سكان صنعاء يتخوفون من مواجهة طويلة بين واشنطن والحوثيين

توقعات بتبعات قاسية على الوضع المعيشي والإنساني

الدخان يتصاعد بعد غارة جوية أميركية على مواقع الجماعة الحوثية في صنعاء (أ.ب)
الدخان يتصاعد بعد غارة جوية أميركية على مواقع الجماعة الحوثية في صنعاء (أ.ب)
TT
20

سكان صنعاء يتخوفون من مواجهة طويلة بين واشنطن والحوثيين

الدخان يتصاعد بعد غارة جوية أميركية على مواقع الجماعة الحوثية في صنعاء (أ.ب)
الدخان يتصاعد بعد غارة جوية أميركية على مواقع الجماعة الحوثية في صنعاء (أ.ب)

على الرغم من أن سكان العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء تعوَّدوا مشاهد وأصوات القصف على مواقع الجماعة الحوثية خلال السنوات الماضية، وتعايشوا مع مخاوفهم من تأثيرها الكبير على حياتهم؛ فإن الضربات الأميركية الأخيرة أعادت تجديد مخاوفهم من مواجهة طويلة، يتوقعون أن تؤثر على معيشتهم، بالتوازي مع تبعات العقوبات الاقتصادية.

وتعرضت صنعاء ومدن ومناطق أخرى تحت سيطرة الجماعة الحوثية لضربات جوية أميركية، ليل السبت، بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب أنه أمر الجيش بشن عملية عسكرية حاسمة وقوية ضد الحوثيين في اليمن.

وأبدى السكان قلقاً من أن تكون الضربات الجوية الجديدة على مواقع الجماعة مقدِّمة لحرب طويلة؛ خصوصاً مع استمرار الجماعة الحوثية في تحدي الغرب، ونياتها التصعيد العسكري في البحر الأحمر، في مقابل خطاب أميركي أكثر تشدداً مما كان عليه الأمر في إدارة بايدن.

ويرى إعلامي مقيم في صنعاء، أن قوة الضربات الأخيرة أعادت مشاعر السكان إلى بداية الحرب والانقلاب الحوثي، إلا أنهم تعودوا على تجدد القصف، وغالباً لا يخاف منه سوى المقيمين في أحياء قريبة من مواقع الجماعة الحوثية والمباني التابعة لها.

الدخان يتصاعد بعد غارة جوية أمريكية على مواقع الجماعة الحوثية في صنعاء (أ.ب)
الدخان يتصاعد بعد غارة جوية أمريكية على مواقع الجماعة الحوثية في صنعاء (أ.ب)

ولكن القلق الذي يتجدد لدى السكان -وفق إفادة الإعلامي- يأتي من إمكانية تأثير المواجهة بين الجماعة والغرب على الوضع المعيشي.

وأشار إلى أن الأمر يرتبط هذه المرة بقرار الإدارة الأميركية تصنيف الجماعة الحوثية منظمة إرهابية أجنبية، والذي يتوقع أن تكون له تبعات قاسية على الوضع المعيشي، وعلى وصول المساعدات الإنسانية.

تخبط حوثي

كان واضحاً ارتباك الجماعة الحوثية إزاء الضربات الأميركية الأخيرة؛ إذ أبدى محمد عبد السلام، الناطق الرسمي باسم الجماعة، استغرابه من اتهام ترمب لهم بتهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وزعم أن ذلك الاتهام يحمل تضليلاً للرأي العام الدولي؛ لأن الحظر البحري الذي أعلنته الجماعة كان مساندة لغزة فقط.

وزعم عبد السلام أن الحظر المعلن يقتصر فقط على الملاحة الإسرائيلية، للضغط من أجل إدخال المساعدات الإنسانية لأهالي غزة؛ حسب اتفاق وقف إطلاق النار المعلن في القطاع، وجاء بعد مهلة 4 أيام، وأن الملاحة الدولية في البحر الأحمر ستبقى آمنة، لولا الغارات الأميركية التي تمثل عودة لعسكرة البحر الأحمر.

وحظيت ردود فعل القادة الحوثيين على إعلان ترمب والغارات الجوية بتهكم واسع، في حين قوبلت الهجمات الأميركية بالاستنكار والغضب، ورأى كثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي أنها تأتي لتشارك الجماعة الحوثية التنكيل باليمنيين وانتهاك حقوقهم.

ومن المنشآت التي أُعلن عن استهدافها، معمل حوثي لتجميع وصناعة الأسلحة والمتفجرات في مدينة رداع التابعة لمحافظة البيضاء، الواقعة على بعد 268 كيلومتراً جنوب شرقي صنعاء.

مبنى في محافظة صعدة، معقل الحوثيين، أصيب بغارة أميركية (رويترز)
مبنى في محافظة صعدة، معقل الحوثيين، أصيب بغارة أميركية (رويترز)

تحذيرات وجبايات

انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع من تسجيلات كاميرات المراقبة في عدد من مكاتب الشركات التجارية، وأخرى من تصوير بالهواتف النقالة في الشوارع، تكشف تأثير الاهتزازات التي تسببت فيها الغارات الأميركية، وحجم الخراب الذي نجم عن ذلك.

شدة الضربات الأميركية غير المسبوقة تسببت بتحطيم الزجاج في العديد من شوارع صنعاء (إ.ب.أ)
شدة الضربات الأميركية غير المسبوقة تسببت بتحطيم الزجاج في العديد من شوارع صنعاء (إ.ب.أ)

وحثَّ ناشطون حوثيون السكان على التوقف عن تبادل الأحاديث والمعلومات، حول ما قد يكون هدفاً للغارات الجوية عبر الهواتف التي هي عرضة للتجسس الأميركي؛ حسب زعمهم.

وأعاد الناشطون نشر تحذيرات سابقة مما يعرف بـ«جهاز الأمن والمخابرات» التابع للجماعة، حول تداول المعلومات التي يقدمها الجيش الأميركي عن استهداف تجمعات لقيادات الجماعة؛ لأن ذلك يساهم في تمكينه من رصد المكالمات والرسائل التي يجري فيها تداول معلومات عن مقار إقامة وتحركات تلك القيادات، ومن ثم التحليل والربط بينها لتوسيع بنك الأهداف واستهداف المقربين منهم.

ووسط هذه الدعوات، استغلت الجماعة الحوثية الضربات، لإطلاق حملة جديدة من الجبايات والإتاوات تحت اسم «دعم القوات البحرية».

دخان كثيف استمر طوال الليل بعد الغارات الأميركية في صنعاء (أ.ف.ب)
دخان كثيف استمر طوال الليل بعد الغارات الأميركية في صنعاء (أ.ف.ب)

وعلى الرغم من سخرية كثير من مستخدمي الهواتف النقالة في مناطق سيطرة الحوثيين من الرسائل النصية التي تلقوها بعد بدء الضربات، والتي تطالبهم بالتبرع لصالح المواجهة مع الغرب وإسرائيل؛ فإنهم أبدوا تخوفهم من بدء حملة لجمع تبرعات إلزامية من الأهالي، في ظل الوضع المعيشي المتدهور الذي يعيشونه.

وتوقع أحد مُلَّاك معرض سيارات في صنعاء، أن تبدأ حملة جمع التبرعات في أسرع وقت، كما جرت العادة، وأن يجري خلالها إلزام مختلف التجار والباعة بتقديم الأموال لدعم الحوثيين بالأموال لمواجهة الضربات الأميركية.

يمنيان ينظفان الزجاج الذي تسبب الغارات الأميركية بتحطيمه أمام متجرهما في صنعاء (أ.ف.ب)
يمنيان ينظفان الزجاج الذي تسبب الغارات الأميركية بتحطيمه أمام متجرهما في صنعاء (أ.ف.ب)

وكشف عن الصعوبات التي تنتظرها تجارته بعد الضربات الأميركية الأخيرة، فإلى جانب الإتاوات التي ستُفرض عليه وعلى جميع التجار والباعة لصالح المجهود الحربي للجماعة، والابتزاز الذي يتعرضون له؛ فإن مثل هذا التصعيد سيؤدي إلى توقف وصول السيارات المستوردة المستخدمة من الخارج، بينما لم يعد هناك من يستطيع شراء السيارات سوى القادة الحوثيين.

وتعهدت الجماعة الحوثية بالتصعيد والرد على الضربات الأميركية، واستمرار أنشطتها العسكرية وهجماتها في البحر الأحمر. وأعلن القيادي يحيى سريع، الناطق العسكري باسمها، صباح الاثنين، عن استهداف حاملة الطائرات «يو إس إس هاري ترومان» وعدد من القطع التابعة لها، للمرة الثانية خلال «24 ساعة»، بعد إعلانه عن استهداف سابق ليل الأحد.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يصادرون إلكترونيات المسافرين عبر مطار صنعاء

المشرق العربي المسافرون عبر مطار صنعاء يواجهون إجراءات حوثية مشددة (غيتي)

الحوثيون يصادرون إلكترونيات المسافرين عبر مطار صنعاء

لجأت الجماعة الحوثية لاحتجاز الأجهزة الإلكترونية للإعلاميين والناشطين المسافرين عبر مطار صنعاء لإجبارهم على العودة، في الوقت نفسه الذي تشدد رقابتها عليهم

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي أشخاص يتجمعون على أنقاض منزل تعرض لغارة أميركية في صعدة باليمن (رويترز)

الحوثيون يعلنون مقتل 4 في قصف أميركي شرق صنعاء

أعلنت جماعة الحوثي، في وقت مبكر اليوم الخميس، سقوط أربعة قتلى وجرحى جراء قصف أميركي على محافظة صنعاء.

«الشرق الأوسط» (عدن)
الولايات المتحدة​ النائب الأميركي راجا كريشنامورثي يشير إلى رسائل نصية لوزير الدفاع بيت هيغسيث خلال جلسة استماع سنوية لتقييم التهديدات العالمية في مبنى مكتب لونغورث هاوس بعد تسريب «محادثات سيغنال» (أ.ف.ب)

روبيو: واقعة «سيغنال» خطأ فادح لكن لم يهدد حياة جنودنا

أكّد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، اليوم (الأربعاء)، أن المعلومات الواردة عبر محادثة «سيغنال» بشأن الهجمات على اليمن لم تكن سرية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ البيت الأبيض: مستشار الأمن القومي والتز يتحمل مسؤولية «واقعة سيغنال» play-circle

البيت الأبيض: مستشار الأمن القومي والتز يتحمل مسؤولية «واقعة سيغنال»

حمّل البيت الأبيض اليوم (الأربعاء)، مستشار الأمن القومي الأميركي مايك والتز المسؤولية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شوائب غريبة تكشف غش الوقود المنتشر في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية (إكس)

الحوثيون يسوقون وقوداً مغشوشاً وسط تحذيرات من أزمة جديدة

تسبب وقود مغشوش يباع بمناطق سيطرة الحوثيين بأعطال وتلف السيارات في حين تنصلت الجماعة الحوثية من المسؤولية ولم تقدم تفسيرات للسكان

وضاح الجليل (عدن)

كيف تساهم «وسائل التواصل» بتأجيج التوتر في جنوب السودان؟

جندي يجلس في نقطة عسكرية بجنوب السودان 15 فبراير 2025 (أ.ب)
جندي يجلس في نقطة عسكرية بجنوب السودان 15 فبراير 2025 (أ.ب)
TT
20

كيف تساهم «وسائل التواصل» بتأجيج التوتر في جنوب السودان؟

جندي يجلس في نقطة عسكرية بجنوب السودان 15 فبراير 2025 (أ.ب)
جندي يجلس في نقطة عسكرية بجنوب السودان 15 فبراير 2025 (أ.ب)

تؤجج المعلومات المضللة وخطاب الكراهية عبر الإنترنت حالتي الذعر والانقسام في جنوب السودان الذي يشهد توترات سياسية حادة يخشى المراقبون أن تلقي البلاد مجدداً في أُتون الحرب.

وأدت الانقسامات الإثنية، لا سيما بين أكبر قبيلتين (الدينكا والنوير)، إلى تأجيج الحرب الأهلية الدامية التي استمرت منذ عام 2013 إلى 2018 وقتل فيها نحو 400 ألف شخص.

وبعد سنوات من الهدوء النسبي، تبرز مؤشرات مقلقة إلى تجدد الاستقطاب الإثني، وفق ما قال نيلسون كواجي، رئيس «ديجيتال رايتس فرونتلاينز»، وهي منظمة مقرها في العاصمة جوبا ترصد خطاب الكراهية والمعلومات المضللة عبر الإنترنت.

يأتي ذلك فيما أصبح اتفاق السلام الذي أبرم عام 2018 بين الرئيس سلفا كير ومنافسه نائب الرئيس الأول رياك مشار، وهما من الدينكا والنوير على التوالي، مهدداً بعد اعتقال مشار الأربعاء.

يبلغ معدل انتشار الهاتف المحمول في جنوب السودان، إحدى أفقر دول العالم، بين 40 و50 في المائة فقط. كما تبلغ نسبة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي نحو 10 في المائة وفق تقدير متحفظ، بحسب كواجي.

لكن أولئك الذين لديهم القدرة على الوصول إلى المعلومات غالباً ما يكونون «الأصوات الأعلى» وتنتشر رسائلهم عبر المجتمعات من خلال وسائل أكثر تقليدية، ما يساعد على تسميم الجو.

رياك مشار نائب رئيس جنوب السودان والرئيس سلفا كير في جوبا يوم 20 أكتوبر 2019 (أ.ب)
رياك مشار نائب رئيس جنوب السودان والرئيس سلفا كير في جوبا يوم 20 أكتوبر 2019 (أ.ب)

وقال كواجي، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، من جوبا، إن الحياة في المدينة ما زالت «هادئة نسبياً»، لكن «التضليل على وسائل التواصل الاجتماعي وخطاب الكراهية الحاد» يثيران المخاوف.

وأضاف: «هناك شائعات عن اغتيالات وحديث عن عنف انتقامي، وتحذيرات من العنف الإثني».

فيديوهات «أعادت الناس إلى التطرف»

أولاً، القتل الوحشي لجنرال في الجيش وقع في أسر مجموعة مسلحة يهيمن عليها النوير وتعرف باسم «الجيش الأبيض»، ثم مقطع فيديو يظهر على ما يبدو شاباً من الدينكا يتعرض لمعاملة وحشية من جانب أشخاص يتحدثون بلكنة النوير.

وقال كواجي إن الاستقطاب الإثني تراجع بشكل كبير في السنوات الأخيرة، لكن تلك المقاطع المصورة أعادت «الناس إلى التطرف».

وأشار إلى أن «الاستقطاب واضح جداً. إذا ازدادت هذه الحوادث، سيؤدي ذلك إلى مستوى جديد بحيث يحمل الناس السلاح».

وأورد أن «الوصول إلى المعلومات الجيدة ووسائل الإعلام الحرة في جنوب السودان محدود. إن ذلك يولّد فراغاً»، مضيفاً: «الأشخاص الذين يملأون هذا الفراغ ليسوا جميعاً خبثاء، فالعديد منهم يريدون فقط مشاركة معلومات لحماية مجتمعهم. ولكن هناك أيضاً لاعبين يريدون تفاعل الجمهور، وقسم صغير لديه دوافع سياسية».

وأوضح أنه من الصعب تحديد من يقف وراء هذه الرسائل السياسية، لكنها متسقة ومصممة بشكل جيد.

وقال كواجي: «عندما نرى هذا المستوى، نعلم أن هناك شخصاً يتقاضى مقابلاً» لكن «الآن لدينا ممتصات صدمات أفضل» من قبل.

فعندما اندلعت الحرب الأهلية عام 2013، كان هناك انقسام قبلي واضح للغاية «منذ اليوم الأول».

وأشرك اتفاق السلام الذي أنهى الحرب عام 2018، «رغم كل عيوبه»، المجتمع الدولي، ووحد البلاد جزئياً ونزع سلاح جيشي كير ومشار، وفرض حظراً على الأسلحة قلص توريدها إلى حد ما، بحسب كواجي.

وتابع: «أصبح الشباب يدركون أيضاً مخاطر الانقسام على أسس قبلية. هناك الكثير من الرسائل حول السلام»، وتابع: «لكن ما يدفع الناس إلى التطرف هو مشاركة محتوى يُظهر شخصاً من قبيلتك يتعرض لسوء معاملة. سواء كان هذا المحتوى واقعياً أو لا، فإن ذلك يُحوّلك إلى متطرف على الفور».