هل أخطأت الإدارة الأميركية في حسابات معركة «التعريفات الجمركية»؟

انقسامات واضحة في فريق ترمب بخصوص نهج التفاوض والأولويات

تظهر على السطح خلافات بين فريق الرئيس الأميركي دونالد ترمب حول التعامل الأمثل مع قضية الرسوم الجمركية (رويترز)
تظهر على السطح خلافات بين فريق الرئيس الأميركي دونالد ترمب حول التعامل الأمثل مع قضية الرسوم الجمركية (رويترز)
TT

هل أخطأت الإدارة الأميركية في حسابات معركة «التعريفات الجمركية»؟

تظهر على السطح خلافات بين فريق الرئيس الأميركي دونالد ترمب حول التعامل الأمثل مع قضية الرسوم الجمركية (رويترز)
تظهر على السطح خلافات بين فريق الرئيس الأميركي دونالد ترمب حول التعامل الأمثل مع قضية الرسوم الجمركية (رويترز)

من المفترض أن يبدأ موظفو الجمارك الأميركية في غضون أقل من أسبوعين في جمع التعريفات التي تم فرضها على الواردات الصينية، وهي خطوة إما ستمنح الرئيس دونالد ترمب الدفعة التي يحتاج إليها لتأمين اتفاق تجاري مع بكين، أو ستؤدي إلى انغماس أكبر دولتين اقتصاديا على مستوى العالم في صراع تجاري خطير.
وفي ظل عدم وجود محادثات مرتقبة بين الجانبين، تبدو احتمالات عقد اتفاق مبكر يساعد في تفادي فرض رسوم جمركية على الواردات ضعيفة. وبمجرد بدء تطبيق التعريفات الأميركية على أول سلع صينية تقدر قيمتها بـ34 مليار دولار في 6 يوليو (تموز)، وإثارة رد من جانب الصين على مزارعين ومصدّرين أميركيين، سوف يرتفع الثمن السياسي الذي يدفعه الرئيس كما يرى الكثير من المفاوضين الأميركيين السابقين والمحللين التجاريين. وقد تدفع شكاوى من الناخبين المتأثرين ترمب إلى التوصل لاتفاق محدود يتضمن زيادة شراء الصين منتجات أميركية مع وعود مستقبلية بفتح السوق، وتترك الرئيس مهدداً باتهامات بالتراجع في مواجهته مع الصين، على حد قول مسؤولين سابقين.
قال ديريك سيزورس من معهد «أميريكان إنتربرايز»، الذي قدم استشارات إلى مسؤولين أميركيين بشأن السياسة تجاه الصين: «لقد جعل نفسه عرضة بشكل مثالي لذلك الهجوم. هناك مجموعة داخل الإدارة ترغب في شدة في التوصل إلى اتفاق... لكنني أتحدث عن وضع مؤقت».

- الميزان التجاري في صالح الصين
ويطالب الرئيس القادة الصينيين بخفض عجز الميزان التجاري الأميركي الكبير مع الصين، والذي يقدّر بـ375 مليار دولار، والتخلي عن سياسات صناعية يقول إنها تضرّ بالشركات الأميركية. ويقول أكثر خبراء الاقتصاد، إن ما يحدد التوازن التجاري بين الدولتين بشكل كبير هو معدل المدخرات، والقوى الاقتصادية واسعة النطاق أكثر مما تحدده الحواجز والعراقيل التجارية.
مع ذلك تظل قاعدة ترمب، التي تهلل لهجماته على بكين باعتبارها قوة عدائية مرتكبة «عدواناً اقتصادياً»، في انتظار وفائه بوعده بتقليص الفجوة التجارية التي يرى أنها السبب في ضياع ملايين من الوظائف الأميركية في مجال التصنيع. حتى هذه اللحظة تتسع الفجوة خلال فترة رئاسته، وفي طريقها لتسجيل رقم قياسي خلال عام 2018، فقد ازداد العجز التجاري الأميركي مع الصين خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي على 12 في المائة تقريباً عنه خلال الفترة ذاتها من العام الماضي بحسب مكتب التعداد الأميركي.
وعرضت الصين في بداية الشهر الحالي شراء سلع إضافية زراعية وصناعية وفي مجال الطاقة قيمتها 70 مليار دولار خلال العام الأول من الاتفاق التجاري في حال تخلت الولايات المتحدة عن خططها الخاصة بالتعريفات الجمركية... مع ذلك، كان ذلك أقل كثيراً من الطلب الأساسي الذي قدمه ترمب بزيادة سنوية قدرها 200 مليار دولار، وسحب المسؤولون الصينيون العرض بعد آخر قرار تهديدي اتخذه ترمب فيما يتعلق بالتعريفة الجمركية.
يمكن أن يمهد ذلك الاتفاق المحدود، إلى جانب عجز تجاري ثنائي يزداد باطراد، الساحة لنزاع بلا أي قيود أو تحفظات، في عام 2020، بشأن العلاقة الاقتصادية المناسبة مع الصين الصاعدة.
كذلك، ربما يثير النقد ما قام به ترمب لتخفيف العقوبة على شركة الاتصالات الصينية «زي تي إي»، حيث قال في تغريدة له على «تويتر»: «لقد خسرت الصين الكثير من الوظائف». وقال إيلي راتنر، النائب السابق لمستشار الأمن القومي لنائب الرئيس جو بايدن: «يتوق الديمقراطيون إلى استعادة ما يرونه دائرتهم الانتخابية الطبيعية وهم الناخبون من الطبقة العاملة. أراهن على أن الكثير من الديمقراطيين سوف ينقضّون على هذه المساحة فوراً».
وكرر ترمب مرة أخرى شكواه من الصين خلال الأسبوع الماضي خلال حشد جماهيري يشبه المؤتمرات الجماهيرية الانتخابية في مدينة دولوث بولاية مينيسوتا، حيث قال، إن نهج البلاد في التجارة «غير عادل».

- التفاف حول ترمب
وخلال الأيام الحالية، من المقرر أن تعلن الإدارة ضوابط جديدة خاصة بالتصدير، وقيوداً على الاستثمار تستهدف الحد من حصول الصين على التكنولوجيا الأميركية. ومن المحتمل أن يتم فرض مجموعة جديدة من التعريفات على واردات صينية تقدر قيمتها بـ200 مليار دولار، تشمل الكثير من السلع الاستهلاكية. وسوف يضع رد بكين الانتقامي الحتمي الرئيس في مواجهة مخاطر سياسية، فأكثر من ضعف الوظائف في مقاطعات منحت أصواتها لترمب عام 2016 معرّضة إلى تأثير التعريفات الصينية مقارنة بالمناطق التي دعمت هيلاري كلينتون بحسب معهد «بروكينغز إنستيتيوشين».
وقال أرون فريدبيرغ، الخبير في الشؤون الصينية بجامعة برينستون: «لقد خططوا لذلك على مستوى تفصيلي دقيق للغاية يصل إلى الدوائر الانتخابية. يهدف هذا إلى تعظيم الثمن الذي يدفعه الأشخاص الذين يرون أنهم يمثلون الدوائر الانتخابية الأساسية لترمب أملاً في أن يدفعه ذلك نحو تغيير مساره». ورغم أن السياسة التجارية للرئيس، التي تتمثل في عبارة «أميركا أولاً»، قد واجهت معارضة في صفوف الحلفاء الجمهوريين، بمن فيهم مجتمع الشركات، التي عادة ما تكون مؤيدة له، يحظى الموقف الصارم تجاه الصين بدعم من كافة الأطراف السياسية المتنوعة.
وعندما هدد ترمب مؤخراً بفرض تعريفات على الواردات الصينية كافة تقريباً، حظي ذلك بترحيب جمهوريين مثل ماركو روبيو، عضو مجلس الشيوخ، الذي ينتقد ترمب بين الحين والآخر، إلى جانب ترحيب ديمقراطيين بارزين، منهم تشارلز شومر، زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ والعضو عن دائرة نيويورك، وشيرود براون، عضو مجلس الشيوخ عن أوهايو. وقال راتنر: «لا توجد دائرة انتخابية تقريباً في الولايات المتحدة تقيم أعمالاً بشكل طبيعي مع الصين. يقول كلُّ بطريقته عليك أن تكون حازماً وقاسياً مع الصين».
على الجانب الآخر، يصرّ مسؤولون في الإدارة الأميركية على أنهم يستطيعون الصمود أمام الصين في حرب تجارية؛ لأن مبيعات المصدّرين الصينيين إلى الولايات المتحدة أكبر من مبيعات الأميركيين إلى الصين بمقدار أربعة أمثال. مع ذلك، يتجاهل هذا الرأي الكثير من الطرق التي يمكن للمنظمين الصينيين استخدامها للتسبب بمضايقات للشركات الأميركية التي تعمل في الصين.
وقد حثّ مسؤولون صينيون مواطنيهم خلال نزاعات تجارية سابقة على عدم السفر إلى بلاد مثل كوريا الجنوبية، أو شراء منتجات يتم تصنيعها هناك. ويمكن أن تصاب شركات مثل «آبل» أو «جنرال موتورز»، التي تبيع في الصين سيارات أكثر مما تبيع في الولايات المتحدة، بدمار شامل في أي حرب تجارية.

- حرب التكنولوجيا
كذلك، وضع الرئيس معياراً مرتفعاً عسيراً للنجاح في إجراءاته ضد الصين، شاكياً من أن بكين تحصل على التكنولوجيا الأميركية المتقدمة من خلال السرقة عبر عمليات الاختراق الإلكتروني، ومتطلبات الترخيص الإجبارية المفروضة على الشركات الأجنبية التي تريد الدخول إلى السوق الصينية. وتلك الممارسات «لن تستمر»، على حد قول ترمب.
وقد أصدر مكتب سياسات التصنيع والتجارة بالبيت الأبيض تقريراً ينتقد الصين بسبب استخدامها أكثر من 50 طريقة تستهدف تمكين سوقها المحلية لتكون منصة للهيمنة العالمية على صناعات التكنولوجيا المتقدمة. وكتب بيتر نافارو، أحد كبار مستشاري الرئيس لشؤون التجارة: «لا يهدد النهج الاقتصادي الصيني العدائي حالياً الاقتصاد الأميركي فحسب، بل اقتصاد العالم ككل».
وطالب مسؤولو الإدارة الأميركية خلال الجولة الأولى من المحادثات التجارية في بكين في مايو (أيار) الصين بوضع حد لدعمها لصناعات التكنولوجيا المتقدمة، وكذلك للسياسات التي تجبر الشركات الأجنبية على كشف أسرارها التجارية مقابل دخول السوق الصينية. كذلك، انتهى اجتماعان آخران للتفاوض في كل من واشنطن وبكين دون التوصل إلى أي اتفاق. وصرح نافارو لصحافيين خلال الأسبوع الماضي قائلاً: «إن خطوط هواتفنا مفتوحة. الحقيقة الواقعية الأساسية هي أن الكلام رخيص الثمن، والتأجيل مكلّف».
ولم يرد البيت الأبيض أو وزارة الخزانة على أي أسئلة بشأن التخطيط لأي مفاوضات أخرى.
مع ذلك، هناك شكوك بشأن ما إذا كانت التهديدات بفرض تعريفات سوف تكفي لإجبار الصين على تقديم تنازلات، بالنظر إلى الانقسامات الواضحة في فريق ترمب المفاوض، فقد خاض كل من ستيفن منوشين، وزير الخزانة الأميركي، ونافارو، مباراة صراخ في إحدى المرات في بكين بسبب الخلاف حول النهج الأميركي في المحادثات. كذلك، بعث مسؤولون أميركيون رسائل متناقضة بشأن أولوياتهم بما في ذلك الخفض المباشر للعجز التجاري، وتغيرات كبيرة في العناصر الأساسية للاقتصاد الصيني.
ويوضح فريدبيرغ، الذي قدم المشورة بشأن الصين إلى ريتشارد تشيني، نائب الرئيس السابق قائلاً: «إنهم لن يقلبوا نظامهم رأساً على عقب من أجلنا فحسب». وأشار إلى إمكانية اقتناع الصين بتعديل قوانين الملكية الفكرية الخاصة بها، وتحرير أسواق الخدمات، وشراء المزيد من السلع الأميركية إذا توصل مسؤولو الإدارة الأميركية إلى اتفاق داخلي فيما بينهم أولاً. مع ذلك، تخلت الإدارة عن قوة داعمة ذات قيمة كبيرة بإبعاد حلفائها الأوروبيين واليابانيين من خلال تطبيق التعريفات، التي تم فرضها على الصلب والألمنيوم، على هؤلاء الحلفاء في بداية العام الحالي.
كذلك، يبدو أن سلاح التعريفة الجمركية، الذي يفضله الرئيس، رديء الصنع، فأول مجموعة من التعريفات على السلع الصينية سوف تضرّ الشركات الأميركية ومتعددة الجنسيات أكثر مما ستضرّ الشركات الصينية المحلية، بحسب ماري لافلي، الخبيرة الاقتصادية من معهد «بيترسون إنستيتيوت» للاقتصاد الدولي. تنتج شركات صينية تابعة متعددة الجنسيات، لا شركات صينية محلية، 87 في المائة من أجهزة الكومبيوتر والإلكترونيات، التي سوف تتأثر بالتعريفة الجديدة في 6 يوليو، بحسب لافلي. أخيراً، تقول سوزان شيرك، رئيسة مركز «توينتي فيرست سينشري تشاينا» بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو: «لا أري أي عملية تفاوض أو استراتيجية تلوح في الأفق. لا أعتقد أن هذا الأمر سوف يجدي نفعاً».

• خدمة «واشنطن بوست»
– خاص بـ«الشرق الأوسط»


مقالات ذات صلة

الناخبون منقسمون بين هاريس وترمب حول من يقدّم الأفضل للاقتصاد الأميركي

الولايات المتحدة​ المرشحة الديمقراطية للرئاسة نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس خلال المناظرة الرئاسية مع المرشح الجمهوري للرئاسة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في فيلادلفيا في بنسلفانيا بالولايات المتحدة في 10 سبتمبر 2024 (رويترز)

الناخبون منقسمون بين هاريس وترمب حول من يقدّم الأفضل للاقتصاد الأميركي

أظهر استطلاع رأي، أنه مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر، ليست لدى كامالا هاريس ولا دونالد ترمب أفضلية حاسمة مع الجمهور في ملف الاقتصاد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد مستثمرون ينظرون إلى الشاشات في بورصة البحرين في المنامة (رويترز)

ارتفاعات جماعية للأسواق الخليجية غداة خفض الفائدة الأميركية

حققت أسواق الأسهم الخليجية مكاسب متباينة في مستهل تعاملات جلسة الخميس، وذلك بعد أن أعلن مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أمس خفض أسعار الفائدة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد رئيس مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» جيروم باول يغادر بعد مؤتمر صحافي في مقر الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (أ.ف.ب)

لماذا اختار «الاحتياطي الفيدرالي» خفض أسعار الفائدة بشكل كبير؟

يوم الأربعاء، خفّض باول سعر الفائدة القياسي لبنك الاحتياطي الفيدرالي بمقدار نصف نقطة مئوية إلى 4.75 - 5 في المائة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد 
ردة فعل المتعاملين في بورصة نيويورك بعد إعلان قرار «الاحتياطي الفيدرالي» (رويترز)

«الفيدرالي» الأميركي يخفض الفائدة 50 نقطة أساس

حقق مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي تحولاً مهماً في حربهم المستمرة منذ سنوات ضد التضخم، أمس (الأربعاء)، من خلال خفض أسعار الفائدة بواقع 50 نقطة أساس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد مستثمران يتابعان أسعار الأسهم على شاشة «تداول» السعودية (رويترز)

مكاسب لمعظم أسواق الخليج وسط توقعات خفض أسعار الفائدة

أغلقت معظم أسواق الأسهم في منطقة الخليج مرتفعة، في جلسة الأحد، مع توقع المستثمرين إقدام مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي على خفض كبير لأسعار الفائدة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

انخفاض التضخم بأكبر اقتصادات اليورو يعزز الدعوات لخفض الفائدة

أعلام أوروبية ترفرف أمام مقر المصرف المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)
أعلام أوروبية ترفرف أمام مقر المصرف المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)
TT

انخفاض التضخم بأكبر اقتصادات اليورو يعزز الدعوات لخفض الفائدة

أعلام أوروبية ترفرف أمام مقر المصرف المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)
أعلام أوروبية ترفرف أمام مقر المصرف المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)

شهد اثنان من أكبر اقتصادات منطقة اليورو، فرنسا وإسبانيا، انخفاضاً أكبر من المتوقع في معدلات التضخم، بينما استمر ضعف سوق العمل في ألمانيا هذا الشهر؛ مما يعزز الحجة القوية للمصرف المركزي الأوروبي لخفض تكاليف الاقتراض بشكل أكبر الشهر المقبل.

واستمر اقتصاد منطقة اليورو في التباطؤ طوال معظم العام، وتراجعت الضغوط التضخمية بشكل أكبر مما كان متوقعاً في الأشهر الأخيرة؛ مما غذّى النقاش حول تأخر «المركزي الأوروبي» في دعم الاقتصاد المتعثر، وفق «رويترز».

ورفض «المركزي الأوروبي» الدعوات إلى تسريع تخفيف السياسة النقدية، مستنداً إلى أن نمو الأجور وتضخم خدمات معينة لا يزالان مرتفعين بشكل غير مريح. ومع ذلك، فإن قراءات التضخم الأضعف من المتوقع في فرنسا وإسبانيا، الجمعة، تحدت هذه السردية.

فقد تراجع التضخم في فرنسا إلى 1.5 في المائة في سبتمبر (أيلول) مقارنة بـ2.2 في المائة، وهو أقل من التوقعات التي كانت تشير إلى 2 في المائة، بينما انخفض التضخم في إسبانيا إلى 1.7 في المائة من 2.4 في المائة، متجاوزاً أيضاً التوقعات التي كانت تشير إلى 1.9 في المائة، في ظل تباطؤ نمو أسعار الخدمات وانخفاض أسعار الطاقة.

كما تحدت بيانات منفصلة حول توقعات الأسعار تردد «المركزي الأوروبي»، حيث أظهرت أن المستهلكين خفضوا توقعاتهم لنمو الأسعار للأشهر الـ12 المقبلة إلى أدنى مستوى لها منذ سبتمبر 2021. بالإضافة إلى ذلك، شهد مؤشر الثقة الرئيسي في منطقة اليورو تراجعاً أكثر مما كان متوقعاً، الجمعة، مع تباطؤ أيضاً في توقعات الأسعار.

في هذا السياق، أعلن «المركزي الأوروبي» أن توقعات المستهلكين لمعدل التضخم في منطقة العملة الأوروبية الموحدة قد تراجعت خلال شهر أغسطس (آب) الماضي؛ مما يعزز فرص خفض أسعار الفائدة مجدداً الشهر المقبل. وأشار المصرف في تقريره إلى أن الاستطلاع الشهري لآراء المستهلكين أظهر أن التوقعات بارتفاع الأسعار بلغت 2.7 في المائة خلال الأشهر الـ12 المقبلة، مقارنة بـ2.8 في المائة في الاستطلاع الذي أُجري في يوليو (تموز)، وهو أدنى مستوى لتوقعات التضخم منذ سبتمبر من العام الماضي.

كما تراجع المؤشر الذي يقيس توقعات المستهلكين بشأن التضخم على مدى ثلاث سنوات من 2.4 في المائة إلى 2.3 في المائة. وذكرت وكالة «بلومبرغ» أن توقعات المستهلكين بشأن حركة الأسعار المستقبلية تلعب دوراً محورياً في تحريك التضخم، في وقت لا يزال فيه صناع السياسة في المصرف يبحثون عن مزيد من الأدلة للوصول إلى هدف التضخم المحدد بنسبة 2 في المائة في وقت لاحق من العام المقبل.

وأظهر الاستطلاع أيضاً أن المستهلكين أصبحوا أقل تشاؤماً بشكل طفيف بشأن الأوضاع الاقتصادية، حيث توقعوا انكماشاً اقتصادياً بنسبة 0.9 في المائة خلال الأشهر الـ12 المقبلة، مقارنة بـ1 في المائة في الاستطلاع السابق. كما توقَّع المستهلكون تراجع معدل البطالة خلال الفترة نفسها إلى 10.4 في المائة مقابل 10.6 في المائة في الاستطلاع الذي أُجري في يوليو الماضي.

وتشير هذه الأرقام إلى أن التضخم في منطقة اليورو قد ينخفض إلى ما دون هدف «المركزي الأوروبي» البالغ 2 في المائة هذا الشهر؛ مما يغذي التوقعات بأن المصرف سيعمل على تسريع تخفيف السياسة النقدية. وبالفعل، زاد المستثمرون رهاناتهم، الجمعة، على خفض آخر لأسعار الفائدة في 17 أكتوبر (تشرين الأول)، حيث ارتفعت الاحتمالات إلى نحو 75 في المائة مقارنة بنحو 25 في المائة فقط في الأسبوع الماضي.

وكان «المركزي الأوروبي» قد خفض أسعار الفائدة في يونيو (حزيران) وسبتمبر، وكان صناع السياسات يرون أن خفض أسعار الفائدة في 17 أكتوبر أمر غير مرجح حتى ظهور سلسلة من البيانات المخيبة للآمال مؤخراً، حيث توقعت توقعات المصرف أن يعود التضخم إلى هدفه البالغ 2 في المائة على أساس دائم في أواخر العام المقبل فقط.

لكن مصادر قريبة من النقاش أكدت أن خفض أسعار الفائدة يجب أن يكون على الطاولة الآن، وأن «الحمائم» (الداعون إلى تخفيف السياسة) ستحثّ على ذلك خوفاً من أن الاقتصاد يتباطأ بسرعة كبيرة وأن التضخم قد ينخفض أكثر من المستهدف بشكل أكثر استدامة.

في المقابل، قال صناع السياسة الأكثر تحفظاً، أو «الصقور»، إن التخفيضات الفصلية أكثر ملاءمة، حيث إن البيانات الصلبة حول الأجور والتوظيف والنمو تُصدر كل ثلاثة أشهر، كما هو الحال مع التوقعات الجديدة لـ«المركزي الأوروبي».

هناك أيضاً قضية تتعلق بأن التضخم من المرجح أن يرتفع بحلول نهاية العام، وأن التخفيض السريع لأسعار الفائدة في وقت يتسارع فيه التضخم سيكون إشارة سلبية.

وأشار كبير خبراء الاقتصاد في «آي إن جي»، كارستن برزيسكي، إلى أنه «عندما تشير المؤشرات الرائدة مثل مؤشر مديري المشتريات ومؤشر (إيفو) هذا الأسبوع، بالإضافة إلى المؤشرات المتأخرة مثل بيانات سوق العمل الألمانية وبيانات التضخم الفعلية من فرنسا وإسبانيا، إلى ضَعف النمو وتسارع التراجع في التضخم، فإن دعاة خفض الفائدة في المصرف المركزي الأوروبي سيكونون في موقف قوي».

وقد ضغط خبراء الاقتصاد أيضاً على «المركزي الأوروبي»، حيث غيّر بنك «بي إن بي باريبا» وبنك «إتش إس بي سي» توقعاتهما بشأن التحرك في أكتوبر، بينما قال بنكا «دويتشه بنك» و«سوسيتيه جنرال» إن المصرف في حاجة إلى تسريع وتيرة التيسير النقدي.

علاوة على ذلك، أظهرت البيانات الواردة من ألمانيا، أكبر اقتصاد في المنطقة، أن عدد العاطلين عن العمل ارتفع أكثر من المتوقع في سبتمبر؛ مما زاد من المخاوف من أن البلاد قد تكون بالفعل في حالة ركود. وقد انكمش الاقتصاد الألماني في اثنين من الأرباع الثلاثة الأخيرة، وأفاد المصرف المركزي الألماني بأن قراءة سلبية أخرى ممكنة في ظل الركود الصناعي العميق.