معرض «بيروت عدتُ إليك»... عندما يصبح الحنين إلى الوطن حاجة ملحّة

تترجم فيه ماجدة شعبان عشقها لؤلؤة المتوسط

ماجدة شعبان في معرضها «بيروت عُدتُ إليك»... (الشرق الأوسط)
ماجدة شعبان في معرضها «بيروت عُدتُ إليك»... (الشرق الأوسط)
TT

معرض «بيروت عدتُ إليك»... عندما يصبح الحنين إلى الوطن حاجة ملحّة

ماجدة شعبان في معرضها «بيروت عُدتُ إليك»... (الشرق الأوسط)
ماجدة شعبان في معرضها «بيروت عُدتُ إليك»... (الشرق الأوسط)

من نافذة الطائرة، تنظر الرسامة التشكيلية ماجدة شعبان إلى بيروت بعيون العاشقة لمدينتها، فمشهد العاصمة من فوق يحرّك عندها الذكريات والحنين. ابتعادها عن لبنان بسبب الهجرة كان يشعل هذه المشاعر في داخلها. واليوم، تترجمها بريشتها المتألقة في معرض بعنوان: «بيروت عُدتُ إليك».

سبق أن عبّرت شعبان عن أحاسيسها هذه خلال الحرب الأخيرة التي شهدها لبنان. يومها، تأثرت بمشهد طائرة تابعة لشركة «طيران الشرق الأوسط» تشق طريقها بين دخان القذائف. قالت حينها لـ«الشرق الأوسط»: «تخيّلت نفسي أشاهد بيروت تحت القصف من نافذة الطائرة. فهذه الأرزة التي تزيّن طائراتنا عنت لي الكثير». وبمجموعة لوحات نفّذتها بتقنية «الميكسد ميديا» و«الأكريليك»، حوّلت خيالها إلى واقع. وضعت مواقع وأماكن ومعالم من بيروت تحت مجهر ريشتها، وشكّلتها بطبقات من الحب، ووزّعتها على جدران غاليري «ريبيرث بيروت»، من تنظيم «ذا غاليرست» لعليا مطر.

لبنان من نافذة الطائرة في مجموعة خاصة (الشرق الأوسط)

من بين هذه الأعمال، مجموعة عنونتها بـ«ليمتد إديشن»، تُشاهد فيها لبنان من نافذة الطائرة. توقفت عند محطة مصعد «التليفريك» السياحية في جونية، ونقلت رياضة «الباراغلايدينغ (التحليق بالباراشوت)» فوق بحر بيروت. كما أدرجت «صخرة الروشة» ضمن هذه المجموعة. ويظهر في طرفها العلم اللبناني على متن طائرة تابعة لشركة «طيران الشرق الأوسط».

هذه المجموعة، التي صنعت لها إطارات من الفخار الأصفر، استغرقت منها جهداً مضاعفاً. توضح: «كل لوحة من هذه المجموعة أَعدُّها قطعة فريدة. استعرت قياسات شبّاك الطائرة الحقيقي، وكان بمثابة تحدٍّ لي. تطلّب بناء العمارة مني استخدام أسلاك من الحديد، والصلصال. تُظهر الأعمال أكثر الأماكن التي نشتاق إليها عندما نغادر بلدنا. أنقل أحاسيس كل شخص وهو في طريق العودة إلى بيروت».

وتتابع: «خلال هبوط الطائرة، تنتابنا مشاعر مختلطة فيها كثير من الحنين، فننظر إلى المدينة من نافذة الطائرة على وقع أغاني فيروز التي تواكب عملية الهبوط على أرض الوطن. تبدو بيروت جوهرة تتلألأ في (المتوسط). حاولتُ إبراز هذه الصورة الجميلة للمدينة من فوق، فوُلد معرض (بيروت عُدتُ إليك)».

الثنائي «لايدي نوف وطربوش» في أركان المعرض (الشرق الأوسط)

تحضر بيروت في معظم رسومات ماجدة شعبان؛ فالعاصمة تلهمها وتسهم في تفتّح موضوعات لوحاتها كبراعم الورد... «إنها تحية تكريمية مختلفة أتوجّه بها إلى بلدي لبنان، وبأبعاد عدّة، أُبرز فيها بحره وطبيعته وعمارته. عندما أقول بيروت، أعني لبنان. فهي العاصمة ومدينة الثقافة والشمس. ومهما واجهتْ من مصاعب، تنتصب من جديد، فأشبهها بأنثى قوية تواجه وتجابه دون أن تتعب أو تستسلم».

في لوحات أخرى، ترسم ماجدة شعبان ثنائياً لبنانياً لطالما أشار إلى هويتها الفنية... فـ«لايدي نوف وطربوش» تستخدمهما لرواية القصص عن بيروت. نراهما شريكين أبديين مغمّسين بحب بيروت من رأسيهما حتى أقدامهما، يرتديان أزياء مرسومةَ عليها تفاصيل من العاصمة. حتى الصحيفة التي يقرأها «طربوش» تحمل عنوان: «مشروع مترو بيروت». وتقدّمهما أيضاً في تماثيل متوسطة تتوزع على أرجاء المعرض.

على ورق البردي ترسم المواطن اللبناني وهمومه (الشرق الأوسط)

وعلى ورق البردي (البابيروس)، الذي يرتبط تاريخه بالمصريين القدماء والكتابة الهيروغليفية، تطالعك مجموعة لوحات أخرى تحكي فيها عن المواطن اللبناني المُحمّل بالهموم. فهو يعيش التشرد في بلده، ومحروم من أدنى حقوقه، لكنه لا يستسلم ويمشي قُدماً نحو غدٍ أفضل.

تمدك لوحات ماجدة شعبان بغذاء الروح لمدينة لا تموت... تقدّمه لزائر المعرض كأطباق طعام، يتذوق فيها كل نكهات بيروت، فيغرف منها كميات من الحب حتى الشبع، تملأ فراغ قلب مشتاق.

تحضر في أعمال ماجدة شعبان ألوان العلم اللبناني، فتطغى على لوحات تنقل فيها العمارة الهندسية للعاصمة، والتمديدات الكهربائية فوق سطوح البيوت. حتى عبوات النفايات الموزعة بالشوارع، تصوّرها في مقدمة لوحة تتشابك فيها تفاصيل أخرى. وتكتب على لوحة بيضاء: «بيروت اشتقت لكِ ولكل شيء فيك. اشتقت لعجقتك، ولخفقك، وللفوضى الحلوة فيك... هذه المرة، السفرة عودة، بيروت أنا رجعتلك».

ألوان العلم اللبناني تطغى على لوحات شعبان (الشرق الأوسط)

يشعر الناظر إلى لوحات ماجدة شعبان بضجيج أفكار تتزاحم في رأسها كي تخرج وترى النور. وتُعلّق: «بالفعل، هذه الزحمة تنتابني، وأحس كأن أناملي أحياناً لا تستطيع تلبيتها جميعها. هذه العجقة أعدّها هدية من رب العالمين، ولكنها تحتاج إلى طاقة وجهد. تستوقفني هذه الفوضى في العاصمة، وتصبح مصدر إلهام لي بكل أجزائها الصغيرة، فأنا مشغوفة بها».

عجنت ماجدة شعبان حبها لبيروت بمجموعة مواد صنعت منها لوحاتها: قصاصات صحف، وأسلاك حديدية، وشبك معدني... وغيرها. وقصدت من خلال تقنية «الميكسد ميديا» بطبقاتها المتعددة إبراز شكل بيروت وروحها المنصهرين في عجقتها.

يأتي معرض «بيروت عُدتُ إليك» نتاج عمل استغرق من الفنانة نحو سنة كاملة لتنفيذه. وتختم حديثها قائلة: «غطست في هذه الأعمال غير آبهة بالوقت، أو المدة، اللذين قد أستغرقهما. سبحت في بحر وطني بريشتي وأصابعي، وعشت متعة لقاء الوطن بعد غياب».


مقالات ذات صلة

نُصب فنّي يُحيي ذاكرة الشجرة التي أبكت بريطانيا

يوميات الشرق بقايا الشجرة التي هزّت بريطانيا... الآن يمكن احتضانها (غيتي ومتنزه نورثمبرلاند الوطني)

نُصب فنّي يُحيي ذاكرة الشجرة التي أبكت بريطانيا

تقرَّر عرض جزء من شجرة «سيكامور غاب» ذات الشهرة العالمية، التي قُطعت بطريقة غير قانونية قبل نحو عامين، في مقاطعة نورثمبرلاند البريطانية، وذلك بشكل دائم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «الصيرورة» موضوع «آرت بازل قطر» في نسخته الافتتاحية

«الصيرورة» موضوع «آرت بازل قطر» في نسخته الافتتاحية

في نسخته الافتتاحية، سيبتعد «آرت بازل قطر» عن نموذج المقصورة التقليدية ليقدم شكلاً جديداً للمعرض يرتكز على الرؤية الفنية والدقة المفاهيمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق بوابة الفتوح في القاهرة التاريخية (محافظة القاهرة)

معرض فوتوغرافي يحتفي بمرور 1056 عاماً على تأسيس مدينة القاهرة

تحتفل مصر بمرور 1056 عاما على إنشاء مدينة القاهرة، العاصمة المصرية التي يعود إنشاؤها للعصر الفاطمي.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق عرائس «ماتريوشكا» في المعرض (الشرق الأوسط)

«حكاوي ماتريوشكا»... معرض قاهري يحمل رسالة سلام بالدمى الروسية

قدّمت الفنانة الدُمية في معرضها بطابع مصري؛ فتشعر كأنها وصلت إلى قاعة العرض للتوّ من حي «الأنفوشي» في الإسكندرية مرتدية «الملاية اللف» المزينة بالترتر.

نادية عبد الحليم (القاهرة )
يوميات الشرق «انطباعات» يدمج ما بين فني التصوير الفوتوغرافي وعصر النهضة (الشرق الأوسط)

«انطباعات»... أحلام نساء تطفو على سطح المياه

تُبحر الفنانة لارا زنكول بعدستها في أعماق الحلم فترسم بالضوء ملامح أنوثة تسبح بين السكون والماء.

فيفيان حداد (بيروت)

وفاة المخرج سامح عبد العزيز تفجع الوسط الفني المصري

المخرج المصري الراحل سامح عبد العزيز (حسابه على فيسبوك)
المخرج المصري الراحل سامح عبد العزيز (حسابه على فيسبوك)
TT

وفاة المخرج سامح عبد العزيز تفجع الوسط الفني المصري

المخرج المصري الراحل سامح عبد العزيز (حسابه على فيسبوك)
المخرج المصري الراحل سامح عبد العزيز (حسابه على فيسبوك)

فُجع الوسط الفني في مصر، صباح الخميس، بخبر وفاة المخرج سامح عبد العزيز (49 عاماً)، إثر تعرضه لأزمة صحية، ونقله لغرفة العناية المركَّزة بأحد المستشفيات، حيث أُصيب بعدوى فيروسية في الدم تسببت في تدهور حالته الصحية، ليلفظ أنفاسه الأخيرة بالمستشفى.

وشُيع جثمانه، عصر الخميس، ليطوي مشواراً قصيراً زمنياً، لكنه طويل بمنجزه الفني الذي أخرج فيه 20 فيلماً، أبرزها: «كباريه» و«الفرح» و«تيتة رهيبة» و«الدشاش»، كما أخرج عدداً من المسلسلات التي لقيت تفاعلاً مع الجمهور، من بينها: «رمضان كريم» بجزأيه الأول والثاني، و«خيانة عهد»، و«حرب أهلية»، و«أرض النفاق».

ونعت نقابة المهن السينمائية المخرج الراحل، وعبّر نقيبها، مسعد فودة، عن حزنه لفقدان مخرج ومبدع قدم أعمالاً ذات قيمة في السينما والدراما التلفزيونية، كما نعاه عدد كبير من الفنانين الذين قدّمهم في أفلام ومسلسلات مثلت مرحلة مهمة في مشوارهم، فكتبت يسرا عبر حسابها على «إنستغرام»: «خبر مفجع وحزين... فقدنا اليوم المخرج والصديق سامح عبد العزيز. ربنا يصبر كل حبايبك على فراقك، ويرزقك الجنة ونعيمها»، مشيرة إلى وجودها خارج مصر، وعدم تمكُّنها من وداعه.

عبد العزيز مع يسرا (حساب يسرا على إنستغرام)

وكتب الفنان محمد سعد، عبر حسابه بـ«فيسبوك»: «أخويا وصاحب عمري». وكان فيلم «الدشاش» آخر أفلام سامح عبد العزيز، وقد أعاد محمد سعد لساحة المنافسة بقوة على شباك التذاكر. وكتب الفنان شيكو الذي قام ببطولة فيلم «حملة فريزر»، للمخرج الراحل: «كنت واحشني وهتوحشني أكثر الآن». وكتبت الفنانة روبي، وهي الزوجة السابقة لسامح عبد العزيز، عبر حسابها بـ«إنستغرام»: «تُوفي إلى رحمة الله المخرج سامح عبد العزيز، داعية له بالرحمة والمغفرة. كما حرصت على حضور الجنازة التي حضرها أيضاً عدد من الفنانين، من بينهم محمد هنيدي، صبري فواز، إيهاب فهمي، سلوى عثمان، المنتج عصام إمام وأشرف زكي نقيب المهن التمثيلية».

بطولات جماعية

وتخرج سامح عبد العزيز في معهد السينما بالقاهرة، عام 1996، متخصصاً في مجال المونتاج، واتجه في البداية لإخراج البرامج التليفزيونية، وكان أول فيلم أخرجه «درس خصوصي» (2005)، من بطولة محمد عطية نجم «ستار أكاديمي»، ثم توالت أفلامه، ومنها: «أسد وأربع قطط»، و«أحلام الفتى الطايش»، و«كباريه» الذي أعاد من خلاله البطولة الجماعية للسينما، مع المؤلف أحمد عبد الله، وكان من بطولة صلاح عبد الله، وفتحي عبد الوهاب، وماجد الكدواني وخالد الصاوي ودنيا سمير غانم، حيث طرح من خلاله حالة التناقض والازدواجية التي يعيشها البعض في المجتمع، لتتكرر في مسيرته أفلام البطولة الجماعية، وهي: «الفرح»، و«الليلة الكبيرة»، و«سوق الجمعة»، و«ليلة العيد».

سامح عبد العزيز خلال تصوير فيلم «سوق الجمعة» (حسابه على فيسبوك)

وعدَّت الناقدة ماجدة خير الله «كباريه» و«الفرح» من أهم أفلامه، و«حملة فريزر» نموذجاً مثالياً للفيلم الكوميدي الذي يقدم فكرة بين السطور، ببطليه هشام ماجد وشيكو، بعد انفصالهما عن أحمد فهمي، ليكون الفيلم بمنزلة قُبلة حياة لهما، مثلما تقول، مشيرة إلى أن «فكرة البطولة الجماعية التي كرَّسها في أفلامه وجمع فيها بين نجوم كُثر تُعد مرهقة جداً، وتتطلب ذكاء في الإدارة».

وتضيف خير الله أن «المخرج الراحل استطاع إقناع نجوم اعتادوا أدوار البطولة المطلقة بأداء أدوار محدودة، والنجم يرحّب؛ لقيمة المخرج وقيمة الدور حتى لو كان صغيراً، ثم يعيد المخرج اكتشافهم بهذه المشاهد المحدودة، كالأداء الناضج الذي ظهر به الفنان أحمد بدير في فيلم (كباريه)، وكذلك ماجد الكدواني ودنيا سمير غانم في (كباريه) و(الفرح)، حيث قدَّما أداءً مميزاً فيهما».

سامح عبد العزيز مع محمد سعد في أحد أدواره (حسابه على فيسبوك)

ولم يبرع سامح عبد العزيز في طرح القضايا الاجتماعية فقط، بل نجح أيضاً في أعماله الكوميدية مع هنيدي ومحمد سعد وشيكو، وتلفت خير الله إلى أن مسيرته، رغم قصرها، شهدت تنوعاً كبيراً ونجاحات لا ادعاءات فيها.

مشوار ثري

وأخرج عبد العزيز للفنانة يسرا أكثر من عمل، من بينها مسلسلا «خيانة عهد» و «حرب أهلية»، وفيلم «ليلة العيد»، ولمحمد هنيدي مسلسلي «مسيو رمضان مبروك أبو العلمين»، و«أرض النفاق»، وفيلم «تيتة رهيبة».

وترى خير الله أن مسيرة المخرج سامح عبد العزيز كانت ثرية ومميزة، وحازت أعماله نجاحاً فنياً وجماهيرياً، تاركةً بصمة مهمة في أعماله السينمائية والتلفزيونية، مؤكدة أن هذا أمر لا يتوفر لمخرجين كثيرين.

وكان المخرج الراحل قد تزوج مرتين: الأولى من المذيعة داليا فرج، وأنجب منها ثلاث بنات، وانفصلا ثم تزوج من الفنانة روبي، وأنجب منها طفلة، ووقع الانفصال بينهما في فبراير 2017.