هانا لوسيندا سميث
يمكن للمرء أن يتتبع مسار الصراع السوري من خلال معرفة الأحداث التي نتجت عنها الجروح المنتشرة في ساقي المقاتل السوري عبد اللطيف. يكشف عبد اللطيف عن ساقه اليمنى التي بدت وقد غطتها الكثير من الجروح ذات اللون الوردي الضارب إلى الحمرة والتي تنتشر من الكاحل وحتى الركبة. يعلق عبد اللطيف على تلك الجروح بقوله «نتجت تلك الجروح عن الشظايا التي أصابت ساقي عندما كنت أقاتل ضد النظام في مدن الرقة ورأس العين».
كان آخر الأشياء التي فعلها محمود في سوريا أن ثبّت بابا أماميا جديدا لشقته. كانت تلك علامة أخرى على أن كل شيء في حلب بدأ يسير في الاتجاه الخاطئ. وقبل شهر، استبدل محمود بمسدسه بندقية رشاشة. أما الآن، فهو يضع حواجز معدنية كبيرة عند مدخل شقته ويتفحص الأقفال التي أصدرت دويا عند عودتها لأماكنها، بعد إغلاقه الباب بعنف، ثم ينظر محمود من خلال ثقب الباب إلى الردهة.
كان محمد عزو حلوب، الذي نشأ وترعرع في قرية «علوك» الواقعة في شمال شرقي سوريا، شابا محترما بكل المقاييس. وقد عرفه أهل القرية منذ نعومة أظفاره، ثم شاهدوه وهو…
اسمه محمود، لكنه كان معروفا باسم شاهين بين أصدقائه. تجمعوا بالعشرات في صباح يوم من أيام نوفمبر (تشرين الثاني) في مجموعات صغيرة مكبوتة تحت السحب التي كانت تنذر بالمطر في ذلك اليوم. كان شاهين رفيقهم بالأمس، لم يكن سوى واحد من الشباب الذين حملوا السلاح للقتال من أجل وطنهم. واليوم هو في قلب احتفاله الخاص - أحدث شهيد كردي في رأس العين. يقول بشير، وهو شاب حسن الطلعة داكن الشعر يرتدي الزي الكاكي: «لقد دفنّا الكثيرين هنا خلال الأسابيع الماضية»، وبدأ الحديث من مشهد يعكس كلماته السوداء؛ قبور حديثة تنتشر خلف السور الذي كان يبين حدود المقبرة قبل أن تضيق على أعداد الموتى في تلك المنطقة.
بينما كانت شمس الشتاء توشك على الأفول خلف الأفق البعيد، أشارت المقاتلة الكردية روساير إلى كتلة بعيدة من المباني التي خيم عليها الظلام. قالت: «هذا مكانهم». لم يبد ذلك المكان خط مواجهة، بل كان بضع أفدنة من مزارع البرتقال التي تتلألأ في حمرة ضوء الغسق الخافت.
لقد كان عاما مزدهرا لبائعي إسطنبول المتجولين. طوال صيف تركيا المليء بالمظاهرات باع البائعون المواد الأساسية التي يحتاجها المتظاهرون كالصافرات وزجاجات المياه والأعلام التي تصور وجه مصطفى كمال أتاتورك الغرانيتي. وأول من أمس (الثلاثاء) عاود الباعة عملهم مرة ثانية عندما احتشد الأتراك في الشوارع للاحتفال بالذكرى التسعين لتأسيس الجمهورية التركية.
بدأ رنين الهاتف في تمام الساعة الثامنة والنصف مساء، وعرف عاصم الموضوع الذي ستدور حوله المكالمة حتى قبل أن يرد عليها، كما عرف أيضا أن هذه المكالمة ربما تكون بمثابة دفعة لبدء حياته مرة أخرى. بيد أن التجارب الصعبة والإحباطات السابقة قد علمته أن لا يتوقع الكثير. لقد صار هذا النوع من المكالمات الهاتفية أمرا روتينيا للغاية، لدرجة أنه لا يذكر حتى موضوع المكالمة، إلا بعد مرور عشر دقائق من وقت إنهائها. ويقول عاصم: «بالمناسبة، كانت هذه المكالمة عبارة عن اتصال وارد من شقيقي، وكانت لإبلاغي بالذهاب لمقابلة المهرّب». يقيم عاصم، البالغ من العمر 25 سنة، وشقيقه الذي يبلغ عمره 18 سنة، في مكان لا يرحب بهما.
يبدو المبنى أشبه بحصن، قلعة حديثة مبنية من الخرسانة والصلب تطل من أعلى قمة تل متصحر مغطى بشجيرات صغيرة. لونه رمادي كئيب ويبدو مظهره عمليا، وترحب بك اللافتة عند بوابة الدخول بأجرأ عبارة: «شرطة قبرص: مركز مينوغيا». تشير سلطات قبرص إلى أن مينوغيا ليس سجنا في حقيقته، وإنما في شكله فقط.
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة
