بريانكا غاندي تدخل الحلبة وريثة أشهر العائلات السياسية الهندية

بعد طول انتظار... وقبل شهرين من الانتخابات العامة

بريانكا غاندي تدخل الحلبة  وريثة أشهر العائلات السياسية الهندية
TT

بريانكا غاندي تدخل الحلبة وريثة أشهر العائلات السياسية الهندية

بريانكا غاندي تدخل الحلبة  وريثة أشهر العائلات السياسية الهندية

قبل شهرين فقط من بدء الانتخابات البرلمانية الهندية، خطَتْ بريانكا غاندي فادرا، ممثلة الجيل الخامس لعائلة نهرو - غاندي السياسية الشهيرة في الهند، خطوتها الأولى نحو قلب ساحة السلطة، في كبرى ديمقراطيات العالم.
بعد أكثر من عقدين من التكهنات والتخمينات والتوقعات، حازت بريانكا منصب السكرتير العام لحزب المؤتمر الوطني الهندي المعارض، والمسؤول الأول عن حملة الحزب الانتخابية في ولاية أوتار براديش، الولاية الأكثر سكاناً والأعظم أهمية في المشهد الانتخابي الهندي الكبير. كيف لا وأوتار براديش ترسل وحدها 80 نائباً برلمانياً إلى مجلس النواب الهندي الاتحادي، وعليها يعتمد حزب المؤتمر القابع حالياً في مقاعد المعارضة للإطاحة برئيس الوزراء اليميني المتشدد الحالي ناريندرا مودي عن منصبه؟!
ولقد وصف رشيد كيدواي، المعلق السياسي ومؤلف السيرة الذاتية لوالدة بريانكا وأرملة رئيس الوزراء الراحل راجيف غاندي، ذات الأصول الإيطالية، انضمام بريانكا جدياً ورسمياً إلى المعركة السياسية بـ«تغيير كبير في قواعد اللعبة الانتخابية».
بريانكا غاندي، البالغة 47 سنة من عمرها، التي تولّى والدها راجيف غاندي، ووالدته التي هي جدتها إنديرا غاندي، ووالد إنديرا (وجد راجيف) جواهر لال نهرو رئاسة وزراء الهند، ستعمل في هذه المرحلة من حياتها السياسية تحت قيادة شقيقها راهول غاندي، الذي يترأس راهناً حزب المؤتمر الذي هيمن على السلطة لعقود كثيرة منذ استقلال البلاد، غير أنه يقود المعارضة لحكم اليمين القومي الهندوسي.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن بريانكا لم تخض المعترك الانتخابي بنفسها، في انتخابات عام 2014 الماضية، إلا أنها زادت انخراطها العمل الحزبي. وأصبحت مِن واضعي استراتيجيات الحزب في الغرف الخلفية دعماً لشقيقها الأكبر راهول، الذي تسلم مقاليد رئاسة الحزب بعدما تراجعت والدتهما سونيا غاندي عن اعتلاء خشبة المسرح السياسي اعتباراً من عام 2017.

موقفا الأسرة والحزب
قرار بريانكا غاندي دخول الحلبة السياسية صدر في الواقع عن شقيقها راهول، وكان قد لقي في بداية الأمر معارضة من أمها سونيا غاندي، الرئيسة السابقة لحزب المؤتمر. غير أن الأم عادت ووافقت في نهاية المطاف، بينما أعرب راهول (48 سنة) عن «سروره البالغ» لمشاركة شقيقته «القديرة والدؤوبة للغاية» في العمل السياسي برفقته. أما بالنسبة إلى ناشطي الحزب، فإنهم كانوا دائماً ينظرون إليها على أنها سياسية بالمولد والفطرة، وتتمتع بالقدرة على استمالة قلوب الناس إليها لجاذبيتها الأخاذة. والأهم من ذلك، أنهم يرون فيها نسخة حديثة من جدّتها رئيسة الوزراء السابقة أنديرا غاندي، إذ يجمع بينهما شبه كبير، لا سيما من حيث اختيارها لملابسها، بل حتى أسلوبها في التصرف والحركة.
وحقاً، في مختلف الأوقات، مراراً وتكراراً، اتخذت بريانكا مواقف صلبة ليس من أجل عائلتها فحسب، وإنما لمصلحة الحزب الذي تنتمي إليه. ولسنوات عملت بلا كلل أو ملل على مساعدة والدتها في معاركها الانتخابية، وتنظيم الحملات وكتابة خطبها السياسية. وفي الوقت عينه، كانت بريانكا أيضاً الأخت الحنون التي نظمت الحملات لصالح شقيقها الأكبر.
وعام 1999، وإثر انبهار قادة حزب المؤتمر بالحملات التي نظمتها بريانكا دعماً لشقيقها ووالدتها في دائرتيهما الانتخابيتين البرلمانيتين أميثي (التي يمثلها راهول) وراي باريلي (التي تمثلها سونيا غاندي) - وهما في أوتار براديش - ناشد قادة حزب المؤتمر والدتها إشراكها في الانتخابات البرلمانية. غير أن رد أسرة غاندي يومذاك كان بالرفض. وكرّر قادة الحزب مناشدتهم الأسرة عام 2004 ليحصلوا على الرد ذاته. لكن القادة لم ييأسوا، فواصلوا الطلب فقط ليحصلوا على النتيجة نفسها، وما كانت بريانكا، وسط كل ذلك، تتدخّل... مفضّلة تكريس جهدها لتنظيم الحملات لصالح أسرتها.
في أي حال، تُعدّ بريانكا غاندي من أبرع مَن نظموا الحملات الانتخابية. ومن حيث الشخصية الكاريزمية الرائعة التي تتمتع بها، فإنها تتفوق على شقيقها راهول بمراحل. ذلك أنها تتمتع بقدرة طبيعية فذّة في قياس نبض الجماهير. ولا شك في أن العملة السياسية الحزبية معنية أساساً بحسن التواصل مع الجماهير والإعراب الصادق عن آمالهم وأحلامهم.

حياتها الشخصية
تحظى بريانكا غاندي، كما يقول عارفوها، بشخصية «كاريزمية» مع قدر كبير من الألمعية وسرعة البديهة، بجانب المهارات الخطابية الرائعة، وإتقانها الاستثنائي للغة الهندية الذي يضفي عليها سمات من سحر الشخصية فضلاً عن الذكاء الحاد. وهنا يعلّق يقول الخبير السياسي البروفسور رام بهادور فيرما قائلاً: «دائما ما تذكّرنا بريانكا بجدّتها أنديرا. فلديها المزاج نفسه، الصورة الشخصية نفسها، والتوثّب المقدام نفسه... إنها ليست دفاعية كشقيقها راهول، وتتكلّم اللغة الهندية بطلاقة استثنائية».
وحول التماثل الجسدي العجيب مع جدّتها الزعيمة اللامعة الراحلة، الذي يدفع الناس إلى المقارنة بينهما، قالت بريانكا ذات مرة، بروح ممازحة: «إنها ليست سمة أتفرد بها... الحقيقة أننا متشابهتان كثيراً. هي تجيد قيادة الناس، أما أنا فهدفي رعاية الأطفال».
إلى ذلك، تُعد بريانكا مصورة فوتوغرافية ممتازة، إذ انجذبت إلى عشق التصوير الفوتوغرافي منذ نعومة أظفارها، عندما كانت في الثانية عشرة من عمرها حين استلهمت تلك المزية من اهتمام والدها الكبير بالتصوير الفوتوغرافي. ولقد نظمت معرضاً لصورها الفوتوغرافية، وشاركت في تأليف كتاب تحت عنوان «محمية رانثامبور: عالم النمور»، الذي يضم كثيراً من الصور التي التقطتها بنفسها في محمية النمور الوطنية في الهند.
وكتبت بريانكا في الكتاب: «إنني أعشق الأدغال. فهناك قدر كبير من العجز عن التنبؤ مع انتظار عنصر المفاجأة في كل خطوة. هذا أمر رائع للغاية؛ فالمرء لا يعرف أبداً أين ومتى سيصادف الحياة الحقيقية التي ينبغي عليها أن يعيشها. الأدغال مفعمة بالحياة الوحشية والجامحة. وكل شيء خاضع لتعريفه الوجودي. والحيوانات أبدا كما هي على سجيتها وطبيعتها الرائقة الصافية».
من ناحية أخرى، نادراً ما تتحدث بريانكا غاندي عن حياتها الشخصية. ولكن صورتها لم تخبُ قطّ عن أعين الجماهير. وبالتالي، لاقت بعض التدخلات والانتقادات في شؤونها الشخصية، سواء كان ذلك لاختيارها لملابسها، أو لزواجها في سن الثانية والعشرين من رجل الأعمال الهندي روبرت فادرا الذي تصدرت أخباره مختلف وسائل الإعلام بسبب نمط حياته الباذخ، أو لمزاعم الفساد التي تلاحقه بسبب صفقات الأراضي التي يبرمها. ولقد وقفت بريانكا، رغم كل ذلك، بجانب زوجها، ووصفته في غير مناسبة بأنه من أطهر الناس الذين قابلتهم في حياتها.

سمات شخصية
من سمات بريانكا البارزة صراحتها الكبيرة وسرعة غضبها. ولقد تحوّلت إلى اعتناق الديانة البوذية بحثاً عن صفاء النفس وجلاء الروح، ومحاولة للفرار من آثار الصدمات المروّعة والمآسي الكثيرة التي حلَّت بأسرتها. وظلت تمارس التأمل البوذي العميق لأكثر من 11 سنة، كما استكملت دراستها العليا بحصولها على درجة الماجستير في الدراسات البوذية عام 2010. مع الإشارة إلى أنها أكملت دراستها في إحدى المدارس الكاثوليكية، وبعدها التحقت بإحدى كليات جامعة دلهي وتخرّجت فيها بدرجة البكالوريوس في علم النفس.
ومن أبرز صفات شخصيتها العامة أسلوبها الخاص في ارتداء ملابسها. سواء كان «الساري» الهندي التقليدي أو مختارات من الملابس الغربية الأنيقة، لا سيما في نزهاتها المسائية في منطقة لوتشينز بالعاصمة دلهي. ولقد ورثت أزياء «الساري» الخاصة بجدتها الراحلة أنديرا غاندي. وبعيداً عن الزي الهندي التقليدي، كانت دائماً ترتدي ساعة المعصم الخاصة بجدتها، التي كانت بالأصل من مقتنيات الزعيم الراحل جواهر لال نهرو.
وتتخير بريانكا من الملابس الغربية كل ما يروق لها بكل سهولة. وفي يوليو (تموز) 2008، أبهرت متابعي عالم الأزياء والموضة بما ارتدته أثناء استماعها لخطاب شقيقها راهول في البرلمان الهندي. إذ كانت ترتدي قميصاً أبيض اللون مع سروال أسود داكن وحزام أسود عريض وأقراط لؤلؤية بسيطة.
كثيرون يعتقدون أن بريانكا شخصية سياسية اجتماعية ومنطلقة وعلى سجيتها. إلا أنها في واقع الأمر شخصية تعشق الخصوصية للغاية، وفي بعض الأحيان تظهر في هدوء كبير في مركز «سانتوشتي» للتسوق أو «خان ماركت» في نيودلهي لشراء بعض الملابس القطنية الأنيقة. وهي تفضّل الخروج في نزهات برفقة أطفالها، لا سيما، في ملاذات الحياة البرية الخلابة مثل محمية رانثامبور أو كوربيت، أو البلدان الأجنبية مثل سنغافورة حيث يمكنهم الانطلاق والتسوق بالحد الأدنى من المرافقة الأمنية.

مجابهة التحديات
أما على صعيد تحديات الحياة، فليست مجابهة التحديات من الأمور الجديدة على حياة بريانكا غاندي. كانت بريانكا في الثانية عشرة من عمرها عندما اغتيلت جدتها أنديرا، رئيسة الوزراء السابقة، على أيدي حرّاسها الشخصيين في نيودلهي يوم 13 أكتوبر (تشرين الأول) 1984. وبالفعل، أحدث اغتيال أنديرا غاندي صدعاً كبيراً في الأسرة. وبسبب المخاوف الأمنية الكبيرة، نقل حفيداها - الطفلان يومذاك - راهول وبريانكا، سريعاً من المدرسة لاستكمال التعليم في المنزل. وكان يُسمح لهما بزيارة الأصدقاء مرة واحدة فقط كل أسبوع.
ثم شهدت الأسرة مأساة أخرى كان يخبئها القدر. ففي 21 من مايو (أيار) 1991، اغتيل والدها راجيف غاندي – الذي خلّف أمه إنديرا في رئاسة الحكومة - بتفجير انتحاري في جنوب الهند من تنفيذ تنظيم «نمور تاميل إيلام» التاميلي المتمرد، وهزّ مقتله أركان العائلة.
كانت تلك من أصعب المراحل قاطبة التي مرّت على حياة بريانكا، إذ كان عليها الصمود لأنها كانت تعتني بوالدتها المكلومة سونيا غاندي. وكان شقيقها راهول غاندي يواصل دراسته، آنذاك، في الولايات المتحدة الأميركية. ولذا، تولّت بريانكا مسؤولية الموقف برمّته بقوة وصرامة منقطعة النظير. وسافرت إلى مدينة تشيناي (مدراس سابقاً) برفقة والدتها، وأحضرت جثمان والدها إلى دلهي. وما كان سهلاً قطّ على طفل أن يتلقى جثمان والده وهو لا يزال يؤهل نفسه لما ستهاجمه به الحياة. ولكن بريانكا صمدت في وجه تلك الظروف تماماً.
وفي مقابلة عن تلك التجربة، قالت بريانكا: «كان والدي صديقي المفضل، وقوة الاستقرار والصمود في حياتي»، وتابعت أنه عندما كانت في طفولتها كانت تشعر في كل مرة يغادر فيها المنزل بأنه لن يعود أبداً، واستطردت: «لقد حاولنا الاتفاق نفسياً مع رحيله عن حياتنا وخسارتنا المريرة له».
بعدها، في عام 2008، سافرت بريانكا إلى سجن فيلوري المركزي بولاية تاميل نادو بجنوب الهند (حيث اغتيل والدها) لمقابلة ناليني سريهاران، إحدى النسوة اللواتي خططن لجريمة الاغتيال. وكان قد صدر حكم الإعدام على ناليني، ثم خُفف الحكم إلى السجن مدى الحياة إثر التماس رفعته السيدة سونيا غاندي إلى حكومة البلاد.
وقالت بريانكا مفسرة سبب تلك الزيارة: «كانت زيارة تلك السيدة هي أسلوبي الخاص للتصالح مع العنف والخسارة التي عانيتُ منهما في حياتي. لقد غفرتُ لها ما صنعت بحقي، لم أكن أرغب في مواصلة الحياة مع مشاعر الغضب والعنف والكراهية وأسمح لمثل هذه الأشياء المُزرية بالتغلب على حياتي وتدميرها».

هل تكون المنقذ؟
اليوم يصف بعض الإعلاميين في الهند بريانكا غاندي بأنها «براهماسترا» حزب المؤتمر، والكلمة تعني «سلاح الإلهام الأخير» وفقاً للفلسفة الهندوسية، وهو السلاح الذي يتعذر على الجميع مهاجمته والتغلب على قوته.
كثيرون يتوقعون أن تحدث بريانكا تغييراً ضخماً في الحزب العريق، ولكن من السابق لأوانه كثيراً القول إن كانت ستلعب دور المنقذ. وفي المقابل، يتفق معارضوها على أن اختيارها لمعترك سياسي وانتخابي صعب وعسير مثل ولاية أوتار براديش، وفي مثل هذه الحقبة الحاسمة والحساسة، يدل على عزيمتها وصمودها وجرأتها الراسخة.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».