هاينز كريستيان شتراخه ... زعيم أقصى اليمين النمساوي خسر جولة ويرفض خسارة الحرب

«صديق» موسكو الذي فرض حزبه على المجتمعين المحلي والأوروبي

هاينز كريستيان شتراخه ... زعيم أقصى اليمين النمساوي خسر جولة ويرفض خسارة الحرب
TT

هاينز كريستيان شتراخه ... زعيم أقصى اليمين النمساوي خسر جولة ويرفض خسارة الحرب

هاينز كريستيان شتراخه ... زعيم أقصى اليمين النمساوي خسر جولة ويرفض خسارة الحرب

داخل شقة بدت متواضعة في جزيرة إيبيزا الإسبانية المشهورة بحفلاتها الصاخبة، جلس زعيم حزب الحرية النمساوي اليميني المتطرف هاينز كريستيان شتراخه مسترخياً على أريكة واسعة. إلى جانبه جلست سيدة شقراء جميلة تتحدث الروسية والقليل من الإنجليزية. وفي الغرفة معهما أشخاص آخرون من بينهم رفيق شتراخه في الحزب، يوهان غودينوس، يتحدث الروسية إلى جانب لغته الأم الألمانية. كان غودينوس يترجم أحياناً، وأحياناً أخرى يترك العمل للمترجم الذي يرافقهما. لا شيء في شكل هذا اللقاء كان يدل على أنه «لقاء عمل». فشتراخه وصديقه ما كانا يرتديان بدلات رسمية، بل ظهرا في ثياب عطلة، وأمامهم كانت طاولة كبيرة مليئة بزجاجات الشراب والكؤوس.
ولكن بين الضحك أحياناً، والوشوشات بين السياسيَّين النمساويَّين أحيانا أخرى حول جمال ضيفتهما الروسية، كان الحديث أخطر من ذلك. كان الرجلان يناقشان كيفية مساعدة هذه الروسية المفترض أنها فاحشة الثراء، وحفيدة أحد «الأوليغارش» الروس المقربين من الرئيس فلاديمير بوتين، على استثمار الملايين في النمسا. ولقد عرض شتراخه أن تشتري السيدة صحيفة «كرونن تسايتونغ»، كبرى الصحف النمساوية، بهدف مساعدة حزبه على الفوز بالانتخابات العامة التي كانت ستجري بعد أشهر قليلة. اللقاء حصل عام 2017، وخلاله عرض الزعيم المتطرف على محدثته كذلك تقديم هبات مالية كبيرة لحملته الانتخابية من دون تسجيلها بشكل رسمي. وهي أرادت، في المقابل، عقوداً تجارية تزيد من ثرائها. وبعد أشهر قليلة من هذا اللقاء الذي استغرق 7 ساعات، أصبح شتراخه نائباً للمستشار النمساوي، وصار حزبه شريكاً أساسياً في حكومة سيباستيان كورتز.

الذي كان بطله هاينز كريستيان شتراخه بعد سنتين من الحكم، ظهر شريط لهذا اللقاء بعدما جرى تسريبه لصحيفة «سود دويتشه تسايتونغ» وموقع «شبيغل أونلاين» (التابع لمجلة «در شبيغل») الألمانيين. وأصبح واضحاً في هذه اللحظات أن ذلك اللقاء كان شركاً وقع فيه شتراخه. وبعد ساعات قليلة، استقال الأخير من رئاسة حزبه ومن منصبه في الحكومة. وتبعه وزراؤه الأربعة في حين بقيت في منصبها وزيرة الخارجية كارين كنايسل رغم أنها تسلمت المنصب باسم حزب الحرية مع أنها ليست عضواً في الحزب. ولكن هذه لم تكن نهاية شتراخه، على الأقل - ليس بعد.
لا يزال هاينز (49 سنة)، زعيم حزب الحرية النمساوي اليميني المتطرف، ناشطاً كما كان في صفحته الرسمية على موقع «فيسبوك» للتواصل الاجتماعي. لا بل أكثر، إذ تجده ينشر صوراً له ويشارك بمقالات وفيديوهات تدعو لدعم حزبه اليميني المتطرّف في الانتخابات الأوروبية. وهو أيضاً يعيد نشر مقالات من صحف ألمانية تزعم أن فخاً نُصب له. ويبدو واضحاً أن شتراخه لم يكتفِ بالمؤتمر الصحافي الذي عقده فور نشر الشريط. وفيه اعتذر، قائلاً إن لقاء إيبيزا كان لقاءً خاصاً طغى عليه الشراب وبدا فيه «غبياً» إلا أنه «لم يخرق القانون».
ويوم أمس، نشر شتراخه شريط فيديو جديداً في صفحته على «فيسبوك» مدته 5 دقائق عاد فيه لتبرير لقاء إيبيزا. كان يرتدي بدلة رسمية هذه المرة. وهذه المرة أيضاً بدا هجومياً أكثر منه دفاعياً. وكان يركز على الادعاء أنه حصل انتهاك لخصوصيته وهو في إجازة خاصة. وتابع أن حديثه أُخذ خارج السياق عندما نُشرت دقائق فقط من اللقاء الذي طال لساعات، حسب زعمه. مع العلم أن كلا من «سود دويتشه تسايتونغ» و«در شبيغل» أكدتا أن محرريهما شاهدوا الشريط بالكامل، واختاروا نشر مقتطفات لاستحالة نشره بمدته الأصلية.
كلام شتراخه هذا يبدو مطابقاً لكيفية تفكيره في الصحافة. ففي شريط إيبيزا يبدو وهو يهزأ بالصحافيين ويقول إنهم الأسوأ. وكان يتحدث عن فيكتور أوربان، رئيس وزراء المجر اليميني المتطرف، الذي حول 80 في المائة من إعلام البلاد إلى إعلام تابع له، كمثله الأعلى، ويقول إنه إذا فاز حزبه بالغالبية فيمكن أن يحوّل النمسا إلى مجر أخرى.

- شرك منصوب؟
إيفالد كونيغ، الصحافي والمحلل السياسي النمساوي قال لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معه إن شريط إيبيزا يظهر للعلن نظرة شتراخه فعلاً إلى القوانين والإعلام. وتابع: «يبدو لي أن هناك من أوقع بشتراخه، لأنه كان يعرف أنه سيقع في الشرك، وأنه لا يبالي بالقوانين ويتحدث عن خطط للسيطرة على الإعلام». وبالنسبة لكونيغ، فإن هذا التفكير لا يقتصر فقط على شتراخه، بل هو النمط السائد لدى حزب الحرية النمساوي، والأحزاب اليمينية المتطرفة بشكل عام.
من ناحية ثانية، مع أن مدبر هذا «الشرك» ما زال مجهولاً، يبدو أن الزعيم المستقيل لحزب الحرية بدأ يستخدم ذلك لصالحه ليتحدث عن أنه «مستهدَف» سياسياً، في محاولة لجذب تعاطف شعبي معه. وهنا تندرج حملته في «فيسبوك»، حيث يتعهّد بالكشف عن هوية مَن يقف خلف تدبير لقاء إيبيزا وتصويره وتسريبه، ويكتب جُملاً مثل: «العدالة ستنتصر في النهاية». بل إنه شبّه ما حصل معه بـ«مرشده» السابق يورغ هايدر الذي توفي في حادث سير عام 2008، ذكرت الشرطة أنها لا تشتبه بعمل مُريب فيه. ومع ذلك، عندما كتب أحدهم على «فيسبوك» بأن شتراخه لقي مصير هايدر، رد الزعيم المستقيل بالقول: «ما لعب لصالحي أنه لم يكن اغتيالاً مميتاً».
هذه الاستراتيجية، حسب كونيغ، يتقنها حزب الحرية، وشتراخه نفسه بارع وخبير فيها. وهذه الفضيحة، مع أنها الأكبر، ليست الأولى التي تطاله أو حزبه. فهو عندما كان لا يزال شاباً في العشرينات، ظهرت صور له يرتدي زياً عسكرياً، ويجري تدريبات مع مجموعات من «النازيين الجدد». ويومذاك ادعى أنه كان يلعب ببنادق دهان، وما كان منخرطاً في تمرينات عسكرية. ولاحقاً، مع أنه ظهرت له صورة وهو يؤدي التحية الهتلرية، نفى الإشارة إلى ميوله المتطرفة زاعماً أنه إنما كان يطلب مشروباً، وبدا وكأنه يؤدي التحية النازية.
وقبل أسابيع تورّط حزب الحرية بفضيحة أخرى عندما نشر كريستيان شيلشر، نائب عمدة بلدة بروناو التي وُلد فيها الزعيم النازي أدولف هتلر، قصيدة بعنوان «جرذان المدينة» يشبه فيها اللاجئين بالجرذان، بما يحمل ذلك من معانٍ تذكّر بتلك التي استخدمها النازيون لوصف اليهود إبان المحرقة النازية «الهولوكوست». ومع ذلك، جرى احتواء الأزمة باستقالة شيلشر وعادت الأمور إلى مجاريها.
هذه المرة، يرى كونيغ أن شعبية الحزب قد تتأثر، خصوصاً أن الفضيحة جاءت قبل أيام قليلة من الانتخابات الأوروبية. إذ يقول: «أنا واثق بأن حزب الحرية سيخسر دعماً شعبياً لأن الحزب كان دائماً ينتقد الأحزاب التقليدية والنخبة السياسة، والآن بدا واضحاً أن هذا الحزب أسوأ بكثير من الأحزاب الأخرى». وهذا، قبل أن يضيف بأن حزب الحرية «بارع وخبير في تحوير الفضائح التي تطاله، لجعل نفسه الضحية»، ثم يستطرد: «هم دائماً يشعرون ويدّعون أنهم ضحايا، ونجحوا بذلك مرات كثيرة في الماضي، وربما ينجحون أيضاً هذه المرة، وإذا ما نجحوا هذه المرة، يمكن أن يستفيدوا من هذه الفضيحة».

- شتراخه... سيرة شخصية
تاريخ شتراخه قد يكون مؤشراً على مدى قدرة هذا الرجل على الصمود والصعود. فهو نجح في جعل حزبه شريكاً بالحكم عام 2017 من دون أن يعترض أحد، فبات أول حزب أسسه «نازيون» جدد يشارك في السلطة منذ سقوط هتلر، ويكون مقبولاً أوروبياً ودولياً. وللعلم، أسس حزب الحرية عام 1956 على يد أنطون راينثالر، الضابط السابق في جهاز الـ«إس إس» (مختصر لـ«شوتسشتاف» - قوات الحماية الخاصة بهتلر). وعام 2005 تسلم شتراخه قيادة الحزب خلفاً ليورغ هايدر بعد خلافات شخصية بينهما أدت لانشقاق هايدر، وتأسيسه حزباً آخر. حينذاك كان الحزب في حالة فوضى، وكان ما زال يتعافى من فترة مشاركته القصيرة بالسلطة عام 2000 بعدما دخل الحكومة لمدة سنتين وتسبب بعقوبات فرضها الاتحاد الأوروبي على النمسا، وكانت الأولى من نوعها، رفضاً لوصول حزب نازي للسلطة. وشيئاً فشيئاً نجح شتراخه في إنهاض الحزب وتحويله إلى حزب «مقبول سياسياً» سيصل إلى الحكم في النهاية. ومع أن تركيز الحزب في البداية كان على مواجهة الأحزاب السياسية التقليدية الحاكمة، وانتقاد سلطات الاتحاد الأوروبي وتمجيد الوطنية، فإن شتراخه حوّل حزبه خلال السنوات الأخيرة إلى «حامي» النمسا من «المسلمين واللاجئين»، مع ظهور أزمة اللاجئين عام 2015.
وفيما يخص رحلة شتراخه السياسية شخصياً، فإنها بدأت وهو شاب لا يتجاوز الـ21 من العمر، حين تولى منصباً في مجلس الولاية في فيينا، قبل أن يدخل إلى البرلمان لاحقاً. ونجح بالصعود في الحزب رغم أنه غير حاصل على شهادات عليا. فهو لم يدخل الجامعة بل تخصّص كفني أسنان بعدما أكمل الدراسة الثانوية في المدرسة. وعلى الرغم من الفضائح التي لاحقته منذ شبابه لقربه من «النازيين الجدد» والتحاقه بجماعات «نازية» مسلحة، فإنها لم توقف صعوده داخل الحزب، وهنا نشير إلى أنه كان قد ارتبط بحزب الحرية منذ صغر سنه، ولم يأت ارتباطه به مصادفة. ذلك أن جده كان ضابطاً في الـ«إس إس» وقُتِل عام 1945 أثناء انسحاب وحدته بعد هزيمتها، في عملية يصفها شتراخه بأنها كانت «جريمة حرب». شتراخه يتحدّر من عائلة متواضعة، إذ تربّى وحيداً في كنف أمه، بعدما تركهما والده وهو صغير، بالعاصمة فيينا حيث وُلِد عام 1969. لكنه نجح بالتواصل مع الطبقة الوسطى وبتصوير نفسه وحزبه على نقيض الأحزاب التقليدية النخبوية.
في انتخابات عام 2017 العامة، كاد حزب الحرية يحقق المرتبة الأولى في الانتخابات ويقود الحكومة. وبقي حتى قبل أشهر قليلة من الانتخابات في الطليعة بحسب استطلاعات الرأي. إلا أن تقدّمه أخذ يتراجع عندما تسلم سيباستان كورتز، الشاب البالغ من العمر 31 سنة، رئاسة حزبه، حزب الشعب اليميني الوسطي. وحقاً، نجح الزعيم الشاب بانتزاع نسبة عالية من الأصوات من حزب الحرية عبر قيادة حزبه إلى اليمين أكثر، وهو ما دفع شتراخه إلى اتهامه بـ«سرقة برنامج» حزبه.

- جزء من السلطة
وفي النهاية، حقق حزب الحرية بقيادة شتراخه 26 في المائة من الأصوات، ما فرضه شريكاً في الائتلاف الحاكم للمرة الثاني بعد المحاولة الفاشلة عام 2000. هذه المرة، قبلت أوروبا به شريكاً حاكماً، وحجز شتراخه لنفسه منصب نائب المستشار إلى حصوله وحزبه على 5 وزارات تسلم هو حقيبة الرياضة منها، وحصل على أهم وزارتين: الداخلية والخارجية. ولقد نجح من خلاله سيطرته على الداخلية بتمرير قوانين اعتُبرت مناهضة للمسلمين واللاجئين.
من ناحية ثانية، بجانب كل هذا، لم يكن شتراخه خجولاً من الترويج لعلاقته الجيدة مع روسيا. فلقد زار موسكو عام 2016 مع وفد من الحزب، ووقّع اتفاقية تعاون مع روسيا. ودائماً ما روّج لرفع العقوبات الأوروبية عن موسكو - وهي العقوبات التي كانت قد فرضت عليها بعد الحرب على أوكرانيا وضمها القرم إليها - في سياسة مخالفة لسياسة فيينا الرسمية.
أكثر من هذا، بدا واضحاً مستوى «الصداقة» بين حزب الحرية وروسيا عندما دُعي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى حفل زفاف وزيرة الخارجية، كارين كنايسل التي رشحها شتراخه للمنصب باسم الحزب. وكان بوتين يومها الزعيم الوحيد من خارج النمسا الذي دُعي إلى الزفاف. وبدا الرئيس الروسي خلال الحفل مرتاحاً جداً ويتصرف وكأنه صديق مقرب. بل تسببت صوَر رقصه مع كنايسل وانحناء الوزيرة - العروسة له في نهاية الرقصة بجدل كبير لها وللحزب. وطرحت تساؤلات حول مدى قرب حزب الحرية وتأثره بموسكو. ومع ذلك، ككل مرة، تخطى الحزب الأمر وكأن شيئاً لم يكن.
فضائح كثيرة هزّت حزب الحرية وزعيمه نفسه منذ سنوات، وكلها لم تؤثر على شعبيته. فهل تقضي «فضيحة إيبيزا» على شتراخه هذه المرة؟ أم ترفعه إلى الأعلى؟
في الحالة الثانية، أي إذا نجح شتراخه بتحويل الفضيحة لصالحه، يقول الصحافي النسماوي إيفالد كونيغ: «ستكون نهاية النمسا كما نعرفها كدولة ديمقراطية داخل الاتحاد الأوروبي، وستصبح جزءاً من الدول الشرقية التي تسبب صداعاً للاتحاد الأوروبي، مثل بولندا والمجر وسلوفاكيا».


مقالات ذات صلة

يهود يمنعون رئيس البرلمان النمسوي من تكريم ضحايا الهولوكوست

أوروبا رئيس البرلمان النمسوي فالتر روزنكرانتس (أ.ف.ب)

يهود يمنعون رئيس البرلمان النمسوي من تكريم ضحايا الهولوكوست

منع طلاب يهود، الجمعة، أول رئيس للبرلمان النمسوي من اليمين المتطرف، من وضع إكليل من الزهور على نصب تذكاري لضحايا الهولوكوست، واتهموه بـ«البصق في وجوه أسلافنا».

«الشرق الأوسط» (فيينا)
يوميات الشرق المغنية الأميركية تايلور سويفت (أ.ب)

تايلور سويفت شعرت بـ«الخوف والذنب» بعد إحباط خطة لتفجير بإحدى حفلاتها

قالت المغنية الأميركية تايلور سويفت إنها شعرت بـ«الخوف» و«الذنب»، أمس (الأربعاء)، بعد إلغاء حفلاتها الثلاث في فيينا بسبب اكتشاف خطة لتفجير انتحاري خلال إحداها.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا أعلنت السلطات النمسوية توقيف رجل ثالث بعد الكشف عن خطة لتنفيذ هجوم انتحاري خلال إحدى حفلات سويفت في فيينا (ا.ب)

واشنطن تؤكد تزويد النمسا بمعلومات استخبارية لإحباط هجوم ضد حفلات سويفت

أعلن البيت الأبيض، الجمعة، أن الولايات المتحدة زودت النمسا معلومات استخبارية للمساعدة في إحباط هجوم جهادي» كان سيستهدف حفلات لنجمة البوب الأميركية تايلور سويفت.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا المغنية تايلور سويفت في نيو جيرسي بالولايات المتحدة في 28 أغسطس 2022 (رويترز)

الشرطة النمساوية: المشتبه به الرئيسي في «المؤامرة الإرهابية» لعروض تايلور سويفت أدلى باعترافات كاملة

أفادت الشرطة النمساوية بأن المشتبه به الرئيسي في المؤامرة الإرهابية المزعومة التي كانت تستهدف عروضاً للمغنية تايلور سويفت في فيينا، أدلى باعترافات كاملة.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
أوروبا تايلور سويفت خلال حفل بفرنسا في 2 يونيو 2024 (أ.ب)

إلغاء حفلات تايلور سويفت في فيينا بعد كشف مخطط هجوم إرهابي

ألغيت ثلاث حفلات للنجمة الأميركية تايلور سويفت كانت مقرّرة في فيينا هذا الأسبوع، وفق ما أعلن المنظمون الأربعاء، بعد إعلان الشرطة كشف مخطط لهجوم إرهابي.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو
TT

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. «عناد» الرئيس الجديد قاده، وعلى نحو مذهل، لإزاحة خصمه الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه حزب قويّ هيمن على السلطة قرابة 6 عقود مرّت على استقلال بوتسوانا. ويبدو أن وعورة طريق بوكو إلى الانتصار لن تحجب حقيقة أن وديعة الفقر والفساد والبطالة و«تمرّد الاستخبارات»، التي خلفها سلفه ماسيسي، ستكون أخطر الألغام التي تعترض مهمة بوكو، الذي دشّن مع بلاده تداولاً غير مسبوق للسلطة، في بلد حبيسة جغرافياً، اقترن فيها الفقر مع إنتاج الماس.

إلى جانب «العناد في ساحة القتال» والتواضع المُقترن بالثقة في النفس، يبدو أن رهان الانتصار للفقراء والطبقات الدنيا هو المحرّك الرئيسي في المسارات المتوقعة للرئيس البوتسواني الجديد دوما بوكو. وبالفعل، لم يبالغ الرئيس المنتخب في أول تصريحاته لوسائل الإعلام عندما خاطب شعبه قائلاً: «أتعهد بأنني سأبذل قصارى جهدي وعندما أفشل وأخطئ، سأتطلع إليكم للحصول على التوجيه».

هذه الكلمات قوبلت باهتمام واسع من جانب مراقبين، بعد أداء بوكو (54 سنة) اليمين الدستورية أمام حشد من آلاف من الأشخاص في الاستاد الوطني بالعاصمة خابوروني، في مراسم حضرها قادة مدغشقر، وناميبيا، وزامبيا وزيمبابوي، وبدأت معها التساؤلات عن مستقبل بوتسوانا.

من هو دوما بوكو؟

وُلد دوما جديون بوكو عام 1969، في قرية ماهالابي الصغيرة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة خابوروني، وترعرع وسط أسرة متواضعة، لكن اللافت أنه كان «يتمتع بثقة عالية في النفس واحترام أهله وذويه في طفولته وصباه»، وفق كلام لأقاربه لوسائل إعلام محلية. وهذه الصفات الإيجابية المبكرة، اقترنت لدى الرئيس الجديد بـ«إيمان عميق بالعدالة»، وفق عمته، وربما أكسبته هذه الصفات ثقة زملاء الدراسة الذين انتخبوه رئيساً لاتحاد الطلاب في المدرسة الثانوية.

أكاديمياً، درس بوكو القانون في جامعة بوتسوانا، لكنه - بعكس أقرانه اليساريين في العالم - كان منفتحاً على إكمال دراسته القانونية في الولايات المتحدة، وبالذات في كلية الحقوق بجامعة هارفارد العريقة، حيث تشربت ميوله اليسارية بـ«أفكار ديمقراطية» انعكست على مستقبله السياسي. أما عن المشوار المهني، فقد ذاع صيت بوكو بوصفه أحد ألمع محامين بوتسوانا.

مشوار التغيير

نقطة التحول في رحلة الرئيس الجديد باتجاه القصر الرئاسي، بدأت بتوليه زعامة حزب «جبهة بوتسوانا الوطنية» عام 2010.

يومذاك، كانت «الجبهة» تتمسك بأفكار شيوعية تلاشت مع أفول شمس الإمبراطورية السوفياتية، إلا أن بوكو بحنكته وواقعيته، مال بها نحو اشتراكية «يسار الوسط». ولم يتوقف طموح بوكو عند هذه النقطة، بل خطا خطوة غير مسبوقة بتشكيله ائتلاف «مظلة التغيير الديمقراطي» عام 2012، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة للحكومة بينها «الجبهة». وأطلق بهذا الائتلاف عملياً «شرارة» التغيير بعد إحباط طويل من هزائم المعارضة أمام الحزب الديمقراطي البوتسواني، المحافظ،، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1966.

طوال 12 سنة، لعب المحامي اليساري الديمقراطي بوكو دوراً حاسماً في قيادة الائتلاف، ولم ييأس أو يستسلم أو يقدم تنازلات على الرغم من الهزائم التي لحقت بالائتلاف.

وفي غمار حملة الدعاية بانتخابات الرئاسة البوتسوانية الأخيرة، كان المحللون ووسائل الإعلام منشغلين بانعكاسات خلاف قديم بين الرئيس (السابق) ماسيسي وسلفه الرئيس الأسبق إيان خاما، في حين ركّز بوكو طوال حملته على استقطاب شرائح من الطبقات الدُّنيا في بلد يفترسه الفقر والبطالة، وشدّدت تعهدات حملته الانتخابية عن دفاع قوي عن الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع وتعاطف بالغ معها.

ووفق كلام الصحافي إنوسنت سيلاتلهوا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كان بوكو «يناشد أنصاره الاقتراب من الناس والاستماع إلى شكاواهم». وبجانب أن أسلوب الرئيس الجديد - الذي استبعد الترشح لعضوية البرلمان) - كان «جذاباً وودوداً دائماً» مع الفقراء وطبقات الشباب، حسب سيلاتلهوا، فإن عاملاً آخر رجَّح كفّته وأوصله إلى سدة السلطة هو عودة الرئيس الأسبق خاما إلى بوتسوانا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي من منفاه في جنوب أفريقيا، ليقود حملة إزاحة غريمه ماسيسي عبر صناديق الاقتراع.

انتصار مفاجئ

مع انقشاع غبار الحملات الانتخابية، لم يتوقع أكثر المتفائلين فوز ائتلاف بوكو اليساري «مظلة التغيير الديمقراطي» بالغالبية المطلقة في صناديق الاقتراع، وحصوله على 36 مقعداً برلماناً في انتخابات 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بأربعة مقاعد فقط للحزب الديمقراطي. وبالتالي، وفق دستور بوتسوانا، يحق للحزب الذي يسيطر على البرلمان اختيار الرئيس وتشكيل حكومة جديدة. ولقد خاضت 6 أحزاب الانتخابات، وتقدم أربعة منها بمرشحين لرئاسة الجمهورية، في حين سعى ماسيسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً للدولة.

تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة

مستويات عالية جداً من البطالة نسبتها 27.6 % فضلاً

عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 %

وبقدر ما كانت هذه الهزيمة صادمة للحزب الديمقراطي والرئيس السابق ماسيسي - الذي سارع بالاعتراف بالهزيمة في حفل التنصيب - فإنها فاجأت أيضاً بوكو نفسه، الذي اعترف بأنه فوجئ بالأرقام.

تعزيز العدالة الاجتماعية

لعل بين «أسرار» نجاح بوكو، التي رصدها ديفيد سيبودوبودو، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بوتسوانا، «بروزه زعيماً حريصة على تعزيز العدالة الاجتماعية». وفي مسار موازٍ رفعت أسهمه خبرته الحقوقية وخاصة حقوق قبيلة الباساروا (السان)، وهم السكان الأصليون في بوتسوانا، وفق موقع «أول أفريكا». هذا الأسبوع، دخلت وعود الرئيس الجديد محك التجربة في مواجهة مرحلة بلد يعاني مرحلة «شكوك اقتصادية»؛ إذ تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، مستويات عالية جداً من البطالة تبلغ 27.6 في المائة، فضلاً عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 في المائة، وفق أرقام رسمية واستطلاعات رأي. وخلص استطلاع حديث أجرته مؤسسة «أفروباروميتر» إلى أن البطالة هي مصدر القلق «الأكثر إلحاحاً» للمواطنين مقارنة بالقضايا الأخرى.

الأرقام السابقة تصطدم بوعود أعلنها بوكو برفع الراتب الأساسي وعلاوات الطلاب ومعاشات الشيخوخة، والاهتمام بشريحة الشباب، علماً بأن نحو 70 في المائة من سكان البلاد دون سن الـ35 سنة. ويتمثل التحدي الأكبر بتعهد الرئيس بـ«تنويع الاقتصاد» الذي يعتمد في 90 في المائة من صادراته على الماس. لذا؛ قال الباحث سيبودوبودو لموقع «أول أفريكا» شارحاً: «حكومة بوكو في حاجة إلى تحويل الاقتصاد بحيث يخلق فرص العمل، وهذا أمر صعب في خضم ركود سوق الماس، أكبر مصدر للدخل في البلاد». في المقابل، يرى المحلل السياسي ليسولي ماتشاشا أن الرئيس بوكو «شغوف بالمعرفة والتعليم، ولديه دائماً فهم جيد للشؤون والقضايا الداخلية الجارية في بوتسوانا... وكذلك فهو جاد في إصلاح البلاد».

... الدافع الحقوقي

وفي موازاة الهاجس الاقتصادي، يبدو أن الدافع الحقوقي سيشكل عنصراً مهماً في أجندة بوكو الرئاسية؛ إذ عبر في مقابلة مع «بي بي سي» عن عزمه منح إقامة مؤقَّتة وتصاريح عمل لآلاف المهاجرين الذين وصلوا خلال السنوات الأخيرة بشكل غير نظامي إلى البلاد من الجارة زيمبابوي. وفي معرض تبريره هذا القرار، أوضح بوكو: «إن المهاجرين يأتون من دون وثائق؛ ولذا فإنَّ حصولهم على الخدمات محدود، وما يفعلونه بعد ذلك هو العيش خارج القانون وارتكاب الجرائم». ثم تابع مستدركاً: «ما يجب علينا فعله هو تسوية أوضاعهم».

ترويض مديرية الاستخبارات

لكن، ربما تكون المهمة الأصعب للرئيس الجديد هي ترويض «مديرية الاستخبارات والأمن»، التي يرى البعض أنها تتعامل وكأنها «فوق القانون أو هي قانون في حد ذاتها».

وهنا يشير الباحث سيبودوبودو إلى تقارير تفيد بأن الاستخبارات عرقلت التحقيقات التي تجريها «مديرية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية» في قضايا فساد، تتمثل في تربّح بعض أقارب الرئيس السابق من المناقصات الحكومية، وأنباء عن انخراط الجهاز الاستخباراتي في أدوار خارج نطاق صلاحياته، وتضارب عمله مع الشرطة ومديرية الفساد. «وبناءً على ذلك قد تبدو مهمة بوكو صعبة في إعادة ترتيب مؤسسات الدولية السيادية، علماً بأن (مديرية الاستخبارات والأمن) كانت مركز تناحر بين الرئيس السابق وسلفه إيان خاما، كما أن المؤسسات التي كان من المفترض أن توفر المساءلة، مثل (مديرية مكافحة الفساد) والسلطة القضائية، جرى إضعافها أو تعريضها للخطر في ظل صمت الرئيس السابق».أخيراً، من غير المستبعد أن يفرض سؤال محاكمات النظام السابق نفسه على أجندة أولويات الرئيس الجديد، وفق متابعين جيدي الاطلاع، مع الرئيس السابق الذي لم يتردد في الإقرار بهزيمته. بل، وأعلن، أثناء تسليم السلطة، مجدداً أن على حزبه «التعلم الآن كيف يكون أقلية معارضة».