أمراض الدم الوراثية... أسبابها وعلاجها

مهرجان طبي وصحي حولها بالمدينة المنورة

أمراض الدم الوراثية... أسبابها وعلاجها
TT

أمراض الدم الوراثية... أسبابها وعلاجها

أمراض الدم الوراثية... أسبابها وعلاجها

انطلقت يوم أمس الخميس، في المدينة المنورة فعاليات مؤتمر المدينة الرابع عشر لأمراض الدم، وتستمر في يومها الثاني خلال هذا اليوم الجمعة. ويأتي انعقاد هذا المؤتمر مواكبا لعدد من المناسبات العالمية والمحلية في مجال أمراض الدم الوراثية، أولها الاحتفال باليوم العالمي للهيموفيليا (المحدد من منظمة الصحة العالمية في يوم 17 أبريل (نيسان) من كل عام) واليوم العالمي للثلاسيميا (يوم 8 مايو (أيار) من كل عام) وكذلك مرور 25 عاما على إنشاء مركز المدينة لأمراض الدم. وبدأت الفعاليات اعتبارا من يوم الأحد الأول من الشهر بمهرجان طبي شامل استهدف المرضى وذويهم، بهدف نشر الوعي بهذه الأمراض وطرق انتقالها، وكيفية تفاديها.
أوضح ذلك في تصريح حصري لملحق «صحتك» بالشرق الأوسط الدكتور أحمد محمد طراوة، رئيس اللجان المنظمة، استشاري أمراض الدم الوراثية رئيس مركز المدينة لأمراض الدم الوراثية رئيس المجموعة الخليجية لأمراض النزاف - وأضاف أن أمراض الدم الوراثية ينتشر البعض منها في عدد من مناطق المملكة مثل الأنيميا المنجلية التي تستوطن المنطقة الشرقية والجنوبية والمدينة المنورة، والثلاسيميا التي تنتشر في شرق وغرب المملكة، وأمراض النزاف التي تكثر في منطقة المدينة المنورة. ولأهمية هذه المجموعة من أمراض الدم فقد أنشئ عدد من المراكز المتخصصة، في مختلف مناطق المملكة لتقدم خدماتها للمرضى مثل مركز الأحساء والقطيف وجازان والمدينة لأمراض الدم الوراثية.
- أمراض الدم الوراثية
وقال الدكتور أحمد محمد طراوة بأنها مجموعة من الأمراض التي تحدث نتيجة اضطراب وراثي في أحد مكونات الدم سواء كانت خلايا الدم الحمراء أو الخلايا البيضاء أو الصفائح الدموية وكذلك عوامل التجلط (التخثر) أو غيرها من مكونات الدم. وأوضح أن هذه الأمراض تنتقل بالوراثة من الآباء إلى أبنائهم.
وسوف نستعرض فيما يلي أهم وأبرز أمراض الدم الوراثية على ضوء ما تم مناقشته في المؤتمر:
- الثلاسيميا (أنيميا البحر المتوسط). هي أحد أمراض الدم الوراثية المنتشرة في أنحاء العالم بنسب مختلفة، أعلاه في الدول المطلة على البحر المتوسط ومن هنا كانت التسمية. وتحدث الثلاسيميا عند زواج شخص حامل للمرض أو مصاب من أخرى حاملة أو مصابة بالمرض. ومن هنا يتضح أهمية فحص ما قبل الزواج والذي يكشف عن كل من الحامل أو المصاب. ويؤدي مرض الثلاسيميا، نتيجة خلل في تصنيع الهيموغلوبين، إلى تكسر مزمن في كريات الدم الحمراء مدى الحياة. وأوضح د. أحمد طراوة أن مريض الثلاسيميا يعاني من أعراض فقر الدم وهي سرعة التعب والإرهاق وضعف النمو وهشاشة العظام وتشوهها وتضخم الكبد والطحال وغيرها من الأعراض التي تختلف شدتها وفقا لشدة المرض الذي ينقسم إلى شديد ومتوسط وبسيط. ويحتاج مريض الثلاسيميا من النوع الشديد إلى نقل دم كل ثلاثة أسابيع مدى الحياة. ونقل الدم المتكرر يؤدي إلى ارتفاع كمية الحديد بالجسم والذي يترسب في أنسجة الجسم المختلفة مسببا خللا بوظائفها مثل الغدد الصماء والذي بدوره يؤثر على النمو والبلوغ وقد يسبب مرض السكري وكذلك يترسب في القلب مؤديا إلى فشل عضلة القلب أو الكبد مؤديا إلى تليف وفشل الكبد. وتبقى مضاعفات زيادة الحديد بالدم هي السبب الرئيسي للوفاة في مرض الثلاسيميا.
ويستطيع المرضى الذين يلتزمون بالعلاج الحفاظ على نسبة الحديد منخفضة بالدم، وبذلك يعيشون حياة أقرب إلى الحياة الطبيعية. ويمكن تقليل مخزون الحديد عن طريق مخفضات الحديد سواء التي تعطي تحت الجلد أو بالوريد أو عن طريق الفم. ومن مستجدات العلاج: زراعة الخلايا الجذعية التي تعد العلاج الجذري لمرض أنيميا البحر المتوسط ويفضل أن يكون ذلك في مرحلة مبكرة.
-- فقر الدم
- الأنيميا المنجلية. مرض وراثي ينتقل من الآباء إلى الأبناء تماما كما في الثلاسيميا وينتج عنه خلل في تركيب الهيموغلوبين مما يؤدي تحت ظروف معينة مثل نقص الأكسجين إلى تحول شكل خلية الدم الحمراء إلى الشكل المنجلي وهو ما يجعل مرورها داخل الأوعية الدموية من الصعوبة بحيث يؤدي إلى انسداد الأوعية والشعيرات الدموية الدقيقة فيصعب وصول الدم إلى الأنسجة وبالتالي تحدث نوبات الآلام المتكررة أو تتحلل كريات الدم الحمراء وانخفاض نسبة الهيموغلوبين ويؤدي ذلك إلى فقر الدم المزمن.
تظهر أعراض المرض في سن الطفولة وتستمر مدي الحياة ومنها:
- نوبات الألم في الأطراف أو الصدر أو البطن أو غيرها.
- تحلل خلايا الدم الحمراء ونقص شديد في الهيموغلوبين وأحيانا نقص شديد في كل خلايا الدم.
- تآكل الطحال وفقد وظيفته مما يؤدي إلى نقص المناعة.
- تضخم الطحال الحاد الذي قد يؤدي إلى انخفاض ضغط الدم وحدوث صدمة.
- جلطات المخ بسبب انسداد الأوعية الدموية بالمخ.
- التأثير على النمو وعلى وظائف أجهزة الجسم المختلفة.
ويحتاج المريض إلى الإكثار من شرب المياه والسوائل والتغذية الجيدة والالتزام بالخطة العلاجية والمتابعة الطبية.
- أنيميا نقص خميرة الفول (أنيميا الفول). مرض شائع، يحدث نتيجة خلل وراثي، ينتقل من الأمهات إلى أبنائهم الذكور (كما تحدث في الإناث في بعض الحالات). من مهام خميرة الفول أو (G6PD) حماية الكريات الحمراء من المواد المؤكسدة مثل الفول أو بعض الأدوية أو الكيميائيات، ويؤدي نقصها إلى تعريض خلايا الدم الحمراء للتكسر حال تعرضها لهذه المواد. ولا يعاني المريض في هذه الحالة تكسر مزمن ويحتاج إلى تجنب قائمة بسيطة من الأدوية والأغذية.
أمراض نزف الدم
- الهيموفيليا. أوضحت الدكتورة أمل عبد العزيز مغربي استشارية أمراض الدم والأورام عند الأطفال بمستشفى النساء والولادة والأطفال بالمدينة المنورة أن الهيموفيليا الذي يطلق عليه أيضا النزاف أو الناعور، ينتج عن خلل جيني في عامل التجلط (التخثر) الثامن أو التاسع المسؤولين عن تجلط الدم فيحدث النزيف. يصيب المرض الأبناء من الذكور عن طريق الأم الحاملة للمرض وينتقل كصفة وراثية متنحية على كروموسوم إكس. وقد عرف مرض الهيموفيليا على مر العصور وكتب عنه العالم العربي المسلم أبو القاسم الزهراوي عام 1156 في كتابه التصريف. وفى القرن التاسع عشر عرف بالمرض الملكي لانتشاره في عائلة الملكة فيكتوريا ملكة إنجلترا التي حملت جينات المرض وورثته لأبنائها ثم أحفادها ممن تزوجن ونقلن المرض إلى ثلاث عائلات ملكية في إسبانيا وألمانيا وروسيا. يوجد نوعان من الهيموفيليا، النوع (إيه) الأكثر شيوعا ويحدث نتيجة نقص في عامل التجلط رقم (8) والنوع (بي) ويحدث نتيجة نقص في عامل التجلط رقم (9). تختلف أعراض المرض وبداية ظهورها وشدتها وفقا لمقدار النقص في عامل التجلط، فتكون شديدة إذا كانت نسبة العامل أقل من 1 في المائة ومتوسطة من 1 - 5 في المائة وبسيطة أكثر من 5 في المائة. وفي حالة الهيموفيليا الشديدة قد يحدث النزيف تلقائيا أو بعد إصابة طفيفة ونتيجة إجراء عمليات كبيرة أو صغيرة مثل الختان أو خلع الأسنان، وتستمر القابلية للنزيف مدى الحياة، وقد يحدث النزيف في أماكن خطيرة مثل نزيف المخ. وغالبا ما يحدث النزيف بصفة متكررة في المفاصل ويؤدي إلى تلف المفصل.
-- يحتاج علاج الهيموفيليا إلى فريق طبي متكامل، ويتمثل العلاج في:
- إعطاء عامل التجلط الناقص بالجرعة والمدة المناسبتين.
- استخدام الأدوية الموضعية التي تعمل بصفة مؤقتة.
- راحة المفصل وتثبيته في الوضع المناسب مع استعمال كمادات الثلج.
- استخدام المسكنات والبدء في العلاج الطبيعي تدريجيا بعد زوال الألم.
ويعتبر نزيف المفاصل من أكثر أنواع النزيف شيوعا وتعد الركبة من أكثر المفاصل إصابة يليها المرفق فالكاحل ثم مفصل الفخذ فالكتف. وتكرار النزيف يؤدي إلى التهاب مزمن وإهمال العلاج الوقائي يؤدي إلى تلف المفصل والإعاقة.
وفي حال تلف المفصل يحتاج المريض إلى تدخل سريع إما بحقن مواد إشعاعية أو كيميائية أو تدخل جراحي أو تركيب مفصل صناعي. ويعتبر العلاج المنزلي أكثر راحة وأسرع في الشفاء وأقل للمضاعفات. ومن مستجدات العلاج: العلاج الجيني الذي يعتبر أفقا جديدا وواعدا في طريق الشفاء من الهيموفيليا والذي بدأ استخدامه على مستوى الأبحاث.
- مرض فون وليبراند. يقول د. أحمد طراوة إن مرض فون وليبراند Von Willebrand Disease هو أحد أمراض النزاف الشائعة نتيجة نقص عامل فون وليبراند الذي يعمل على إيقاف النزيف عبر ربط وإلصاق الصفائح الدموية بجدار الأوعية الدموية. ويؤدي نقصه إلى نزف متكرر مثل الرعاف ونزف اللثة أو زيادة كثافة الدورة الدموية. ويعالج النزف باستخدام وسائل موضعية لإيقاف النزف أو مركز عامل فون وليبراند في حالات النزف الشديد والمحافظة على صحة الأسنان.
- أمراض نادرة
- أمراض الدم الوراثية النادرة. تقول الدكتورة أمل عبد العزيز مغربي إن هناك عددا من أمراض الدم الوراثية النادرة مثل أمراض فشل النخاع العظمي التي تتسم بعدم مقدرة نخاع العظم القيام بوظيفته في تصنيع خلاياه أو جزء منها ويتم شفاؤه في العادة عبر زراعة الخلايا الجذعية. كما أن نقص عوامل التجلط الأخرى مثل عامل 11 أو 13 أو 5 أو7 أو 10 تعتبر نادرة وبعضها خطيرة متسمة جميعها بالنزف المزمن وعلاجها عبر تعويض المريض بالعامل الناقص. كما أن هناك الكثير من أمراض الصفائح الدموية التي تؤدي إلى فقد الصفيحة الدموية لوظيفتها وبالتالي النزف المزمن والمتكرر.
- ربع قرن من النجاحات
احتفلت صحة المدينة المنورة بمناسبة مرور 25 عاما على إنشاء مركز أمراض الدم الوراثية بالمنطقة والذي أنشئ في عام 1992. ويعد أقدم المراكز المماثلة بالمملكة والأكثر تميزا في الشرق الأوسط حيث نال الكثير من الجوائز المحلية والعالمية مثل جائزة التميز من الاتحاد العالمي للثلاسيميا، لقاء برامجه الطموحة والمتميزة عالميا، ومنها:
> برنامج الهيموفيليا، الذي نال إعجاب المختصين والعلماء والخبراء عبر استحداث وسائل علاجية جديدة غير مسبوقة في مرض غلانزمان Glanzmann تم تقديمها في محافل دولية.
> عيادة مفاصل الهيموفيليا، تعد الوحيدة المكتملة بالمملكة ويحال إليها المرضى من المناطق الأخرى.
> تدريب مرضى الهيموفيليا لحقن أنفسهم بالمنزل بنسبة 100 في المائة.
> تنظيم مؤتمر سنوي لتبادل الخبرات والمعرفة.
> برنامج محاربة الحديد، الذي نجح في إنقاص الحديد لمستويات عالمية.
> برنامج فحص ما قبل الزواج كخطوة وقائية لحماية الأجيال من أمراض الدم الوراثية.
> الدور المجتمعي عبر البرنامج التثقيفي للمدارس، والندوات لرفع كفاءة العاملين بالمستشفيات الطرفية.

- استشاري طب المجتمع


مقالات ذات صلة

«الحلم المسبق»... تقنية معتمدة من الأطباء تساعدك على النوم بشكل أسرع

صحتك تقنية «الحلم المسبق» الذكية التي يستخدمها الجيش يمكن أن تساعدك على النوم بشكل أسرع ليلاً (رويترز)

«الحلم المسبق»... تقنية معتمدة من الأطباء تساعدك على النوم بشكل أسرع

يقول أحد أطباء طب النوم إن تقنية «الحلم المسبق» الذكية التي يستخدمها الجيش يمكن أن تساعدك على النوم بشكل أسرع ليلاً.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الشوكولاته تحتوي على مستويات عالية من الفلافانولات (جامعة كنغستون)

تقرير: الإفراط في تناول الشوكولاته قد يسبب الوفاة

حذّرت صحيفة «نيويورك بوست» الأميركية من الإفراط في تناول الشوكولاته؛ لأنه يؤدي إلى زيادة الوزن وتسوس الأسنان، وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والسكري.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك أهم الإنجازات الطبية في عام 2024

أهم الإنجازات الطبية في عام 2024

في نهاية كل عام نستعرض أهم الأحداث الطبية التي أثّرت بالإيجاب في المنظومة الصحية في العالم كله سواء باكتشاف طرق جديدة للعلاج والتشخيص أو الوقاية من الأمراض،

صحتك ثورة في أبحاث القلب... خلال عام 2024

ثورة في أبحاث القلب... خلال عام 2024

في عالم الطب، تبقى أبحاث القلب دائماً في صدارة الابتكارات التي تسعى لإنقاذ الأرواح وتحسين جودة الحياة. ومع كل عام جديد تتكشف إنجازات علمية وتقنيات مبتكرة

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (جدة)
صحتك جهاز "ضغط مجرى الهواء الإيجابي المستمر" لمرضى انقطاع النفس الانسدادي

7 معلومات عن انقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم

يُعدّ «انقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم» (Obstructive Sleep Apnea) تشخيصاً مهماً للغاية يجب على الأطباء وكذلك على المُصابين المُحتَملين، مراعاته. قلَّة…

د. عبير مبارك (الرياض)

ثورة في أبحاث القلب... خلال عام 2024

ثورة في أبحاث القلب... خلال عام 2024
TT

ثورة في أبحاث القلب... خلال عام 2024

ثورة في أبحاث القلب... خلال عام 2024

في عالم الطب، تبقى أبحاث القلب دائماً في صدارة الابتكارات التي تسعى لإنقاذ الأرواح وتحسين جودة الحياة. ومع كل عام جديد تتكشف إنجازات علمية وتقنيات مبتكرة تفتح آفاقاً غير مسبوقة لعلاج أمراض القلب والوقاية منها؛ إذ أصبح من الممكن الآن الكشف عن الأخطار مبكراً، والتدخل بطرق لم يكن يمكن تخيلها من قبل، فالأبحاث الطبية حملت مفاجآت مبهرة، من أدوات تشخيصية فائقة الدقة إلى علاجات جديدة عالية النتائج.

عام 2024 لم يكن استثناءً، فقد شهد نقلة نوعية في الفهم الطبي لأمراض القلب، مما يبشر بمستقبل أكثر أماناً وصحة لملايين البشر حول العالم، ويَعِدُ بعصر جديد لصحة أفضل وحياة أطول.

ونستعرض أبرز التطورات التي أحدثت ضجة في مجال أبحاث القلب هذا العام.

أ.د. حسان شمسي باشا

أبرز التطورات

التقت «صحتك» الأستاذ الدكتور حسان شمسي باشا، استشاري أمراض القلب في مركز المرجع الطبي بجدة، بصفته أحد المتخصصين المتميزين في هذا المجال، والذي أكد أن الباحثين يحققون سنوياً تقدماً ملحوظاً في فهم العوامل المؤدية إلى أمراض القلب. ومع استمرار التطور في التقنيات والعلاجات، تتفتح آفاق جديدة للوقاية من أمراض القلب والسكتة الدماغية وعلاجها.

وأضاف أن جمعية القلب الأميركية (AHA) تُجري مراجعة سنوية لأبرز التطورات العلمية في مكافحة أمراض القلب التي تتسبب في وفاة أكثر من 850 ألف شخص سنوياً في الولايات المتحدة، وتُعد السبب الرئيسي للوفاة والإعاقة عالمياً.

وأوضح أن عام 2024 شهد خطوات بارزة في تقييم مخاطر القلب والأوعية الدموية، واكتشاف المؤشرات المرضية في مراحل مبكرة من الحياة، مما يوفر فرصاً أكبر للوقاية.

وأشار إلى أن الباحثين حققوا تقدماً كبيراً في تطوير استراتيجيات لتقليل الوفيات المرتبطة بفشل القلب، واكتشاف فوائد واسعة للأدوية المضادة للسمنة. وفيما يلي أبرز تلك التطورات:

التنبؤ بأمراض القلب

• توقعات ازدياد الحالات: تُعد أمراض القلب والأوعية الدموية، مثل مرض الشريان التاجي وفشل القلب والرجفان الأذيني والسكتة الدماغية، الأسباب الأكثر شيوعاً للوفاة عالمياً.

وتشير التوقعات إلى ارتفاع نسبة أمراض القلب وعوامل الخطر المرتبطة بها من 11.3 في المائة إلى 15 في المائة بحلول عام 2050، مما سيؤثر على نحو 45 مليون بالغ أميركي.

كما يُتوقع تضاعف حالات السكتة الدماغية لتصل إلى20 مليوناً، مع ارتفاع معدلات السمنة، (وهي عامل خطر رئيسي لأمراض القلب) من 43 في المائة إلى أكثر من 60 في المائة من السكان. وتشكل هذه النتائج تحذيراً بضرورة التحكم بشكل أفضل في عوامل الخطر، لتجنب موجة الأمراض القلبية الاستقلابية المقبلة.

• التنبؤ بالجلطات الدموية: يركز عدد متزايد من الدراسات والأبحاث على طرق التنبؤ بمنْ همْ عرضة لخطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية في المستقبل، بهدف توجيه جهود أكثر استهدافاً للوقاية منها. أحد هذه الأبحاث درسَ طرق تحديد الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بأمراض القلب بسبب سلوك «الصفائح الدموية» لديهم. فقد ظهر أن الصفائح الدموية المفرطة النشاط تكون أكثر عرضة لتشكيل جلطات دموية خطيرة في الشرايين، ما يؤدي إلى حدوث النوبات القلبية والسكتات الدماغية.

بعد فحص مئات الجينات، طوَّر الباحثون أداة تقييم تُعرف بـ«PRESS» لتقييم نشاط الصفائح الدموية باستخدام الطرق الجينية، تفيد في تحديد الأشخاص الذين قد يستفيدون من العلاج بمضاد الصفائح الدموية، لتقليل مخاطر الإصابة بالأحداث القلبية المستقبلية.

• أداة جديدة لحساب المخاطر: طورت جمعية القلب الأميركية أداة جديدة (PREVENT) لحساب مخاطر أمراض القلب على مدى 10 سنوات و30 سنة، بناءً على معايير مثل الكولسترول وضغط الدم وسكر الدم والوزن. تتميز هذه الأداة عن غيرها بأنها تتضمن مقاييسَ الحرمان الاجتماعي، ولا تأخذ في الاعتبار العِرْقَ أو الجنسَ. تم التحقق من صحة هذه الأداة باستخدام بيانات لأكثر من 6 ملايين أميركي بمتوسط سن 53 عاماً، وخلال متابعة بمتوسط 4.8 سنة، أظهرت دقة في حساب مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية عند عينة كبيرة من البالغين الأميركيين.

مخاطر تبدأ من الطفولة

• مؤشرات الخطر: أظهرت 3 دراسات جديدة أن كُلّاً من: الكولسترول، وارتفاع ضغط الدم، والسلوك الخامل، يؤثر سلباً على صحة القلب منذ الطفولة.

- ارتفاع الكولسترول: بينت دراسة «Young Finns»، وهي واحدة من أكبر الدراسات طويلة الأمد حول مخاطر القلب والأوعية الدموية من الطفولة إلى البلوغ، أن ارتفاع الكولسترول في مراحل مبكرة يضر بصحة الشرايين أكثر من ارتفاعه في البلوغ.

- ارتفاع ضغط الدم: الأطفال المصابون بارتفاع ضغط الدم معرضون لخطر مضاعف للإصابة بأمراض القلب عند البلوغ. وقد قارن الباحثون البيانات الصحية لـ26605 أطفال كنديين، تم تشخيصهم بارتفاع ضغط الدم، مع 128025 من أقرانهم الذين لم يُشخَّصوا به، فوجدوا، بعد 20 عاماً، أن الأطفال المصابين بارتفاع ضغط الدم قد واجهوا خطر حدوث أزمات قلبية بأكثر من الضعف، بما في ذلك السكتة الدماغية، أو دخول المستشفى بسبب نوبة قلبية، أو التدخل التاجي، أو فشل القلب الاحتقاني.

- السلوك الخامل: قضاء الأطفال ساعات طويلة في الخمول يؤدي إلى زيادة خطر المشكلات القلبية لاحقاً. وقد أظهرت دراسة أجريت في بريطانيا على 1682 طفلاً، على مدى 13 عاماً، أنه كلما زاد وقت خمول الأطفال زاد حجم القلب، وزادت الدهون في الجسم، وارتفع ضغط الدم، والكولسترول، وتصلب الشرايين، مما يزيد من خطر المشكلات القلبية الوعائية لاحقاً في الحياة. وأظهرت الدراسة أن الإقلال من السلوك الخامل، وذلك بممارسة النشاط البدني الخفيف لمدة 3 ساعات يومياً على الأقل، قد يخفف من هذه التأثيرات.

فوائد الأدوية المضادة للسمنة

تشير مجموعة متزايدة من الأدلة إلى أن الأدوية المضادة للسمنة، مثل سيماغلوتايد (Semaglutide) وتيرزيباتيد (Tirzepatide) التي تم تطويرها لعلاج مرض السكري أساساً، تُقدِّمُ فوائدَ واسعة النطاق للمصابين وغير المصابين بالسكري. وتشمل هذه الفوائد تقليل المخاطر على القلب، ومنها تقليل أعراض ووفيات أمراض القلب والكلى وفشل القلب، وتحسين فقدان الوزن لدى البالغين والأطفال.

وأظهرت أدلة حديثة أن دواء ليراغلوتايد (Liraglutide) الذي أثبت فاعليته في تحفيز فقدان الوزن لدى البالغين المصابين بالسمنة، يمكن أيضاً استخدامه لتحسين فقدان الوزن لدى الأطفال تحت سن 12 عاماً، عند إضافته إلى التدخلات المتعلقة بنمط الحياة.

تطورات علاج القلب

• تطورات علاج فشل القلب والوقاية منه: بينت الدراسات فاعلية أدوية مثل فينيرينون (Finerenone) في تقليل الأعراض والوفيات لدى مرضى فشل القلب، مع انخفاض بسيط في وظائف القلب مقارنة بالمرضى الذين تناولوا الدواء الوهمي. ويمكن أن تحمل هذه النتائج آثاراً مهمة قد تغير الممارسات العلاجية.

وأظهرت فئة من الأدوية مثل سبايرونولاكتون (Spironolactone) وغيره، قدرتها على تقليل الأعراض والوفيات لدى المرضى المصابين بـفشل القلب الناجم عن ضعف وظيفة القلب الانقباضية؛ لكن لم يكن معروفاً مدى فعاليتها عند المصابين بفشل القلب مع وظيفة قلبية منخفضة قليلاً.

• إصلاح صمامات القلب بالقسطرة: يلاحظ في السنوات الأخيرة ازدياد معالجة أنواع من ارتجاع الصمام التاجي عن طريق القسطرة القلبية، ودون الحاجة إلى عملية جراحية للقلب. وقد أظهرت دراسة «RESHAPE HF-2» أن إضافة إصلاح الصمام التاجي عبر القسطرة إلى العلاج الطبي أدى إلى تقليل معدلات دخول المستشفى بسبب فشل القلب أو الوفاة القلبية الوعائية.

• استراتيجيات جديدة لعلاج اعتلال عضلة القلب التضخمي: ظهر حديثاً دواء جديد يدعى «أفيكامتن» (Aficamten) يعمل على تقليل الأعراض لدى المصابين باعتلال عضلة القلب التضخمي (HCM) الانسدادي (obstructive hypertrophic cardiomyopathy)، وهو النوع الذي يشكل ثلثي حالات اعتلال عضلة القلب التضخمي. وقد أشارت دراسة حديثة إلى أن المرضى الذين تناولوا هذا الدواء قد حققوا تحسناً أكبر في الأعراض مقارنة بمن تناولوا الدواء الوهمي، مما يوفر بدائل علاجية أقل تدخلاً.

تقييم الأخطار

• خطر البلاستيك النانوي على أمراض القلب: في دراسة رصدية مستقبلية، تم فيها تحليل عينات اللويحات المأخوذة من مرضى خضعوا لجراحة إزالة اللويحات في الشرايين السباتية، وهي الأوعية الدموية الكبيرة في الرقبة التي تنقل الدم إلى الدماغ، وجد الباحثون أن البولي إيثيلين (البلاستيك الأكثر استخداماً عالمياً، والذي يوجد في كل شيء من أكياس البقالة إلى السترات الواقية من الرصاص) كان موجوداً في لويحات الشرايين السباتية لدى 58 في المائة من المرضى. كما كان البولي فينيل كلوريد (PVC)، (البلاستيك عالي القوة المستخدم في الأجهزة الطبية والأنابيب) موجوداً في لويحات 12 في المائة من المرضى. وبعد متابعة بمتوسط 34 شهراً، كان لدى المرضى الذين احتوت لويحات شرايينهم على هذه المواد البلاستيكية الدقيقة مخاطر أعلى للإصابة بالنوبات القلبية، والسكتات الدماغية، مقارنة بالمرضى الذين لم تحتوِ لويحاتهم على آثار لهذه المواد البلاستيكية.

• إعادة تقييم استخدام حاصرات بيتا: أظهرت نتائج دراسة حديثة تم تقديمها في الجلسات العلمية السنوية للكلية الأميركية لأمراض القلب لعام 2024، والمنشورة في مجلة «New England Journal of Medicine»، أن الاستخدام طويل الأمد لحاصرات بيتا قد لا يكون مناسباً لجميع الناجين من النوبات القلبية؛ خصوصاً مَن لديهم وظائف جيدة نسبياً لعضلة القلب (أي معدل قذفي بنسبة 50 في المائة أو أكثر)، إذ لم يقلل الاستخدام طويل الأمد عند هؤلاء المرضى من خطر الإصابة بنوبة قلبية أخرى أو الوفاة.

إن عام 2024 لم يكن مجرد عام آخر في أبحاث القلب؛ بل هو خطوة كبيرة نحو مستقبل أكثر إشراقاً لصحة الإنسان. التطورات التي شهدناها هذا العام تُبرز أهمية الاستثمار في العلم والبحث، ودورها في تحسين جودة الحياة وإنقاذ الأرواح. ومع استمرار الجهود والابتكارات، يبقى الأمل حياً بأننا نسير نحو عالم تقل فيه معاناة مرضى القلب، وتصبح الوقاية والعلاج أكثر فعالية وسهولة.

إن ما رأيناه اليوم هو مجرد بداية، والقادم يحمل في طياته مزيداً من الآمال والتطلعات.

* استشاري في طب المجتمع.