الغنوشي: لا يمر شيء في البرلمان بلا موافقتنا

زعيم {النهضة} التونسية قال لـ{الشرق الأوسط} إن حبل الإرهاب قصير

الغنوشي: لا يمر شيء في البرلمان بلا موافقتنا
TT

الغنوشي: لا يمر شيء في البرلمان بلا موافقتنا

الغنوشي: لا يمر شيء في البرلمان بلا موافقتنا

قال رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي أن حركته خرجت من الحكومة ولم تخرج من الحكم، وأوضح في حديث أجرته معه «الشرق الأوسط» أن الحركة خرجت من السلطة التنفيذية لكنها لم تخرج من التشريعية، وقال «نحن لا نزال الكتلة الكبرى في الحكم وفي المجلس؛ لأنه هو أصل السلطة في البلاد، وبالتالي لا يمر شيء من دون موافقة النهضة».
وشدد الغنوشي على القول إن «تجربة سنتين كشفت لنا أن البناء الوطني لا يزال هشا لا يتحمل الصراع المفتوح بينه وبين سلطة ومعارضة، حتى كادت التجربة التونسية في العام السابق تنهار، خاصة بعد ما حدث في مصر، ولم ينقذ الوضع إلا خروج النهضة من السلطة إلى حكومة محايدة»، مؤكدا «هذا الذي أنقذ الوضع ونحن أقدمنا على أن نضحي بالسلطة من أجل شيء أثمن في تونس وهو الانتقال الديمقراطي».
وحول حظوظ حركة النهضة في الانتخابات المقبلة في تونس والمزمع إجراؤها قبل نهاية 2014، وفي تقييم لحزبه قال الغنوشي «نحن الحزب الأكثر تنظيما، والأكثر تماسكا؛ لأننا حزب مضى عليه أربعون سنة، بينما كثير من الأحزاب حديثة السن والبعض لديها سنوات قليلة لا تزال تبحث عن هويتها، وعلى كل حال مهما كانت النتيجة التي سنحصل عليها، إن توافرت لدينا فرصة للحكم فلن نحكم إلا بائتلاف واسع». «الشرق الأوسط» التقت الغنوشي في مقر حركة النهضة في تونس وكان لنا معه حديث إليكم نصه:
* كيف ترون الأوضاع في تونس الآن؟
- تونس تحتفي بتجاوز آخر عقبة في طريق مسارها الانتقالي، وذلك بعد إقرار قانونها الانتخابي الذي يعد حدثا كبيرا، وهو مواز للدستور، وأول نجاح للحوار الوطني هو انتخاب رئيس حكومة محايد، وهذه محطة سبقتها محطات أخرى مثل انطلاق الحوار الوطني في 5 أكتوبر (تشرين الأول) السنة الماضية، وهو كذلك تاريخ التوقيع على خارطة الطريق. وأرى أننا نسير على الطريق الصحيح وهدفنا واضح، وهو الوصول إلى محطة الانتخابات بعد أن استكملت شروط إجراء انتخابات وهيئة انتخابية مستقلة وقانون انتخابي وحكومة محايدة، هذه الشروط الذي وضعتها خارطة الطريق وقد استكملت. نحن نسير بثبات على الطريق الصحيح رغم الإرهابيين والاستئصاليين أعداء الديمقراطية.
* كيف تستعد حركتكم للخوض في الانتخابات المقبلة.. وهل استفدتم من تجربة الانتخابات السابقة التي جرت في أكتوبر 2011؟
- نحن لا نزال بصدد تقويم تجربة حكمنا خلال السنتين الماضيتين، لكن ما توصلنا إليه حتى الآن من النتائج أهمية الحكم الائتلافي في نجاح المراحل الانتقالية نحو الديمقراطية التي لا تتسع للصراعات المفتوحة، الصراعات تتسع لها الأنظمة الديمقراطية المستقرة، حيث يكون حزب حاكم وأحزاب معارضة.
تجربة سنتين كشفت لنا أن البناء الوطني لا يزال هشا لا يتحمل الصراع المفتوح بين سلطة ومعارضة. لقد كادت التجربة التونسية في العام السابق تنهار، خاصة بعد ما حدث في مصر وبعد اقتراف الإرهاب جريمتي اغتيال سياسي. ولم ينقذ الوضع إلا خروج النهضة من السلطة إلى حكومة محايدة، ونحن أقدمنا على أن نضحي بالسلطة من أجل شيء أثمن هو تونس، هو استقرار البلد واستمرار الانتقال الديمقراطي.
* ماذا عن قانون الإقصاء لأفراد النظام السابق؟ لماذا تراجعتم عن إدراجه في القانون الانتخابي؟
- لا نعتقد أن هذا القانون يخدم المصلحة العامة أو يخدم مسار الانتقال الديمقراطي، بل كان سيؤدي إلى عودة الاحتقان والتنازع الشديد، مما يؤثر على تقدم المسار الانتقالي باتجاه الانتخابات. مثلما قلنا في السابق يجب على سفينة تونس أن تبحر بجميع أبنائها، لا أن تلقي بعضهم خارجها. أيضا نحن لسنا أوصياء على الشعب، ونؤمن بأن الشعب واع وله القدرة على اختيار الأفضل؛ لذا نترك له الحرية في الاختيار دون وصاية. أما عن مظالم الماضي والمحاسبة فنحن لا نعتقد أن المحاسبة الجماعية عادلة أو حتى فعالة. وقد رأينا في بلدان أخرى نتائج محاولات الإقصاء والمحاسبة والاجتثاث بالجملة وما أدت إليه من كوارث. ولكن هذا لا يعني أن نهمل هذا الموضوع، بل نعتقد أن العدالة الانتقالية عن طريق هيئة الحقيقة والكرامة التي أحدثت أخيرا من قبل المجلس الوطني التأسيسي، نعتقد أنها ستساهم في فتح ملفات الماضي بطريقة تهدف إلى تحديد المسؤولية فرديا وليس جماعيا، وتهدف إلى الكشف عن الحقيقة، كما تشجع الضحايا على الصفح والعفو وليس الانتقام. نعتقد أن هذه المقاربة ستمكن بلادنا من معالجة جراح الماضي بطريقة تمكننا من الانطلاق إلى المستقبل دون توريث العداوات للأجيال الجديدة.
* بالنسبة للمتابعين للوضع السياسي والمحللين غالبا ما كان خطابهم للنهضة هو نفس الخطاب لـ«الإخوان»، ومواقفهم من حركتكم على أنها النسخة التونسية لإخوان مصر ما رأيكم في هذه الآراء، وهل هذا صحيح وإن لم يكن كذلك، كيف تختلف «النهضة» عن «الإخوان»؟
- هؤلاء محكومون بما يسمى بالتفسير التآمري للتاريخ، فكل حدث وراءه مؤامرة، بالنسبة لهم مثلما في الدين هناك تفسير باطني كذلك في السياسة هناك أيضا تفسير آخر، كل ما تراه ليس صحيحا والصحيح ما وراء ذلك، الجميع تابعوا الحوار الوطني الذي شارك فيه 22 حزبا، وهذا الحوار دام عدة أشهر أفضى إلى الاتفاق على شخصية محايدة لم يتهمها أحد بانتمائها للنهضة، هي شخصية المهدي جمعة والوزراء الذين مروا على المجلس التأسيسي مجلس متنوع لم توجه إلى أحد منهم من الوزراء تهمة انتماء للنهضة أو لغير النهضة، فمن أين أتت فكرة أن هذه الحكومة «مريونات» يعني لعبة والنهضة تدير خيوطها النهضة؟ هذه الحكومة استغنت أو طردت العشرات والمئات ممن عينتهم النهضة ونحن قبلنا ذلك على مضض رغم أن بعض من استغني عنهم الكفاءة متوافرة فيهم، ولكن المشكل أنهم متهمون بالانتماء إلى النهضة وبعضهم لا ينتمون ولكن فقط تبدو عليهم مظاهر التدين، على كل حال نحن ننظر إلى المشهد العام ولا نقف عند الجزئيات، يعني المشهد العام أننا إزاء حكومة محايدة ومستقلة شارك الجميع في تشكيلها بالتوافق وبالتالي لا مجال للحديث عن مؤامرة.
* ماذا يحدث في ليبيا، وما هو موقفكم من التطورات هناك؟
- استقرار تونس وأمنها هو من استقرار ليبيا لذا نهتم بصورة كبيرة بما يحدث في ليبيا. نأمل أن يبتعد الجميع عن منطق التقاتل وعن استعمال السلاح لفض الخلافات لأن هذا سيقود إلى حرب سوف يكون الجميع خاسرا فيها. ندعو إخواننا في ليبيا إلى حوار وطني لا يقصي أحدا وذلك حتى يساهم الجميع في صنع مستقبل بلدهم التي حباها الله بخيرات وافرة كافية بإسعاد الجميع لو التزموا منطق التعايش بدل الإقصاء والتنابذ. نحن في تونس مستعدون للتعاون مع الأخيرين للقيام بمساع حميدة بين جميع الأطراف جميع الأطراف الليبية المختلفة إن رغبوا، فمنطق السلاح لحل الاختلافات بين أبناء الوطن الواحد مهلك للجميع.
* لكن رغم ما ذكرتموه ما زال الكثير يتداولون في تونس أن «النهضة» هي المسير الحقيقي لأمور البلاد، والحكومة مجرد واجهة..
- أنا قلت بأن النهضة خرجت من الحكومة ولم تخرج من الحكم، وأقصد أنها لم تخرج من الحكم باعتبارها أن الحكم جملة من السلطات الثلاث، خرجنا من السلطة التنفيذية صحيح لكن لم نخرج من السلطة التشريعية، ونحن لا نزال الكتلة الأكبر في الحكم وفي المجلس التأسيسي لأنه هو أصل السلطة في البلاد، والنهضة هي الكتلة الأكبر فلا يمر شيء من دون موافقة النهضة.
* حتى في ما يخص السلطة التنفيذية هناك كتلتان، كتلة تشكك في خروج «النهضة» من الحكومة، وأخرى تقول بأن «النهضة» اختارت الانسحاب من السلطة التنفيذية لأنها رأت مصير «الإخوان» في مصر.. فهل صحيح أن مصير «الإخوان» في مصر كان صدمة وجعلكم تراجعون موقفكم وتواجدكم على الساحة السياسية؟
- ما حصل في مصر غير موازين القوى في المنطقة، والسياسة هي قراءة في موازين القوى. ما حصل كان يمكن أن نقرأه بطريقة أخرى، يمكن أن لا نبالي بما حصل خاصة أن حكومتنا كانت شرعية، ولنا أغلبية في البرلمان، وشارعنا هو الأوسع والأكبر، ولكن السياسة لا ينبغي أن تتجاهل موازين القوى الداخلية والخارجية بل ينبغي أن تتفاعل مع ما يحدث من تطور، والسياسي الحكيم هو الذي يستوعب موازين القوى ويقرأ المتغيرات ويستوعبها وينسج سياسة موافقة للموازين الجديدة وإلا فقد السيطرة.
* ما هو الخطأ الذي وقع فيه «الإخوان» في مصر وجعلهم يفقدون السيطرة؟
- يجب ألا ننسى أن «الإخوان» في منطق الديمقراطية هم مظلومون لأنهم انتُخِبوا في أكثر من انتخابات.. ففي نحو ست انتخابات كانوا هم الفائزين. قد يكون «الإخوان» ارتكبوا أخطاء في قراءاتهم للوضع، وفي قراءاتهم لموازين القوى وعدم مراعاتهم لدور الآخرين، لكن الأخطاء في الديمقراطية واردة، وإصلاحها لا يكون من خارج الديمقراطية وإنما من داخلها عبر الانتخابات وليس الانقلابات. وفي كل الحالات، الأوضاع مختلفة بين تونس ومصر، في الموقع الجغرافي، الموقع الجغرافي المصري غير الموقع الجغرافي التونسي، مصر في منطقة حساسة، تونس موقعها مهم ولكن ليست بنفس الأهمية، أيضا الوضع السكاني، تركيبة السكان هنا في تونس دين واحد ومذهب واحد، فلا توجد طوائف ولا جيش أدمن السلطة، كما أنه في سوريا هناك طائفة موالية، لكن في تونس لا توجد كتلة صماء مع الحاكم، هنا التركيب السكاني ليس مهيكلا والنواب في البرلمان ينتقلون من حزب إلى حزب كسياحة، وصورة النهضة منذ سنة غير صورتها الآن، فقد تحسنت بسبب مواقفها. هذا هو المجتمع (التونسي) فيه مرونة.
* الشيخ الغنوشي قدم النصيحة لـ«الإخوان» في مصر لكنهم رفضوا وقالوا بأن أهل مكة أدرى بشعابها، ولم يكونوا قريبين من نبض الشارع وغايتهم كانت السلطة والمناصب وأصابهم الغرور.. ولم يستفيدوا من الثورة التونسية.. ما تعليقكم؟
- هذا متعلق بالرسالة المزعومة التي تداولتها وسائل الإعلام، وفندها مكتبي.. لا وجود لهذه الرسالة وهي محض خيال أو افتراء. أولا نحن نتمنى كل الخير لشعب مصر كله ولا نريد لهذه الدولة التي هي قلب الأمة العربية أن تضعف أو أن تعصف بها الانقسامات والاضطرابات. إذا صلح حال مصر صلح حال الأمة العربية، وإذا ضعفت فهذا يضعف كل المنطقة العربية. نتمنى أن تكون مصر لكل أبنائها وأن يسودها التوافق والسلام لأنها ركيزة الاستقرار والتقدم والنهوض في الأمة، المشكل الآن ليس مشكل الإخوان وإنما مشكل المشروع الديمقراطي ومشكل استقرار أهم بلد في العالم العربي وذلك حتى نواجه التحديات الكبرى التي تواجه الأمة العربية. أمن مصر واستقرارها من أمن واستقرار وقوة الأمة العربية.
* مرونة المجتمع التونسي ساعدت في تسهيل الاتفاق بين الحكومة وحركة النهضة، لكن ثمة عوامل خارجية مثل الوضع في سوريا، وفي ليبيا.. يعني هذا التأثر الفكري في الجهاد دفع الغرب إلى التخوف، فهم يراقبون الأوضاع في تونس بحذر، خاصة مع حكم «النهضة»..
- الغرب ينظر لـ«النهضة» على أنها عنصر استقرار، لأن الحركة احترمت العلاقة مع أوروبا، لأن أكثر من 85 في المائة من مبادلاتنا مع الاتحاد الأوروبي، كما أن العلاقة التاريخية قديمة بين ضفتي المتوسط. لذا رأت «النهضة» أنه يجب أن تستمر هذه العلاقة. ولذلك خلال السنتين الماضيتين لم تتأزم العلاقة مع أوروبا، بل تطورت من اتفاقية شراكة عادية في عهد بن علي إلى اتفاقية شراكة متقدمة خلال عهد الترويكا بقيادة «النهضة». العلاقة تطورت بسبب تقدم تونس على مسار الانتقال الديمقراطي، وبسبب أن نجاح هذا المسار هو مصلحة مشتركة لتونس وجيراننا الأوروبيين. والرؤساء والمسؤولون الأوروبيون الذين زاروا تونس خير شاهد على دعم أوروبا لتونس. إن حكم «النهضة» كذب في الحقيقة الادعاءات التي كانت تتردد بأن حكم الإسلاميين حكم جامد، وبأنهم سيلغون الديمقراطية وسيفرضون نمطا من العيش المنغلق، ويفرضون الحجاب، ويمنعون دور اللهو والغناء والسينما والشواطئ. الذي حصل بعد سنتين كذّب كل هذا، فالإسلاميون برهنوا على أنهم ديمقراطيون، وأنهم أيضا مع التداول على السلطة وليسوا متشبثين بها، والدليل على ذلك أنهم خرجوا من السلطة دون انقلاب ودون حتى انتخابات، وذلك من أجل مصلحة البلاد. أيضا حكموا وتحالفوا مع حزبين علمانيين، وبرهنوا على أن الإسلاميين والعلمانيين يمكن أن يحكموا مع بعضهم بدل التحارب والتقاتل. التونسيون لم يشعروا بأن هناك نمط عيش يفرض عليهم، فالمرأة تختار نمط حياتها، ودور اللهو لم يجر إغلاقها، وما تغير فقط أن غطاء الرأس كان ممنوعا في عهد بن علي، وأصبح ممكنا في عهد «النهضة»، وبقيت المرأة حرة في لباسها. الشواطئ ظلت مفتوحة، واستقطبت تونس 6 ملايين سائح، والذي يريد كذلك أن يتعامل مع البنك الإسلامي له الحرية، كذلك الشأن مع البنك غير الإسلامي. إذن الذي وفره حكم «النهضة» هو الحرية، والشعب التونسي يختار نمط حياته، ومن شاء أن يترك فهو حر.
* ذكرتم أنه خلال العام الماضي كانت لـ«النهضة» صورة، وأنها تحسنت هذا العام.. هل هذا يجعلكم مطمئنين أكثر للانتخابات القادمة وأن حظوظها أوفر.. وهل يمكن القول إنها متقدمة على بقية الأحزاب كما رددتم في مناسبات مختلفة؟
- كل حزب يزعم أنه الأكبر، والانتخابات هي التي ستكشف. نحن نقول إننا الحزب الأكثر تنظيما والأكثر تماسكا لأننا حزب مضى عليه أربعون سنة، بينما كثير من الأحزاب حديثة السن، وبعضها مرت عليها سنوات قليلة ولا تزال تبحث عن هويتها. وعلى كل حال مهما كانت النتيجة التي سنحصل عليها فإن توافرت لدينا فرصة للحكم فلن نحكم إلا بائتلاف واسع.
* استقالة أمين عام الحركة حمادي الجبالي أثارت جدلا وحديثا عن وجود خلافات عميقة داخل الحركة.. هل هذا صحيح؟
- لا هذا غير صحيح، الأستاذ حمادي الجبالي استقال من منصبه وليس من الحركة. أنا لا أقول إن حزبنا ليست فيه خلافات، وهناك بعض الأشخاص استقالوا، وهذا أمر معتاد، فـ«النهضة» ليست حزبا حديديا يغلق عليه الأبواب، وإنما هي حركة مفتوحة وفيها نقاش، ورئيس الحركة لم ينتخب بـ99.9 في المائة، وانتخب فقط بـ70 في المائة، وهذا دليل آخر على أن «النهضة» تحكمها مؤسسات. هناك اختلافات داخل «النهضة» وتيارات، لكنها كلها تلتقي في الإسلام الوسطي، تلتقي على رفض العنف، وحكم المؤسسات، وعلى القبول بالنظام الديمقراطي، وبعد ذلك هناك آراء كثيرة تتفاعل داخل «النهضة»، وداخل مؤسسات «النهضة» القوانين هي التي تقرر ويلتزم بها الجميع.
* في تقييمكم لحكومة المهدي جمعة، هل ترون أنها ستوفر طريقا آمنا حتى الوصول إلى مرحلة الانتخابات.. هل ستنجح في ذلك أمنيا واجتماعيا وعلى كل المجالات؟
- هذا ما نعول عليه، وما نتوقعه، لأنها حكومة ليست مرهقة بالتجاذبات التي كانت عليها الحكومات السابقة، فتوجد معارضة خفيفة لا معارضة حزبية، لأنها حكومة محايدة ومهمتها الأصلية توصيل البلاد إلى الانتخابات، وبالتالي مطلوب من الجميع دعمها حتى تقود المركب إلى شاطئ الأمان، فالأصل أنها حكومة من حكومات الثورة. الثورة جاءت لتحقق هدفين، الهدف الأول الحرية، وهذه قد تحققت بصدور الدستور وهيئة القانون الانتخابي، والحرية لم تعد مجرد شعار وإنما أصبحت مؤسسات. والهدف الثاني للثورة هو الهدف الاجتماعي والاقتصادي في توفير الشغل للعاطلين وتحسين الوضع الاقتصادي الموجود اليوم في تونس والذي يستحق أن يعاد النظر فيه. والتحديات كبيرة في هذا المجال، والسيد جمعة اختار طريقا مناسبا هو الحوار الوطني الاقتصادي، لأن تونس اكتشفت أهمية الحوار الوطني السياسي الذي أوصلنا إلى الدستور، فحكومة السيد جمعة دخلت بالبلد في حوار آخر، حوار وطني – اقتصادي، من أجل أن يشترك الجميع في مواجهة التحديات الاقتصادية الأخرى، وهذه لا تواجهها حكومة واحدة أو حزب واحد، بل تواجهها المجموعة الوطنية باختيارات، واختيارات قد تكون موجعة وينبغي أن يتحمل الجميع مسؤوليتها، والسيد مهدي جمعة يؤكد أنه مقدم على هذه الخيارات لكنه مرتبط بالميثاق الوطني.
* ما تعليقكم على أحداث القصرين ليلة الثلاثاء الماضي، حيث سقط أربعة قتلى من رجال الأمن؟
- أولا نترحم على شهداء الوطن الذين اغتالتهم يد الغدر الإرهابي، ونعزي أهاليهم، ونرجو الشفاء للجريحين. كما ندين هذه الجريمة النكراء التي ارتكبتها أيادي الإرهاب الآثمة التي لا تتردد في إهدار دم التونسيين وإشاعة القتل والفوضى في خيانة للدين والوطن. هذه المجموعات الإرهابية المتطرفة هم خوارج هذا العصر، والإسلام بريء من أعمالهم وجرائمهم. الإسلام ليس إرهابا وقتلا، لكنه رحمة وتضامن وتراحم. نتضامن مع أجهزتنا الأمنية والعسكرية ونحييها على ما تقدمه من تضحيات للدفاع عن الوطن، وننادي جميع شعبنا بجميع قواه أن يقف صفا موحدا وراء قواتنا الأمنية والعسكرية ضد هذا المرض. كما ننبه أن هذه الجريمة لا تستهدف فقط وزير الداخلية في شخصه، ولكن تستهدف ما يرمز له من مؤسسات الدولة والحكومة المستقلة. ومن يقف وراء ذلك يستهدف إفشال مسار الانتقال الديمقراطي. لكننا واثقون أن حبل الإرهاب قصير، وأنه لا مستقبل له في تونس، لأن الشعب التونسي شعب معتدل مسالم يرفض العنف والإرهاب. كلنا ثقة في أن هذه العملية هي عملية شاذة، وأن قواتنا الأمنية تستمر في التقدم في تفكيك شبكة الإرهاب والقضاء على هذه الظاهرة المرضية.



مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان
TT

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

لم يصدف في التاريخ أن كانت الحرب معزولة عن السياسة. فالحرب هي السياسة، لكن بوسائل أخرى، حسب كارل فون كلوزفيتز. والحرب تُخاض لأهداف سياسية بحتة، شرط أن تكون هذه الأهداف قابلة للتحقيق. والعكس قد يعني أن استراتيجيّة الحرب المرسومة سوف تناقض طبيعتها. فاستراتيجيّة الحرب بشكل عام، هي تلك الطريقة (الكيف في التنفيذ) التي تربط الأهداف بالوسائل، شرط التوازن بين الاثنتين.
أن تدخل الحرب بثقة زائدة، متجاهلاً الكثير والكثير من متطلّبات النجاح، لهو أمر قاتل. وأن تدخل الحرب ومفتاح نجاحها بيد الأعداء، لهو أمر يعكس السطحيّة الاستراتيجيّة للمخطّطين. لكن المصيبة تكمن، بالثمن المدفوع لأي تعثّر. فمن يرِدْ أن يكون قوّة عظمى فعليه تجميع عناصر القوّة لمشروعه.
وإذا تعذّر ذلك، فعليه ابتكار استراتيجيّة فريدة من نوعها، تجمع «القوّة الطريّة» مع القوّة الصلبة، بهدف التعويض عن أيّ نقص من عناصر القوّة.

فشل منظومة بوتين
لردع الغرب!
لم يستطع الرئيس بوتين وبعد سنة على عمليته العسكريّة في أوكرانيا، تركيب منظومة ردعيّة فاعلة وقادرة على تسهيل حربه. بكلام آخر، لم تنفع استراتيجيّته والمُسمّاة استراتيجيّة الرجل المجنون (Mad Man Theory)، في ردع الغرب. فهو أراد حماية حربه التقليديّة بمظلّته النوويّة، مُظهراً نفسه لاعباً غير عقلانيّ (Irrational). فمن التهديد النوويّ المتكرّر من قبله، ومن قبل الرئيس الروسي السابق ميدفيديف، إلى وزير الخارجيّة سيرغي لافروف. كان ردّ الغرب عبر اتباع استراتيجيّة القضم المُتدرّج لخطوط بوتين الحمراء.
وللتذكير فقط، استعمل الرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون، وبالتعاون والتنسيق مع هنري كيسنجر، استراتيجيّة الرجل المجنون في حربه على فيتنام. فصوّر نيكسون نفسه آنذاك على أنه لاعب غير عقلاني قد يذهب إلى استعمال النووي في حال لم تلبَّ مطالبه، وذلك مقابل حركيّة كيسنجر العقلانيّة لإيجاد مخرج من مستنقع فيتنام.

من يريد كلّ شيء، قد
لا يحصل على شيء
وضع الرئيس بوتين لنفسه أهدافاً تعجيزيّة. من طلبه عودة وضع حلف «الناتو» إلى منتصف التسعينات، إلى إلغاء الدولة الأوكرانيّة، وضمّها إلى روسيا على أنها جزء لا يتجزّأ من مناطق النفوذ الروسيّ، إلى قيادة الانتفاضة العالميّة ضد الإمبرياليّة الأميركيّة، إلى رسم نظام عالميّ جديد تكون فيه روسيا لاعباً كونيّاً وقوّة عظمى على غرار أميركا والصين. كلّ ذلك، باقتصاد ودخل قوميّ يوازي الدخل القومي لمدينة نيويورك. كل ذلك مع تصنيع حربيّ متواضع، يعود أغلبه إلى أيام الاتحاد السوفياتيّ، ودون تصنيع محلّي للشرائح الذكيّة، التي تعد حيويّة لتشغيل أسلحة القرن الحادي والعشرين. كل ذلك مع جيش أغلبه من الأقليات التي تعيش في المناطق النائية وعلى هامش حياة الشعب الروسي في المدن الرئيسّية. جيش لا يحسن القتال المشترك للأسلحة (Combined). جيش مؤلّف من عدّة جيوش، منها الجيش الروسيّ الرسمي، إلى الفرق الشيشانيّة، وحتى شركة «فاغنر» الخاصة. حتى إن هذه الجيوش لا يقاتل بعضها مع بعض، وهي ليست على وفاق، لا بل تتصارع علناً، إن كان حول الاستراتيجيات العسكريّة، أو حتى في طريقة إدارة الحرب. جيش لم يخطط للسيناريو السيّئ، فوقع في فخ الرضا المسبق عن الذات.
بوتين الحائر
بين الاستراتيجيّة والتكتيك
في المرحلة الأولى للحرب حول كييف، خسر بوتين في الاستراتيجيّة والتكتيك. غيّر الاستراتيجيّة وتوجّه نحو إقليم الدونباس فحقق نجاحات تكتيكيّة، لكنها لم تُصَب وتتراكم لتؤمّن النجاحات الاستراتيجيّة.
بعد الدونباس، خسر الرئيس بوتين التكتيك في إقليم خاركيف، كما أجبر على الانسحاب من مدينة خيرسون. وبذلك، تراكمت الخسائر التكتيكيّة والاستراتيجيّة على كتف الرئيس بوتين لتعيده إلى مربّع الخسارة الأول حول العاصمة كييف.

التقييدات على سلوك بوتين
في المرحلة المقبلة
• لا يمكن للرئيس بوتين أن يخسر مرّتين متتاليتين في أوكرانيا.
• فالخسارة تعني بالحدّ الأدنى الإطاحة به سياسياً، حتى ولو لم تتظهّر معارضة داخلية حتى الآن.
• تاريخيّاً، لا مكان للضعفاء في الكرملين. فكلمة الكرملين وهي من أصل تتريّ، تعني القلعة المُحصّنة. وكلّما كان هناك تعثّر عسكريّ روسي في الخارج، كان التغيير السياسي في الداخل النمط المعتاد.
• لا بد للرئيس بوتين من تقديم نصر عسكريّ للداخل الروسي، حتى لو كان محدوداً. وقد يكون هذا النصر في إقليم الدونباس أولاً، وفي إقليم زابوريجيا ثانياً. فهو قد ضمّ هذين الإقليمين إلى جانب إقليم خيرسون.
• لكن السيطرة على الأقاليم الثلاثة: الدونباس وزابوريجيا وخيرسون، بأكملها، ليس بالأمر السهل، وذلك استناداً إلى التجارب السابقة مع الجيش الروسيّ. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لم يستطع الجيش الروسي، و«فاغنر» إسقاط مدينة بخموت حتى الآن، وبعد مرور أكثر من سبعة أشهر على العمليّة العسكريّة حولها.

المنتظر من بوتين
• بدل النوعيّة أغرق الرئيس بوتين الجبهات بالكميّة، خصوصاً من العسكر الجديد. ألم يقل الزعيم السوفياتي الراحل جوزيف ستالين: «إن للكميّة نوعيّة بحد ذاتها؟»، وبذلك يحاول بوتين اختبار جاهزيّة الانتشار الأوكراني على طول الجبهة لرصد نقاط الضعف.
• تقول المعلومات إن الجيش الروسي قد حشد كثيراً من الطائرات الحربيّة والطوافات على حدود أوكرانيا استعداداً لاستعمالها في المعركة المقبلة، خصوصاً أن جاهزيّة السلاح الجويّ الروسي تتجاوز نسبة 80 في المائة.
• كما تقول المعلومات إن التجمعات العسكريّة بدأت تظهر داخل الأراضي الروسيّة خصوصاً في مدينة كورسك، التي تقع خارج مدى راجمات «الهايمرس».
• يحاول الرئيس بوتين استرداد زمام المبادرة من يد الجيش الأوكراني، وذلك استباقاً لوصول المساعدات الغربيّة، خصوصاً الدفاعات الجويّة ودبابات القتال الرئيسيّة.
• وأخيراً وليس آخراً، قد يحاول الرئيس بوتين زرع الفوضى في المحيط الجغرافي لأوكرانيا، إن كان في مولدوفا، أو انطلاقاً من إقليم كاليننغراد الروسي والواقع على بحر البلطيق. هذا عدا إمكانيّة ضرب خطوط الإمداد لأوكرانيا على ثلاثة ممرات بريّة؛ تمرّ عبر كل من: سلوفاكيا ورومانيا وبولندا.
في الختام، هذه هي صورة الجبهّة الروسيّة. لكن رقصة «التانغو» بحاجة إلى شخصين كي تكتمل. فكيف ستكون عليه الجاهزيّة الأوكرانيّة؟ خصوصاً أننا عاينّا في هذه الحرب نماذج الحرب من العصر الزراعي، كما من العصر الصناعي، ودون شكّ من العصر التكنولوجيّ.
بعد عام على الحرب... هل باتت روسيا أكثر أمناً؟
مستقبل الحرب... واحتمالات توسعها وخروجها عن السيطرة
كيف أساءت روسيا تقدير موقف ألمانيا؟
أوروبا... تساؤلات حول مآلات الدعم لأوكرانيا
الأزمة... والدور «المشلول» لمجلس الأمن