؤيد الأعمال القتالية داخل السعودية وخارجها، والقائمة عليهن هي المتهمة الثالثة (أم صهيب)، والمتهمة الرابعة، وأنهما يقومان بإعطاء دروس في منزليهما، ويحضر تلك الدروس زوجات الموقوفين في سجون المباحث العامة، وأن «أم صهيب» لديها طرق مختلفة لإرسال الشباب إلى أفغانستان.
وأدينت «أم اليزن» بتواصلها عبر الهاتف والبريد الإلكتروني مع السعودي عبد المحسن الشارخ، المطلوب رقم 49 في قائمة الـ85، الذي تبنى مجلس الأمن الدولي، أخيرا بالإجماع، القرار الذي تقدمت به بريطانيا لإدراجه على لائحة العقوبات الدولية الخاصة بتنظيم القاعدة، وذلك حينما كان يتنقل بين إيران وأفغانستان، قبل أن ينتقل إلى سوريا، وينضم للواء «جبهة النصرة»، ويعين أميرا للساحل في اللاذقية.
وقد أثر زوج «أم صهيب»، وهو موقوف على ذمة قضية أمنية، في أبنائها وبناتها بالفكر القتالي التكفيري، وأمرهم بترك الدراسة في المدارس لأنها حرام، وقد تواصلت عبر الهاتف والبريد الإلكتروني مع أحد المقاتلين في أفغانستان ويدعى «جابر»، وطلب منها مبلغا ماليا، وقامت بتوفيره من الهاربة أروى بغدادي، حيث استعدت المتهمة لإرسال ابنتها (12 سنة) للسفر إلى أفغانستان للزواج من الأفغاني «جابر»، ولم تنجح المحاولة، وعزمت مرة أخرى على الخروج إلى أفغانستان بصحبة أبنائها وبناتها، ولم تستطع أيضا.
فيما أقرت السعودية أروى بغدادي، التي هربت إلى اليمن بصحبة شقيقها وزوجة شقيقها القتيل، وطفلها الرضيع، وأطفال قامت بتبنيهم، بانتهاجها الفكر التكفيري، وأن المتهمة اليمنية التي تلقت الدروس التكفيرية في منزل بن لادن، طلبت منها عدم اللهو في الدنيا، وأن تتعلم معها ومع بعض زميلاتها الكتب الدينية، وأن علماء السعودية لا يعجبونها، وأن المتهمة الأولى (أم اليزن) طلبت منها أن تعرض أفلاما، ومقاطع قتالية، وعمليات عسكرية، ومقاطع قتل ونحر، على الأطفال الذين تبنتهم الهاربة بغدادي، وكانت ترى أن أسامة بن لادن ليس شيخا للمجاهدين، بل أن عبد الله عزام يستحق هذا اللقب.
وتزوجت «بغدادي» من أحد الموقوفين في السجن، الذي تعرف على شقيقها القتيل محمد قبل أن يطلق سراحه، وقامت بعد القبض عليها بسب ولعن المجندات في السجن، وتوجيه ألفاظ غير أخلاقية إليهن، وحاولت الاعتداء بالضرب على إحدى المجندات، وإثارة الفوضى والإضراب عن الطعام، كما لعنت الدكتورة أثناء الكشف عليها، ورمتها بجهاز الضغط، وقذفت إحدى المجندات بـ«الزنا».
واعترفت المتهمة الثالثة (أم صهيب) بأن فكرة خروجها إلى باكستان عائدة إلى تأثير المجلات الدعوية في فكرها، وعزمت بعد ذلك على الذهاب إلى هناك، وبعد زواجها طلبت من زوجها الذهاب إلى باكستان، والتحقت بمؤسسة دار الأيتام، ومعها مجموعة من النساء المصريات والجزائريات اللائي يحملن الفكر التكفيري، وتعرفت على المتهمات الأربع، ونساء أخريات، نتيجة إيقاف أزواجهن لدى الجهات الأمنية، وجهّزت عددا من الرجال للقتال في أفغانستان، وزودتهم بنحو 60 ألف ريال، وقامت بربط أحدهم مع شخص يحمل الجنسية الأفغانية يعمل في المدينة المنورة للتنسيق معه.
وكفّرت المتهمة الرابعة، وكنيتها «أم سليمان»، الدولة السعودية، واتهمت أفرادها وضباطها بالردة، وادعي عليها بالانتماء إلى تنظيم القاعدة، وتأييدها الأعمال التي يقومون بها، وحيازتها مقاطع مرئية تحث على المشاركة في القتال، ودورات تدريبية في صناعة الأسلحة، والتشريك، وعمل المتفجرات، وعملت على نشر فكر «القاعدة» الإرهابي، وقدحت في أمانة مفتي عام المملكة العربية السعودية، ووصفته بأنه شيخ سلطة.
وهربت «أم سليمان» إلى منطقة الجوف، ومكثت هناك نحو 20 شهرا، دون أن يعلم عنها أحد، وذلك بعد أن طلبت منها السلطات الأمنية الحضور، خلال القبض على اثنين من أشقائها، لا سيما أن زوجها الموقوف لدى السلطات الأمنية غادر إلى أفغانستان، مرورا بالإمارات وباكستان، ثم عاد إلى هناك بعد أن مكث سنة كاملة، وألقي القبض عليه. وكانت «أم سليمان» تجمع النساء في منزلها للحديث عن الجهاد بشكل عام، وكذلك جهاد تنظيم القاعدة، وكانت تجمع الأموال لصالح مؤسسة خيرية، إلا أن المؤسسة أغلقت بأمر من السلطات الأمنية، وجرى إيقاف مديرها، وقامت بتحويل الأموال إلى أفغانستان. واعترف أحد الموقوفين السعوديين بأن هناك تجمعات نسائية في منطقة مكة المكرمة لا تقل خطورتها عن تجمعات الشباب المتطرفة، بل هي أشد خطورة، لسهولة تواصلهن بحجة الزيارات العائلية، إذ أصبح ارتباط النساء المتطرفات عن طريق النسب فيما بينهن غطاء لتنقلاتهن، مفيدا بأن هؤلاء النساء يحملن فكرا تكفيريا، ويحرِّمن الالتحاق بالوظائف الحكومية والمدارس، وأن أنشطتهن بدأت تنتشر في منطقتي الجوف والقصيم.
وقال الموقوف إن أهداف النساء المتطرفات تتضمن التواصل مع أسر السجناء لضمهن إليهن، واحتوائهن، وتقديم المساعدات المالية لهن، وإقامة محاضرات داخل الاستراحات لنشر الأفكار التكفيرية والجهادية المتطرفة، وجمع الأموال من خلال تلك التجمعات لدعم القتال، والعمل على تزويج الشباب، سواء الموقوفون منهم ومن يحمل التوجهات المتطرفة، بهؤلاء النساء.
وأكد الموقوف أن المتهمة الرابعة وكنيتها «أم سليمان» التي تعد بمثابة «الشيخ» عند النساء، وامرأة تكنى بـ«أم صهيب» تعد من أكثر النساء تشددا وتطرفا في تلك المجموعة، كما أنهن يتواصلن مع السجناء أثناء زيارة أزواجهن، لمعرفة من ألقي القبض عليه، حتى يتسنى لهن زيارة عائلة الموقوف.



مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان
TT

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

لم يصدف في التاريخ أن كانت الحرب معزولة عن السياسة. فالحرب هي السياسة، لكن بوسائل أخرى، حسب كارل فون كلوزفيتز. والحرب تُخاض لأهداف سياسية بحتة، شرط أن تكون هذه الأهداف قابلة للتحقيق. والعكس قد يعني أن استراتيجيّة الحرب المرسومة سوف تناقض طبيعتها. فاستراتيجيّة الحرب بشكل عام، هي تلك الطريقة (الكيف في التنفيذ) التي تربط الأهداف بالوسائل، شرط التوازن بين الاثنتين.
أن تدخل الحرب بثقة زائدة، متجاهلاً الكثير والكثير من متطلّبات النجاح، لهو أمر قاتل. وأن تدخل الحرب ومفتاح نجاحها بيد الأعداء، لهو أمر يعكس السطحيّة الاستراتيجيّة للمخطّطين. لكن المصيبة تكمن، بالثمن المدفوع لأي تعثّر. فمن يرِدْ أن يكون قوّة عظمى فعليه تجميع عناصر القوّة لمشروعه.
وإذا تعذّر ذلك، فعليه ابتكار استراتيجيّة فريدة من نوعها، تجمع «القوّة الطريّة» مع القوّة الصلبة، بهدف التعويض عن أيّ نقص من عناصر القوّة.

فشل منظومة بوتين
لردع الغرب!
لم يستطع الرئيس بوتين وبعد سنة على عمليته العسكريّة في أوكرانيا، تركيب منظومة ردعيّة فاعلة وقادرة على تسهيل حربه. بكلام آخر، لم تنفع استراتيجيّته والمُسمّاة استراتيجيّة الرجل المجنون (Mad Man Theory)، في ردع الغرب. فهو أراد حماية حربه التقليديّة بمظلّته النوويّة، مُظهراً نفسه لاعباً غير عقلانيّ (Irrational). فمن التهديد النوويّ المتكرّر من قبله، ومن قبل الرئيس الروسي السابق ميدفيديف، إلى وزير الخارجيّة سيرغي لافروف. كان ردّ الغرب عبر اتباع استراتيجيّة القضم المُتدرّج لخطوط بوتين الحمراء.
وللتذكير فقط، استعمل الرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون، وبالتعاون والتنسيق مع هنري كيسنجر، استراتيجيّة الرجل المجنون في حربه على فيتنام. فصوّر نيكسون نفسه آنذاك على أنه لاعب غير عقلاني قد يذهب إلى استعمال النووي في حال لم تلبَّ مطالبه، وذلك مقابل حركيّة كيسنجر العقلانيّة لإيجاد مخرج من مستنقع فيتنام.

من يريد كلّ شيء، قد
لا يحصل على شيء
وضع الرئيس بوتين لنفسه أهدافاً تعجيزيّة. من طلبه عودة وضع حلف «الناتو» إلى منتصف التسعينات، إلى إلغاء الدولة الأوكرانيّة، وضمّها إلى روسيا على أنها جزء لا يتجزّأ من مناطق النفوذ الروسيّ، إلى قيادة الانتفاضة العالميّة ضد الإمبرياليّة الأميركيّة، إلى رسم نظام عالميّ جديد تكون فيه روسيا لاعباً كونيّاً وقوّة عظمى على غرار أميركا والصين. كلّ ذلك، باقتصاد ودخل قوميّ يوازي الدخل القومي لمدينة نيويورك. كل ذلك مع تصنيع حربيّ متواضع، يعود أغلبه إلى أيام الاتحاد السوفياتيّ، ودون تصنيع محلّي للشرائح الذكيّة، التي تعد حيويّة لتشغيل أسلحة القرن الحادي والعشرين. كل ذلك مع جيش أغلبه من الأقليات التي تعيش في المناطق النائية وعلى هامش حياة الشعب الروسي في المدن الرئيسّية. جيش لا يحسن القتال المشترك للأسلحة (Combined). جيش مؤلّف من عدّة جيوش، منها الجيش الروسيّ الرسمي، إلى الفرق الشيشانيّة، وحتى شركة «فاغنر» الخاصة. حتى إن هذه الجيوش لا يقاتل بعضها مع بعض، وهي ليست على وفاق، لا بل تتصارع علناً، إن كان حول الاستراتيجيات العسكريّة، أو حتى في طريقة إدارة الحرب. جيش لم يخطط للسيناريو السيّئ، فوقع في فخ الرضا المسبق عن الذات.
بوتين الحائر
بين الاستراتيجيّة والتكتيك
في المرحلة الأولى للحرب حول كييف، خسر بوتين في الاستراتيجيّة والتكتيك. غيّر الاستراتيجيّة وتوجّه نحو إقليم الدونباس فحقق نجاحات تكتيكيّة، لكنها لم تُصَب وتتراكم لتؤمّن النجاحات الاستراتيجيّة.
بعد الدونباس، خسر الرئيس بوتين التكتيك في إقليم خاركيف، كما أجبر على الانسحاب من مدينة خيرسون. وبذلك، تراكمت الخسائر التكتيكيّة والاستراتيجيّة على كتف الرئيس بوتين لتعيده إلى مربّع الخسارة الأول حول العاصمة كييف.

التقييدات على سلوك بوتين
في المرحلة المقبلة
• لا يمكن للرئيس بوتين أن يخسر مرّتين متتاليتين في أوكرانيا.
• فالخسارة تعني بالحدّ الأدنى الإطاحة به سياسياً، حتى ولو لم تتظهّر معارضة داخلية حتى الآن.
• تاريخيّاً، لا مكان للضعفاء في الكرملين. فكلمة الكرملين وهي من أصل تتريّ، تعني القلعة المُحصّنة. وكلّما كان هناك تعثّر عسكريّ روسي في الخارج، كان التغيير السياسي في الداخل النمط المعتاد.
• لا بد للرئيس بوتين من تقديم نصر عسكريّ للداخل الروسي، حتى لو كان محدوداً. وقد يكون هذا النصر في إقليم الدونباس أولاً، وفي إقليم زابوريجيا ثانياً. فهو قد ضمّ هذين الإقليمين إلى جانب إقليم خيرسون.
• لكن السيطرة على الأقاليم الثلاثة: الدونباس وزابوريجيا وخيرسون، بأكملها، ليس بالأمر السهل، وذلك استناداً إلى التجارب السابقة مع الجيش الروسيّ. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لم يستطع الجيش الروسي، و«فاغنر» إسقاط مدينة بخموت حتى الآن، وبعد مرور أكثر من سبعة أشهر على العمليّة العسكريّة حولها.

المنتظر من بوتين
• بدل النوعيّة أغرق الرئيس بوتين الجبهات بالكميّة، خصوصاً من العسكر الجديد. ألم يقل الزعيم السوفياتي الراحل جوزيف ستالين: «إن للكميّة نوعيّة بحد ذاتها؟»، وبذلك يحاول بوتين اختبار جاهزيّة الانتشار الأوكراني على طول الجبهة لرصد نقاط الضعف.
• تقول المعلومات إن الجيش الروسي قد حشد كثيراً من الطائرات الحربيّة والطوافات على حدود أوكرانيا استعداداً لاستعمالها في المعركة المقبلة، خصوصاً أن جاهزيّة السلاح الجويّ الروسي تتجاوز نسبة 80 في المائة.
• كما تقول المعلومات إن التجمعات العسكريّة بدأت تظهر داخل الأراضي الروسيّة خصوصاً في مدينة كورسك، التي تقع خارج مدى راجمات «الهايمرس».
• يحاول الرئيس بوتين استرداد زمام المبادرة من يد الجيش الأوكراني، وذلك استباقاً لوصول المساعدات الغربيّة، خصوصاً الدفاعات الجويّة ودبابات القتال الرئيسيّة.
• وأخيراً وليس آخراً، قد يحاول الرئيس بوتين زرع الفوضى في المحيط الجغرافي لأوكرانيا، إن كان في مولدوفا، أو انطلاقاً من إقليم كاليننغراد الروسي والواقع على بحر البلطيق. هذا عدا إمكانيّة ضرب خطوط الإمداد لأوكرانيا على ثلاثة ممرات بريّة؛ تمرّ عبر كل من: سلوفاكيا ورومانيا وبولندا.
في الختام، هذه هي صورة الجبهّة الروسيّة. لكن رقصة «التانغو» بحاجة إلى شخصين كي تكتمل. فكيف ستكون عليه الجاهزيّة الأوكرانيّة؟ خصوصاً أننا عاينّا في هذه الحرب نماذج الحرب من العصر الزراعي، كما من العصر الصناعي، ودون شكّ من العصر التكنولوجيّ.
بعد عام على الحرب... هل باتت روسيا أكثر أمناً؟
مستقبل الحرب... واحتمالات توسعها وخروجها عن السيطرة
كيف أساءت روسيا تقدير موقف ألمانيا؟
أوروبا... تساؤلات حول مآلات الدعم لأوكرانيا
الأزمة... والدور «المشلول» لمجلس الأمن


سباق بين سلالات حاكمة تاريخية على عرش إيران

أنصار شاه إيران السابق يرفعون صورته وصورة نجله خلال مشاركتهم في مظاهرة للمعارضة أمام مقر البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ الأسبوع الماضي (أ.ب)
أنصار شاه إيران السابق يرفعون صورته وصورة نجله خلال مشاركتهم في مظاهرة للمعارضة أمام مقر البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ الأسبوع الماضي (أ.ب)
TT

سباق بين سلالات حاكمة تاريخية على عرش إيران

أنصار شاه إيران السابق يرفعون صورته وصورة نجله خلال مشاركتهم في مظاهرة للمعارضة أمام مقر البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ الأسبوع الماضي (أ.ب)
أنصار شاه إيران السابق يرفعون صورته وصورة نجله خلال مشاركتهم في مظاهرة للمعارضة أمام مقر البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ الأسبوع الماضي (أ.ب)

وسط غابة خضراء في مكان مجهول، وقف رجل سبعيني ليخاطب الإيرانيين بالفيديو باقتباسات من كبار الشعراء الفارسيين، معلناً أنه «شاه عباس سلجوقي، ملك الملوك وإمبراطور إيران، آخر المتبقين من سلالة السلاجقة، ومن الأتراك الإيرانيين».
قد تبدو مزاعم الرجل في حكم إيران مثار تندر، نظراً إلى أن إمبراطورية السلالة السلجوقية التي يدعي التحدر منها أفلت قبل أكثر من ثمانية قرون. لكنه مجرد متسابق بين كثيرين يحاولون طرح أنفسهم بديلاً للنظام الحالي، في ظل تزايد السخط الشعبي على أدائه.

وتداولت فيديوهات لأشخاص يزعمون انتسابهم إلى السلاسات التي حكمت إيران بعد سقوط الصفوية في القرن الثامن عشر، وبعضهم يرشح نفسه لاستعادة عرش أجداده.
وأصبح الشغل الشاغل للإيرانيين على شبكات التواصل الاجتماعي تتبع أخبار من يتحدرون من السلالات التاريخية التي حكمت بلادهم قبل قرون، عبر فيديوهات مزاعم حق العرش التي تثير دهشتهم أو منشورات ساخرة.

صراع على تركة القاجار

ونشر شخص يدعي بابك ميرزا قاجار يقول إنه يتحدر من السلالة القاجارية التي حكمت البلاد من 1794 حتى 1925، قبل إطاحة آخر ملوكها أحمد شاه قاجار، على يد رئيس وزرائه رضا خان بهلوي الذي جلس على العرش وأسس الحكم البهلوي.
وقبل أيام، أعادت قناة «تي آرتي» التركية في خدمتها الفارسية التذكير بتقرير نشر في عام 2016 يزعم وجود أحد أحفاد السلسلة القاجارية في إسطنبول. ونقلت عمن وصفته بأنه «بابك ميرزا أحد الباقين من سلالة القاجار الإيرانية»: «في هذا التوقيت المضطرب، أرى تقارباً في العلاقة بين تركيا وإيران... أنا قادم من إيران وأتحدث التركية، وأكثر من نصف الإيرانيين قادرون على فهم اللغة التركية».

وتداول مغردون بياناً لـ«رابطة قاجار»، ومقرها جنيف وتقول إنها تمثل أبناء السلالة القاجارية، نفى أي صلة بين بابك ميرزا والقاجار. وقالت الرابطة: «اطلعنا على مزاعم شخص يدعى بابك بيتر بادار ويدعي وراثة العرش والتاج الملكي للقاجاريين، وينوي بهذه الأوهام القيام بأنشطة سياسية. هذا الشخص غير معروف للرابطة وأطلعت على وجوده عبر وسائل الإعلام».
وأضاف بيان الرابطة: «نحن كأسرة القاجار نقف إلى جانب الشعب الإيراني، ونطرد أي شخص يحاول انتحال هوية مزيفة للوصول إلى مصالح شخصية واستغلال الأوضاع الصعبة».

«دار المجانين»

وبينما انشغل الإيرانيون بمتابعة صور وفيديوهات بابك ميرزا، ظهر فيديو الرجل السبعيني الذي وقف في الغابة معلناً أنه «شاه عباس سلجوقي ملك الملوك وإمبراطور إيران».
وكتب مغرد يدعى فريد خان: «بعد بابك ميرزا قاجار، ظهر أمير سلجوقي هو الأمير عباس سلجوقي كبير أسرة السلاجقة ومن دعاة إعادة تأسيس النظام الشاهي في إيران... البلاد تحولت إلى دار المجانين».
وقال مغرد آخر: «الأمير عباس سلجوقي مستعد للتنافس مع أربعة مرشحين من السلالة الصفوية والأفشارية والقاجارية والبلهوية الذين أعلنوا استعدادهم مسبقاً لإعادة تأسيس النظام الشاهي».
وكتبت مغردة تدعى شرارة: «في سباق العودة التاريخي، ظهر أمير سلجوقي... على أمراء السلاسات الأخرى الإسراع لأن الغفلة تؤدي إلى الندم، على رضا بهلوي الانتحار لأن منافسيه يزدادون».
ورضا بهلوي هو نجل شاه إيران السابق الذي يلتف حوله أنصار والده وبعض المشاهير، لطرح بديل لنظام الجمهورية الإسلامية في إيران. لكن نجل الشاه يواجه معارضة من شريحة واسعة بين أبناء الشعوب غير الفارسية، مثل الأكراد والعرب والأتراك والبلوش.
وتأتي الظاهرة الجديدة بينما تحاول السلطات الإيرانية إخماد الاحتجاجات بأساليب من بينها التوسع في عقوبة الإعدام وتنفيذها حتى الآن في أربعة متظاهرين.
وكان لافتاً خلال الأيام الأخيرة نشر فيديوهات من قنوات «الحرس الثوري» تشبه النظام الحالي بالحكم الصفوي الذي حاول منافسة العثمانيين على حكم العالم الإسلامي.


السودانيون يتداولون أسماء لتولي رئاسة الحكومة المدنية

وصول مساعدات المعونة الأميركية إلى ميناء بورتسودان أمس (أ.ف.ب)
وصول مساعدات المعونة الأميركية إلى ميناء بورتسودان أمس (أ.ف.ب)
TT

السودانيون يتداولون أسماء لتولي رئاسة الحكومة المدنية

وصول مساعدات المعونة الأميركية إلى ميناء بورتسودان أمس (أ.ف.ب)
وصول مساعدات المعونة الأميركية إلى ميناء بورتسودان أمس (أ.ف.ب)

بدأ سباق إعلامي على خلفية التسريبات من الغرف المغلقة حول أسماء المرشحين لتولي منصب رئيس وزراء الحكومة المدنية المرتقبة في السودان، فيما أكدت مصادر موثوقة لـ«الشرق الأوسط»، أن هذا الأمر سابق لأوانه، وأن البعض ربما يحاول تسويق بعض الأسماء، لكن الجهات المعنية بأمر العملية السياسية تتمسك بأن اختيار رئيس الوزراء يحتاج إلى توافق كبير بين الأطراف المختلفة التي تشكل الحاضنة الجديدة للسلطة الانتقالية التي لم تتشكل بعد.
وأفادت المصادر ذاتها بأن موضوع الأسماء غير مطروح في الوقت الحالي لأن العملية السياسية لا تزال في بداياتها ويمكن الحديث عن الترشيحات عقب التوقيع على «الاتفاق الإطاري» بين المدنيين والعسكريين. وأكدت أن «تحالف الحرية والتغيير، والمجموعات الأخرى، لم تبدأ في أي نقاش حول هذا الأمر، لكن هذا لا يمنع أي جهة كانت أن تتقدم بالمرشح الذي تراه مناسباً». وأوضحت أن المرشح لمنصب رئيس الوزراء سيخضع للتشاور بين أطراف كثيرة، وأن الوصول إلى التوافق على شخص لقيادة الحكومة المدنية في هذا الوقت لن يكون سهلاً، لكن ليس أمام قوى الانتقال مفر من التوافق على مرشح يجد قبولاً واسعاً وسط القوى السياسية وحراك الشارع.
ومن بين الأسماء التي ترددت لتولي منصب رئيس الوزراء، طه عثمان، وهو من قيادات تحالف «الحرية والتغيير» التي قادت المفاوضات مع قادة الجيش خلال الفترة الماضية حتى تم التوصل إلى «تفاهمات حول مسودة الوثيقة الدستورية، التي أعدتها نقابة المحامين»، والتي تحدد هياكل وصلاحيات مؤسسات وأجهزة السلطة الانتقالية المتفق عليها.
كما برز اسم وزير المالية الأسبق، إبراهيم البدوي، الذي عمل في حكومة رئيس الوزراء المستقيل، عبد الله حمدوك. وتردد أيضاً اسم وزير العدل الأسبق، نصر الدين عبد الباري، الذي عمل أيضاً في حكومة حمدوك، وتتردد إشاعات بأنه يحظى بدعم مقدر من قوى دولية. وتقول المصادر إنه بصرف النظر عن الأسماء، فلا شك أن هناك مجموعات ضغط (لوبيات) تدفع باتجاه تقديم المرشح الأقوى لرئاسة الحكومة الانتقالية المدنية، التي لا بد أن تتخذ قرارات صعبة، وربما مواجهات سياسية مع أنصار النظام المعزول من الإسلاميين المنتمين إلى حزب المؤتمر الوطني الذي كان يرأسه الرئيس السابق عمر البشير.
لكن غالبية المصادر أشارت إلى أن هذه الترشيحات لا تخرج عن كونها ترويجاً وسباقاً لبعض القوى السياسية والمدنية لرسم المشهد السياسي في البلاد قبل اكتمال العملية السياسية، التي تحتاج إلى خطوات كبيرة للوصول إلى الاتفاق النهائي. وقالت المصادر: «في الوقت الراهن لا يمكن الحديث عن أي حظوظ للأسماء المطروحة للتنافس على المنصب»، لكنها توقعت أن ترتفع وتيرة الحملات الإعلامية في الفترة المقبلة في محاولة للتسويق السياسي لهذه الأسماء.
ونصّت التفاهمات التي توصل إليها تحالف «الحرية والتغيير» مع القيادة العسكرية في البلاد، وفق مسودة الدستور المقترح، على أن يكون رئيس الوزراء ومجلسه من الكفاءات الوطنية المستقلة، بعيداً عن المحاصصات الحزبية، وأن تختارهم القوى السياسية التي ستوقع على «الإعلان السياسي الجديد، مع مراعاة التمثيل العادل للنساء والتنوع العرقي والجهوي دون الإخلال بمبدأ الكفاءة».
وأكد القيادي في تحالف «الحرية والتغيير» ياسر عرمان، في حديث أول من أمس، أن اختيار رئيس الوزراء «يجب أن يتم بالتشاور بين قوى الثورة، بما في ذلك أطراف عملية السلام (الفصائل المسلحة)، بالإضافة إلى قوى الانتقال الديموقراطي». وتنقسم العملية السياسية إلى مرحلتين، الأولى التوقيع على «الاتفاق الإطاري» بما تم التوصل إليه من توافق حول مسودة الدستور، ومن ثم الانتقال إلى المرحلة الثانية بالتوقيع على «الاتفاق النهائي»، الذي يعقبه تشكيل الحكومة التنفيذية.