نساء ضد «الكوتة»

أقرأ باستمتاع للعديد من الكاتبات أمثال أحلام مستغانمي (الجزائر)، وسناء البيسي (مصر) وغادة السمان (لبنان)، وأتابع بشغف أفلام نادين لبكي (لبنان)، وكاملة أبو ذكري (مصر)، وهيفاء المنصور (السعودية) وكوثر بن هنية (تونس) وغيرهن، لم أضبط نفسي متلبساً، ولا مرة بالتحيز لهن كنساء، ولكن الإبداع الفني كان هو الفيصل.
أغلب ما أقرأه وأتابعه من أحاديث لهن، لا يحمل أي مشاعر تدخل تحت طائلة الإحساس بالقهر أو الظلم لكونهن نساء، بقدر ما تستشعر أنهن يمتلكن موهبة فرضت نفسها.
المعاناة، لو حدثت لإحداهن، ليست لكونها امرأة، ولكن لأنها قررت احتراف مهنة، لا يزال قسط وافر من المجتمع العربي يتحفظ في الاعتراف بها، رغم أننا تاريخياً مثلاً نكتشف، أن والد أم كلثوم الشيخ إبراهيم هو الذي كان يشجع ابنته في مطلع القرن العشرين على احتراف الغناء، بينما في نفس الفترة الزمنية، كان شقيق عبد الوهاب الكبير الشيخ حسن ينهال على جسد عبد الوهاب النحيل ضرباً بـ«الفلكة»، وهي إحدى أدوات التعذيب المصرية، لأنه كان يريده أن يصبح مثله قارئاً للقرآن، وليس مطرباً في الأفراح والليالي الملاح.
في يوم المرأة العالمي تابعنا الكثير من المطالبات التي تنتهي عادة بضرورة تمكين المرأة ومنحها «كوتة»، أي نسبة إجبارية في كل التنظيمات والمظاهرات، بينما على أرض الواقع شاهدنا بعض المهرجانات مثل «برلين» في دورته الأخيرة، يتباهى منظموه أنهم اختاروا نحو 7 أفلام، إخراج نساء من واقع 15 فيلماً عُرضت في المسابقة الرسمية، من المؤكد لم يتم اختيار هذه الأفلام، لأن عليها توقيع نساء، بل لأنها تستحق، وإلا لوجدنا المهرجان يفقد تماماً مصداقيته.
المرأة تبدو عالمياً وليس فقط عربياً أو مصرياً وقد توارت عن الصدارة في أفيشات الأفلام، فهي تحصل على أجر أقل من الرجل، بينما لو عدت للسينما المصرية تاريخياً تدهشك المفاجأة، وهي أن ليلى مراد وفاتن حمامة وسعاد حسني، كن الأعلى أجراً من النجوم الرجال، وهن أيضاً اللاتي تتصدر أسماؤهن شباك التذاكر قبل النجوم، ناهيك عن خصوصية السينما المصرية، والتي قامت على أكتاف نساء مصريات مثل عزيزة أمير، وبهيجة حافظ، ولبنانيات مثل آسيا وماري كويني.
المبدع بالدرجة الأولى، يتجاوز حدوده الجغرافية والبيئية والعرقية والدينية، وأيضاً الجنسية ليصل إلى العمق وهو الإنسان.
الإبداع يستمد وقوده من العقل البشري الذي لا يفرق بين رجل وامرأة، أتفهم في المسابقات الرياضية أن يتم هذا الفصل بين المرأة والرجل، ولكن لم يحدث أن تم رصد جائزة في الأوسكار لأفضل مخرجة أو كاتبة أو مونتيرة، الجائزة التي تحصل عليها المرأة تتحقق قيمتها، لأنها اقتنصتها من الجميع نساء ورجالاً.
المرأة حظيت بجوائز في كبرى المهرجانات، وفي أهم مسابقة مثل «الأوسكار» قبل 10 سنوات فازت المخرجة كاثرين بيجيلو عن فيلم «خزانة الآلام» أمام طليقها جيمس كاميرون الذي كان ينافسها بـ«أفاتار».
المرأة لا تحتاج إلى «كوتة» التي أراها أقرب لمكسبات الطعم واللون والرائحة الصناعية، التي توضع على المأكولات لمنحها مذاقاً خاصاً، لكنها لا تعبر عن تغيير في توجهات المجتمع.
في الفن والثقافة، أرى أن النساء لسن بحاجة إلى استخدام سلاح «الكوتة» أو «قنبلة التمكين»، لأنهن قادرات على فرض حضورهن بسلاح أكثر فتكاً وهو الإبداع.