أنماط التغذية... وتأثيراتها على قلبك

صرعات غذائية مفيدة للحد من تناول الدهون المتحولة والسكريات والملح

أنماط التغذية... وتأثيراتها على قلبك
TT

أنماط التغذية... وتأثيراتها على قلبك

أنماط التغذية... وتأثيراتها على قلبك

لقد تغير نوع وكمية الدهون والكربوهيدرات والسكر والملح في طعامك بمرور السنوات، سواء كان ذلك نحو الأفضل أو الأسوأ. هل تذكر متى كانت الأطعمة المعبأة التي تحمل عبارة «خال من الدهون» منتشرة؟ ثم ظهرت بعد ذلك الملصقات التي تعلن بفخر أن المنتج «لا يحتوي على أي غرامات من الدهون غير المشبعة أو المتحولة»، وسرعان ما لحقت بها ملصقات «خال من السكر»، و«قليل الصوديوم»؛ أما الصيحة هذه الأيام فهي عبارة «خال من الغلوتين».
تعبر تلك التوجهات في صناعة الأغذية في أغلب الأحوال عن أنماط التغذية الشائعة في وقتها، وتستهدف تحسين الصحة، وبخاصة صحة القلب والأوعية الدموية؛ فليس ذلك لأن أمراض القلب هي السبب الأول للوفاة في البلاد فحسب، بل لوجود أدلة قوية على أن خيارات التغذية السليمة قد تساعد في الوقاية من الإصابة بالأزمة القلبية والسكتة الدماغية. مع ذلك، إلى أي مدى نجحت تلك الجهود والمحاولات؟
يقول الدكتور والتر ويليت، أستاذ التغذية وعلم الأوبئة في كلية الصحة العامة بجامعة هارفارد: «إن الصورة مختلطة، لكن بوجه عام أعتقد أننا نسير في الاتجاه الصحيح». ويرى أن التغير الأكبر والنجاح الأهم هو عدم استخدام الدهون غير المشبعة في تصنيع الأطعمة المعالجة.

مشكلة الدهون المتحولة
المصدر الرئيسي للدهون المتحولة trans fats الضارة هو الزيوت المهدرجة. والزيت المهدرج هو المكون المفضل لفترة طويلة في صناعة الغذاء؛ نظراً لثمنه الزهيد، وسهولة استخدامه، ومدة صلاحيته الطويلة. وقد استمرت صناعة الأطعمة السريعة المقلية، والمخبوزات، والمقرمشات، ورقائق البطاطس، والسمن النباتي لعقود من الزيوت المهدرجة.
مع ذلك، في التسعينات بدأ الباحثون في جامعة هارفارد دق ناقوس الخطر، والإشارة إلى التأثير الضار للدهون المتحولة على الصحة. إذ تتسبب تلك الدهون في تكون الكولسترول الضار أو الدهون منخفضة الكثافة، وهو ما يزيد احتمالات تجلط الدم، وحدوث التهاب في الجسم، وهو ما يؤدي بدوره إلى احتمال الإصابة بأمراض القلب. وبدأت إدارة الغذاء والدواء في عام 2003 اشتراط توضيح استخدام الدهون المتحولة على الملصقات الغذائية من أجل رفع وعي المستهلك. نتيجة لذلك؛ اختارت الكثير من الشركات الامتناع عن استخدام الدهون المتحولة في المنتجات الخاصة بها.
وأعلنت مدينة نيويورك في عام 2007 حظر استخدام الدهون المتحولة في الأطعمة المبيعة في الأماكن العامة، وبدأت الفائدة الصحية تظهر في غضون بضع سنوات. وقد اكتشفت دراسة حديثة انخفاض معدل الإصابة بالأزمة القلبية، والسكتة الدماغية في المناطق الحضرية التي نفذت حظر استخدام الدهون المتحولة، مقارنة بالمناطق الأخرى التي لم تنفذ ذلك الحظر. من المقرر العمل بهذا التوجه الصحي في كل المقاطعات التي أسهمت في القرار الذي أصدرته إدارة الغذاء والدواء بمنع استخدام الدهون المتحولة في الأطعمة بحلول يونيو (حزيران) 2018.
ويقول ويليت: «تخلصت المنتجات الغذائية في الوقت الحالي من نحو 85 في المائة من الدهون المتحولة». وحلت الدهون غير المشبعة unsaturated fats الأكثر صحية، مثل تلك الموجودة في زيت الزيتون، وزيت الذرة، وزيت الكانولا، وزيت زهرة عباد الشمس، وزيت العصفر، محل تلك الدهون المتحولة إلى حد كبير.
وتحتوي بعض المنتجات حالياً على كمية صغيرة من الدهون المشبعة saturated fat غير المحببة كثيراً مثل تلك الموجودة في زيت جوز الهند وزيت النخيل. مع ذلك، بدأ الحد من استخدام الدهون غير المشبعة في الكثير من المنتجات، التي تتم إعادة تصنيعها، دون أن تتم زيادة الدهون المتحولة بحسب مسح شمل 83 علامة تجارية لمنتجات، وأطباقا تقدم في المطاعم. ويشير الدكتور ويليت إلى أن تلك التغيرات قد ساهمت في تحسن جودة الدهون في الولايات المتحدة الأميركية. ويساعد هذا التوجه في تفسير سبب تمتع الأشخاص الذين يتناولون أغذية تحتوي على كمية كبيرة من الدهون، وبخاصة غير المشبعة، أفضل من الذين يتناولون أغذية تحتوي على كمية قليلة من الدهون، بحسب ما تشير دراسة أجراها الدكتور ويليت وزملاؤه العام الماضي.

كارثة الكربوهيدرات
تبين أن الهوس بقلة الدهون، الذي ساد خلال فترة الثمانينات، كانت له نتائج غير مقصودة، وغير صحية. واتباعاً للاتجاه الغذائي الرائج، خفضت الشركات المصنعة للطعام الدهون من منتجاتها. مع ذلك كثيراً ما كانوا يستخدمون بدلا من الدهون الكربوهيدرات المكررة مثل الدقيق الأبيض، والسكر، حيث بدأ الأميركيون يتناولون كمية أكبر من الكربوهيدرات مثل المعكرونة، والبطاطس، والخبز الأبيض، والحلويات. مع ذلك؛ لا يساعد تناول كمية أقل من الدهون بالضرورة في إنقاص الوزن، بل قد يساهم النظام الغذائي، الذي يحتوي على قدر كبير من الكربوهيدرات المكررة، في زيادة الوزن، والإصابة بالنوع الثاني من مرض السكري، وأمراض القلب.
ومثلما هو الحال في الدهون، فإن بعض الكربوهيدرات صحية أكثر من غيرها. وتشمل الخيارات الأفضل لها المنتجات من الحبوب الكاملة غير المعالجة، أو التي خضعت لقدر ضئيل من المعالجة، مثل خبز القمح الكامل، وخبز الجاودار، والأرز البني، وقمح البرغل، والشوفان، والذرة، وتورتيلا الذرة. وتشير استطلاعات الرأي الحديثة الخاصة بالأنظمة الغذائية إلى زيادة بطيئة لكن ثابتة الخطى في تناول الحبوب الكاملة في الأنظمة الغذائية للأميركيين. وتمثل تلك المواد مصادر جيدة للمواد المغذية التي تحمي القلب مثل الألياف، والفيتامينات، والمعادن.

الغلوتين
هل هناك وجه اعتراض على الحبوب؟ تحتوي بعض الحبوب مثل القمح، والشعير، والجاودار، على الغلوتين، وهو بروتين جذب الانتباه كثيراً خلال السنوات القليلة الماضية. ورغم انتشار التوجه نحو تناول الأغذية الخالية من الغلوتين، لا يوجد دليل قوي يدعم فائدة اتباع هذا النظام الغذائي بالنسبة لأكثر الناس على حد قول الدكتور ويليت. من الاستثناءات الأشخاص المصابون بالداء الجوفي celiac disease،، الذي تبلغ نسبتهم نحو واحد في المائة من السكان. ويتسبب تناول هؤلاء المرضى للغلوتين في إثارة وتهيج جهاز المناعة، وتحفيزه على مهاجمة الأمعاء الدقيقة؛ مما يؤدي إلى حدوث التهاب، وألم وظهور أعراض أخرى مزعجة. كذلك، هناك مجموعة من الأشخاص، الذين يقولون إنهم يشعرون بأنهم في حال أفضل عند الامتناع عن تناول الأغذية التي تحتوي على الغلوتين، وربما يكون لديهم حساسية تجاه الغلوتين، لكن هذه الحالة غير موثقة بشكل منضبط.
وحسب استطلاع رأي أجراه المركز القومي لتقارير المستهلكين، يعتقد 63 في المائة من الأميركيين أن النظام الغذائي الخالي من الغلوتين قد يساعد في تحسين الصحة البدينة والنفسية. كذلك يخفض نحو ثلث المشاركين كمية الغلوتين التي يتناولونها؛ أملا في أن يحسن ذلك صحتهم ويقيهم من الأمراض.
في الواقع، قد يكون العكس هو الصحيح، فقد أشارت دراسة حديثة أجرتها جامعة هارفارد إلى أن الأشخاص، الذين يتجنبون تناول الغلوتين، قد يتناولون كمية أقل من منتجات الحبوب الكاملة. كذلك قد تحتوي المنتجات الغذائية المعلبة الخالية من الغلوتين على كمية أكبر من السكر، والدهون، والملح مقارنة بالمنتجات المماثلة التي تحتوي على غلوتين.
لا يمكن القول إن النظام الغذائي الخالي من الغلوتين سيئ بطبيعته، لكن الطريقة التي تحول بها إلى نظام معتاد ليست بالضرورة صحية، على حد قول الدكتور ويليت. ينبغي أن يحرص الأشخاص، الذين يحتاجون إلى أو يرغبون في تجنب تناول القمح، على تناول حبوب كاملة خالية من الغلوتين مثل الأرز البني، والشوفان، والحنطة السوداء، والكينوا.

السكريات
هل السكر نافع أم ضار؟ الكربوهيدرات التي تمثل التهديد والخطر الأكبر على صحة القلب هي الكربوهيدرات البسيطة المكررة، وبخاصة السكر. هناك علاقة بين النظام الغذائي، الذي يحتوي على كمية كبيرة من السكر، وبين زيادة احتمالات الإصابة بأمراض القلب حتى لدى الأشخاص الذين لا يعانون من السمنة. وتمثل المشروبات المحلاة بالسكر مثل المشروبات الغازية، ومشروبات الطاقة، والمشروبات الرياضية المصدر الأكبر للسكر المضاف الذي يتضمنه النظام الغذائي الشائع بين الأميركيين. مع ذلك، توضح بيانات صدرت حديثاً أن استهلاك المشروبات السكرية قد انخفض بنحو 25 في المائة في الولايات المتحدة الأميركية خلال السنوات العشر الأخيرة بفضل حملات التوعية، ومنع بيع المشروبات الغازية في المدارس. كذلك، يبدو أن تشجيع هذا التوجه يساهم في الحد من الإصابة بالنوع الثاني من مرض السكري، والذي يرتبط بأمراض القلب كما يوضح دكتور ويليت.
للأسف، توقفت المحاولات الأخرى للتوعية بخطر السكر، ففي عام 2016 وافقت إدارة الغذاء والدواء على مراجعة الملصقات الغذائية التي تتطلب من الشركات المصنعة للمنتجات الغذائية توضيح استخدام السكر المضاف في منتجاتها إلى جانب اشتراطات أخرى. وكان من المفترض تفعيل هذا القرار في يوليو (تموز) 2018، لكن أعلنت الإدارة في بداية العام الحالي أنها سوف تؤجل تنفيذه إلى أجل غير مسمى.
من الفوائد التي كان من المتوقع أن يحققها ذلك التغيير المذكور دفع الشركات نحو الحد من استخدامها السكر في تصنيع منتجاتها، مثلما حدث في حالة الدهون المتحولة. وقد قامت بعض شركات الزبادي والمشروبات بالفعل بذلك. ومن السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت هذه الاستراتيجية سوف تنجح أم لا، فقد عادت بعض شركات الأغذية، التي حاولت الحد من استخدام الصوديوم في بعض منتجاتها، مثل الحساء وعصائر الخضراوات، إلى استخدامها على حد قول الدكتور ويليت.
وأضاف قائلا: «لم تقم الشركات المنافسة لهم بهذا التغيير، في حين أن المنتجات التي تحتوي على قدر أقل من الصوديوم مذاقها مختلف.
هناك حاجة حقاً إلى المساواة وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص».

اختيار المنتجات الغذائية الأكثر صحية
> عند التسوق لشراء المنتجات المعالجة، التي تشمل أي منتج معبأ داخل كيس، أو علبة، أو زجاجة، ينبغي قراءة الملصق الغذائي جيداً. كذلك، ينبغي ملاحظة أن القيمة اليومية هي مقدار المادة الغذائية الذي يُنصح الشخص تناوله، إذا كان يتناول ألفي سعر حراري يومياً.
> بالنسبة إلى الدهون المشبعة، ينبغي أن تكون النسبة 5 في المائة أو أقل.
> بالنسبة إلى الصوديوم، ينبغي أن تكون النسبة 5 في المائة أو أقل.
> بالنسبة إلى السكر، ينبغي ألا يكون هناك سكر تماماً، لكن يوصي الخبراء النساء بتناول 24 غراما يومياً حدا أقصى، في حين على الرجال تناول 36 غراما يومياً حدا أقصى
> عند اختيار الخبز، وحبوب الإفطار، والأطعمة التي قوامها الحبوب، ينبغي فحص المكونات. أول مكون ينبغي أن يكون حبوبا كاملة مثل القمح الكامل. تعني الحبوب المتعددة، أن المنتج يحتوي على أكثر من نوع من الحبوب، وهي لا تكون بالضرورة حبوب كاملة.

الحدّ من الملح
> اقترحت إدارة الغذاء والدواء في عام 2016 على صناعة المنتجات الغذائية إرشادات وتوجيهات تطوعية تضمنت الحد من كمية الصوديوم المستخدمة في الطعام، حيث توجد صلة بين زيادة الصوديوم، الذي يمتزج مع الكلوريد ليكون الملح، وبين ارتفاع ضغط الدم، والإصابة بالأزمة القلبية، والسكتة الدماغية. ويتناول الأميركي في المتوسط كمية صوديوم أكبر بنحو 50 في المائة من الكمية التي ينصح الخبراء بتناولها، وتكون النسبة الأكبر منها موجودة بالفعل في طعامهم قبل أن تصل إلى موائدهم.
ويشير الخبراء إلى أن الزمن سيكشف لنا عما إذا كانت الإرشادات التي اقترحتها إدارة الدواء والغذاء سوف تحدث فرقاً أم لا، وبالفعل أشارت دراسة حديثة إلى أننا نسير في الاتجاه الصحيح، حيث انخفضت كمية الصوديوم، التي يحصل عليها القطاع المنزلي من المنتجات الغذائية المعلبة، بمقدار 400 مليغرام للفرد خلال الفترة من 2000 إلى 2014، كذلك يمكنك زيارة «اختيار منتجات السوبر ماركت الأكثر صحية» للحصول على نصائح خاصة بكيفية قراءة الملصقات الغذائية، وقوائم المكونات أثناء التسوق.

* رسالة هارفارد للقلب خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

بالعودة إلى «الأساسيات»... بروفيسور يجد الحل لإنقاص الوزن بشكل دائم

صحتك كيف تنقص الوزن بشكل دائم؟ (شاترستوك)

بالعودة إلى «الأساسيات»... بروفيسور يجد الحل لإنقاص الوزن بشكل دائم

دائماً ما يوجد حولنا أشخاص «يتمتعون بعملية أيض سريعة»، أو على الأقل نعتقد ذلك، هؤلاء الأشخاص لديهم شهية كبيرة، ومع ذلك لا يكتسبون وزناً أبداً.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الضغط الإضافي قد يؤدي إلى إتلاف ممرات الأنف ما يزيد من فرص حدوث نزيف مؤلم (رويترز)

طريقة تنظيف أنفك الخاطئة قد تضر بك... ما الأسلوب الأمثل لذلك؟

لقد لجأ مؤخراً أخصائي الحساسية المعتمد زاكاري روبين إلى منصة «تيك توك» لتحذير متابعيه البالغ عددهم 1.4 مليون شخص من العواقب الخطيرة لتنظيف الأنف بشكل خاطئ.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تلقي الإهانة من صديق مؤلم أكثر من استقبال التعليقات السيئة من الغرباء (رويترز)

لماذا قد تنتهي بعض الصداقات؟

أكد موقع «سيكولوجي توداي» على أهمية الصداقة بين البشر حيث وصف الأصدقاء الجيدين بأنهم عامل مهم في طول العمر

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تورم القدمين قد يشير لعدد من المشكلات الصحية (رويترز)

8 إشارات تنبهك بها قدماك إذا كنت تعاني من مشاكل صحية

قالت صحيفة «إندبندنت» البريطانية إن الأقدام يمكن أن تساعد على التنبيه بوجود مشاكل صحية إذ إن أمراضاً مثل القلب والسكتات الدماغية يمكن أن تؤثر على القدمين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الصين تقول إن فيروس «إتش إم بي في» عدوى تنفسية شائعة (إ.ب.أ)

الصين: الإنفلونزا تظهر علامات على الانحسار والعدوى التنفسية في ازدياد

قال المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها، الخميس، إنه رغم ظهور علامات تباطؤ في معدل فيروس الإنفلونزا بالبلاد، فإن الحالات الإجمالية للأمراض التنفسية.

«الشرق الأوسط» (بكين)

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟
TT

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

ما سبب مرض ألزهايمر؟ أجاب عالم الأعصاب رودولف تانزي، مدير مركز ماكانس لصحة الدماغ بمستشفى ماساتشوستس العام، التابع لجامعة هارفارد، قائلاً: «قضيت معظم حياتي المهنية في محاولة الإجابة عن هذا السؤال».

وأكد تانزي أن السؤال مهم، ويتعين العمل على إيجاد إجابة له، خصوصاً أن مرض ألزهايمر يمثل الشكل الأكثر شيوعاً للخرف في كثير من البلدان. وعلى سبيل المثال، داخل الولايات المتحدة، يعاني ما لا يقل عن 10 في المائة من الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاماً من ألزهايمر.

ومثلما الحال مع معظم الأمراض، ربما يرجع مرض ألزهايمر إلى مزيج من الضعف الوراثي، ومعاناة المريض من حالات طبية أخرى، بجانب عوامل اجتماعية وأخرى تتعلق بنمط الحياة. واليوم، يركز العلماء اهتمامهم على الدور الذي قد تلعبه العدوى، إن وُجد، في تطور مرض ألزهايمر.

كشف الأسباب البيولوجية

جاء وصف مرض ألزهايمر للمرة الأولى عام 1906. ومع ذلك، بدأ العلماء في سبر أغواره والتعرف على أسبابه قبل 40 عاماً فقط. واليوم، ثمة اتفاق واسع النطاق في أوساط الباحثين حول وجود جزيئين بمستويات عالية في أدمغة الأشخاص المصابين بمرض ألزهايمر: أميلويد - بيتا amyloid - beta أو «ببتيد بيتا النشواني»، الذي يشكل لويحات في الدماغ، وتاو tau، الذي يشكل تشابكات. ويساهم كلاهما في موت الخلايا العصبية الدماغية (العصبونات) المشاركة في عمليات التفكير؛ ما يؤدي إلى الخرف.

من بين الاثنين، ربما تكون الأهمية الأكبر من نصيب أميلويد - بيتا، خصوصاً أنه يظهر في وقت أبكر من تاو. وقد أظهر تانزي وآخرون أن الأشخاص الذين يرثون جيناً يؤدي إلى ارتفاع مستويات أميلويد بيتا يُصابون بمرض ألزهايمر في سن مبكرة نسبياً.

الملاحظ أن الأشخاص الذين يرثون نسختين من الجين APOE4. أكثر عرضة لخطر الإصابة بمرض ألزهايمر، لأنهم أقل قدرة على التخلص من أميلويد بيتا من الدماغ.

الالتهاب العصبي

هناك قبول متزايد في أوساط العلماء لفكرة أن الالتهاب في الدماغ (الالتهاب العصبي Neuroinflammation)، يشكل عاملاً مهماً في مرض ألزهايمر.

في حالات الالتهاب العصبي، تحارب خلايا الجهاز المناعي في الدماغ الميكروبات الغازية، أو تعمل على علاج الإصابات. إلا أنه للأسف الشديد، يمكن أن يؤدي ذلك إلى الإصابة؛ ما يسفر بدوره عن المزيد من الالتهاب العصبي، لتظهر بذلك حلقة مفرغة، تتسبب نهاية المطاف في موت معظم الخلايا العصبية.

ويمكن أن تؤدي كل من لويحات أميلويد بيتا وتشابكات تاو إلى حدوث التهاب عصبي، وكذلك يمكن لكثير من الميكروبات (البكتيريا والفيروسات) أن تصيب الدماغ، وتبقى هناك، دون أن ينجح الجهاز المناعي بالدماغ في القضاء عليها تماماً؛ ما قد يؤدي إلى التهاب عصبي مزمن منخفض الحدة.

وحتى العدوى أو أسباب الالتهاب الأخرى خارج الدماغ، بأي مكان في الجسم، يمكن أن ترسل إشارات إلى الدماغ تؤدي إلى حدوث التهاب عصبي.

العدوى ومرض ألزهايمر

ويعتقد بعض العلماء أن العدوى قد تسبب أكثر من مجرد التهاب عصبي، فربما يكون لها دور كذلك في تكاثر رواسب أميلويد بيتا وتشابكات تاو. وفي هذا الصدد، قال تانزي: «اكتشفت أنا وزميلي الراحل روب موير أن أميلويد بيتا يترسب في المخ استجابة للعدوى، وهو بروتين يحارب العدوى؛ ويشكل شبكة تحبس الميكروبات الغازية. وبعبارة أخرى، يساعد أميلويد بيتا في حماية أدمغتنا من العدوى. وهذا هو الخبر السار. أما الخبر السيئ هنا أن أميلويد بيتا يُلحِق الضرر كذلك بالخلايا العصبية، الأمر الذي يبدأ في غضون 10 إلى 30 عاماً، في إحداث تأثيرات واضحة على الإدراك؛ ما يسبب الخرف، نهاية المطاف».

بالإضافة إلى ذلك، يؤدي الترسب المزمن منخفض الدرجة لأميلويد بيتا إلى تشابكات تاو، التي تقتل الخلايا العصبية هي الأخرى وتزيد من الالتهاب العصبي، ما يؤدي إلى موت المزيد من الخلايا العصبية. وقد تتطور دورات مفرغة يصعب للغاية إيقافها.

ويمكن للعوامل المذكورة هنا (بشكل مباشر أو غير مباشر) أن تلحق الضرر بخلايا المخ، وتسبب الخرف. ويمكن لعدة عوامل أن تزيد سوء بعضها البعض، ما يخلق دورات مفرغة.

ميكروبات مرتبطة بمرض ألزهايمر

الآن، ما الميكروبات التي قد تشجع على تطور مرض ألزهايمر؟ عبَّر الدكتور أنتوني كوماروف، رئيس تحرير «هارفارد هيلث ليتر» الأستاذ في كلية الطب بجامعة هارفارد، عن اعتقاده بأنه «من غير المرجَّح أن يكون نوع واحد من الميكروبات (جرثومة ألزهايمر) سبباً في الإصابة بمرض ألزهايمر، بل إن الأدلة المتزايدة تشير إلى أن عدداً من الميكروبات المختلفة قد تؤدي جميعها إلى الإصابة بمرض ألزهايمر لدى بعض الناس».

ويتركز الدليل في نتائج دراسات أُجريت على أدمغة القوارض والحيوانات الأخرى التي أصيبت بالميكروبات، بجانب العثور على ميكروبات في مناطق الدماغ البشري الأكثر تأثراً بمرض ألزهايمر. وجاءت أدلة أخرى من دراسات ضخمة، أظهرت أن خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، أعلى كثيراً لدى الأشخاص الذين أُصيبوا قبل عقود بعدوى شديدة. وتشير دراسات حديثة إلى أن خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، قد يتفاقم جراء انكماش الدماغ واستمرار وجود العديد من البروتينات المرتبطة بالالتهابات، في دم الأشخاص الذين أُصيبوا بالعدوى في الماضي.

وفيما يلي بعض الميكروبات التي جرى تحديدها باعتبارها مسبِّبات محتملة للمرض:

فيروسات الهربس المتنوعة

خلصت بعض الدراسات إلى أن الحمض النووي من فيروس الهربس البسيط 1 و2 herpes simplex virus 1 and 2 (الفيروسات التي تسبب القروح الباردة والأخرى التناسلية)، يوجد بشكل أكثر تكراراً في أدمغة المصابين بمرض ألزهايمر، مقارنة بالأصحاء. ويبرز الحمض النووي الفيروسي، بشكل خاص، بجوار لويحات أميلويد بيتا. وخلصت الدراسات المنشورة إلى نتائج متناقضة. يُذكر أن مختبر تانزي يتولى زراعة «أدمغة صغيرة» (مجموعات من خلايا الدماغ البشرية) وعندما تُصاب هذه الأدمغة الصغيرة بفيروس «الهربس البسيط»، تبدأ في إنتاج أميلويد بيتا.

أما فيروس «الهربس» الآخر الذي يمكن أن يصيب الدماغ، فيروس الحماق النطاقي varicella - zoster virus (الذي يسبب جدري الماء والهربس النطاقي)، قد يزيد مخاطر الإصابة بالخرف. وكشفت دراسة أُجريت على نحو 150000 شخص، نشرتها دورية «أبحاث وعلاج ألزهايمر» (Alzheimer’s Research and Therapy)، في 14 أغسطس (آب) 2024، أن الأشخاص الذين يعانون من الهربس الآخر الذي يمكن أن يصيب الدماغ، فيروس الحماق النطاقي (الذي يسبب جدري الماء والهربس النطاقي) قد يزيد كذلك من خطر الإصابة بالخرف. ووجدت الدراسة أن الأشخاص الذين أُصيبوا بالهربس النطاقي كانوا أكثر عرضة للإبلاغ لاحقاً عن صعوبات في تذكُّر الأشياء البسيطة. وتعكف أبحاث جارية على دراسة العلاقة بين لقاح الهربس النطاقي وانحسار خطر الإصابة بألزهايمر.

فيروسات وبكتيريا أخرى:

* فيروس «كوفيد - 19». وقد يجعل الفيروس المسبب لمرض «كوفيد - 19»، المعروف باسم «SARS - CoV - 2»، الدماغ عُرضةً للإصابة بمرض ألزهايمر. وقارنت دراسة ضخمة للغاية بين الأشخاص الذين أُصيبوا بـ«كوفيد» (حتى الحالات الخفيفة) وأشخاص من نفس العمر والجنس لم يُصابوا بـ«كوفيد»، ووجدت أنه على مدار السنوات الثلاث التالية، كان أولئك الذين أُصيبوا بـ«كوفيد» أكثر عرضة للإصابة بمرض ألزهايمر بنحو الضعف.

كما جرى ربط العديد من الفيروسات (والبكتيريا) الأخرى، التي تصيب الرئة، بمرض ألزهايمر، رغم أن الأدلة لا تزال أولية.

* بكتيريا اللثة. قد تزيد العديد من أنواع البكتيريا التي تعيش عادة في أفواهنا وتسبب أمراض اللثة (التهاب دواعم السن)، من خطر الإصابة بمرض الزهايمر. وعبَّر تانزي عن اعتقاده بأن هذا أمر منطقي، لأن «أسناننا العلوية توفر مسارات عصبية مباشرة إلى الدماغ». وتتفق النتائج الأولية التي خلص إليها تانزي مع الدور الذي تلعبه بكتيريا اللثة. وقد توصلت الدراسات المنشورة حول هذا الموضوع إلى نتائج مختلفة.

* البكتيريا المعوية: عبر السنوات الـ25 الماضية، اكتشف العلماء أن البكتيريا التي تعيش في أمعائنا تُنتِج موادّ تؤثر على صحتنا، للأفضل أو للأسوأ. وعن ذلك قال الدكتور كوماروف: «هذا أحد أهم الاكتشافات الطبية الحيوية في حياتنا». هناك بعض الأدلة المبكرة على أن هذه البكتيريا يمكن أن تؤثر على خطر إصابة الشخص بمرض ألزهايمر بوقت لاحق. ولا يزال يتعين تحديد كيفية تغيير تكوين بكتيريا الأمعاء، لتقليل المخاطر.

ربما يكون لها دور في تكاثر رواسب أميلويد بيتا المسببة للمرض

عوامل نمط الحياة ومرض ألزهايمر

يرتبط كثير من عوامل نمط الحياة المختلفة بزيادة خطر الإصابة بمرض ألزهايمر. وتتضمن الأمثلة التدخين (خصوصاً في وقت لاحق من الحياة)، والإفراط في تعاطي الكحوليات، والخمول البدني، وقلة النوم العميق، والتعرض لتلوث الهواء، والنظام الغذائي الغني بالسكر والملح والأطعمة المصنَّعة.

كما تزيد العديد من عوامل نمط الحياة هذه من خطر الإصابة بأمراض مزمنة شائعة أخرى، مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري والسمنة.

وبحسب الدكتور كوماروف، فإنه «نظراً لأن إجراء تغييرات في نمط الحياة قد يكون صعباً، يأمل كثيرون في أن تثمر دراسة الأسباب البيولوجية وراء مرض ألزهايمر ابتكار دواء (سحري) يمنع المرض، أو حتى يعكس مساره. ويرى الدكتور كوماروف أن «ذلك اليوم قد يأتي، لكن ربما ليس في المستقبل القريب».

في الوقت الحالي، يقترح تانزي إدخال تعديلات في نمط الحياة بهدف التقليل من خطر الإصابة بألزهايمر.

بوجه عام، فإن فكرة أن الميكروبات قد تؤدي إلى بعض حالات ألزهايمر لا تزال غير مثبتة، وغير مقبولة على نطاق واسع، لكن الأدلة تزداد قوة. ومع ذلك، تتفق هذه الفكرة مع أبحاث سابقة أظهرت أهمية أميلويد بيتا، وتاو، وapoe4 والالتهاب العصبي، بوصفها أسباب مرض ألزهايمر.

عن ذلك، قال الدكتور كوماروف: «الإشارة إلى دور للميكروبات في بعض حالات مرض ألزهايمر لا تحل محل الأفكار القديمة، وإنما تتفق مع الأفكار القديمة، وربما تكملها».

* رسالة هارفارد للقلب - خدمات «تريبيون ميديا».