لا يبقى ضغط الدم على حال واحدة طوال الوقت، بل ينخفض بشكل طبيعي في أوقات وظروف حياتية مختلفة، ويرتفع في أخرى. وينخفض لدينا كلنا ضغط الدم أثناء النوم، ويرتفع عندما نستيقظ. كما يرتفع أيضاً عندما يكون أحدنا منفعلاً نفسياً بأشياء وأمور جميلة، أو بأشياء مزعجة، أو عند ممارسة النشاط البدني. ومع هذا يبقى الجسم حساساً للغاية مع تغيرات ضغط الدم ليقوم في الحالات الطبيعية بالتعامل معها لضبطها.
- أشكال انخفاض الضغط
الطبيعي أن يكون مقدار ضغط الدم الانقباضي أقل من 120 مليمتر زئبق، وضغط الدم الانبساطي أقل من 80، أي أقل من 120 على 80، (120 - 80) مليمتر زئبق. وانخفاض ضغط الدم (Hypotension) بالتعريف الطبي يأخذ صورتين:
> الصورة الأولى، أن يشير قياس ضغط الدم إلى أن مقدار ضغط الدم الانقباضي أقل من 90 مليمتر زئبق، ومقدار ضغط الدم الانبساطي أقل من 60 مليمتر زئبق. أي أقل من 90 على 60، (90 - 60) مليمتر زئبق.
> الصورة الثانية، أن يحصل انخفاض مفاجئ في ضغط الدم بمقدار يتجاوز 20 مليمتر زئبق، أي أن ضغط الدم الانقباضي لدى شخص ما ينخفض من 120 إلى 100 مليمتر زئبق بصفة سريعة، الأمر الذي يتسبب تلقائياً في تدنٍ مفاجئ في تدفق الدم إلى أعضاء الجسم المهمة، وهو ما يحصل على سبيل المثال في حالات النزيف الخارج عن السيطرة أو حالات العدوى الميكروبية الشديدة أو تفاعلات الحساسية الجامحة.
- أنواع وأسباب الحالات
دون الحديث عن الحالات القصوى والشديدة من الانخفاض السريع وغير الطبيعي في ضغط الدم، ثمة عدة أنواع من حالات انخفاض ضغط الدم الشائعة نسبياً، لكل منها عدة مسببات محتملة، يجدر فهمها لمعرفة ما الذي يضر الإنسان منها، وما الذي لا يستدعي أي قلق أو معالجة.
> النوع الأول: «الانخفاض المزمن والصامت في ضغط الدم» (Chronic Asymptomatic Hypotension). ، وهو نوع لا يتسبب بأي أعراض ولا يحتاج أي معالجة، ويكون هذا المقدار المنخفض في قياس ضغط الدم هو الطبيعي لمنْ لديهم هذه الحالة، وعليهم أن يتعايشوا معه.
- انخفاض الضغط الانتصابي
النوع الثاني: «انخفاض الضغط الانتصابي» (Orthostatic Hypotension)، أي الانخفاض في مقدار ضغط الدم الذي يحصل مع تغيير وضعية الجسم، مثل الوقوف بعد الجلوس أو الجلوس بعد الاستلقاء، خصوصاً عند الوقوف فجأة بعد الجلوس لفترة طويلة مع وضع الساقين فوق بعضهما، أو بعد الجلوس بوضعية القرفصاء لفترة. وهي حالات يتجمُع فيها الدم في الساقين عند الوقوف. وبشكل طبيعي، يعوض الجسم ذلك بزيادة معدل ضربات القلب وزيادة انقباض الأوعية الدموية كي يرتفع ضغط الدم، وبالتالي يضمن الجسم رجوع كمية كافية من الدم إلى المخ.
وفي هذه الحالة، أي «انخفاض ضغط الدم الانتصابي»، لا تكون ثمة قدرة طبيعية في الجسم على إعادة ضبط مقدار ضغط الدم مع تغير وضعية الجسم. وقد تنشأ هذه الحالة بشكل مؤقت وتزول مع المعالجة، حينما يكون سبب ذلك، هو إما عدم الحركة والتعود على حياة الكسل (Immobility Orthostatic Hypotension)، أو في حالات انخفاض كمية السوائل بالجسم، أو انخفاض حجم الدم الجاري في الأوعية الدموية، أو نتيجة لتناول أدوية معينة.
وهذه الحالة المؤقتة يُمكن أن تحصل مع الإنسان في أي مرحلة من العمر، وربما بشكل أعلى في حالات كبار السن والحوامل، أو عند الإصابة بإسهال الشديد، أو التعرض لأجواء حارة، أو مع زيادة التعرق في حالات ارتفاع حرارة الجسم، أو بذل المجهود البدني الشديد، أو مع تناول أدوية إدرار البول أو جرعة عالية من أدوية معالجة ارتفاع ضغط الدم، أو أدوية تعزيز الانتصاب، وغيرها من الحالات التي تزول عند تلقي المعالجة الصحيحة.
وهناك حالات مرضية يرافقها «انخفاض ضغط الدم الانتصابي»، مثل أمراض القلب الناجمة عن ضعف قوة القلب أو تضيقات شديدة في الصمامات القلبية أو أمراض شرايين القلب، أو انخفاض نبض القلب. وأيضاً في حالات اضطرابات الغدد الصماء، كاضطرابات عمل الغدة الدرقية إما بفرط نشاطها أو كسلها، واضطرابات عمل الغدة فوق الكلية (مرض أديسون)، وانخفاض سكر الغلوكوز في الدم.
كما قد تحصل هذه الحالة عند حصول اضطرابات في عمل أجزاء من الجهاز العصبي المغذية للأوعية الدموية، التي مهمتها أن تقوم عادة على إعادة ضبط مستويات ضغط الدم مع تغيرات وضعية الجسم. كما في حالات مرض السكري الذي تضررت منه الأعصاب، أو حالات السكتة الدماغية، أو حالات إصابات الحبل الشوكي في العامود الفقري.
وهناك حالة مرضية ثالثة يحصل فيها «انخفاض ضغط الدم الانتصابي» بعد تناول الطعام (Postprandial Hypotensio)، وهي في الغالب تصيب كبار السن، أو الذين لديهم مرض ارتفاع ضغط الدم أو لديهم أحد أنواع الأمراض في الجهاز العصبي.
- بين القلب والدماغ
النوع الثالث: «انخفاض ضغط الدم المتوسط عصبياً» (Neurally Mediated Hypotension)، وهنا تدل التسمية على آلية حصول الانخفاض في ضغط الدم، لأن في هذه الحالات ينخفض ضغط الدم بعد وقوف المرء لفترة طويلة، أو نتيجة الخوف أو الانزعاج الشديد، ما يتسبب بالشعور بالدوار والدوخة والغثيان، وربما فقدان الوعي والسقوط. ولذا غالباً ما يصيب هذا النوع صغار السن والأطفال أكثر من كبار السن.
والذي يحصل هو «سوء التواصل والتفاهم» بين الدماغ والقلب، وبالتالي مع الوقوف الطويل يبدأ الدم بالتجمع في الأطراف السفلية، ما يتسبب بانخفاض ضغط الدم، والمفروض أن يبلغ الجسمُ الدماغَ أن ثمة انخفاضاً في ضغط الدم، ولكن الجسم يبلغ الدماغ أن ثمة ارتفاعاً في ضغط الدم، ما يدفع الدماغ إلى إرسال رسالة للقلب بضرورة خفض عدد نبضات القلب، الأمر الذي يتسبب بمزيد من انخفاض مقدار ضغط الدم، وبالتالي تظهر الأعراض على المصاب نتيجة هذا السوء في التواصل بين الدماغ والقلب.
- أعراض مختلفة لانخفاض ضغط الدم
\> تحدث معظم أشكال انخفاض ضغط الدم، التي قد يُعاني المرء من آثارها، بسبب عدم قدرة الجسم على إعادة ضغط الدم إلى الحالة الطبيعية أو عدم قيامه بذلك بسرعة كافية.
وهناك بعض الناس لديهم انخفاض في ضغط الدم في كل وقت، وليس لديهم أي علامات أو أعراض تزعجهم أو تدل على وجود ذلك الانخفاض، ولذا يُنظر طبياً إلى أن ضغط الدم المنخفض لديهم أمر طبيعي بالنسبة لهم، وعليهم ألا يقلقوا منه.
ولدى أشخاص آخرين، تُسبب لديهم بعض الحالات أو العوامل أو الظروف انخفاضاً غير طبيعي في ضغط دمهم، ويحصل لديهم نتيجة لذلك انخفاض في كمية تدفق الدم والأكسجين إلى أعضاء الجسم المهمة، وبالتالي قد تظهر لديهم أعراض تزعجهم، وهنا تتطلب حالتهم المراجعة الطبية لمعرفة سبب ذلك، وتقييم مدى الحاجة للمعالجة.
على سبيل المثال، إذا وقف أحدنا بسرعة بعد جلوسه أو استلقائه لفترة، فقد ينخفض ضغط الدم لديه لبرهة، ثم يقوم جسمه مباشرة بضبط هذا الانخفاض في ضغط الدم لتأكيد تدفق ما يكفي من الدم والأكسجين إلى القلب والدماغ والكليتين والأعضاء الحيوية الأخرى. وآلية ذلك أن يزيد الجسم من عدد نبضات القلب، وأن يزيد من انقباض الأوعية الدموية، وهذا بالتالي يضمن رفع كمية الدم المتدفق للقلب والدماغ. أي أن جهاز القلب والأوعية الدموية والجهاز العصبي يلعبان دوراً مهماً في إتمام حصول هذا.
ولكن بالمقابل، هناك حالات يكون فيها ثمة اضطرابات بالجسم تحول دون حصول هذا التعديل لانخفاض ضغط الدم، وبالتالي تظهر الأعراض التي يُعاني منها مريض انخفاض ضغط الدم. وتشمل علامات وأعراض انخفاض ضغط الدم كلاً من: الشعور بالدوار، والإغماء، وبرودة الجلد، وزيادة إفراز العرق، وتعب الإعياء، وعدم الوضوح في قدرات الإبصار، والغثيان.
وعليه، يمثل انخفاض ضغط الدم مصدراً للقلق الطبي فقط إذا كان يسبب علامات أو أعراضاً يتأثر بها المريض، أو يرتبط حصول انخفاض ضغط الدم بحالة مرضية مؤثرة صحياً.
- استشارية في الباطنية