«لم يكن بإمكانه إدارة مطعم برغر»... كيف قاد أوبنهايمر مشروع القنبلة الذرية؟

العالم الأميركي روبرت أوبنهايمر (أ.ب)
العالم الأميركي روبرت أوبنهايمر (أ.ب)
TT

«لم يكن بإمكانه إدارة مطعم برغر»... كيف قاد أوبنهايمر مشروع القنبلة الذرية؟

العالم الأميركي روبرت أوبنهايمر (أ.ب)
العالم الأميركي روبرت أوبنهايمر (أ.ب)

قد تكون طريق فيلم «أوبنهايمر» ممهدة، الأحد، للحصول على أبرز الجوائز الفنية، عندما يجتمع مشاهير «هوليوود» للاحتفاء بأفضل العروض السينمائية في الحفل السنوي لتوزيع جوائز «الأوسكار»، والذي يتوقع أغلب النقاد أن يتحول إلى احتفال بالفيلم الذي يتناول سيرة صانع القنبلة الذرية، الذي لم تكن طريقه هو ممهدة بهذا الشكل لإدارة مشروع حياته الأبرز.

فرغم أن لحظة تعيين العالم الأميركي روبرت أوبنهايمر مديراً لمختبر «لوس ألاموس» التابع لمشروع «مانهاتن» لصناعة أول قنبلة ذرية كانت فارقة في تاريخ العالم، فإن اختياره لـ«أهم وظيفة في أميركا» في وقتها كان «غير محتمل» ومثاراً للدهشة.

ففي ذلك الوقت، كان أوبنهايمر فيزيائياً يبلغ من العمر 38 عاماً، ولم يسبق له أن أدار أي شيء أكبر من مجموعة من 12 من طلاب الدراسات العليا، فكيف له أن يدير عملية تضم آلاف العلماء كان مصير العالم معلقاً عليها؟

وقال الجنرال بالجيش الأميركي، ليزلي غروفز، الذي عيّن أوبنهايمر في المنصب، إنه لم يتلقَّ «أي دعم»، بل فقط معارضة على قراره، في حين قال أحد أصدقاء أوبنهايمر المقربين من العلماء إنه كان «الخيار غير المرجح على الإطلاق» لإدارة مختبر سري من شأنه أن يصنع القنبلة الذرية. وقال زميل آخر: «لم يكن بإمكانه حتى إدارة محل لبيع الهامبرغر»، وفق صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية.

فكيف إذاً تحول أوبنهايمر إلى واحد من أكثر القادة فاعلية وأهمية في التاريخ؟

لفهم ذلك لا بد من العودة لكتابين حائزين جائزة «بوليتزر» المرموقة، وهما «بروميثيوس الأميركي» من تأليف كاي بيرد ومارتن جيه. شيروين، والذي كُتب على مدى 25 عاماً، و«صناعة القنبلة الذرية» لريتشارد رودس.

غلاف كتاب «بروميثيوس الأميركي» (أ.ف.ب)

ووفق المؤلفين، فلقد توافرت في أوبنهايمر 4 عناصر حققت النجاح له ولمشروعه.

تجنيد فريق العمل

قبل أن يتمكن من صنع القنبلة، كان على أوبنهايمر أن يصنع الفريق الذي سيساعده على ذلك. ولم يكن «لوس ألاموس» قد تم اختياره بعد كموقع للمختبر السري عندما بدأ أوبنهايمر «البحث عن المواهب». لكن بمجرد أن حدد أوبنهايمر العلماء وقرر توظيفهم، فعل كل ما يتطلبه الأمر للحصول عليهم. فعندما رفض الفيزيائي ريتشارد فاينمان الانضمام لأن زوجته كانت مريضة بالسل، وجد أوبنهايمر مصحة قريبة بما يكفي من «لوس ألاموس» لها حتى يتمكن فاينمان من زيارتها خلال عطلات نهاية الأسبوع.

وحسب «وول ستريت جورنال»، فإن أوبنهايمر جعل مهمة توظيف من يريدهم أولوية منذ البداية، وكان يستطيع أن يتحلى بالصبر قدر المستطاع حتى يُقنع أي عالم، حتى إنه ظل يطارد البعض منهم لعدة أشهر.

التواصل الجيد

كان لدى أوبنهايمر ميزة عرف بها كيف يحصل على أفضل مردود من علمائه، وهي أنه كان لديه قدرة فائقة على التواصل، وكان «قادراً على قول الشيء الصحيح تماماً في الوقت المناسب، ويعرف كيفية التواصل حتى في ظل الظروف غير المتوقعة».

كان أوبنهايمر يدرك بسرعة ماهية المشاكل ويقترح الحلول

كان الآخرون في «لوس ألاموس» فيزيائيين وكيميائيين ومهندسين أفضل، لكن ما كان بإمكان أوبنهايمر فعله بشكل أفضل من أي شخص هو أخذ العلماء ذوي وجهات النظر المختلفة إلى نقطة وسط والتوصل إلى توافق في الآراء بينهم.

كما كان أوبنهايمر يدرك بسرعة ماهية المشاكل ويقترح الحلول، وكان لديه فهم بديهي لعلم النفس البشري؛ إذ كان له علاقات شخصية وثيقة مع مئات الأشخاص الذين جاءوا للعمل في «لوس ألاموس»، وحتى أولئك الذين لم يعرفوه شعروا أنه يعرفهم، وهذا جعلهم يريدون العمل بجدية أكبر من أجله.

التعاون

كان أوبنهايمر شخصاً يحظى بالاحترام دون المطالبة به، وكان الفارق الأكبر بينه وبين جنرالات الجيش الذين كانوا مسؤولين عن المشروع، هو الطريقة الفضلى لعمل الفِرق العلمية المختلفة. فبينما رأى الجيش أن على الفرق العمل بصورة مستقلة مع تبادل المعلومات على أضيق الحدود لكونها سرية، أصر أوبنهايمر على التعاون بين الفرق، وكان يقيم ندوة أسبوعية لمئات من العلماء لتبادل المعلومات.

لقد فهم أوبنهايمر قيمة جمع هذا القدر من العقول البشرية المميزة في نفس المكان، وكان يشجعهم على مناقشة عملهم والمزج بين أفكارهم.


مقالات ذات صلة

سيول: عقوبات على 15 كورياً شمالياً بسبب البرامج النووية والصاروخية لبيونغ يانغ

آسيا شاشة تعرض إطلاق كوريا الشمالية صاروخاً باليستياً عابراً للقارات خلال برنامج إخباري (أ.ب)

سيول: عقوبات على 15 كورياً شمالياً بسبب البرامج النووية والصاروخية لبيونغ يانغ

سيول ستفرض عقوبات مستقلة على 15 عاملاً كورياً شمالياً في قطاع تكنولوجيا المعلومات وكيان واحد، بسبب أدوارهم في الأنشطة الإلكترونية غير المشروعة.

«الشرق الأوسط» (سيول)
أوروبا صورة مركبة تابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية تعرضت لأضرار بسبب غارة بطائرة مسيرة على طريق في منطقة زابوريجيا في أوكرانيا 10 ديسمبر 2024 (رويترز)

مسيّرة تستهدف مركبة لوكالة الطاقة الذرية قرب محطة زابوريجيا النووية في أوكرانيا

قال مدير الطاقة الذرية إن مركبة تابعة للوكالة تعرضت لأضرار جسيمة بسبب هجوم بمسيرة على الطريق المؤدي إلى محطة زابوريجيا للطاقة النووية في أوكرانيا، الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (كييف)
العالم العربي أعمال تنفيذ محطة الضبعة النووية (هيئة المحطات النووية المصرية)

مصر تؤكد انتظام العمل في المحطة النووية وفق الجدول الزمني

أكدت مصر انتظام العمل في «محطة الضبعة» النووية، وفق الجدول الزمني المخطط لها، وذلك بعد أيام من إعلان الحكومة التزامها بسداد جميع مستحقات الجانب الروسي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أوروبا جانب من التجارب الروسية على إطلاق صواريخ لمحاكاة رد نووي (أرشيفية - أ.ف.ب)

ضابط روسي هارب: كنا على استعداد لتنفيذ ضربة نووية في بداية الحرب

قال ضابط روسي هارب إنه في اليوم الذي تم فيه شن الغزو في فبراير 2022 كانت قاعدة الأسلحة النووية التي كان يخدم فيها «في حالة تأهب قتالي كامل».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

عبر جعل التهديد النووي عادياً، وإعلانه اعتزامه تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، نجح بوتين في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية حول العالم.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

دراسة كندية: تعرّف على المحتال من خلال طريقة وقوفه

دراسة كندية: تعرّف على المحتال من خلال طريقة وقوفه
TT

دراسة كندية: تعرّف على المحتال من خلال طريقة وقوفه

دراسة كندية: تعرّف على المحتال من خلال طريقة وقوفه

تشير دراسة جديدة إلى أنه يمكنك التعرف على المحتالين والمتلاعبين من خلال طريقة وقوفهم؛ فإذا كان شخص ما يقف بشكل مستقيم باستمرار، مع «وقفة مفتوحة ومتسعة»، فهناك فرصة أكبر لأن يكون هذا الشخص يسعى إلى الهيمنة عليك أو التلاعب بك... بل إن هناك احتمالاً أكبر في أن يكون مختلاً عقلياً.

جاء هذا في مقال نشرته حديثاً سوزان كراوس ويتبورن الأستاذة الفخرية في العلوم النفسية وعلوم الدماغ بجامعة ماساتشوستس أمهرست في مجلة «سايكولوجي توداي (Psychology Today)».

الجسم والشخصية

استعرضت ويتبورن الأبحاث الحديثة من جامعة ماكغيل الكندية في مونتريال، حول العلاقة بين وضعية الجسم والشخصية. وعلى الرغم من أن وضعية شخص ما لا يمكن أن تخبرك بكل شيء عنه، فإنها قد توفر دليلاً قيماً لحالته الذهنية. وإذا كنتَ تفكر في إقامة علاقة عمل مع هذا الشخص؛ فمن الذكاء أن تفكر فيما قد تخبرك به وضعيته.

وأجرى باحثو جامعة ماكغيل 5 دراسات منفصلة مع ما مجموعه 608 مشاركين، جميعهم من الشباب. في 4 دراسات، قدَّم المشاركون صوراً لأنفسهم؛ إما في وضع طبيعي، أو في وضع يعبِّر عن الهيمنة أو عن الخضوع.

وفي الدراسة الخامسة، جاءوا إلى المختبر للتقييم. وأكدت الدراسة الخامسة ما وجدته الدراسات الـ4 الأولى.

وضعية «الاعتلال النفسي»

وقالت ويتبورن إن الأشخاص الذين لديهم وضعية منتصبة ومتوسّعة أو مفتوحة باستمرار سجلوا درجات أعلى في سمات، مثل الاعتلال النفسي، والتلاعب، والتنافسية، والإيمان بوجود التسلسلات الهرمية الاجتماعية.

بعبارة أخرى، فإن الأشخاص الذين لديهم هذا النوع من الوضعية هم أكثر عرضة لاستغلال الآخرين لصالحهم الخاص، أي أن الوضعية تكشف عن الشخصية.

كشف الشخصية

الآن، من الصحيح أن الناس يقفون بشكل مستقيم، أو منحنين، لمختلف الأسباب؛ فقد يقف الشخص الذي مارَسَ الرقص أو الجمباز بشكل أكثر استقامة من بقية الناس، على سبيل المثال. ولكن، كما تلاحظ ويتبورن، فإن الأشخاص الذين لديهم شخصيات أقل سعياً إلى السلطة كانوا يميلون إلى تغيير أوضاعهم بمرور الوقت وفي مواقف مختلفة. وكان أولئك الذين حافظوا باستمرار على وضعية مستقيمة وممتدة أكثر عرضة لامتلاك هذه السمات الشخصية غير المرغوب فيها.

عدم توظيف المحتالين

ماذا يعني هذا في العالم الحقيقي؟ إذا كان الشخص الذي تجري معه مقابلة لشَغْل منصب رئيسي يقف باستمرار في وضعية مستقيمة وممتدة؛ فهل يعني هذا أنه لا ينبغي لك توظيفه؟

من الواضح أن الأمر ليس بهذه البساطة؛ فلا يوجد اختبار شخصية مضمون، على سبيل المثال. لذا خذ هذا على أنه مجرد معلومة واحدة. قارِنْها بما تخبرك به غريزتك والملاحظات الأخرى. ماذا تكشف تصريحاته عنه؟ ماذا تُظهِر لغة جسده وسلوكه العام؟ يمكنك جمع كل هذا معاً، ثم اتخاذ خيار مستنير.

لذا فإن على العديد من رواد الأعمال أو قادة الأعمال معرفة مدى أهمية العمل مع أشخاص لن يحاولوا استغلالهم... وقد يساعدك التحقق من وضعية شخص ما في اتخاذ الاختيار الصحيح.

* خدمات «تريبيون ميديا»​