السعودية تقود جهود تطوير مفهوم المتاحف وإثراء وظيفتها الثقافية

أصلان: التغير المناخي والصراعات السياسية يهددان ثروة المتاحف العربية

من الجلسات العلمية للمؤتمر الدولي بمشاركة أكاديميين ومتخصصين في القطاع المتحفي (هيئة المتاحف)
من الجلسات العلمية للمؤتمر الدولي بمشاركة أكاديميين ومتخصصين في القطاع المتحفي (هيئة المتاحف)
TT

السعودية تقود جهود تطوير مفهوم المتاحف وإثراء وظيفتها الثقافية

من الجلسات العلمية للمؤتمر الدولي بمشاركة أكاديميين ومتخصصين في القطاع المتحفي (هيئة المتاحف)
من الجلسات العلمية للمؤتمر الدولي بمشاركة أكاديميين ومتخصصين في القطاع المتحفي (هيئة المتاحف)

في إحدى القاعات الكبرى بمدينة الرياض، يلتئم اجتماع دولي هو الأول من نوعه في المنطقة العربية، لتأسيس حقبة جديدة في دور المتاحف وتطوير وظيفتها الثقافية والإثرائية، وتعزيز رحلتها من داخل الحدود والصناديق المصمتة وخزائن حفظ المقتنيات إلى خارج حدود المباني التي أصبح بعضها رثّاً ومهملاً، والبعض الآخر عرضة لمهددات طبيعية وسياسية، تحيق بثروتها الثقافية ومدخراتها التاريخية الثمينة.

المؤتمر الدولي للتعليم والابتكار في المتاحف الذي انطلق السبت في الرياض، استقطب نخبة من المتخصصين والتربويين في مجال المتاحف من مختلف المؤسسات العلمية والتعليمية الرائدة، للمشاركة في بناء هوية جديدة لمفهوم المتاحف وأدوارها، واستكشاف أفضل الممارسات في مجال تعليم المتاحف، ومناقشة دورها المحوري في تعزيز الإبداع والتعلم وتحديد فرص التعاون الدولي.

وقال البروفسور زكي أصلان، المدير السابق للمركز الإقليمي لحفظ التراث الثقافي في الوطن العربي، إن أهمية المؤتمر تأتي من تنظيمه في فترة مهمة من رحلة تطور مفهوم المتاحف، وتغيير تعريف وظيفتها من قبل منظمة المتاحف الدولية، مشيراً إلى أن التركيز على التعليم والابتكار في النسخة الأولى من هذا التجمع الدولي غير المسبوق، مهم في تطوير عمل المتاحف والانتقال بها من داخل أسوارها إلى خارجها، بعد أن كان دورها تقليدياً كمجرد مكان لحفظ القطع والمقتنيات، يفد إليه الزوار لمجرد الاطلاع عليها، بينما يجري تطويرها اليوم لتصبح المتاحف أكثر حيوية وتفاعلية مع المجتمعات المحلية والزوار الذين يقصدونها من كل دول العالم، وذلك لزيادة تعزيز التبادل الثقافي والاطلاع على التجارب الإنسانية المختلفة.

من الجلسات العلمية للمؤتمر الدولي بمشاركة أكاديميين ومتخصصين في القطاع المتحفي (هيئة المتاحف)

من جهته، قال الدكتور عماد خليل، رئيس اللجنة العلمية في «اليونسكو» لاتفاقية 2001، إن السعودية من خلال هذا المؤتمر النوعي، تقود جهود تطوير الفكر العربي بشأن المتاحف ووظيفتها، من مجرد مكان لوضع المقتنيات كما هو شائع، إلى مؤسسة تعليمية واجتماعية شاملة، تفتح أبوابها للجميع، ويتساوى أمام ثروتها الثقافية كل الأفراد والفئات على اختلاف استعدادهم الثقافي والتعليمي.

وكشف خليل في حديث له مع «الشرق الأوسط» أن المنطقة العربية لم تركز تاريخياً على دور المتحف التعليمي، وأن المؤتمر الذي تستضيفه السعودية يركز على هذا الدور لأول مرة في المنطقة العربية، منوهاً بما قدمته هيئة المتاحف السعودية أثناء المؤتمر، من نماذج لما يمكن أن يكون عليه شكل المتحف في المستقبل، وذلك من خلال الاستخدام المبتكر لتقنيات الذكاء الاصطناعي، والواقع الافتراضي، واستخدامات الهلوغرام، والأفلام التسجيلية ثلاثية الأبعاد، بالإضافة إلى محتوى جلسات المؤتمر التي ناقشت سؤال الوظيفة الحيوية التي يمكن أن يقدمها المتحف للمجتمعات المحلية، مؤكداً أن المنتج المتوقع من هذا المؤتمر غير المسبوق، هو تغيير الفكرة العربية عن المتحف ووظيفته الثقافية والاجتماعية، والانتقال بها من مجرد مؤسسات لحفظ المقتنيات إلى منابر تعليمية ومنصة اجتماعية فاعلة.

البروفسور زكي أصلان خلال حديثه مع «الشرق الأوسط» (هيئة المتاحف)

مهددات تواجه المتاحف العربية

سألت «الشرق الأوسط» البرفسور زكي أصلان الذي أمضى عقدين من الزمن في مراقبة القطاع الثقافي والمتحفي العربي، من خلال موقعه رئيساً للمركز الإقليمي للتراث الثقافي في الوطن العربي، وهو مركز انبثق من منظمة «اليونسكو»، عن المعوقات التي تحول دون تجديد مفهوم ووظيفة المتحف في العالم العربي، فأجاب بأن هناك حزمة من التحديات تهدد وظيفة ودور المتاحف، وربما تهدد بقاءها.

وأضاف أن التحديات الدولية التي يمرّ بها العالم عموماً، كالتغير المناخي على سبيل المثال، تفرض أسئلة من قبيل «كيف تكون المتاحف صديقة للبيئة؟ وعن تصميم المتاحف على أفكار العمارة الخضراء، والتقليل من استخدام الطاقة، وكيف تسهم المتاحف في الوصول إلى الأجندة الدولية في أهداف التنمية المستدامة؟ وأفكار أخرى متعلقة بالمستقبل والتخطيط له، والاستجابة للتغيرات المحيطة بنا من حول العالم».

وأكد رئيس المركز الإقليمي للتراث الثقافي في الوطن العربي أن مفهوم المتحف يجب أن يُنظر إليه من زاوية أوسع، تشمل الجانب المجتمعي والثقافي والتقني، وأن المتاحف يمكن أن تشكّل مكاناً للحوار والتفاعل مع المجتمعات المحلية، وهنا يأتي دور المتحف في جذب الجمهور للتعلم والحوار، إذ لم تعد المتاحف مجرد صناديق لعرض المقتنيات، بل أصبحت ساحات للحوار والتفاعل الثقافي، والاحتفاء بالثقافة المحلية، مستشهداً بالتنوع الواسع الذي تتمتع به السعودية، وضرورة أن توفر المتاحف فرصة للاحتفاء بالتراث الثقافي غير المادي الذي يعبر عن هوية الأمة وتراثها وتجاربها الإنسانية الفريدة.

ودعا أستاذ الجامعة الأميركية في الشارقة إلى أهمية تعزيز دور المتاحف في حماية الموروث الثقافي، الذي يتعرض للتغير ولمخاطر مختلفة، وبالإضافة إلى التغير المناخي الذي قد يتسبب في كوارث طبيعية تهدد المدخرات الثقافية والتاريخية الثمينة في مناطق مختلفة من العالم، منوهاً بوجود تهديدات أخرى مثل سرقة الآثار والتهريب والحروب والصراعات السياسية، التي تتطلب دعم القطاع المتحفي للقيام بدور أكبر في مواجهة هذه الأنواع من المهددات، ومن ذلك بناء شبكة تعاون مع مراكز الشرطة والجمارك وجهات ضبط الحقوق، لحماية مصادر القطع المتحفية، وضمان تتبعها في حال تعرضت للسرقة والتهريب أو التلاعب، مشيراً إلى أن ذلك ينبغي أن يتم في إطار توسيع الشراكات الدولية، على مستوى بناء القدرات للعاملين والمؤسسات العاملة في هذا القطاع، والاستفادة من دور السعودية وتجربتها في هذا المنظور الدولي الأكبر.

نخبة من المتخصصين والتربويين في مجال المتاحف استقطبهم المؤتمر الدولي الذي انطلق السبت بالرياض (هيئة المتاحف)

واقع القطاع المتحفي العربي

وفي جلسة حول مواءمة المتاحف مع العالم المتغير، قال البروفسور زكي أصلان إن هناك تفاوتاً في واقع القطاع المتحفي بين الدول العربية، مرجعاً السبب في ذلك إلى تفاوت الوعي بتطور مفهوم المتاحف وفي دورها وأدائها، ونوه بأن لهذا النوع من المؤتمرات دوراً مهماً في توسيع أفق العاملين بالقطاع المتحفي وتحفيز مهامهم لصون وحفظ التراث والثقافة العربية.

المؤتمر سلط الضوء على تحديات متحفية وتجارب نوعية من العالم (هيئة المتاحف)

ومضى أصلان إلى القول: «لدينا دول عربية سبقت إلى خطوات نوعية، وأخرى لا تزال تعاني من آثار التغير أو الصراعات السياسية التي ثبطت كثيراً من جهود تطوير وتحسين أداء المتاحف، لكن مفهوم المتحف المجتمعي ودوره التثقيفي جديد؛ ليس في العالم العربي فحسب، بل في العالم أجمع، وبالتالي تجد التفاوت حتى خارج المنطقة، مع أهمية أن يستمر العمل على تطوير أداء المتاحف لتجاري هذه التغيرات في القطاع».

وختم أصلان حديثة قائلاً: «لقد اتضح لنا من خلال هذا المؤتمر ريادة السعودية في هذا القطاع، وبأن الجهود التي قامت بها مؤخراً، تعكس مستوى الالتزام والوعي بقيمة القطاع المتحفي، وخلال عملي في المكتب الإقليمي، تابعت تطور القطاع المتحفي في السعودية، ولمست عن كثب اهتمام السعودية بمواكبة التطور فيه، وأرى اليوم حرصاً على بناء توجهات واستراتيجيات مبتكرة لدى المختصين في المملكة، وهي خطوة نثمنها نموذجاً يمكن الاحتذاء به من قبل دول العالم العربي».


مقالات ذات صلة

السعودية ومصر تعززان التعاون في مجال الطيران المدني

شمال افريقيا وزير الطيران المدني المصري سامح الحفني خلال لقاء عضو مجلس الوزراء السعودي عصام بن سعد بن سعيد (مجلس الوزراء المصري)

السعودية ومصر تعززان التعاون في مجال الطيران المدني

رحّب وزير الطيران المدني المصري بوزير الدولة السعودي والوفد المرافق له، وأشاد بقوة وعمق العلاقات الثنائية الممتدة بين مصر والمملكة العربية السعودية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الخليج وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان يستقبل نظيره الفرنسي جان نويل بارو في الرياض (واس)

فيصل بن فرحان يناقش التطورات اللبنانية مع نظيريه الفرنسي والأميركي

ناقش وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، مع نظيره الفرنسي جان نويل بارو، التطورات على الساحة اللبنانية والجهود المبذولة بشأنها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم العربي وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (أ.ف.ب)

وزير خارجية فرنسا يتوجه إلى الشرق الأوسط ويبدأ زيارته بالسعودية

يتوجه وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إلى السعودية في مستهل جولة تستمر أربعة أيام تنتهي في إسرائيل والضفة الغربية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
العالم العربي سامي جانج الموفد التايواني لدى السعودية (الشرق الأوسط)

رئيس البعثة التايوانية لدى السعودية: 260 ألف جهاز «بيجر» جرى تصديرها خلال عامين

كشف دبلوماسي تايواني أن السلطات القضائية التايوانية تحقق حالياً في تحديد المسؤول الأول عن تعديل مصنعاتها من أجهزة «البيجرز».

فتح الرحمن يوسف (الرياض) فتح الرحمن يوسف (الرياض)
شمال افريقيا الأمير فيصل بن فرحان خلال لقاء وزير الخارجية والهجرة المصري في الرياض أغسطس الماضي (واس)

تشديد «سعودي - مصري» على ضرورة وقف إطلاق النار في لبنان وغزة

شددت المملكة العربية السعودية ومصر على «ضرورة وقف إطلاق النار الفوري والدائم في كل من لبنان وقطاع غزة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

اثنان من قدامى المحاربين يلتقيان مصادفةً بعد 70 عاماً

لمُّ الشمل (مواقع التواصل)
لمُّ الشمل (مواقع التواصل)
TT

اثنان من قدامى المحاربين يلتقيان مصادفةً بعد 70 عاماً

لمُّ الشمل (مواقع التواصل)
لمُّ الشمل (مواقع التواصل)

التقى اثنان من قدامى المحاربين مصادفةً بعدما فرّقتهما الأيام لـ70 عاماً.

وعمل كل من آرثر سايمز (89 عاماً) من مدينة هال البريطانية، وجو إنغرام (94 عاماً) من نيوكاسل، مُشغِّلين لا سلكيين في وحدة «إيست يوركشاير» بماليزيا في خمسينات القرن الماضي.

ووفق «بي بي سي»، حجز كلاهما بشكل منفصل إجازة لأسبوع في مركز إعادة التأهيل للمكفوفين في بريطانيا بمدينة لاندودنو في مقاطعة كونوي، وجرى لمّ شملهما عندما أدرك محارب قديم آخر أنه تحدّث مع شخصين خدما في الوحدة عينها، وعرَّفهما ببعضهما.

وقال سايمز، الذي خدم بين عامي 1953 و1955: «لم أصدق الأمر، وشعرتُ بصدمة». وأضاف: «انضممتُ إلى الوحدة العسكرية في حين كان جو على وشك مغادرتها، لكننا التقينا، وخدمنا في بعض الدوريات معاً مُشغِلَي إشارات في شبه جزيرة ملايو. لم أشعر بشيء مثل هذا في حياتي. كان شعوراً جميلاً، وسعدتُ جداً لرؤيته مرة أخرى».

وكان الاثنان قد خدما في كلوانغ بماليزيا ضمن ما عُرف بـ«الطوارئ الملايوية»؛ وهي حرب دارت بين جيش التحرير الوطني الملايوي من جهة، والقوات البريطانية واتحاد الملايو وقوات «الكومنولث» من الجهة الأخرى.

أما إنغرام الذي خدم بين عامَي 1951 و1953، فقال: «لم أتوقّع أن أرى آرثر أو أياً من رفاقي بعد كل هذه السنوات. كان من الرائع التحدُّث عن الوقت الذي قضيناه في شبه جزيرة ملايو، وعن آخرين خدمنا معهم».

وقال الاثنان إنهما ممتنّان للجمعية الخيرية لمساعدتهما بعدما بدآ يفقدان البصر. وختم إنغرام: «كانت فترة صعبة جداً؛ لأنني فقدتُ زوجتي في الوقت الذي بدأتُ فيه أفقد بصري. لم أعد أستطيع القيادة ولا القراءة. كان من الصعب العيش وحيداً، لكن عندما ذهبت إلى مقرّ الجمعية الخيرية في شمال ويلز، وجدتُ نفسي محاطاً بالناس. كم جميلاً أن تكون لديك رفقة!».