ألمانيا: راديكاليو اليسار يلوحون بالمواجهة المسلحة في وجه صعود اليمين المتطرف

بينما تنتظر أوروبا بقلق أداءه في انتخابات مايو

(في الإطار) رئيس وزراء المجر فيكتور أوروبان
(في الإطار) رئيس وزراء المجر فيكتور أوروبان
TT

ألمانيا: راديكاليو اليسار يلوحون بالمواجهة المسلحة في وجه صعود اليمين المتطرف

(في الإطار) رئيس وزراء المجر فيكتور أوروبان
(في الإطار) رئيس وزراء المجر فيكتور أوروبان

كانت الساعة قد قاربت الخامسة والنصف مساء، عندما خرج فرانك ماغنيس، رئيس مكتب حزب «البديل لألمانيا» في مدينة بريمن (وهي أيضاً ولاية)، من تجمّع للاحتفال برأس السنة الجديدة، نظمته صحيفة «فيزر كوريير» المحلية. وأخذ ماغنيس طريقاً مختصرة للوصول إلى سيارته، التي كان قد ركنها في مرأب قريب، فمرّ بالقرب من مسرح «غوتيه بلاتز»، ودخل فناء المسرح، ثم عبر في طريق جانبي صغير. وهناك في ذلك الزقاق سقط أرضاً بعدما تلقى ضربة على رأسه من الخلف. في اليوم التالي انتشرت صور له مستلقياً في سرير مستشفى. وجهه مضرج بالدماء، والكدمات أغلقت إحدى عينيه. وبينما بادر حزبه إلى الكلام عن «محاولة اغتيال» نفذها اليسار المتطرف، أدان الساسة من كل الأطياف، يسارية ويمينية ووسطية: «الاعتداء». وكتبت وسائل الإعلام الألمانية افتتاحيات ومقالات ترفض فيه العنف السياسي، حتى ولو كان موجهاً ضد مسؤولين في حزب متطرف، يُتهم هو نفسه بالتحريض على الكراهية والعنف ضد الأجانب. ومن سريره في المستشفى، كان ماغنيس يلتقي الصحافيين واحداً تلو الآخر، ويردّد روايته بصوت متكسر منخفض، زاعماً أنه لا يتذكر كثيراً من الاعتداء؛ لأنه أغمي عليه بعد تلقيه الضربة؛ لكنه يدّعي أن العامل الذي وجده في الزقاق، أخبره أن 3 رجال كانوا يلحقون به، وعندما اقتربوا منه رفعوا قبعاتهم على رؤوسهم، ووجه أحدهم له ضربة بعصا كانت بيده، ثم انهال الثلاثة عليه ركلاً وضرباً بعد سقوطه أرضاً. بالنسبة للقيادي المتطرف، كانت هذه «محاولة اغتيال» عليها «بصمات» اليسار المتطرف، حسب زعمه؛ غير أن الشرطة خالفته بعدما شاهدت شريطاً للحادث. إذ قالت إنه سقط أرضاً بعد تلقيه ضربة وجهها له أحد الرجال بمرفقه من الخلف، قبل أن يلوذ بالفرار مع رفيقيه. والكدمات، وفق الشرطة، تلقاها على الأرجح من ارتطام وجهه عندما سقط أرضاً.
حتى اللحظة، الدوافع مجهولة، ويُرجَّح ألا تُعرف قبل القبض على الجناة. علماً بأن المتحدث باسم الادعاء في بريمن، أشار لإمكانية أن يكون منفذو الاعتداء «مجرد أغبياء»؛ لكن هذا الرأي لم يُرضِ ماغنيس ولا حزبه. وبالتالي، رغم استمرار الغموض، أعادت الحادثة إلى الواجهة الجدل حول عنف التطرف اليميني واليساري في ألمانيا ووسط أوروبا.

قبل مائة سنة، أي في يناير (كانون الثاني) 1919، كانت ألمانيا تعيش انتفاضة مسلحة يقودها اليسار المتطرف، بقيادة المناضلة الشيوعية روزا لوكسمبورغ، وكارل ليبكنخت. تُعرف هذه الانتفاضة باسم «ثورة يناير»، أو «ثورة سبارتاكوس». وكان هدف هذه الثورة الشيوعية التخلص من «جمهورية فايمار» - التي أسست بعد الحرب العالمية الأولى في ألمانيا وعمَّرت حتى 1933، عندما وصل أدولف هتلر إلى السلطة - وتأسيس دولة شيوعية أسوة بالاتحاد السوفياتي آنذاك.
يومذاك، فشلت الثورة في تحقيق أهدافها، وقُمعت، واعتقل قائداها وجرى إعدامهما يوم 15 يناير. ورغم غياب كثير من التشابه في الأحداث والتطورات السياسية التي رافقت «جمهورية فايمار» وما يحدث في ألمانيا اليوم، فإن المقارنة عادت تحديداً إلى ما يتعلق بعنف اليسار ومستقبل اليمين. وكان المعلِّقون من المنتمين لحزب «البديل لألمانيا» أو المتعاطفون مع اليمين المتطرف، هم الذين بدأوا يشيرون إلى عودة عنف أيام «جمهورية فايمار» في تعليقات على «تويتر»، في حين كتبت صحيفة «تزايت»، في تعليق على الأمر: «المقارنة لا تجوز؛ لأن التشابه التاريخي غير موجود». وأضافت: «خسارة الحرب وجمهورية تضم حفنة من الديمقراطيين والمؤسسات المهتزة، كل هذا يحمل القليل جداً من التشابه مع الفيدرالية الألمانية الحالية». ولكن المقالة أشارت إلى سهولة الحديث عن التشابه، ربما لأن هذا العام يصادف الذكرى المئوية لنهاية روزا لوكسمبورغ.
مع هذا، فعودة الحديث عن عنف اليسار ليس من دون سبب. فالاعتداءات على رموز اليمين المتطرف في ألمانيا تزداد، مع أن الاعتداء على ماغنيس كان الأعنف. ففي العادة تستهدف الاعتداءات مكاتب الحزب أو منازل ساسته، ولا تتخطى بشكل عام التخريب، من تكسير ورشِّ الطلاء على مقرات الحزب أو منازل قادته.
ولعل ما يزيد من التوتر والقلق من ازدياد هذه الأعمال وتفاقمها، اقتراب الانتخابات المحلية في 3 ولايات ألمانية بنهاية الصيف المقبل. إحدى هذه الولايات ولاية بريمن؛ حيث وقع الاعتداء على ماغنيس. أما الولايتان الأخريان فهما براندنبرغ وساكسونيا، بشمال شرقي البلاد. وفي الولايتين تشير استطلاعات الرأي إلى تقدم حزب «البديل» على الأحزاب الأخرى، ما يعني أن حظوظ الحزب المتطرف في دخول البرلمانات المحلية لهذه الولايات، كبيرة جداً.

- المواجهة المسلحة
في المقابل، مع اقتراب هذه الانتخابات، ظهرت دعوة على موقع لليسار المتطرف، تدعو إلى «قتال البديل لألمانيا». وبثت الدعوة على موقع «إنديميديا» تحت عنوان: «ابدأوا - قاتلوا البديل لألمانيا». وتشير في نصها إلى اقتراب الانتخابات في ساكسونيا، التي يمكن أن توصل «البديل لألمانيا» إلى البرلمان المحلي. وتضيف: «الرسائل والحوارات والمظاهرات لم تعد تنفع. علينا أن نكون أكثر عملية وفعالية. لنحوِّل (المعركة) إلى أسوأ ما يمكن للبديل لألمانيا، ولداعميه والمتعاطفين معه، في الأشهر القليلة التي ستسبق انتخابات ساكسونيا...»؛ مشيرة إلى ضرورة التحوُّل إلى «القتال المسلح».
ومن هنا، يتوقع محللون أن تزداد أعمال العنف ضد «البديل لألمانيا» خلال الأشهر المقبلة. ويرى المحلل السياسي ناصر جبارة، من معهد «برلين إنسايدرز للدراسات السياسية والإعلامية»، أن «المد الذي أطلقه اليمين الشعبوي بات مادة خصبة لازدياد أعمال العنف»، ويتوقع أن تتكاثر «المشاحنات الاجتماعية في أوروبا، وفي ألمانيا خصوصاً، خلال الأشهر والسنوات القليلة المقبلة». واللافت أن اليمين المتطرف يتكلم الآن عن «خطاب سياسي تحريضي» هو الذي دفع إلى الاعتداء على رئيس مكتبه في بريمن، داعياً إلى وقف هذا الخطاب. لكن كثيرين أشاروا إلى أن الحزب نفسه يعتمد خطاباً شبيهاً يؤدي إلى اعتداءات متكررة على اللاجئين، كما حصل أخيراً في مدينة كيمنيتس، بعد قتل لاجئ سوري شاباً ألمانياً من أصول مهاجرة في المدينة. من ناحية أخرى، يحذر البعض من أن العنف ضد قادة اليمين المتطرف قد يؤدي إلى نتائج عكسية، ويدفع بالناخبين إلى التصويت له «من باب التعاطف» مع أعضائه، الذين يبدون بصورة الضحية بعد تعرضهم للاعتداء. دعوة اليسار المتطرف هذه لشن هجمات مسلحة على «البديل لألمانيا» تبدو مدفوعة بنوع من الإحباط من استمرار تقدم هذا الحزب في استطلاعات الرأي، وعجز الأحزاب المعتدلة الوسطية عن وقف زحفه. فالحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي)، الشريك في الائتلاف الحاكم، يبدو متجهاً نحو هزائم كبيرة، قد تؤدي إلى تحوّله للحزب الرابع في البلاد. في حين يستمر نزف أصوات حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي (المحافظ) الذي يقود الحكومة، كما أثبتت انتخابات محلية العام الماضي. وهنا يقول جبارة إنه من المتوقع أن يحقق «البديل لألمانيا» نجاحات «كبيرة» في الولايات الثلاث التي ستشهد انتخابات في الخريف، وأن تتحقق هذه الانتصارات على حساب الأحزاب الرئيسة الأخرى، وعلى رأسها الاشتراكيون والديمقراطيون المسيحيون. ويضيف: «أعتقد على خلفية الانتخابات في هذه الولايات، لن تبقى الأمور على حالها».
وحقاً، يعتقد محللون أن على الحزبين الرئيسين إدخال إصلاحات جذرية على أنظمتهما، إذا أرادا استعادة ثقة الناخبين. فالاشتراكيون الذين انتخبوا أندريا ناهليس زعيمة جديدة لهم، بعد الخسائر الكبيرة التي مُنوا بها خلال انتخابات سبتمبر (أيلول) 2017 العامة، لم يتمكنوا من استعادة الشعبية التي فقدوها؛ بل على العكس، يستمر نزيف أصوات الاشتراكيين، ويخسرون أكثر داخل معسكر اليسار لمصلحة حزب «الخضر»، الذي بات متقدماً عليهم في كثير من الولايات. ومع ذلك، فإن ناهليس باقية، والحزب ما زال شريكاً في الحكومة، رغم إدراكه أن مشاركته بها تسرِّع القضاء عليه. الديمقراطيون المسيحيون أيضاً اختاروا انتخاب زعيمة جديدة لهم، خلفاً للمستشارة أنجيلا ميركل، التي تقودهم منذ 18 سنة، في محاولة لاستعادة ثقة الناخبين. ولكن «خليفة» ميركل، ما كانت سوى أنيغريت كرامب كارنباور، التي اختارتها ميركل بنفسها لتكون أمينة عامة للحزب في مارس (آذار) الماضي، وهي لا تختلف كثيراً عنها في السياسات والاستراتيجيات. وما حصل أن الحزب المحافظ الحاكم لم يختَر رجل الأعمال والسياسي العائد بعد عقد من الغياب، مريدريش ميرز، رغم الحديث عن أن حزب «البديل لألمانيا» كان يتخوَّف من وصوله للزعامة؛ لأنه سيكون قادراً على سحب كثير من الأصوات منه.
وفي هذا الشأن، يرى ناصر جبارة أنه رغم إدراك الحزب أن عليه الابتعاد عن ميركل، ووعي أعضائه ضرورة التغيير «ما كان حزب ميركل قادراً على الخروج من عباءتها، فالإصلاحات الجذرية داخل الأحزاب الرئيسة ليست سهلة».

- التجربة النمساوية
يعتبر البعض أن النمسا كانت «أنجح» من ألمانيا في وقف مدِّ اليمين المتطرف. ومع أن حزب الحرية اليميني الشعبوي المتطرف يشارك في الحكومة الحالية، فإن تأييده يتراجع بشكل مستمر منذ دخوله الائتلاف. والسبب المستشار النمساوي وزعيم حزب الشعب سيباستيان كورتز.
كورتز، الشاب الذي لا يتجاوز عمره 32 سنة، يقود عملياً حزباً محافظاً؛ لكن اللغة التي يستخدمها أقرب إلى لغة اليمين المتطرف، لدرجة أن هاينز كريستيان شتراخا، زعيم حزب الحرية، اتهمه خلال الانتخابات الأخيرة، بأنه «يسرق أفكار حزبه، فيما يتعلق بالهجرة واللجوء». ومعلوم أن كورتز، الذي كان أحد أبرز منتقدي فتح ميركل أبواب ألمانيا أمام اللاجئين عام 2015، لم يتردد في عقد اتفاق مع حزب الحرية، يدخلهم الحكومة ويحوِّل زعيمهم إلى نائبه.
وأما الفارق الأساسي بين كورتز واليمين المتطرف، فهو تأييد الأول الكامل والمطلق لفكرة الاتحاد الأوروبي. ولقد كان شرطه الوحيد لإدخال اليمين المتطرف إلى حكومته، كف الأخير عن مهاجمة الاتحاد الأوروبي، والتشكيك بجدوى انتماء النمسا للاتحاد.
اليوم يعتقد كثيرون أن على الساسة الألمان الاقتداء بالنمسا، لردع «البديل لألمانيا». إذ يقول الصحافي النمساوي إيفالد كونيغ - الذي يعمل أيضاً محللاً سياسياً في «برلين إنسايدرز» - إن «على ألمانيا أن تحذو حذو النمسا»، مضيفاً أن «الأحزاب الألمانية الوسطية عادة ما تتعاطى مع اليمين المتطرف بردة فعل متعنتة». ويحث على «ضرورة أن تكون لديهم أفكارهم الخاصة، ولا تكون أفكارهم مقتصرة فقط على الرد».
وإزاء قلق الأوروبيين من تقارب كورتز الكبير من اليمين المتطرف، واتهام بعضهم له بأنه سمح بتحويل خطاب اليمين المتطرف العنصري إلى أن يصبح خطاباً مقبولاً في أوروبا، يرد كونيغ: «لكن حزب الحرية النمساوي ليس حزباً متطرفاً بمستوى البديل لألمانيا». ويتابع: «لقد تعلم من الماضي وغيَّر نفسه، كي يتمكن من المشاركة في الحكم». أيضاً يعتبر كونيغ كورتز «محافظاً وليس متطرفاً». ويستطرد: «إنه يأخذ الأصوات من أمام حزب الحرية، ولو لم يكن هو زعيم حزب الشعب لكان حزب الحرية في الطليعة الآن». ثم يقارن كونيغ بين حزب الشعب النمساوي والحزبين الكبيرين في ألمانيا، فيقول: «الاتحاد الديمقراطي المسيحي والحزب الديمقراطي الاجتماعي لا يعرفان ماذا يريدان، لذا فإن القاعدة الشعبية تتركهما وتفضل البديل لألمانيا وأحزاباً أخرى؛ لأن لديها استراتيجيات عملية». ويرى أن كورتز متقدم خطوة على الحزبين الألمانيين.

- اختبار الانتخابات الأوروبية
في أي حال، لعل الاختبار الأول لقوى اليمين المتطرف في ألمانيا والنمسا وباقي دول الاتحاد، قد تكون الانتخابات الأوروبية المقررة في مايو (أيار) المقبل. وتراهن هذه القوى على توسيع كتلتها في البرلمان، علماً بأنها منقسمة في البرلمان الحالي بين كتلتين: الأولى بقيادة حزب الاستقلال البريطاني الذي قاد البلاد إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي، والثانية بقيادة الجبهة الوطنية الفرنسية بزعامة مارين لوبان، مجموعهما 84 مقعداً من أصل 751 مقعداً في البرلمان الأوروبي.
ولقد بدأت هذه القوى المتطرفة تحضيراتها لمحاولة التوحُّد في الانتخابات المقبلة. ومن بين «المستشارين» الذي يحاولون توحيدها، المنظِّر الأميركي ستيف بانون، الذي عمل مستشاراً للرئيس الأميركي دونالد ترمب لفترة، آتياً من الموقع الإخباري «برايبارت» اليميني المتطرف. يعمل بانون اليوم مستشاراً لفيكتور أوروبان، رئيس وزراء المجر، تحضيراً للانتخابات الأوروبية. ويُعد أوروبان، الذي أعيد انتخابه لولاية ثالثة في أبريل (نيسان) الماضي، من أشد الزعماء السياسيين الأوروبيين شعبوية وأكثرهم تطرفاً يمينياً. ورغم تلقي بلاده كثيراً من المساعدات المالية من الاتحاد الأوروبي، فهو دائماً يتهجَّم على الاتحاد، ويرفض تطبيق القرارات المتعلقة باللجوء والهجرة.
إزاء فرصة نجاح قيام حلف لليمين المتطرف، يلحظ ناصر جبارة «انقسامات كبيرة» بين الأحزاب اليمينية المتطرفة في مختلف الدول الأوروبية، قد تشكل عائقاً أمام تشكيل حلف كهذا. ويضيف: «إنهم يعانون انقساماً؛ لأنهم يتنافسون فيما بينهم على مَن يتطرَّف أكثر... هم أيضاً يعانون من قلة التنظيم، ما يعني أنهم قد لا يتمكنون من خوض الانتخابات بكتلة نيابية موحَّدة». لكنه، مع ذلك، يتحدث عن «ظروف مؤاتية» قد تفسح المجال أمام تقدم اليمين المتطرف بشكل كبير في تلك الانتخابات. ويشير إلى استطلاع للرأي أجراه الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي، يعطي أحزاب اليمين المتطرف 20 في المائة من مقاعد البرلمان الأوروبي. وهي نسبة – كما يقول جبارة - إذا تحققت «فستكون كبيرة جداً، وستعطي هذه الأحزاب الفرصة لتعطيل قرارات، وهذا خطير للغاية».
في مثل هذه الظروف، فإن عنف اليسار المتطرف ضد رموز اليمين المتطرف - مع أنه ما زال بعيداً في الشكل عن عنف «ثورة سبارتاكوس» قبل 100 سنة - وعن الحركات اليسارية التي شهدتها ألمانيا في الماضي الأقرب، مثل منظمة «بادر ماينهوف»، قد يجد حافزاً جديداً، إذا ما حقق اليمينيون المتطرفون فعلاً كل هذه الانتصارات المتتالية، في الأشهر المقبلة.

- نظرية أوروبان عن «حضارتين أوروبيتين»
قبل يومين، أعلن رئيس وزراء المجر فيكتور أوروبان، دعمه الكامل لمبادرة إيطالية – بولندية، لتشكيل تحالف يضم الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، تحضيراً لانتخابات مايو (أيار) المقبل. وقال الزعيم المجري اليميني تعليقاً على هذا التحالف، إن «هدف المجر كسب غالبية معادية للهجرة في البرلمان الأوروبي». وتحدث أوروبان عن اتجاه أوروبا نحو «حضارتين»، الأولى قال إنها ستكون خليطاً بين المسلمين والمسيحيين في دول مثل ألمانيا، والثانية ستكون فقط للمسيحيين في دول وسط أوروبا. ووصف أوروبان وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني، الذي اقترح فكرة الحلف على بولندا أثناء زيارته لوارسو قبل يومين، بأنه «بطل»، لمنعه المهاجرين غير الشرعيين من دخول إيطاليا عبر البحر، إلا أن بولندا بدت متحفِّظة على تشكيل حلف مع سالفيني، الذي تعتبره مقرباً من روسيا.
ونقلت صحف عن سياسيين بولنديين من حزب القانون والعدالة الحاكم، نفيهم أن أي اتفاق قد تم التوصل إليه حول حلف أوروبي خلال لقاء سالفيني وياروسلاف كاجينسكي، زعيم حزب القانون والعدالة الحاكم، الذي يعد الرجل الأقوى في بولندا، رغم عدم تبوئه أي منصب رسمي.


مقالات ذات صلة

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
حصاد الأسبوع شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت

فاضل النشمي (بغداد)
حصاد الأسبوع ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة

راغدة بهنام ( برلين)
حصاد الأسبوع شيل

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ)

«الشرق الأوسط» (برلين)
حصاد الأسبوع لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ

رائد جبر (موسكو)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».