في عمل يتناول حقوق المرأة ويُحاكي وجع الإنسان، اختار المخرج المسرحي كريس غفري قصة «ميديا» لداريو فو وفرانكا راما، وهي إحدى أكثر الأساطير الإغريقية إثارةً وجدلاً. وفي نسخة عربية ترجمها ديمتري ملكي واقتبسها، يقدّم غفري نظرة مختلفة عن القصة التقليدية، ويُضيء على أبعاد نفسية واجتماعية جديدة تُجسّد واقع النساء في أيامنا.
يقف وراء العمل، «مسرح شغل بيت»، ويقدّمه على خشبة «مونو» في بيروت لـ4 أيام: 27 و28 فبراير (شباط) الحالي، و1 و2 مارس (آذار) المقبل.
تروي «ميديا» قصة امرأة وهبت حياتها وحبّها لزوجها ياسون، لكنه يخذلها ويتخلّى عنها من أجل امرأة أصغر سناً، فتُواجه صدمة الخيانة والعزلة، بينما تراقبها نساء الحيّ اللواتي يحاولن إقناعها بقبول الواقع والمضي قدماً. لكن هل تنصاع لمطالبهن، أم أنّ لديها رواية أخرى؟ أسئلة تطرحها المسرحية التي تتضمّن حبكة إخراجية مختلفة، وتحافظ، في الوقت عينه، على هوية القصة الأصلية. يوضح غفري لـ«الشرق الأوسط»: «حافظنا فيها على نهج داريو فو المسرحي عينه. واتبعتُ في إخراجها عناصر فنّية عدّة، من بينها الفنون التشكيلية. فأعددتُ خلطة مسرحية تراوح بين الحقيقة التاريخية وزمن اليوم».

تُجسّد الممثلة ماريال بدروسيان دور ميديا البطلة المطلقة والوحيدة في العمل. يحيط بها فريق محترف يتمثّل بمؤسِّس مسرح «شغل بيت»، شادي الهبر، المُشرف على المسرحية. وكذلك علي بيضون بكونه مساعد مخرج، ووسام ترحيني بكونه مسؤولاً عن اللوحات الفنّية، وتوفيق الصفاوي ومحمد أحمد في تصميم الإضاءة وتنفيذ الصوت، بينما يتولَّى فرح فقيه عملية التصميم الغرافيكي فيها.
عرضت «ميديا» للمرة الأولى عام 431 قبل الميلاد في مهرجان مدينة «Dionysi»، من كتابة يوربيديس الذي استند فيها إلى أسطورة ياسون وميديا الإغريقية. أعيد اكتشافها مرة أخرى في القرن الـ16، ثم بقيت جزءاً من الذخيرة التراجيدية، وصارت المأساة اليونانية الأكثر شيوعاً في القرن الـ20، وشهدت اهتماماً متجدّداً بالحركة النسائية في أواخر القرن الماضي. وفُسِّرت على أنها تصوير دقيق ومتعاطف لصراع ميديا في تولّي زمام حياتها وسط عالم يسيطر عليه الرجال.
ويشير كريس غفري إلى أنّ «ديمتري ملكي نجح في اقتباسها بنكهة لبنانية. وأنسنها شادي الهبر المُشرف على تنفيذها بخطّ مسرحي متجدّد. من جهتي، عملتُ على وضعها في قالب مسرحي بأبعاد مختلفة، وأصررتُ على تطعيمها بالفنون التشكيلية وقولبتها لتطبع العمل فتُشكّل الأدوات الفنّية الأساسية. لذلك نرى ميديا في سياق العرض تخاطب لوحات الرسم. ومن شأن هذا الحوار تعزيز مشهدية مسرحية تمزج بين الماضي والحاضر».

المسرحية من نوع التراجيديا؛ تُضيء على المرأة المعنَّفة في بيئتها. وعندما تناولها داريو فو على طريقته أسهم يومها في ولادة النهضة النسائية. فكان المُدافع الشرس عن المرأة في تلك الحقبة. ووسم شخصية بطلة عمله، ميديا، بالقوة، وهي لم تتوانَ عن قتل أولادها لتنتقم من زوجها. يُعلّق غفري: «حاولتُ تطوير الشخصية لتتزوّد بمشاعر مختلطة. فنراها المرأة الحنونة والشرسة والقوية والمتواضعة والجميلة في آن معاً».
تقف الممثلة ماريال بدروسيان وحدها على الخشبة، لتؤدّي دور البطولة في مونودراما تستغرق نحو 45 دقيقة. وتتخلّل العرض مقاطع موسيقية تنسجم مع موضوع العمل. يوضح مخرجها كريس غفري: «تحمل المسرحية موضوعاً من النوع الثقيل. كان ضرورياً تخفيف وطأته على مُشاهدها بعناصر فنّية عدّة. ولكنها جميعها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالرسائل التي تحملها. حتى إننا نُقدّم زوج ميديا، ياسون، بفكرة جديدة وضمن رؤية إخراجية دقيقة».

«ميديا» العمل الثاني لغفري بعد «فاتورة أحلام»: «فيها رؤية إخراجية أوسع تطلّبت كثيراً من التدقيق والتأنّي. وهذا يشمل لغة الجسد ونبرة الصوت والشكل الخارجي. فالبطلة تتحوّل بين لحظة وأخرى من كاركتير إلى آخر لتبرز أهمية التفاصيل الصغيرة».
وعن سبب تقليص معظم الأعمال المسرحية اليوم مدّة العرض، يردّ غفري: «الوقت القصير والمختصر يُسهم في جذب المشاهد واستمتاعه بالعمل. وبذلك يستطيع التركيز بشكل أكبر على المشهدية وما تتضمّنه من نصّ وأداء. وبين الموسيقى والرقص واللوحات التشكيلية، تكبُر هذه المتعة، ويصبح العمل من النوع المركّز الذي فيه إفادة، إضافة إلى الفنّ الإبداعي».