الموضة والرياضة... تداخل المصلحة والحب

علاقة تُحدد تاريخها في العصر الحالي بما قبل ديفيد بيكهام وما بعده

صمّم «كيم جونز» مجموعة  حصرية لفريق باريس سان جيرمان لموسم 2023 - 2024 تغلب عليها التدرّجات اللونية السوداء والزرقاء والرمادية (ديور بريس)
صمّم «كيم جونز» مجموعة حصرية لفريق باريس سان جيرمان لموسم 2023 - 2024 تغلب عليها التدرّجات اللونية السوداء والزرقاء والرمادية (ديور بريس)
TT

الموضة والرياضة... تداخل المصلحة والحب

صمّم «كيم جونز» مجموعة  حصرية لفريق باريس سان جيرمان لموسم 2023 - 2024 تغلب عليها التدرّجات اللونية السوداء والزرقاء والرمادية (ديور بريس)
صمّم «كيم جونز» مجموعة حصرية لفريق باريس سان جيرمان لموسم 2023 - 2024 تغلب عليها التدرّجات اللونية السوداء والزرقاء والرمادية (ديور بريس)

الحديث عن العلاقة التي تربط الرياضة بالموضة لم يعد جديداً. فقد تطبّعت هذه العلاقة منذ عقود، وأصبحت زواجاً ناجحاً رغم أنه بُني على المصلحة. بيد أن نجاح الوثائقي «بيكهام»، الذي يُعرض على منصة «نتفليكس» واقتراب موعد أولمبياد 2024 في باريس، إلى جانب معرض في متحف الفنون الزخرفية بباريس، بعنوان «الموضة والرياضة: من منصة إلى أخرى» يتناول هذه العلاقة وتطورها، أعادوا هذه العلاقة إلى دائرة الضوء وفتحوا الشهية لتناولها من جديد.

برهَن ديفيد بيكهام أنه لاعب ماهر بحس تجاري فذّ ما جعله قدوة للرياضيين (أ.ب)

من بين الكثير من الأمور التي تشد الانتباه في وثائقي «ديفيد بيكهام»، أن هذه العلاقة يمكن تقسيمها إلى مرحلتين: قبل ديفيد بيكهام وبعده. فقبله كان الكثير من الأوساط الرياضية، لا سيما كرة القدم، تستهجن الاهتمام بالموضة وتراها تتعارض مع صورتها. في البداية تلقى بيكهام الكثير من الانتقادات من مشجعيه، وحتى من مدربه. كان إقباله على الموضة، بتبنيه قصات شعر جريئة وأزياء ناعمة، نذكر منها ارتداءه تنورة، شيئاً غريباً على لاعبي كرة القدم آنذاك. ومع ذلك لا يُنكر أحد أن فضلاً كبيراً في إنعاش موجة الرجل «الميتروسيكشوال»، الذي لا يرى في الاهتمام بمظهره تعارضاً مع رجولته، يعود إليه في بداية الألفية وكذلك تغير النظرة إلى الموضة، بعد أن أكدت ثروته أنها قد تكون نشاطاً جانبياً يكسبهم الملايين.

حتى النوادي الكبيرة دخلت هذا المجال، مثل باريس سان جيرمان بشراكته مع دار «ديور»، ونادي نابولي مع جيورجيو أرماني. ديفيد بيكهام نجح أيضاً في تغيير نظرة بيوت الأزياء إلى لعبة كرة القدم. فحتى التسعينات من القرن الماضي، كانوا يتخوّفون من جماهير هذه الرياضة. كانت سُمعتهم المرتبطة بالشغب في الملاعب تسبقهم وأثّرت سلباً على بعضهم. «بيربري» من البيوت التي تضررت من إقبالهم على نقشاتها المربعة وظهورهم بها في الملاعب؛ الأمر الذي جعل الطبقات الراقية تُجافيها وتعزف عنها. أحذية «دكتور مارتن» أيضاً كانت مفضلة لهم في بريطانيا وارتبطت هي الأخرى بالعنف والشغب.

ريكاردو غوادالوبي الرئيس التنفيذي لشركة «هيبلو« مع ويل براس من «بروميير ليغ» (هيبلو)

لكن كل هذا تغيّر. أمر تؤكده صوفي لوماهيو، رئيسة قسم الموضة والأنسجة في متحف الفنون الزخرفية في باريس، الذي يحتضن حالياً معرضاً يسلط الضوء على هذه العلاقة، بعنوان «الموضة والرياضة: من منصة إلى أخرى». تقول: إنه إلى جانب المصالح المشتركة بينهما، هناك قواسم أخرى تجمعهما، منها أنهما قوة ناعمة، ويقومان معاً على جمال الأجسام ورشاقة القوام. من هذا المنظور، يتتبع المعرض بداية هذه العلاقة منذ أول أولمبياد نُظّم في العصر اليوناني القديم مروراً بالقرن الـ19، الذي شهد بداية الاهتمام بتصميم ملابس الرياضيين ومحاولات تمييزها من بعضها، حسب كل رياضة وفريق.

أما التركيز الأساسي في المعرض، فينصب على بداية القرن العشرين وظهور مصممين من أمثال جون باتو، وجين لانفان، وغابرييل شانيل استعملوا تصاميم مريحة وأقمشة منعشة في تصاميمهم. ولا ننسى أيضاً تأثير انتقال رياضيين من الملاعب إلى عالم الأناقة. بعضهم بصفتهم مصممين، وبعضهم الآخر اكتفوا بتأسيس علامات تحمل أسماءهم، مثل لاعب التنس السابق رينيه لاكوست، مؤسس دار «لاكوست»، وبطل التزلج، إميليو بوتشي، وأوتافيو ميسوني مؤسس «ميسوني»، الذي كان بطل رمي الرمح في أولمبياد 1948. في الثمانينات أخذت التصاميم الرياضية منحى مختلفاً تجسد في بنطلونات «الليكرا»، ثم في الأحذية الرياضية والتصاميم الواسعة خلال جائحة «كورونا»، وهي الفترة التي اكتسب فيها الأسلوب الرياضي قوة أكبر؛ لأنها تغلغلت في عمق الثقافة الاستهلاكية من باب الفخامة والترف بأسعارها النارية.

ديفيد بيكهام وزوجته المصممة فكتوريا لدى حضورهما افتتاح فيلم «بيكهام» في لندن (رويترز)

طبعاً، لا يمكن تجاهل أن مرحلة ما بعد ديفيد بيكهام، أنتجت جيلاً من الرياضيين يقتدون به ويطمحون لعقود مجزية مع علامات عالمية. الشباب منهم تحديداً يتوقون للانعتاق من قيود الملابس الرياضية الرسمية ويريدون أن يعيشوا حياتهم مثل غيرهم خارج الملاعب أو مضامير السباقات وغيرها من الرياضات التي تتطلب زياً رسمياً محدداً. في لقاء سابق أجرته «الشرق الأوسط» مع لويس هاميلتون، بطل «فورمولا 1»، اعترف بأهمية الموضة في حياته على المستويين الشخصي والمهني، قائلاً: «بالنسبة لي، أرى الأمر من زاوية بسيطة، وهي أننا نحتاج إلى الموضة مهما كانت طبيعة عملنا للتعبير عن شخصياتنا. خذي مثلاً بدلتي الرياضية في سباقات (فورمولا 1)، هي بمثابة الزي المدرسي الرسمي الذي يلبسه كل أفراد الفريق المُكوّن من نحو 1600 شخص، وأمتلك منها نحو 14 نسخة، بالتصميم نفسه واللونين الأحمر والأبيض أيضاً، وهو ما لا يترك لي أي فرصة للتعبير عن شخصيتي». عندما طلب منه تومي هيلفغر التعاون لتصميم تشكيلة تحمل اسمهما، لم يتردد، كما لا يتردد أبداً في حضور عروض أزياء عالمية. فهي تُبقيه في دائرة الضوء، كما تفتح لها أبواب عقود مجزية.

لاعب كرة القدم بوكايو ساكا في عرض أزياء دار «بيربري» لربيع وصيف 2024 (بيربري)

العلامات التجارية الكبيرة أيضاً أصبحت لها رغبة في دخول ميادين الرياضة بالتمويل والرعاية، وحتى بتصميم ملابس الرياضيين والأوسمة والكؤوس. فعالم الرياضة يفتح لهم الأبواب للوصول إلى جمهور عالمي واسع، والمتألقون فيه هم أدوات تسويقية قوية، أولاً لشعبيتهم، وثانياً لعدد متابعيهم على وسائل التواصل الاجتماعي. كيليان مبابي مثلاً له 109 ملايين متابع على صفحة «إنستغرام» الخاصة به، وهو أكثر من ضِعف عدد المتابعين لدار «ديور»، التي يتابعها 45 مليون متابع.

اللاعب أشرف حكيمي من فريق باريس سان جيرمان خلال جلسة تصوير لدار «ديور» (ديور)

دار «برادا» هي الأخرى دخلت في شراكة مع فريق كرة القدم النسائي الصيني قبل كأس العالم للسيدات FIFA، بينما تعاونت بيربري مع Able Made لإنشاء مجموعة ملابس كرة قدم باستخدام أقمشة «بيربري» المُعاد تدويرها. علامة المجوهرات «تيفاني أند كو» هي الأخرى تعاونت مع الرابطة الوطنية لدوري كرة القدم للسيدات لإعادة تصميم كأس بطولة الدوري.

أما «هيبلو» فكانت أول علامة تبتكر ساعة ذكية خاصة ببطولة الدوري الإنجليزي الممتاز، أتبعتها بساعة كرونوغراف ميكانيكية للبطولة نفسها. ويعد إطلاق هذه الساعة، وهي «كلاسيك فيوجين كرونوغراف بريميير ليغ» دليلاً على التزام الدار تجاه كرة القدم وعلاقة تربطها بها منذ عام 2006.

عزّزت شركة «هيبلو« للساعات علاقتها بكرة القدم بساعة «هيبلو كلاسيك فيوجن كرونوغراف بروميير ليغ» (هيبلو)

في عام 2020، أصبحت «هيبلو» الميقاتي الرسمي لبطولة الدوري الإنجليزي الممتاز. بالنسبة لها، فإن هذه البطولة تُبث إلى 90 دولة ويتابعها 1.66 مليار شخص، وبالتالي فإن اسمها لا بد أن يتردد بينهم. وحتى يكون الوصول مضموناً، جمعت «هيبلو» أهم سفرائها ورموز اللعبة في مباراة آرسنال ضد مانشستر يونايتد سيتي، في حفل إطلاق هذه الساعة ذات الإصدار المحدود، 100 قطعة فقط، كل واحدة منها مُرقّمة بشكل فردي.

الحديث عن المصالح المشتركة يجُرّنا للحديث عن مجموعة «إل في إم إتش» الفرنسية. فهي لا يمكن أن تخرج عن السِرب عندما يتعلق الأمر بتجميل صورتها وتحسين مداخيلها.

استعداداً للألعاب الأولمبية لعام 2024 بباريس، جنّدت بعض العلامات التي تنضوي تحتها لرعاية هذه الفعالية، بدءاً من «ديور» إلى «شوميه»، علماً أن المجموعة دخلت ميادين رياضية أخرى منذ فترة لا يستهان بها. مثلاً تعاقدت «لويس فويتون»، التي تنضوي تحتها، مع لاعب التنس كارلوس ألكاراز، البالغ من العمر 20 عاماً، ليكون سفيراً لها قبل أسابيع فقط من فوزه بكأس ويمبلدون هذا العام. تعاقدت أيضاً مع السباح الفرنسي ليون مارشان، الذي حطم الرقم القياسي لسباحة 400 متر. وقبل عام تقريباً، عقدت «بيرلوتي»، وهي علامة أخرى من علاماتها، شراكة مع «فورمولا 1» فريق ألباين، في حين عقدت «ديور أوم» علاقة مع باريس سان جيرمان لكرة القدم.

«ديور» تأخذ مقاس كيليان مبابي خلال جلسة تصوير للمصور تيل جانز (ديور بريس)

كل هذا بالإضافة إلى سباقهم المحموم لإغراء رياضي مشهور للظهور بزي من توقيعهم. منذ أسابيع مثلاً، غرّدت دار «لويس فويتون» ونشرت لمتابعيها ووسائل الإعلام، أن البدلة التي ظهر بها اللاعب ميسي وهو يتسلم جائزة الكرة الذهبية من توقيعها. كان هذا بمثابة هدف ذهبي لصالحها بعد أن سبق له الظهور ببدلة من «ديور أوم». فرغم أن كلتيهما تنتمي للمجموعة نفسها، فإن هذا لا يمنع من وجود منافسة مشروعة وصحية بينهما. دار «تيفاني أند كو» نشرت بدورها صورة زوجته أنطونيلا روكوزو، وهي تتألق بسوار وخاتم وأقراط أذن من مجوهراتها في المناسبة نفسها. هذه الصور وغيرها تعدّ دعايات لا تُقدَّر بثمن لما تستقطبه لهم من زبائن جدد، ربما لم تكن هذه العلامات ضمن قائمة أولوياتهم من قبل، لكن ارتباطها بنجومهم المفضلين أو بشخصيات ناجحة، يجعلهم يريدون الاقتداء بهم، ولو بشراء نظارة شمسية أو شال.

ليونيل ميسي مع زوجته أنطونيلا وأبنائهما في حفل تسلم جائزة الكرة الذهبية (أ.ب)

المتتبع عروض الأزياء في العواصم العالمية وحفلات الافتتاح وغيرها، يلاحظ أنها باتت مسرحاً يجول فيه الرياضيون ويصولون. النجوم الكبار منهم، أصبحوا مطلباً تسعى إليه بيوت الأزياء، ونجوم أول الطريق يسعون ويتوددون إليها على أمل الحصول على عقود أو تصوير حملات ترويجية تكون النقلة النوعية. هذه الظاهرة أنعشت دور خبراء الأزياء. دورهم لا يقتصر على تجميل مظهرهم وجعله مناسباً للعصر فحسب، بل أيضاً على الربط بينهم وبين بيوت الأزياء أو المجوهرات والساعات الكبيرة. فالكثير من الرياضيين، يُدركون أن أناقتهم وحدها لن تؤدي بهم إلى النتيجة المطلوبة، وبأنهم يحتاجون إلى دفعة قوية من خبراء لهم علاقات في مجال الموضة؛ حتى تختصر عليهم الطريق.

لهذا؛ كان من الطبيعي أن تشتهر أسماء خبراء بات الرياضيون يعتمدون عليهم، أولاً لتوفير دعوات لحضور مناسبات مهمة، وثانياً لاختيار وتنسيق أزيائهم. من هؤلاء نذكر كورتني مايز، التي تتعامل مع رياضيين في فريق كرة السلة بأميركا، مثل كريس بول وكيفن لوف ودياندريه جوردان وسو بيرد وداينا توراسي، وألغين هاميلتون، خبير الأزياء وصاحب علامة «بيل بيكيت» Bill Pickett. لا يتعدى عمره 23 عاماً، لكن لائحة الرياضيين الذين يتعامل معهم تشمل ريس نيلسون وكاي هافيرتز من آرسنال، وتريفور شالوبا من تشيلسي وجو ويلوك من نيوكاسل يونايتد. بفضل علاقاته في عالم الموضة، فإن دوره قائم على توفير الدعوات لكي يحضروا مناسبات مهمة وعروض أزياء عالمية، ومن ثم يوثقون علاقتهم بهذا العالم الذي ربما يكون عصيّاً على من ليس لديهم دراية بما يجري خلف الكواليس. خبيرة أزياء المشاهير، كارلوتا كونستان، هي الأخرى تتعامل مع لاعب نادي كريستال بالاس، إيزي إيبريتشي، وكانت وراء إطلالته في عرض دار «بيربري» الأخير لربيع وصيف 2024.

من تشكيلة «فندي» لرياضة الغولف (فندي)

جدير بالذكر، أن علاقة بيوت الأزياء والمجوهرات والساعات، لا يقتصر على لاعبي كرة القدم، وإن كانوا الأكثر شعبية نظراً للقاعدة الجماهيرية لهذه الرياضة. فهم لا يتجاهلون رياضات أخرى أكثر نخبوية، لكنْ لها زبائن مهمون، مثل الفروسية أو ركوب الأمواج أو التزلج وغيرها، بدليل أن الكثير منهم طرحوا مجموعات جديدة من «مونكلير» و«فندي» إلى «بالنسياغا» و«ديور» و«برادا» وغيرها.

من مجموعة «بالنسياغا» للتزلج (بالنسياغا)

«فندي» مثلاً طرحت في نهاية شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، مجموعة غولف محدودة للاحتفال ببطولة كأس رايدر الدولية التي ستقام في روما في الفترة بين 29 سبتمبر و1 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، في حين أطلقت «بالنسياغا» هذا الشهر مجموعة خاصة بالتزلج. تميزت الأزياء بأقمشة وتقنيات تحافظ على الدفء ومقاومة للماء، بينما تنوّعت الإكسسوارات لتشمل كل ما يحتاج إليه المتزلج من ألواح تزلج وقفازات، إلى خوذات ونظارات وأحذية بعضها بنعل معدني مسنن قابل للإزالة.

من مجموعة «مونكلر غرونوبل» لمحبي تسلق الجبال (مونكلر)


مقالات ذات صلة

«تيفاني أند كو» تُشعل مجوهراتها بالنيران والشهب

لمسات الموضة أقراط أذن من مجموعة «شوتينغ ستار» من الماس والذهب الأصفر والجمشت (تيفاني أند كو)

«تيفاني أند كو» تُشعل مجوهراتها بالنيران والشهب

للكثير من بيوت الأزياء أو المجوهرات ولادتان: ولادة تأسيسية؛ بمعنى تاريخ انطلاقها، وولادة ثانية تكون في الغالب إبداعية تبث فيها روحاً فنية تغير مسارها وتأخذها…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة حشد من رجال الشرطة والجيش لتأمين العاصمة الفرنسية قبل افتتاح ألعاب باريس (رويترز)

ماذا أرتدي في الأولمبياد؟ كن أنيقاً وابقَ مرتاحاً

الإرشادات المناسبة للملابس لتحقيق التوازن بين الأناقة والراحة عند حضور الألعاب الأولمبية الصيفية هذا العام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
لمسات الموضة من مجموعة "عريس صيف 2024" للمصمّم اللبناني نمر سعادة (دار أزياء نمر سعادة)

«عرسان» نمر سعادة يرتدون البدلة الملوّنة

ذهب مصمّم الأزياء اللبناني المتخصّص في الموضة الرجاليّة إلى أقصى الجرأة، عندما قرّر أن يُلبِس عريس الموسم بدلة ملوّنة.

كريستين حبيب (بيروت)
لمسات الموضة يقدر سعرها بأكثر من مليون دولار والأحجار هي السبب (فابيرجيه)

بيضة «فابيرجيه» الجديدة بمليون دولار… فمن يشتري؟

بيضة بمليون دولار.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة أشرف على المشروع فريق  من الباحثين من مختلف المجالات وكبار الخبراء في الذكاء الاصطناعي، واستغرق العمل عليه 3 سنوات (برونيللو كوتشينيللي)

كيف زاوج برونيللو كوتشينيللي بين الأعمال اليدوية والتكنولوجيا

من المفترَض ألا يفاجئنا المصمم برونيللو كوتشينيللي، وهو يقدم لنا درساً عن الزواج المثالي بين الإبداع البشري وقدرات الذكاء الاصطناعي، وهو الذي يبيع لنا بدلات…

جميلة حلفيشي (لندن)

أولمبياد باريس: الصراع على الذهبية بين المجموعات الضخمة والمصممين المستقلين

الأزياء التي صمّمتها دار «كنزو» لفريق الجودو الفرنسي (كنزو)
الأزياء التي صمّمتها دار «كنزو» لفريق الجودو الفرنسي (كنزو)
TT

أولمبياد باريس: الصراع على الذهبية بين المجموعات الضخمة والمصممين المستقلين

الأزياء التي صمّمتها دار «كنزو» لفريق الجودو الفرنسي (كنزو)
الأزياء التي صمّمتها دار «كنزو» لفريق الجودو الفرنسي (كنزو)

كل الأنظار ستتوجه اليوم نحو باريس. فالكل موعود بمشهد لا مثيل له. يقال إنه سيتضمن موكباً لأكثر من 160 قارباً، يحمل 10500 رياضي على طول نهر السين يتألقون بأزياء تُمثل بلدانهم. لكن المناسبة ليست عرض أزياء كما تعوَّدنا عندما يُذكر اسم باريس، بل مناسبة رياضية ربما تكون أهم نظراً لقاعدتها الجماهيرية الكبيرة: ألا وهي الألعاب الأوليمبية لعام 2024.

على مدى 16 يوماً، سيعيش عشاق كل أنواع الرياضات مباريات، سترفع من نسبة الأدرينالين في الجسم، وتُمتع العيون بمنافسات عالمية على الميداليات.

المنافسات على الميداليات تحتدم... والمصممون المستقلون هم الفائزون حتى الآن (د.ب.أ)

ومع ذلك لا يمكن أن نكون في باريس لأي حدث كان، ولا تحضر الموضة. فبموازاة هذه المنافسات الرياضية، سنتابع صراعاً على مستوى آخر يدور بين مصممين مستقلين نجحوا في استقطاب رياضيين شباب إلى صفهم، أو حصلوا على دعم من بلدانهم مثل لورا ويبر من آيرلندا وستيفان أشبول من فرنسا ولولوليمون من كندا، وعلي الإدريسي من المغرب، والمجموعات ذات الإمكانات الضخمة التي تُخوّل لها اقتحام أي فعالية أو حدث بسهولة، مثل مجموعة «أرماني» التي صممت ملابس الفريق الإيطالي، ومجموعة LVMH الفرنسية.

فريق المغرب على متن قارب في العرض العائم على نهر السين خلال حفل الافتتاح بأزيائه أزياء المستوحاة من رمال الصحراء والعلم المغربي (رويترز)

هذه الأخيرة، تنضوي تحتها 75 شركة منها «ديور» و«بيرلوتي» و«لوي فويتون» و«كنزو» وغيرها إلى جانب عدد من دور مجوهرات مثل «شوميه» التي ستصمم الميداليات الذهبية تحديداً. لهذا ليس غريباً أن يتوقَّع أن يكون لها نصيب الأسد.

ثم إن المجموعة لا تملك الإمكانات المادية واللوجيستية التي تخوِّل لها التعاقد مع أي فريق أو رياضي فحسب، بل تمتلك أيضاً الدعم الحكومي لما ضخّته من ملايين لتمويل هذا الحدث. في صورة تاريخية تداولتها وسائل الإعلام، في شهر يوليو (تموز) من العام الماضي، ظهر برنار آرنو، أغنى رجل في فرنسا وصاحب مجموعة «إل في إم آش» ليعلن في مؤتمر صحافي، مشاركة كلٍّ من «ديور» و«بيرلوتي» و«لوي فويتون» و«شوميه» وغيرهم في الأوليمبياد. كلٌّ حسب اختصاصه. «ديور» و«بيرلوتي» بتوفير الأزياء والإكسسوارات، و«لوي فويتون» بالعلب التي ستقدَّم فيها الميداليات الذهبية، و«شوميه» بتصميم الميداليات الذهبية تحديداً.

الأزياء التي صمَّمتها دار «بيرلوتي» للفريق الفرنسي (بيرلوتي)

مصممون مستقلون يدخلون المباريات

هذا الخطاب وكون الفعالية تجري في عقر عاصمة الموضة العالمية، التي تحتكرها المجموعة تقريباً، خلّف الانطباع بأنها ستأكل الأخضر واليابس، لكن ما حدث كان غير ذلك. اكتسبت الأزياء نكهات متنوعة مستمدة تارةً من التراث مثل ملابس فريق منغوليا التي سرقت الأضواء، أو من خبرات مصممين محليين، كما هو الحال بالنسبة لفرق كل من كندا وآيرلندا وإسبانيا.

فريق منغوليا على متن قارب في العرض العائم على نهر السين خلال حفل الافتتاح

حتى الفريق الفرنسي لم يكتفِ بما ستقدمه «ديور» أو «كنزو» أو «بيرلوتي» من منتجات، بعد أن تولت اللجنة الأوليمبية، ولأول مرة في تاريخ الأولمبياد، اختيار مصمم مستقل يقوم بهذه المهمة لأكثر من 60 رياضة.

يحمل رياضيو فريق إسبانيا الأعلام الإسبانية خلال حفل الافتتاح ويرتدون أزياء استوحتها شركة «جوما» الرياضية من العَلم الإسباني (أ.ف.ب)

كانت هذه اللفتة من نصيب الفرنسي ستيفان أشبول، مؤسس «بيغال»، ماركة طليعية متخصصة في الأزياء الرياضية. طُلب منه توفير ملابس عالية التقنية لمشاركين في أكثر من 60 رياضة عبر الألعاب الأولمبية والبارالمبية، من ركوب الدراجات إلى الرماية مروراً بكرة السلة على الكراسي المتحركة، علماً بأن هذه مهمة كانت تحتكرها شركات كبيرة مثل «نايكي» و«أديداس» من قبل. وفيما استغرق تصميم هذه المجموعات نحو ثلاث سنوات من أشبول، حسب قوله، فإن تصنيعها نفذته شركة فرنسية أخرى لها إمكانات لوجيستية لإنتاجها هي «لوكوك سبورتيف Le Coq Sportif».

شركة «جوما» الرياضية استوحت من العَلم الإسباني ألوانه للفريق ووردة القرنفل لرمزيتها الثقافية (موقع الشركة)

الفريق الإسباني أيضاً ظهر بأزياء من علامة إسبانية متخصصة في الأزياء الرياضية هي «جوما Joma»، التي تأسست عام 1965 في طليطلة.

مجموعة «تجمع بين التقاليد الكلاسيكية والحداثة، وهو أسلوب ظهر في الأقمشة عالية الأداء التي تم اختيارها». من الناحية الجمالية، زينتها زهرة القرنفل، كونها رمزاً متجذراً في الثقافة الإسبانية، واللونين الأحمر والأصفر، ألوان العَلم الإسباني.

المصممة الآيرلندية لورا ويبر، التي صممت أزياء فريق آيرلندا وباقي إكسسواراته، حرصت هي الأخرى على أن تجمع الأناقة بالراحة، مضيفةً لمسة شخصية على كل زي، من خلال تطريزات على طرف الأكمام تشير إلى المقاطعة التي ينتمي لها كل رياضي.

علي الإدريسي اختار للفريق المغربي أزياء مستوحاة من رمال الصحراء والعلم المغربي

المصمم المغربي علي الإدريسي الذي صمم ملابس الفريق الأولمبي المغربي هو أيضاً فكّر في تفاصيل تجعل هذه الأزياء خاصة. طرَّز على الجزء الداخلي من السترات أسماء لأبطال أولمبيين سابقين لتكريمهم من جهة وفتح حوار بين الأجيال من جهة ثانية. اختار للسترات لون البيج وطرّز أحد جوانبه بنجمة خضراء، فيما اختار للبنطلونات اللون الأحمر، في إشارة إلى العَلم المغربي. حتى الأحذية، التي جاءت ثمرة تعاونه مع فنان «بوب آرت» محمد أمين البلاوي، المعروف بـ«ريبل سبيريت»، غلبت عليها هذه الألوان من خلال أربطة حمراء وخضراء.

فريق كندا اختار ماركة «لولوليمون» لتصميم ملابس وإكسسوارات لاعبيه (أ.ب)

العلامة الكندية، «ليفت أون فرايداي Left On Friday»، التي أسسها مديرون تنفيذيون سابقون لشركة «Lululemon» في عام 2018، كان لها دور في تصميم أزياء وإكسسوارات فريق كرة الطائرة، فيما تولت «لولوليمون» تصميم باقي الملابس والإكسسوارات.

يلوح رياضيو فريق كندا بأعلامهم (رويترز)

هولندا أيضاً اختارت علامة محلية هي «ذي نيو أوريجينلز The New Originals» لتصميم ملابس فريق رقص «البريك دانس» الهولندي، فيما اختارت اللجنة الأولميبية النيجيرية علامة «أكتيفلي بلاك Actively Black»، للملابس الرياضية ومقرها لوس أنجليس.

ستيلا جين أبدعت مجموعة أنيقة استعملت فيها رسمة للفنان فيليب دودار (من موقعها على «إنستغرام»)

لا يختلف اثنان على أن تفويض الاتحادات الرياضية مسؤوليات التصميم للعلامات التجارية المتخصصة في المجال الرياضي، وغير المعروفة على المستوى العالمي، خطوة شجاعة من شأنها أن تسلط الأضواء عليها، وتنعش تجارتها بالنظر إلى الجمهور العالمي الذي يتابع هذه الفعاليات.

حفل الافتتاح وحده يتوقع أن يستقطب نحو مليار شخص من المشاهدين، في حين سيحضره 326000 شخص، بعد أن تم تقليص العدد من 600000 لأسباب أمنية، وهذا ما صرحت به المصممة الهايتية ستيلا جين، التي صممت أزياء فريق هايتي وكرمت من خلالها الفنان فيليب دودار، أيضاً ابن تاهيتي، باستعمال إحدى رسماته، ليأخذ هو الآخر نصيبه من الشهرة.

بداية علاقة الموضة بالأولمبياد

في عام 1992، دخلت الموضة أول مرة الألعاب الأولمبية. كان ذلك عندما طُلب من الياباني إيسي مياكي تصميم أزياء فريق ليتوانيا لحضور أولمبياد برشلونة. كانت هذه أول مرة تشارك فيها ليتوانيا كبلد مستقل بعد تفكك الاتحاد السوفياتي. حينها تبرع المصمم بخدماته من دون أي مقابل. حازت التصاميم الكثير من الإعجاب لا سيما أنه دمج فيها أسلوبه الحداثي المتطور بعناصر ثقافية جسد فيها كيف يمكن أن تُعبِّر الرياضة عن حالة فنية.

كانت هذه هي نقطة التحول. بعدها بدأت مشاركات بيوت الأزياء والمصممين لتصبح منافساتهم تقليداً إلى اليوم.