أفلامك المفضلة... ماذا تكشف عن دماغك؟

اختيار المشاهدين نوع الأفلام مرتبط بكيفية معالجة أدمغتهم للعواطف (رويترز)
اختيار المشاهدين نوع الأفلام مرتبط بكيفية معالجة أدمغتهم للعواطف (رويترز)
TT

أفلامك المفضلة... ماذا تكشف عن دماغك؟

اختيار المشاهدين نوع الأفلام مرتبط بكيفية معالجة أدمغتهم للعواطف (رويترز)
اختيار المشاهدين نوع الأفلام مرتبط بكيفية معالجة أدمغتهم للعواطف (رويترز)

بعد الانتهاء من يوم متعب وطويل، وعند الاستقرار أمام شاشة التلفاز لمشاهدة فليم أو مسلسل على منصة «نتفليكس»، ما هي الفئة التي تتصفحها أولاً؟ هل تنجذب إلى اندفاع الأدرينالين في فيلم «أكشن»؟ أو التشويق في فيلم جريمة مثير؟ أو التحفيز الفكري للفيلم الوثائقي؟

وفقاً لدراسة حديثة نُشرت في Frontiers in Behavioral Neuroscience، فإن اختيارك للنوع مرتبط بكيفية معالجة دماغك للعواطف، وفقاً لتقرير لموقع «سيكولوجي توداي».

تقول إستر زويكي، المؤلفة الرئيسية للدراسة وطالبة الدكتوراه في علم النفس بجامعة مارتن لوثر هالي فيتنبرغ بألمانيا: «الأفلام رائعة للغاية؛ لأنها لا تصور كل المشاعر البشرية فحسب، بل تستحضرها أيضاً. تلعب المشاعر السلبية، مثل الغضب أو الخوف، دوراً محورياً في الكثير من الأفلام».

سألت زويكي وفريقها البحثي 257 شخصاً عن نوع الفيلم المفضل لديهم قبل مسح أدمغتهم باستخدام جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI). يُظهر هذا التصوير تغيرات تدفق الدم في الدماغ؛ مما يسمح لاختصاصيي الأشعة بتتبع مناطق الدماغ الأكثر نشاطاً.

خلال الفحص، عُرضت على المشاركين وجوه تعبر عن الغضب أو الخوف. وفي الوقت نفسه، راقب الباحثون منطقتين من أدمغتهم: اللوزة الدماغية، المسؤولة عن معالجة المشاعر، والنواة المتكئة، مركز المكافأة في الدماغ.

لاحظ الباحثون تبايناً مذهلاً في نشاط المخ بين عشاق أنواع الأفلام المختلفة.

لقد أظهر عشاق أفلام «الأكشن» أقوى الاستجابات في منطقتي المخ. فلم يشعروا فقط بالتحفيز الشديد عند رؤية المشاعر السلبية (كما يظهر من نشاط اللوزة الدماغية)، بل شعروا أيضاً بأن هذا التحفيز مجزٍ (كما يظهر من نشاط النواة المتكئة).

وشرحت زويكي: «لم نتوقع هذا؛ لأن أفلام الحركة تقدم عادةً الكثير من المحفزات. وبالتالي، كان من المنطقي أن يكون تحفيز عشاق أفلام الأكشن أقل سهولة».

كانت النتائج مماثلة لمحبي الكوميديا. أما أولئك الذين يفضّلون أفلام الإثارة والأفلام الوثائقية، من ناحية أخرى، فقد تفاعلوا بشكل أقل قوة مع رؤية المشاعر السلبية على الشاشة.

لكن لماذا تجتذب هذه الأنواع من الأفلام الجماهير بنشاط دماغي مميز؟

تختلف الأفلام الكوميدية والوثائقية عن بعضهما بعضاً بقدر اختلاف أنواع الأفلام الأخرى، لكن ماذا عن أفلام الأكشن والإثارة؟ فكلاهما يضع الشخصيات في مواجهة مشاعر سلبية مثل الخوف والغضب. وكلاهما يصور أعمال العنف، والخصوم الخطرين، والمواقف الخطرة. وكلاهما يعتمد أيضاً بشكل كبير على التوتر والتشويق لإبقاء المشاهدين على حافة مقاعدهم.

يبدو أن ما يهم هو لماذا يصور كل نوع من الأنواع المشاعر السلبية.

في فيلم الأكشن، تكون مشاعر الخوف والتوتر والغضب و(في النهاية) الراحة أو الفرح هي النقطة الأساسية، وقد يحصل الأشخاص الذين تستجيب أدمغتهم بقوة للعواطف على الشاشة على المزيد من الإثارة غير المباشرة من التجربة.

على الرغم من أن الخوف والتوتر مهمان في أفلام الإثارة أيضاً، فإن هذه الأفلام تميل إلى التركيز على المؤامرة؛ مما يقود المشاهد من خلال حبكة متشابكة إلى خاتمة مفاجئة. وربما يكون التحفيز المعرفي للغموض هو ما يثير اهتمام المشاهدين الأقل استجابة عاطفياً.

وعلى نحو مماثل، تؤكد الأفلام الكوميدية على المشاعر بينما تجذب الأفلام الوثائقية عقولنا.

لا يوضح البحث ما إذا كانت الاختلافات في استجابة الدماغ للمشاعر السلبية فطرية أم مكتسبة. قد تؤثر الأسلاك العصبية لدى الشخص على الأفلام التي ينجذب إليها، أو قد تؤثر مشاهدة أنواع معينة من الأفلام على استجابات الدماغ.

مهما كان سبب هذه الاختلافات العصبية، فإنها تثير تساؤلات حول أسس الذوق الشخصي. لماذا نحب ما نحب؟ وفقاً لزويكي، «يبدو أن الناس يختارون أنواع الأفلام التي تحفز أدمغتهم على النحو الأمثل».


مقالات ذات صلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من فيلم «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

رغم تباين ردود الفعل النقدية حول عدد من الأفلام التي تشارك في المهرجانات السينمائية، التي تُعلي الجانب الفني على التجاري، فإن غالبيتها لا تصمد في دور العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة الأردنية ركين سعد (الشرق الأوسط)

الفنانة الأردنية ركين سعد: السينما السعودية تكشف عن مواهب واعدة

أكدت الفنانة الأردنية ركين سعد أن سيناريو فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، الذي عُرض بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، استحوذ عليها بمجرد قراءته.

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.