انطلقت يوم أمس الخميس، في المدينة المنورة فعاليات مؤتمر المدينة الرابع عشر لأمراض الدم، وتستمر في يومها الثاني خلال هذا اليوم الجمعة. ويأتي انعقاد هذا المؤتمر مواكبا لعدد من المناسبات العالمية والمحلية في مجال أمراض الدم الوراثية، أولها الاحتفال باليوم العالمي للهيموفيليا (المحدد من منظمة الصحة العالمية في يوم 17 أبريل (نيسان) من كل عام) واليوم العالمي للثلاسيميا (يوم 8 مايو (أيار) من كل عام) وكذلك مرور 25 عاما على إنشاء مركز المدينة لأمراض الدم. وبدأت الفعاليات اعتبارا من يوم الأحد الأول من الشهر بمهرجان طبي شامل استهدف المرضى وذويهم، بهدف نشر الوعي بهذه الأمراض وطرق انتقالها، وكيفية تفاديها.
أوضح ذلك في تصريح حصري لملحق «صحتك» بالشرق الأوسط الدكتور أحمد محمد طراوة، رئيس اللجان المنظمة، استشاري أمراض الدم الوراثية رئيس مركز المدينة لأمراض الدم الوراثية رئيس المجموعة الخليجية لأمراض النزاف - وأضاف أن أمراض الدم الوراثية ينتشر البعض منها في عدد من مناطق المملكة مثل الأنيميا المنجلية التي تستوطن المنطقة الشرقية والجنوبية والمدينة المنورة، والثلاسيميا التي تنتشر في شرق وغرب المملكة، وأمراض النزاف التي تكثر في منطقة المدينة المنورة. ولأهمية هذه المجموعة من أمراض الدم فقد أنشئ عدد من المراكز المتخصصة، في مختلف مناطق المملكة لتقدم خدماتها للمرضى مثل مركز الأحساء والقطيف وجازان والمدينة لأمراض الدم الوراثية.
- أمراض الدم الوراثية
وقال الدكتور أحمد محمد طراوة بأنها مجموعة من الأمراض التي تحدث نتيجة اضطراب وراثي في أحد مكونات الدم سواء كانت خلايا الدم الحمراء أو الخلايا البيضاء أو الصفائح الدموية وكذلك عوامل التجلط (التخثر) أو غيرها من مكونات الدم. وأوضح أن هذه الأمراض تنتقل بالوراثة من الآباء إلى أبنائهم.
وسوف نستعرض فيما يلي أهم وأبرز أمراض الدم الوراثية على ضوء ما تم مناقشته في المؤتمر:
- الثلاسيميا (أنيميا البحر المتوسط). هي أحد أمراض الدم الوراثية المنتشرة في أنحاء العالم بنسب مختلفة، أعلاه في الدول المطلة على البحر المتوسط ومن هنا كانت التسمية. وتحدث الثلاسيميا عند زواج شخص حامل للمرض أو مصاب من أخرى حاملة أو مصابة بالمرض. ومن هنا يتضح أهمية فحص ما قبل الزواج والذي يكشف عن كل من الحامل أو المصاب. ويؤدي مرض الثلاسيميا، نتيجة خلل في تصنيع الهيموغلوبين، إلى تكسر مزمن في كريات الدم الحمراء مدى الحياة. وأوضح د. أحمد طراوة أن مريض الثلاسيميا يعاني من أعراض فقر الدم وهي سرعة التعب والإرهاق وضعف النمو وهشاشة العظام وتشوهها وتضخم الكبد والطحال وغيرها من الأعراض التي تختلف شدتها وفقا لشدة المرض الذي ينقسم إلى شديد ومتوسط وبسيط. ويحتاج مريض الثلاسيميا من النوع الشديد إلى نقل دم كل ثلاثة أسابيع مدى الحياة. ونقل الدم المتكرر يؤدي إلى ارتفاع كمية الحديد بالجسم والذي يترسب في أنسجة الجسم المختلفة مسببا خللا بوظائفها مثل الغدد الصماء والذي بدوره يؤثر على النمو والبلوغ وقد يسبب مرض السكري وكذلك يترسب في القلب مؤديا إلى فشل عضلة القلب أو الكبد مؤديا إلى تليف وفشل الكبد. وتبقى مضاعفات زيادة الحديد بالدم هي السبب الرئيسي للوفاة في مرض الثلاسيميا.
ويستطيع المرضى الذين يلتزمون بالعلاج الحفاظ على نسبة الحديد منخفضة بالدم، وبذلك يعيشون حياة أقرب إلى الحياة الطبيعية. ويمكن تقليل مخزون الحديد عن طريق مخفضات الحديد سواء التي تعطي تحت الجلد أو بالوريد أو عن طريق الفم. ومن مستجدات العلاج: زراعة الخلايا الجذعية التي تعد العلاج الجذري لمرض أنيميا البحر المتوسط ويفضل أن يكون ذلك في مرحلة مبكرة.
-- فقر الدم
- الأنيميا المنجلية. مرض وراثي ينتقل من الآباء إلى الأبناء تماما كما في الثلاسيميا وينتج عنه خلل في تركيب الهيموغلوبين مما يؤدي تحت ظروف معينة مثل نقص الأكسجين إلى تحول شكل خلية الدم الحمراء إلى الشكل المنجلي وهو ما يجعل مرورها داخل الأوعية الدموية من الصعوبة بحيث يؤدي إلى انسداد الأوعية والشعيرات الدموية الدقيقة فيصعب وصول الدم إلى الأنسجة وبالتالي تحدث نوبات الآلام المتكررة أو تتحلل كريات الدم الحمراء وانخفاض نسبة الهيموغلوبين ويؤدي ذلك إلى فقر الدم المزمن.
تظهر أعراض المرض في سن الطفولة وتستمر مدي الحياة ومنها:
- نوبات الألم في الأطراف أو الصدر أو البطن أو غيرها.
- تحلل خلايا الدم الحمراء ونقص شديد في الهيموغلوبين وأحيانا نقص شديد في كل خلايا الدم.
- تآكل الطحال وفقد وظيفته مما يؤدي إلى نقص المناعة.
- تضخم الطحال الحاد الذي قد يؤدي إلى انخفاض ضغط الدم وحدوث صدمة.
- جلطات المخ بسبب انسداد الأوعية الدموية بالمخ.
- التأثير على النمو وعلى وظائف أجهزة الجسم المختلفة.
ويحتاج المريض إلى الإكثار من شرب المياه والسوائل والتغذية الجيدة والالتزام بالخطة العلاجية والمتابعة الطبية.
- أنيميا نقص خميرة الفول (أنيميا الفول). مرض شائع، يحدث نتيجة خلل وراثي، ينتقل من الأمهات إلى أبنائهم الذكور (كما تحدث في الإناث في بعض الحالات). من مهام خميرة الفول أو (G6PD) حماية الكريات الحمراء من المواد المؤكسدة مثل الفول أو بعض الأدوية أو الكيميائيات، ويؤدي نقصها إلى تعريض خلايا الدم الحمراء للتكسر حال تعرضها لهذه المواد. ولا يعاني المريض في هذه الحالة تكسر مزمن ويحتاج إلى تجنب قائمة بسيطة من الأدوية والأغذية.
أمراض نزف الدم
- الهيموفيليا. أوضحت الدكتورة أمل عبد العزيز مغربي استشارية أمراض الدم والأورام عند الأطفال بمستشفى النساء والولادة والأطفال بالمدينة المنورة أن الهيموفيليا الذي يطلق عليه أيضا النزاف أو الناعور، ينتج عن خلل جيني في عامل التجلط (التخثر) الثامن أو التاسع المسؤولين عن تجلط الدم فيحدث النزيف. يصيب المرض الأبناء من الذكور عن طريق الأم الحاملة للمرض وينتقل كصفة وراثية متنحية على كروموسوم إكس. وقد عرف مرض الهيموفيليا على مر العصور وكتب عنه العالم العربي المسلم أبو القاسم الزهراوي عام 1156 في كتابه التصريف. وفى القرن التاسع عشر عرف بالمرض الملكي لانتشاره في عائلة الملكة فيكتوريا ملكة إنجلترا التي حملت جينات المرض وورثته لأبنائها ثم أحفادها ممن تزوجن ونقلن المرض إلى ثلاث عائلات ملكية في إسبانيا وألمانيا وروسيا. يوجد نوعان من الهيموفيليا، النوع (إيه) الأكثر شيوعا ويحدث نتيجة نقص في عامل التجلط رقم (8) والنوع (بي) ويحدث نتيجة نقص في عامل التجلط رقم (9). تختلف أعراض المرض وبداية ظهورها وشدتها وفقا لمقدار النقص في عامل التجلط، فتكون شديدة إذا كانت نسبة العامل أقل من 1 في المائة ومتوسطة من 1 - 5 في المائة وبسيطة أكثر من 5 في المائة. وفي حالة الهيموفيليا الشديدة قد يحدث النزيف تلقائيا أو بعد إصابة طفيفة ونتيجة إجراء عمليات كبيرة أو صغيرة مثل الختان أو خلع الأسنان، وتستمر القابلية للنزيف مدى الحياة، وقد يحدث النزيف في أماكن خطيرة مثل نزيف المخ. وغالبا ما يحدث النزيف بصفة متكررة في المفاصل ويؤدي إلى تلف المفصل.
-- يحتاج علاج الهيموفيليا إلى فريق طبي متكامل، ويتمثل العلاج في:
- إعطاء عامل التجلط الناقص بالجرعة والمدة المناسبتين.
- استخدام الأدوية الموضعية التي تعمل بصفة مؤقتة.
- راحة المفصل وتثبيته في الوضع المناسب مع استعمال كمادات الثلج.
- استخدام المسكنات والبدء في العلاج الطبيعي تدريجيا بعد زوال الألم.
ويعتبر نزيف المفاصل من أكثر أنواع النزيف شيوعا وتعد الركبة من أكثر المفاصل إصابة يليها المرفق فالكاحل ثم مفصل الفخذ فالكتف. وتكرار النزيف يؤدي إلى التهاب مزمن وإهمال العلاج الوقائي يؤدي إلى تلف المفصل والإعاقة.
وفي حال تلف المفصل يحتاج المريض إلى تدخل سريع إما بحقن مواد إشعاعية أو كيميائية أو تدخل جراحي أو تركيب مفصل صناعي. ويعتبر العلاج المنزلي أكثر راحة وأسرع في الشفاء وأقل للمضاعفات. ومن مستجدات العلاج: العلاج الجيني الذي يعتبر أفقا جديدا وواعدا في طريق الشفاء من الهيموفيليا والذي بدأ استخدامه على مستوى الأبحاث.
- مرض فون وليبراند. يقول د. أحمد طراوة إن مرض فون وليبراند Von Willebrand Disease هو أحد أمراض النزاف الشائعة نتيجة نقص عامل فون وليبراند الذي يعمل على إيقاف النزيف عبر ربط وإلصاق الصفائح الدموية بجدار الأوعية الدموية. ويؤدي نقصه إلى نزف متكرر مثل الرعاف ونزف اللثة أو زيادة كثافة الدورة الدموية. ويعالج النزف باستخدام وسائل موضعية لإيقاف النزف أو مركز عامل فون وليبراند في حالات النزف الشديد والمحافظة على صحة الأسنان.
- أمراض نادرة
- أمراض الدم الوراثية النادرة. تقول الدكتورة أمل عبد العزيز مغربي إن هناك عددا من أمراض الدم الوراثية النادرة مثل أمراض فشل النخاع العظمي التي تتسم بعدم مقدرة نخاع العظم القيام بوظيفته في تصنيع خلاياه أو جزء منها ويتم شفاؤه في العادة عبر زراعة الخلايا الجذعية. كما أن نقص عوامل التجلط الأخرى مثل عامل 11 أو 13 أو 5 أو7 أو 10 تعتبر نادرة وبعضها خطيرة متسمة جميعها بالنزف المزمن وعلاجها عبر تعويض المريض بالعامل الناقص. كما أن هناك الكثير من أمراض الصفائح الدموية التي تؤدي إلى فقد الصفيحة الدموية لوظيفتها وبالتالي النزف المزمن والمتكرر.
- ربع قرن من النجاحات
احتفلت صحة المدينة المنورة بمناسبة مرور 25 عاما على إنشاء مركز أمراض الدم الوراثية بالمنطقة والذي أنشئ في عام 1992. ويعد أقدم المراكز المماثلة بالمملكة والأكثر تميزا في الشرق الأوسط حيث نال الكثير من الجوائز المحلية والعالمية مثل جائزة التميز من الاتحاد العالمي للثلاسيميا، لقاء برامجه الطموحة والمتميزة عالميا، ومنها:
> برنامج الهيموفيليا، الذي نال إعجاب المختصين والعلماء والخبراء عبر استحداث وسائل علاجية جديدة غير مسبوقة في مرض غلانزمان Glanzmann تم تقديمها في محافل دولية.
> عيادة مفاصل الهيموفيليا، تعد الوحيدة المكتملة بالمملكة ويحال إليها المرضى من المناطق الأخرى.
> تدريب مرضى الهيموفيليا لحقن أنفسهم بالمنزل بنسبة 100 في المائة.
> تنظيم مؤتمر سنوي لتبادل الخبرات والمعرفة.
> برنامج محاربة الحديد، الذي نجح في إنقاص الحديد لمستويات عالمية.
> برنامج فحص ما قبل الزواج كخطوة وقائية لحماية الأجيال من أمراض الدم الوراثية.
> الدور المجتمعي عبر البرنامج التثقيفي للمدارس، والندوات لرفع كفاءة العاملين بالمستشفيات الطرفية.
- استشاري طب المجتمع