الموضة والرياضة... تداخل المصلحة والحب

علاقة تُحدد تاريخها في العصر الحالي بما قبل ديفيد بيكهام وما بعده

صمّم «كيم جونز» مجموعة  حصرية لفريق باريس سان جيرمان لموسم 2023 - 2024 تغلب عليها التدرّجات اللونية السوداء والزرقاء والرمادية (ديور بريس)
صمّم «كيم جونز» مجموعة حصرية لفريق باريس سان جيرمان لموسم 2023 - 2024 تغلب عليها التدرّجات اللونية السوداء والزرقاء والرمادية (ديور بريس)
TT

الموضة والرياضة... تداخل المصلحة والحب

صمّم «كيم جونز» مجموعة  حصرية لفريق باريس سان جيرمان لموسم 2023 - 2024 تغلب عليها التدرّجات اللونية السوداء والزرقاء والرمادية (ديور بريس)
صمّم «كيم جونز» مجموعة حصرية لفريق باريس سان جيرمان لموسم 2023 - 2024 تغلب عليها التدرّجات اللونية السوداء والزرقاء والرمادية (ديور بريس)

الحديث عن العلاقة التي تربط الرياضة بالموضة لم يعد جديداً. فقد تطبّعت هذه العلاقة منذ عقود، وأصبحت زواجاً ناجحاً رغم أنه بُني على المصلحة. بيد أن نجاح الوثائقي «بيكهام»، الذي يُعرض على منصة «نتفليكس» واقتراب موعد أولمبياد 2024 في باريس، إلى جانب معرض في متحف الفنون الزخرفية بباريس، بعنوان «الموضة والرياضة: من منصة إلى أخرى» يتناول هذه العلاقة وتطورها، أعادوا هذه العلاقة إلى دائرة الضوء وفتحوا الشهية لتناولها من جديد.

برهَن ديفيد بيكهام أنه لاعب ماهر بحس تجاري فذّ ما جعله قدوة للرياضيين (أ.ب)

من بين الكثير من الأمور التي تشد الانتباه في وثائقي «ديفيد بيكهام»، أن هذه العلاقة يمكن تقسيمها إلى مرحلتين: قبل ديفيد بيكهام وبعده. فقبله كان الكثير من الأوساط الرياضية، لا سيما كرة القدم، تستهجن الاهتمام بالموضة وتراها تتعارض مع صورتها. في البداية تلقى بيكهام الكثير من الانتقادات من مشجعيه، وحتى من مدربه. كان إقباله على الموضة، بتبنيه قصات شعر جريئة وأزياء ناعمة، نذكر منها ارتداءه تنورة، شيئاً غريباً على لاعبي كرة القدم آنذاك. ومع ذلك لا يُنكر أحد أن فضلاً كبيراً في إنعاش موجة الرجل «الميتروسيكشوال»، الذي لا يرى في الاهتمام بمظهره تعارضاً مع رجولته، يعود إليه في بداية الألفية وكذلك تغير النظرة إلى الموضة، بعد أن أكدت ثروته أنها قد تكون نشاطاً جانبياً يكسبهم الملايين.

حتى النوادي الكبيرة دخلت هذا المجال، مثل باريس سان جيرمان بشراكته مع دار «ديور»، ونادي نابولي مع جيورجيو أرماني. ديفيد بيكهام نجح أيضاً في تغيير نظرة بيوت الأزياء إلى لعبة كرة القدم. فحتى التسعينات من القرن الماضي، كانوا يتخوّفون من جماهير هذه الرياضة. كانت سُمعتهم المرتبطة بالشغب في الملاعب تسبقهم وأثّرت سلباً على بعضهم. «بيربري» من البيوت التي تضررت من إقبالهم على نقشاتها المربعة وظهورهم بها في الملاعب؛ الأمر الذي جعل الطبقات الراقية تُجافيها وتعزف عنها. أحذية «دكتور مارتن» أيضاً كانت مفضلة لهم في بريطانيا وارتبطت هي الأخرى بالعنف والشغب.

ريكاردو غوادالوبي الرئيس التنفيذي لشركة «هيبلو« مع ويل براس من «بروميير ليغ» (هيبلو)

لكن كل هذا تغيّر. أمر تؤكده صوفي لوماهيو، رئيسة قسم الموضة والأنسجة في متحف الفنون الزخرفية في باريس، الذي يحتضن حالياً معرضاً يسلط الضوء على هذه العلاقة، بعنوان «الموضة والرياضة: من منصة إلى أخرى». تقول: إنه إلى جانب المصالح المشتركة بينهما، هناك قواسم أخرى تجمعهما، منها أنهما قوة ناعمة، ويقومان معاً على جمال الأجسام ورشاقة القوام. من هذا المنظور، يتتبع المعرض بداية هذه العلاقة منذ أول أولمبياد نُظّم في العصر اليوناني القديم مروراً بالقرن الـ19، الذي شهد بداية الاهتمام بتصميم ملابس الرياضيين ومحاولات تمييزها من بعضها، حسب كل رياضة وفريق.

أما التركيز الأساسي في المعرض، فينصب على بداية القرن العشرين وظهور مصممين من أمثال جون باتو، وجين لانفان، وغابرييل شانيل استعملوا تصاميم مريحة وأقمشة منعشة في تصاميمهم. ولا ننسى أيضاً تأثير انتقال رياضيين من الملاعب إلى عالم الأناقة. بعضهم بصفتهم مصممين، وبعضهم الآخر اكتفوا بتأسيس علامات تحمل أسماءهم، مثل لاعب التنس السابق رينيه لاكوست، مؤسس دار «لاكوست»، وبطل التزلج، إميليو بوتشي، وأوتافيو ميسوني مؤسس «ميسوني»، الذي كان بطل رمي الرمح في أولمبياد 1948. في الثمانينات أخذت التصاميم الرياضية منحى مختلفاً تجسد في بنطلونات «الليكرا»، ثم في الأحذية الرياضية والتصاميم الواسعة خلال جائحة «كورونا»، وهي الفترة التي اكتسب فيها الأسلوب الرياضي قوة أكبر؛ لأنها تغلغلت في عمق الثقافة الاستهلاكية من باب الفخامة والترف بأسعارها النارية.

ديفيد بيكهام وزوجته المصممة فكتوريا لدى حضورهما افتتاح فيلم «بيكهام» في لندن (رويترز)

طبعاً، لا يمكن تجاهل أن مرحلة ما بعد ديفيد بيكهام، أنتجت جيلاً من الرياضيين يقتدون به ويطمحون لعقود مجزية مع علامات عالمية. الشباب منهم تحديداً يتوقون للانعتاق من قيود الملابس الرياضية الرسمية ويريدون أن يعيشوا حياتهم مثل غيرهم خارج الملاعب أو مضامير السباقات وغيرها من الرياضات التي تتطلب زياً رسمياً محدداً. في لقاء سابق أجرته «الشرق الأوسط» مع لويس هاميلتون، بطل «فورمولا 1»، اعترف بأهمية الموضة في حياته على المستويين الشخصي والمهني، قائلاً: «بالنسبة لي، أرى الأمر من زاوية بسيطة، وهي أننا نحتاج إلى الموضة مهما كانت طبيعة عملنا للتعبير عن شخصياتنا. خذي مثلاً بدلتي الرياضية في سباقات (فورمولا 1)، هي بمثابة الزي المدرسي الرسمي الذي يلبسه كل أفراد الفريق المُكوّن من نحو 1600 شخص، وأمتلك منها نحو 14 نسخة، بالتصميم نفسه واللونين الأحمر والأبيض أيضاً، وهو ما لا يترك لي أي فرصة للتعبير عن شخصيتي». عندما طلب منه تومي هيلفغر التعاون لتصميم تشكيلة تحمل اسمهما، لم يتردد، كما لا يتردد أبداً في حضور عروض أزياء عالمية. فهي تُبقيه في دائرة الضوء، كما تفتح لها أبواب عقود مجزية.

لاعب كرة القدم بوكايو ساكا في عرض أزياء دار «بيربري» لربيع وصيف 2024 (بيربري)

العلامات التجارية الكبيرة أيضاً أصبحت لها رغبة في دخول ميادين الرياضة بالتمويل والرعاية، وحتى بتصميم ملابس الرياضيين والأوسمة والكؤوس. فعالم الرياضة يفتح لهم الأبواب للوصول إلى جمهور عالمي واسع، والمتألقون فيه هم أدوات تسويقية قوية، أولاً لشعبيتهم، وثانياً لعدد متابعيهم على وسائل التواصل الاجتماعي. كيليان مبابي مثلاً له 109 ملايين متابع على صفحة «إنستغرام» الخاصة به، وهو أكثر من ضِعف عدد المتابعين لدار «ديور»، التي يتابعها 45 مليون متابع.

اللاعب أشرف حكيمي من فريق باريس سان جيرمان خلال جلسة تصوير لدار «ديور» (ديور)

دار «برادا» هي الأخرى دخلت في شراكة مع فريق كرة القدم النسائي الصيني قبل كأس العالم للسيدات FIFA، بينما تعاونت بيربري مع Able Made لإنشاء مجموعة ملابس كرة قدم باستخدام أقمشة «بيربري» المُعاد تدويرها. علامة المجوهرات «تيفاني أند كو» هي الأخرى تعاونت مع الرابطة الوطنية لدوري كرة القدم للسيدات لإعادة تصميم كأس بطولة الدوري.

أما «هيبلو» فكانت أول علامة تبتكر ساعة ذكية خاصة ببطولة الدوري الإنجليزي الممتاز، أتبعتها بساعة كرونوغراف ميكانيكية للبطولة نفسها. ويعد إطلاق هذه الساعة، وهي «كلاسيك فيوجين كرونوغراف بريميير ليغ» دليلاً على التزام الدار تجاه كرة القدم وعلاقة تربطها بها منذ عام 2006.

عزّزت شركة «هيبلو« للساعات علاقتها بكرة القدم بساعة «هيبلو كلاسيك فيوجن كرونوغراف بروميير ليغ» (هيبلو)

في عام 2020، أصبحت «هيبلو» الميقاتي الرسمي لبطولة الدوري الإنجليزي الممتاز. بالنسبة لها، فإن هذه البطولة تُبث إلى 90 دولة ويتابعها 1.66 مليار شخص، وبالتالي فإن اسمها لا بد أن يتردد بينهم. وحتى يكون الوصول مضموناً، جمعت «هيبلو» أهم سفرائها ورموز اللعبة في مباراة آرسنال ضد مانشستر يونايتد سيتي، في حفل إطلاق هذه الساعة ذات الإصدار المحدود، 100 قطعة فقط، كل واحدة منها مُرقّمة بشكل فردي.

الحديث عن المصالح المشتركة يجُرّنا للحديث عن مجموعة «إل في إم إتش» الفرنسية. فهي لا يمكن أن تخرج عن السِرب عندما يتعلق الأمر بتجميل صورتها وتحسين مداخيلها.

استعداداً للألعاب الأولمبية لعام 2024 بباريس، جنّدت بعض العلامات التي تنضوي تحتها لرعاية هذه الفعالية، بدءاً من «ديور» إلى «شوميه»، علماً أن المجموعة دخلت ميادين رياضية أخرى منذ فترة لا يستهان بها. مثلاً تعاقدت «لويس فويتون»، التي تنضوي تحتها، مع لاعب التنس كارلوس ألكاراز، البالغ من العمر 20 عاماً، ليكون سفيراً لها قبل أسابيع فقط من فوزه بكأس ويمبلدون هذا العام. تعاقدت أيضاً مع السباح الفرنسي ليون مارشان، الذي حطم الرقم القياسي لسباحة 400 متر. وقبل عام تقريباً، عقدت «بيرلوتي»، وهي علامة أخرى من علاماتها، شراكة مع «فورمولا 1» فريق ألباين، في حين عقدت «ديور أوم» علاقة مع باريس سان جيرمان لكرة القدم.

«ديور» تأخذ مقاس كيليان مبابي خلال جلسة تصوير للمصور تيل جانز (ديور بريس)

كل هذا بالإضافة إلى سباقهم المحموم لإغراء رياضي مشهور للظهور بزي من توقيعهم. منذ أسابيع مثلاً، غرّدت دار «لويس فويتون» ونشرت لمتابعيها ووسائل الإعلام، أن البدلة التي ظهر بها اللاعب ميسي وهو يتسلم جائزة الكرة الذهبية من توقيعها. كان هذا بمثابة هدف ذهبي لصالحها بعد أن سبق له الظهور ببدلة من «ديور أوم». فرغم أن كلتيهما تنتمي للمجموعة نفسها، فإن هذا لا يمنع من وجود منافسة مشروعة وصحية بينهما. دار «تيفاني أند كو» نشرت بدورها صورة زوجته أنطونيلا روكوزو، وهي تتألق بسوار وخاتم وأقراط أذن من مجوهراتها في المناسبة نفسها. هذه الصور وغيرها تعدّ دعايات لا تُقدَّر بثمن لما تستقطبه لهم من زبائن جدد، ربما لم تكن هذه العلامات ضمن قائمة أولوياتهم من قبل، لكن ارتباطها بنجومهم المفضلين أو بشخصيات ناجحة، يجعلهم يريدون الاقتداء بهم، ولو بشراء نظارة شمسية أو شال.

ليونيل ميسي مع زوجته أنطونيلا وأبنائهما في حفل تسلم جائزة الكرة الذهبية (أ.ب)

المتتبع عروض الأزياء في العواصم العالمية وحفلات الافتتاح وغيرها، يلاحظ أنها باتت مسرحاً يجول فيه الرياضيون ويصولون. النجوم الكبار منهم، أصبحوا مطلباً تسعى إليه بيوت الأزياء، ونجوم أول الطريق يسعون ويتوددون إليها على أمل الحصول على عقود أو تصوير حملات ترويجية تكون النقلة النوعية. هذه الظاهرة أنعشت دور خبراء الأزياء. دورهم لا يقتصر على تجميل مظهرهم وجعله مناسباً للعصر فحسب، بل أيضاً على الربط بينهم وبين بيوت الأزياء أو المجوهرات والساعات الكبيرة. فالكثير من الرياضيين، يُدركون أن أناقتهم وحدها لن تؤدي بهم إلى النتيجة المطلوبة، وبأنهم يحتاجون إلى دفعة قوية من خبراء لهم علاقات في مجال الموضة؛ حتى تختصر عليهم الطريق.

لهذا؛ كان من الطبيعي أن تشتهر أسماء خبراء بات الرياضيون يعتمدون عليهم، أولاً لتوفير دعوات لحضور مناسبات مهمة، وثانياً لاختيار وتنسيق أزيائهم. من هؤلاء نذكر كورتني مايز، التي تتعامل مع رياضيين في فريق كرة السلة بأميركا، مثل كريس بول وكيفن لوف ودياندريه جوردان وسو بيرد وداينا توراسي، وألغين هاميلتون، خبير الأزياء وصاحب علامة «بيل بيكيت» Bill Pickett. لا يتعدى عمره 23 عاماً، لكن لائحة الرياضيين الذين يتعامل معهم تشمل ريس نيلسون وكاي هافيرتز من آرسنال، وتريفور شالوبا من تشيلسي وجو ويلوك من نيوكاسل يونايتد. بفضل علاقاته في عالم الموضة، فإن دوره قائم على توفير الدعوات لكي يحضروا مناسبات مهمة وعروض أزياء عالمية، ومن ثم يوثقون علاقتهم بهذا العالم الذي ربما يكون عصيّاً على من ليس لديهم دراية بما يجري خلف الكواليس. خبيرة أزياء المشاهير، كارلوتا كونستان، هي الأخرى تتعامل مع لاعب نادي كريستال بالاس، إيزي إيبريتشي، وكانت وراء إطلالته في عرض دار «بيربري» الأخير لربيع وصيف 2024.

من تشكيلة «فندي» لرياضة الغولف (فندي)

جدير بالذكر، أن علاقة بيوت الأزياء والمجوهرات والساعات، لا يقتصر على لاعبي كرة القدم، وإن كانوا الأكثر شعبية نظراً للقاعدة الجماهيرية لهذه الرياضة. فهم لا يتجاهلون رياضات أخرى أكثر نخبوية، لكنْ لها زبائن مهمون، مثل الفروسية أو ركوب الأمواج أو التزلج وغيرها، بدليل أن الكثير منهم طرحوا مجموعات جديدة من «مونكلير» و«فندي» إلى «بالنسياغا» و«ديور» و«برادا» وغيرها.

من مجموعة «بالنسياغا» للتزلج (بالنسياغا)

«فندي» مثلاً طرحت في نهاية شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، مجموعة غولف محدودة للاحتفال ببطولة كأس رايدر الدولية التي ستقام في روما في الفترة بين 29 سبتمبر و1 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، في حين أطلقت «بالنسياغا» هذا الشهر مجموعة خاصة بالتزلج. تميزت الأزياء بأقمشة وتقنيات تحافظ على الدفء ومقاومة للماء، بينما تنوّعت الإكسسوارات لتشمل كل ما يحتاج إليه المتزلج من ألواح تزلج وقفازات، إلى خوذات ونظارات وأحذية بعضها بنعل معدني مسنن قابل للإزالة.

من مجموعة «مونكلر غرونوبل» لمحبي تسلق الجبال (مونكلر)

 

 

 


مقالات ذات صلة

في عشق «لابوبو»... دميةٌ ذات وجهٍ مُريب تغزو الأسواق والعقول

يوميات الشرق «لابوبو»... الدمية التي تغزو الأسواق حالياً (إكس)

في عشق «لابوبو»... دميةٌ ذات وجهٍ مُريب تغزو الأسواق والعقول

ما دمية «لابوبو»؟ وكيف تحوّلت إلى ظاهرة يلاحقها الكبار والصغار؟

كريستين حبيب (بيروت)
لمسات الموضة تأثير كريستوبال على المصممين أمر واقع فهو "المعلم" ما وصفه كريستيان ديور

«بالنسياغا»... بين عبثية ديمنا وشاعرية بيتشولي

لم يكن تعيين بيرباولو بيتشولي مديراً إبداعياً جديداً لدار الأزياء «بالنسياغا» خبراً عادياً. اعتبره عشاق الموضة من أبرز التحركات التي عرفتها صناعة الموضة…

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة سيكتب بيتشولي فصلاً جديداً لدار «بالنسياغا» (أ.ف.ب)

عهد جديد في دار «بالنسياغا»

ردود الفعل الإيجابية التي أثارها خبر تعيين الإيطالي بيرباولو بيتشولي الإدارة الفنية لدار أزياء «بالنسياغا» أكدت أنه خير خلف ليس لديمنا، مديرها الإبداعي السابق،…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة قطع تاريخية من حقبة الآرت ديكو ولا تزال تُلهم لحد الآن (خاص)

«GemGenève»... من التهميش إلى العالمية

رغم أنها صُممت في حقب قديمة بتقنيات تقليدية فإن الزمن لم ينل من بريقها، بل بالعكس لا تزال تُلهم الحاضر والمستقبل.

جميلة حلفيشي (جنيف)
يوميات الشرق الممثلة الفرنسية جولييت بينوش في كان (أ.ف.ب)

رئيسة لجنة مهرجان «كان» توجه تحية لمصورة فلسطينية قُتلت في غزة

وجهت رئيسة لجنة تحكيم مهرجان «كان» السينمائي الممثلة الفرنسية جولييت بينوش، الثلاثاء، في افتتاح هذا الحدث، تحية إلى روح المصورة الصحافية الفلسطينية فاطمة حسونة.

«الشرق الأوسط» (باريس)

بييرباولو بيتشولي في «بالنسياغا»... ماذا نتوقع منه؟

تأثير كريستوبال على المصممين أمر واقع فهو "المعلم" ما وصفه كريستيان ديور
تأثير كريستوبال على المصممين أمر واقع فهو "المعلم" ما وصفه كريستيان ديور
TT

بييرباولو بيتشولي في «بالنسياغا»... ماذا نتوقع منه؟

تأثير كريستوبال على المصممين أمر واقع فهو "المعلم" ما وصفه كريستيان ديور
تأثير كريستوبال على المصممين أمر واقع فهو "المعلم" ما وصفه كريستيان ديور

لم يكن تعيين بيرباولو بيتشولي مديراً إبداعياً جديداً لدار الأزياء «بالنسياغا» خبراً عادياً. اعتبره عشاق الموضة من أبرز التحركات التي عرفتها صناعة الموضة العالمية، هذا العام، والأكثر إيجابية. تصريحه بأنه مستعد للمرحلة الجديدة بعد عام على خروجه من دار «فالنتينو» طمأن أوساط الموضة بأننا على موعد مع فصل جديد في تاريخ دار أسسها مصمم كان مسكوناً بالفن ورغبة جامحة في كسر القوالب التقليدية: كريستوبال بالنسياغا.

المصمم بييرباولو بيتشيولي (بالنسياغا)

أحد أسباب التفاؤل يعود أيضاً إلى أنه سيخلف المدير الإبداعي السابق والمثير للجدل، ديمنا. كان من مدرسة مختلفة. لم يكن من السهل على الكل فهم مفرداتها، الأمر الذي يشجع على تشبيه الفرق بينهما مثل الفرق بين فيلسوف عبثي وشاعر عاطفي. ديمنا ركَز على الجانب الثوري والصادم لكريستوبال بالنسياغا، من ناحية عشقه لاستعمال خامات ومواد حداثية، وتعمده الاستعانة بعارضات لا يتمتعن بالجمال الكلاسيكي التقليدي، أو في منتصف العمر وغيرها من الأمور التي لم تكن مألوفة في زمنه.

بييرباولو بيتشيولي، في المقابل مصمم يعطي الأولوية للجوانب العاطفية والإنسانية، الأمر الذي يدعو للتوقع أنه سينبش في الدفاتر القديمة ليُخرج منها تصاميم تخاطب القلب وتحرك الوجدان أولاً وأخيراً.

الإعلان عن الخبر أعاد إلى الأذهان تشكيلات بيتشولي في الأعوام الأخيرة، وكيف تظهر تأثراً واضحاً بكريستوبال. على الأقل من ناحية الأحجام والألوان. قد يكون الأمر استشعاراً واستقبالاً لما سيأتي، أو متعمّداً من باب الاحترام لقدرات مصمم وصفه الراحل كريستيان ديور «إنه أستاذ الكل". كما قد يكون مجرد تخاطر أفكار بين مصممين جمعهما حب الابتكار وفرَّقهما الزمن.

الممثلة ميلينا سميت في مهرجان كان الأخير في فستان مفصل على شكل معطف طويل (بالنسياغا)

تجدر الإشارة إلى أن بييرباولو بيتشولي هو خامس مصمّم يتولى الإدارة الفنية للدار. سبقه كل من ميشيل غوما، ونيكولا غيسكيير، وألكسندر وانغ، وديمنا.

هذا الأخير انتقل إلى «غوتشي»، في مارس (آذار) الماضي، التي تنضوي تحت أجنحة مجموعة «كيرينغ»، مثل «بالنسياغا». انتقاله يُعتبر ترقية، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن «غوتشي» كانت إلى عهد قريب الماسة التي تُزين تاج المجموعة الفرنسية، وتحقق لها أعلى الأرباح. انتكست في السنوات الأخيرة، ما يجعل الآمال تُعقد على ديمنا لكي يبث فيها روحاً جديدة. فوفقاً لتقديرات «مورغان ستانلي»، ارتفعت مبيعات «بالنسياغا»، إلى 1.66 مليار يورو في عام 2024، مقارنة بـ360 مليون يورو فقط في 2015؛ العام الذي تولى فيه منصبه الإبداعي.

إزابيل هوبير بزي من الجينز يتحدى تقاليد السجاد الأحمر في مهرجان كان الأخيرة (بالنسياغا)

لكن بالنسبة لشريحة كبيرة من عشاق الموضة بمفهومها التقليدي، لم يشفع له نجاحه التجاري ولا قدراته في مجال التفصيل والتفنن في الأحجام. لم يرق لهن أسلوبه الجامح، ورأوه خروجا عن السيناريو الذي كتبه المؤسس، كريستوبال، لا سيما أن تمرده كان يُترجم أحياناً بأنه ساخر على ثقافة العصر. ثم كانت الحملة الإعلانية في أواخر 2022 التي تضمنت صوراً لأطفال بجانب إكسسوارات على شكل دببة تحمل إيحاءات جنسية، القشة التي قسمت ظهر البعير. أثارت عليه كثيراً من الانتقادات. سحبها واعتذر عنها، إلا أنها عكَّرت صفو عدة سنوات من النجاح.

العارضة إيفا هيرزيغوفا في فستان يجسد اسلوب المؤسس كريستوبال في مهرجان كان (بالنسياغا)

قوة ديمنا كانت في البداية تكمن بقدرته على جس نبض الشارع وترجمة ثقافة شبابية في تصاميم تمزج روح الدعابة بالثقافة الرقمية، كالتنانير المصنوعة من المناشف والحقائب المصممة على هيئة أكواب قهوة أو كيس بطاطا وغيرها. لمست وتراً حساساً لدى شريحة كبيرة من شباب «التيك توك» و«إنستغرام»، لكنها زادت من حنين زبونات الدار المخضرمات لأسلوب المؤسس. هذه الشريحة هي نفسها التي هلَّلت لخبر تعيين بيتشولي مديراً إبداعياً جديداً للدار. فهذا إيذان بعهد جديد ستعود فيه الدار إلى جوهر الحرفية الراقية والجمال الكلاسيكي

ماذا يمكن أن نتوقع منه مستقبلاً؟

درس بيتشولي الأدب في جامعة روما، وتدرّب في بيوت راقية مثل «برونيلو كوتشينيللي» و«فندي»، قبل أن ينتقل إلى دار «فالنتينو» التي عمل فيها لـ25 عاماً، 8 منها مديراً إبداعياً نجح في رسم لوحات شاعرية ساحرة. وَصْفتُه أنه استعمل لغة المؤسس واكتفى «بتغيير النبرة فقط»، وفق ما قاله عندما سئل عن علاقته بفالنتينو غارافاني. هذا الاحترام للماضي والبناء عليه لن يصعب عليه، مع وجود أرشيف غني وغير مستغَل بالكامل، إضافة إلى أن أسلوبه الخاص لا يختلف كثيراً عن أسلوب كرستوبال، إذا أخذنا بعين الاعتبار تشكيلاته في السنوات الأخيرة.

شاعرية تحرك العواطف

ينجح بيتشيولي دائماً في رسم صورة شاعرية تتناغم فيها الأقمشة مع الألوان (فالنتينو)

يمتلك بييرباولو بيتشولي حسّاً فنياً يتمثل في قدرة عجيبة على جعل تصاميمه تنبض بالحياة، وتحريك العواطف، وهذا ما يجعل محبيه متفائلين بأنه سيعيد للدار توازناً شاعرياً افتقدته إلى حد ما في عهد ديمنا. في الفترة التي قضاها في دار «فالنتينو»، أكد لنا أن الأناقة لا تحتاج إلى إحداث الصدمات لتخلّف أثراً جميلاً، وأن الأناقة الهادئة أكثر بلاغة من الصخب.

لوحة ألوان نابضة

من عرض سابق لبييرباولو استعمل فيه الوردي أحد الألوان المفضلة لديه (فالنتينو)

إذا كان بيتشيولي يتعامل مع الأقمشة والخطوط بشاعرية، فإنه يتعامل مع الألوان برؤية رسام. يستعملها بشجاعة لأنه يعرف كيف يضعها في السياق الصحيح، بدءاً من اللون الأحمر الذي ورثه عن المؤسس فالنتينو، إلى الوردي الذي ابتكر درجة صارخة منه منذ سنوات قليلة، وهذا يعني أن «بالنسياغا» في عهدها الجديد، ستكتسب حيوية مستمدة من ألوان، مثل الوردي والأخضر والأحمر والأزرق والأصفر. لكنه لن يتجاهل الأسود والألوان الداكنة التي اشتهرت بها الدار في الخمسينات من القرن الماضي.

أحجام وأشكال فنية

تأخذ الأحجام في تصاميم بييرباولو أيضا أبعاد ثلاثية تتجلى في ورود متفتحة (فالنتينو)

مثل كريستوبال، يعشق بيتشولي اللعب بالأحجام الهندسية وما شابهها من مفردات ظهرت في قبعات كبيرة وأكمام منفوخة وتنورات مستديرة واكبت توجهات الموضة في الخمسينات من القرن الماضي، ولا تزال تلهم مصممين شباب إلى حد اليوم. بالنسبة لبيتشيولي، تأخذ هذه الأحجام أيضاً أشكالاً متنوعة وأبعاداً ثلاثية تتجلى تارة في فساتين تتفتح كالورود، وتارة في تنورات بذيول من الريش، أو تطريزات سخية أو رسمات مطبوعة على الأقمشة.