لصحة القلب... أنشطة بدنية بسيطة

ممارسة كبار السن أي أعمال مهما كانت ضئيلة أمر مهم

لصحة القلب... أنشطة بدنية بسيطة
TT

لصحة القلب... أنشطة بدنية بسيطة

لصحة القلب... أنشطة بدنية بسيطة

تتوالى الإثباتات العلمية لتأكيد الفوائد الصحية لممارسة النشاط البدني في الحياة اليومية لأي إنسان في أي مرحلة من مراحل العمر، وبأي قدر كان، وبالذات لدى كبار السن.
وضمن عدد 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي من المجلة الأوروبية للوقاية القلبية European Journal of Preventive Cardiology، نشر الباحثون من هولندا وبريطانيا نتائج دراستهم التي تتبع التأثيرات الصحية لحرص كبار السن على ممارسة النشاط البدني حتى لو كان بقدر بسيط. وتعتبر هذه الدراسة الطبية الحديثة من الدراسات الواسعة والطويلة الأمد، ذلك أنها شملت نحو 25 ألف شخص فوق سن الخامسة والخمسين من العمر، ومن 10 دول أوروبية ذات بيئات مختلفة، وتمت متابعة المشمولين في الدراسة لمدة 18 سنة.
وأفادت نتائج الدراسة بأن ممارسة الشخص المتقدم في العمر لأي قدر من النشاط البدني هو أفضل بكثير من عدم قيامه بذلك مطلقاً، من أجل تحسين فرصه في خفض مخاطر الإصابة بالأمراض القلبية للأصحاء منهم، وخفض احتمالات الإصابة بالانتكاسات فيها لدى مرضى القلب منهم.
وقالت الدكتور سانجيتا لاشمان، طبيبة القلب بالمركز الطبي الأكاديمي في أمستردام بهولندا: «نحن نعلم أن النشاط البدني المنتظم له فوائد صحية كبيرة، ويُنصح البالغون الأصحاء بأن يقوموا بإجراء 150 دقيقة على الأقل في الأسبوع من التمارين الرياضية ذات الكثافة الإجهادية المعتدلة أو 75 دقيقة في الأسبوع من التمارين الرياضية ذات الكثافة الإجهادية الشديدة، وذلك كوسيلة وقائية بغية تحقيق الحد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية». وأضافت: «وهذه النصائح الطبية تم التوصل إليها من نتائج مجموعات من الدراسات الطبية التي تم إجراؤها بين أوساط الأشخاص المتوسطين في العمر، وأفادت بإثبات تلك الجدوى الصحية لديهم. ونحن في دراستنا الجديدة أردنا أن نعرف هل الحرص على ممارسة التمارين الرياضية بشكل مستمر سيعطي نتائج مفيدة لصحة القلب والأوعية الدموية لدى كبار السن شبيهة بتلك التي تمت ملاحظتها بين متوسطي العمر؟».

رياضة بسيطة
وفي بداية دراسة المتابعة هذه تم تقسيم المشمولين بالدراسة إلى ثلاث مجموعة: مجموعة منْ أعمارهم أقل من 55 سنة، ومتوسطي العمر ممن أعمارهم ما بين 55 و65 سنة، ومجموعة كبار السن ممن أعمارهم فوق 65 سنة، واستمرت المتابعة 18 عاماً. كما تم إجراء تقييم لمستوى ولمدة ممارسة النشاط البدني أثناء العمل اليومي، وأيضاً أثناء وقت الفراغ لدى المشمولين بالدراسة، وكذلك تم تقييم مستوى الكسل البدني، وذلك كله باستخدام استبيان محدد يشتمل على عناصر حول هذا التقييم لمستوى كل من النشاط والكسل البدني اليومي.
وبالمحصلة قام الباحثون بتصنيف المشاركين إلى مستويات مختلفة، أي إما أن الشخص نشط في ممارسة الرياضة البدنية، أو معتدل في النشاط، أو غير نشط بشكل معتدل، أو غير نشط بالمطلق.
وقالت الدكتورة لاشمان: «لاحظنا في نتائج هذه المتابعة الطويلة أن ثمة علاقة عكسية ما بين ممارسة النشاط البدني وبين مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية في فئة كبار السن وفئة متوسطي العمر. وكما توقعنا، كان ثمة انتكاسات في صحة القلب والأوعية الدموية بنسبة أكبر لدى كبار السن». وأضافت: «كبار السن الذين يقومون بنشاط بدني متوسط الجهد كانوا أقل إصابة بمخاطر الأمراض القلبية بنسبة 14 في المائة مقارنة بأقرانهم من كبار السن الذين لا يُمارسون تلك الأنشطة البدنية، وهو ما يُفيد بأن ممارسة قدر متوسط من النشاط البدني له فوائد على صحة القلب. ولذا يجدر حثّ كبار السن على القيام بأي مجهود بدني حتى لو كان بقدر منخفض، مثل المشي الخفيف أو أعمال البستنة للعناية بالنباتات في الحديقة أو أي أعمال منزلية خفيفة. وبالنظر إلى انتشار أمراض القلب فإن توسيع طرق حماية كبار السن من الإصابة بها يتطلب حثهم على ممارسة أي قدر ممكن من النشاط البدني، وتجنب كثرة الجلوس والكسل».
وكان الدكتور جي آر موريس من أوائل الباحثين الطبيين في دراسة تأثيرات ممارسة الرياضة البدنية على صحة القلب والأوعية الدموية، ونشر دراسته حول هذا الأمر في عام 1961، والتي لاحظ فيها أن ثمة علاقة إيجابية فيما بينهما. ومن بعد هذه الدراسة صدرت المئات من الدراسات الطبية التي تتبعت تلك التأثيرات الإيجابية وما هي أنواع الأنشطة الرياضية البدنية المفيدة للقلب وللأوعية الدموية والمدة التي يجدر فيها ممارسة تلك التمارين الرياضية وغيرها من الجوانب التطبيقية المفيدة في تكوين نصائح طبية مبنية على إثباتات علمية. ولكن تظل مجموعة كبار السن أقل قدرة على ممارسة الأنشطة الرياضية البدنية المنصوح بها طبياً.

فوائد صحية

والملاحظ أن الإرشادات الطبية حول ممارسة النشاط البدني لنيل الفوائد الصحية القلبية تتطلب ممارسة نوعية متوسطة الشدة أو أكثر من ذلك، وهي التي قد لا يقوى على ممارستها كبار السن أو المُصابين بأمراض مزمنة أخرى تعيقهم عن القيام بذلك، وهنا نحتاج إلى إثبات علمي أن ممارسة أي قدر ممكن من النشاط البدني ستكون له فوائد إيجابية على صحة القلب وصحة الأوعية الدموية، وهو ما بالفعل تطرحه نتائج هذه الدراسة الطبية الحديثة. وكان الباحثون من جامعة أوريبرو بالسويد قد نشروا ضمن عدد 3 مايو (أيار) الماضي من مجلة «بلوس وان» الطبية PLOS ONE، نتائج دراستهم حول علاقة ممارسة أي قدر ممكن من النشاط البدني بصحة القلب والأوعية الدموية. وأفاد الباحثون بأن المشي السريع الخطوات، ولمدة 10 دقائق في اليوم له تأثيرات صحية واضحة لدى النساء على صحة القلب والأوعية الدموية لديهن. وقال الباحثون ما مفاده بأنهم قاموا بدراسة النساء فوق عمر 65 سنة باعتبارهن أقل فئات الناس نشاطاً بدنياً، وأيضاً أكثر عُرضة للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. وأن دراستهم الطبية أظهرت أهمية حثهن على ممارسة المزيد من النشاط البدني، حتى لو كان ذلك النشاط البدني على هيئة المشي السريع لفترة وجيزة من الوقت.
والمطلوب من أجل تحسين صحة القلب وتنشيط عمله، ومن أجل تحسين صحة الأوعية الدموية وتنشيط عملها، هو أمر بسيط وممكن: ترك الخمول البدني وممارسة أي قدر ممكن من النشاط البدني، وهو ما تثبت الدراسات الطبية جدواه الصحية، سواء المشي المعتاد أو المشي السريع، أو القيام بأنشطة للعناية بالحديقة أو المنزل أو غيرها من الأنشطة البدنية التي تفيد الجسم لا محالة.


مقالات ذات صلة

صحتك تمارين النهوض بالرأس من التمارين المنزلية المعروفة لتقوية عضلات البطن

لماذا قد تُغير ممارسة التمارين الرياضية لساعتين في الأسبوع حياتك؟

نصح أستاذ أمراض قلب بجامعة ليدز البريطانية بممارسة التمارين الرياضية، حتى لو لفترات قصيرة، حيث أكدت الأبحاث أنه حتى الفترات الصغيرة لها تأثيرات قوية على الصحة

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك دراسة: عادات العمل قد تصيبك بالأرق

دراسة: عادات العمل قد تصيبك بالأرق

خلصت دراسة إلى أن عادات العمل قد تهدد نوم العاملين، حيث وجدت أن الأشخاص الذين تتطلب وظائفهم الجلوس لفترات طويلة يواجهون خطراً أعلى للإصابة بأعراض الأرق

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك رجل يحضّر فنجانين من القهوة بمقهى في كولومبيا (أرشيفية - إ.ب.أ)

ما أفضل وقت لتناول القهوة لحياة أطول؟... دراسة تجيب

أشارت دراسة جديدة إلى أن تحديد توقيت تناول القهوة يومياً قد يؤثر بشكل كبير على فوائدها الصحية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)
جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)
TT

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)
جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

وذكرت أن قبل خمس سنوات، سمع العالم التقارير الأولى عن مرض غامض يشبه الإنفلونزا ظهر في مدينة ووهان الصينية، والمعروف الآن باسم «كوفيد - 19».

وتسبب الوباء الذي أعقب ذلك في وفاة أكثر من 14 مليون شخص، وأصيب نحو 400 مليون شخص في جميع أنحاء العالم لفترة طويلة، وكذلك في صدمة للاقتصاد العالمي، وأدرك زعماء العالم أن السؤال عن جائحة أخرى ليس «ماذا إذا ظهرت الجائحة؟»، بل «متى ستظهر؟»، ووعدوا بالعمل معاً لتعزيز أنظمة الصحة العالمية، لكن المفاوضات تعثرت في عام 2024، حتى مع رصد المزيد من التهديدات والطوارئ الصحية العامة العالمية.

وإذا ظهر تهديد وبائي جديد في عام 2025، فإن الخبراء ليسوا مقتنعين بأننا سنتعامل معه بشكل أفضل من الأخير، وفقاً للصحيفة.

ما التهديدات؟

في حين يتفق الخبراء على أن جائحة أخرى أمر لا مفر منه، فمن المستحيل التنبؤ بما سيحدث، وأين سيحدث، ومتى سيحدث.

وتظهر تهديدات صحية جديدة بشكل متكرر، وأعلن مسؤولو منظمة الصحة العالمية تفشي مرض الملاريا في أفريقيا، كحالة طوارئ صحية عامة دولية في عام 2024. ومع نهاية العام، كانت فرق من المتخصصين تستكشف تفشي مرض غير معروف محتمل في منطقة نائية من جمهورية الكونغو الديمقراطية، ويعتقد الآن أنه حالات من الملاريا الشديدة وأمراض أخرى تفاقمت بسبب سوء التغذية الحاد.

وتشعر القائمة بأعمال مدير إدارة التأهب للأوبئة والوقاية منها في منظمة الصحة العالمية، ماريا فان كيرخوف، بالقلق إزاء وضع إنفلونزا الطيور، فالفيروس لا ينتشر من إنسان إلى إنسان، ولكن كان هناك عدد متزايد من الإصابات البشرية في العام الماضي.

وقالت إنه في حين أن هناك نظام مراقبة دولياً يركز بشكل خاص على الإنفلونزا، فإن المراقبة في قطاعات مثل التجارة والزراعة، حيث يختلط البشر والحيوانات، ليست شاملة بما فيه الكفاية.

وتؤكد أن القدرة على تقييم المخاطر بشكل صحيح «تعتمد على الكشف والتسلسل وشفافية البلدان في مشاركة هذه العينات».

تعلمت البشرية من جائحة «كورونا» أن لا شيء يفوق أهمية الصحتَين الجسدية والنفسية (رويترز)

وتقول إن جائحة «كوفيد - 19» تركت أنظمة الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم «مهتزة حقاً»، وتبعتها قائمة طويلة من الأزمات الصحية الأخرى.

وأضافت: «بدأت الإنفلونزا الموسمية في الانتشار، وواجهنا الكوليرا، والزلازل، والفيضانات، والحصبة، وحمى الضنك. إن أنظمة الرعاية الصحية تنهار تحت وطأة العبء، وتعرضت القوى العاملة الصحية لدينا على مستوى العالم لضربة شديدة، ويعاني الكثيرون من اضطراب ما بعد الصدمة. ومات الكثيرون».

وقالت إن العالم لم يكن في وضع أفضل من أي وقت مضى عندما يتعلق الأمر بالخبرة والتكنولوجيا وأنظمة البيانات للكشف السريع عن التهديد.

وتضيف أن توسيع قدرات التسلسل الجينومي في معظم البلدان في جميع أنحاء العالم، وتحسين الوصول إلى الأكسجين الطبي والوقاية من العدوى ومكافحتها، تظل «مكاسب كبيرة حقاً» بعد جائحة «كوفيد - 19». وهذا يعني أن إجابتها عمّا إذا كان العالم مستعداً للوباء التالي هي: «نعم ولا».

وتقول: «من ناحية أخرى، أعتقد أن الصعوبات والصدمة التي مررنا بها جميعاً مع (كوفيد) ومع أمراض أخرى، في سياق الحرب وتغير المناخ والأزمات الاقتصادية والسياسية، لسنا مستعدين على الإطلاق للتعامل مع جائحة أخرى، ولا يريد العالم أن يسمعني على شاشة التلفزيون أقول إن الأزمة التالية تلوح في الأفق».

وتقول إن عالم الصحة العامة «يكافح من أجل الاهتمام السياسي، والمالي، والاستثمار، بدلاً من أن تعمل الدول على البقاء في حالة ثابتة من الاستعداد».

وذكرت أن الحل الطويل الأجل «يتعلق بالحصول على هذا المستوى من الاستثمار الصحيح، والتأكد من أن النظام ليس هشاً».

هل الأموال متاحة للاستعداد للوباء؟

وجد وزير الصحة الرواندي الدكتور سابين نسانزيمانا نفسه يتعامل مع تفشي مرضين رئيسيين في عام 2024: حالة الطوارئ الصحية العامة في أفريقيا، و66 حالة إصابة بفيروس «ماربورغ» في بلاده.

ويشارك في رئاسة مجلس إدارة صندوق الأوبئة، الذي أُنشئ في 2022 كآلية تمويل لمساعدة البلدان الأكثر فقراً على الاستعداد للتهديدات الوبائية الناشئة.

ويحذر نسانزيمانا مما إذا وصل الوباء التالي في عام 2025 بقوله: «للأسف، لا، العالم ليس مستعداً، ومنذ انتهاء حالة الطوارئ الصحية العامة بسبب (كوفيد) العام الماضي، حوّل العديد من القادة السياسيين انتباههم ومواردهم نحو تحديات أخرى، ونحن ندخل مرة أخرى ما نسميه دورة الإهمال، حيث ينسى الناس مدى تكلفة الوباء على الأرواح البشرية والاقتصادات ويفشلون في الانتباه إلى دروسه».

وقال إن صندوق الأوبئة «يحتاج بشكل عاجل إلى المزيد من الموارد للوفاء بمهمته»،

وفي عام 2022، بدأت منظمة الصحة العالمية مفاوضات بشأن اتفاق جديد بشأن الجائحة من شأنه أن يوفر أساساً قوياً للتعاون الدولي في المستقبل، لكن المحادثات فشلت في التوصل إلى نتيجة بحلول الموعد النهائي الأولي للجمعية العالمية للصحة السنوية في 2024، ويهدف المفاوضون الآن إلى تحديد موعد نهائي لاجتماع هذا العام.

جائحة «كورونا» غيّرت الكثير من المفاهيم والعادات (إ.ب.أ)

وتقول الدكتورة كلير وينهام، من قسم السياسة الصحية في كلية لندن للاقتصاد: «حتى الآن، أدت المحادثات في الواقع إلى تفاقم مستويات الثقة بين البلدان»، ولا يوجد اتفاق حول «الوصول إلى مسببات الأمراض وتقاسم الفوائد»، وكذلك الضمانات التي تُمنح للدول الأكثر فقراً بأنها ستتمكن من الوصول إلى العلاجات واللقاحات ضد مرض وبائي مستقبلي، في مقابل تقديم عينات وبيانات تسمح بإنشاء هذه العلاجات».

وتشير الأبحاث إلى أن المزيد من المساواة في الوصول إلى اللقاحات في أثناء جائحة «كوفيد - 19» كان من الممكن أن ينقذ أكثر من مليون حياة.

وذكرت وينهام: «الحكومات متباعدة للغاية، ولا أحد على استعداد حقاً للتراجع».

وقالت آن كلير أمبرو، الرئيسة المشاركة لهيئة التفاوض الحكومية الدولية التابعة لمنظمة الصحة العالمية: «نحن بحاجة إلى اتفاق بشأن الجائحة يكون ذا معنى».