لويس هاملتون لـ«الشرق الأوسط»: عالم الموضة يتيح لنا التعبير عن أنفسنا بحرية

دخل مضمار تصميم الأزياء للمرة الأولى بتشكيلة تدمج شغفه بالموسيقى واحترامه لتومي هلفيغر

TT

لويس هاملتون لـ«الشرق الأوسط»: عالم الموضة يتيح لنا التعبير عن أنفسنا بحرية

كان عرضاً مثيراً ذلك الذي أقامته دار «تومي هلفيغر» في شانغهاي منذ أقل من أسبوعين. ليس لأن الدار هجرت نيويورك، ولا لأن ألوان التشكيلة كانت متفتحة، أو يمتزج فيها أسلوب الشارع مع «السبور» في ديباجة شبابية أنيقة، بل لأنه، وبكل بساطة، أول ثمرة تعاون بين الدار الأميركية وبطل «الفورمولا وان» لويس هاملتون. ويبدو أن «تومي هلفيغر» استحلت التعاون مع المشاهير والنجوم، لأنها اكتشفت أنه إلى جانب ما يثير من ضجة إعلامية كبيرة، فإنه أيضاً يستقطب شرائح جديدة من الزبائن.
في الموسم الماضي، كان التعاون مع العارضة جيجي حديد، من خلال تشكيلة طرحتها في الأسواق مباشرة بعض العرض، بأسعار معقولة تخاطب كل الميزانيات. وهذا ما حصل مع تشكيلة لويس هاملتون أيضاً.
حسبما قالته الدار، فإنها استلهمت التشكيلة من الوشم الذي يزين ويغطي أجزاء كبيرة من جسم هاملتون، وأيضاً من نبض الشارع، ورغم أنها كانت موجهة بالأساس إلى الجنس الخشن، فإن ظهور عارضات تخايلن بها بأناقة على منصات العرض أكد أنها تناسب الجنسين.
لا يختلف اثنان أن التشكيلة تستمد قوتها من اسم لويس هاملتون. فمجرد اسمه سيشد الاهتمام ويفتح شهية الشباب عليها، لأنه وبكل بساطة «بطل من عصرنا».
في لقاء خاص مع «الشرق الأوسط» قبيل أسابيع من العرض، يرد لويس هاملتون ضاحكاً، وهو يجلس على كنبة ضخمة في جناح من فندق «كافيه روايال» الواقع بمنطقة «سوهو» بلندن، على سؤال كيف تختلف شخصية «الفورمولا وان» الرجولية عن صورة الموضة إلى حد كبير. يقول: «بالنسبة لي، أرى الأمر من زاوية بسيطة، وهي أننا نحتاج إلى الموضة مهما كانت طبيعة عملنا للتعبير عن شخصياتنا. خذي مثلاً بدلتي الرياضية في سباقات (الفورمولا وان)، هي بمثابة الزي المدرسي الرسمي الذي يلبسه كل أفراد الفريق المُكون من نحو 1600 شخص، وأمتلك منها نحو 14 نسخة، بالتصميم نفسه واللونين الأحمر والأبيض أيضاً، وهو ما لا يترك لي أي فرصة للتعبير عن شخصيتي. لهذا جاء تعاوني مع (تومي هلفيغر) متنفساً لي».
لكن الطريف أن ما اكتشفته بعد خوض هذه المغامرة المثيرة أن ضغوطات الموضة أكبر من ضغوطات السباقات العالمية، حسب قوله: «عندما كنت أتابعها من بعيد، كانت تبدو لي مجرد مجال جميل وممتع، ثم اكتشفت أنها تحتاج أيضاً إلى طاقة ولياقة في الوقت ذاته. بالنسبة لي شخصياً، فإن مجرد التفكير في أن أسجل مكانتي فيها، يضعني تحت ضغوطات لا يستهان بها، خصوصاً أنها مضمار لم يخُضه الرياضيون من قبل». عندما يرى نظرة الاستغراب ترتسم على مُحياي وهو يقول إنها أصعب من سباقات السيارات، يشرح: «صحيح أن عملي صعب، يتطلب مني التركيز، كما أن عيون الإعلام والمنافسين مُسلطة علي في كل ثانية لتلتقط أي خطأ، الأمر الذي يستدعي الحذر والتوثب الدائمين، إلا أنني مارسته من الصغر وأصبح جزءاً مني، إلى حد أنني لا أفكر فيه كثيراً. الموضة في المقابل عالم جديد، يتطلب كثيراً من التفكير والجهد، وربما التضحيات من البعض، ومع ذلك أراه صحياً للغاية من ناحية أنه يتيح لنا التعبير عن أنفسنا بحرية ومن دون قيود... وهذا في حد ذاته أمر رائع».
للتأكيد على رأيه ومدى شغفه، صرح بأنه حتى قبل عرض تشكيلته الأولى بدأ العمل على تشكيلته الثالثة، متسائلاً ومجيباً في الوقت نفسه: «إنه جنون، أليس كذلك؟ كيف يمكن التكهن بما ستكون عليه الموضة في الموسم المقبل؟ لحسن حظي أنني أعمل مع فريق متمرس في الموضة وأكثر مني فهماً لأبجدياتها وما سيسود من ألوان وأقمشة وغيرها من التفاصيل».
ويستطرد أن هذا من القواسم المشتركة القليلة بينها وبين عالم «الفورمولا وان». فـ«فريقها أيضاً ينكب على تصميم سيارات الموسم المقبل بأكثر من عام للحصول على فرصة أكبر للفوز».
بالنظر إلى نجاح العرض والضجة التي أحدثها، فإن المتوقع أن يكون الآتي أجمل، لا سيما أن حماس هاملتون للمزيد كان واضحاً. فهو يعترف بأنه لم يكن يتوقع في يوم ما أن يصبح مهووساً بالموضة إلى حد الإدمان. فعندما حضر أول عرض أزياء منذ نحو 7 سنوات، يتذكر أنه لم يشعر بالانتماء إلى هذا العالم، بالعكس شعر بالغربة، «لكن بعد حضور عروض باريس للموضة، وتعاملي مع مصممين عالميين، بدأت نظرتي تتغير. الآن عندما تمنعني ارتباطات عملي من حضورها، أشعر كما لو أن شيئاً ينقصني. مثالٌ على ذلك عندما قدم فيرجل أبلو أول عرض له لدار (لويس فويتون) كنت أريد أن أحضره بأي شكل وكنت مستعداً للسفر ولو ليلة واحدة، لكن كان الأمر مستحيلاً».
بيد أنه يؤكد أن الجلوس في هذه العروض ضيفاً لن يكون مثل المشاركة فيها. فدوره الآن يختلف، وبالتالي فإن القلق الذي ينتابه يشبه ذلك الذي شعر به في أول مرة خاض فيها مضمار «الفورمولا وان»، وربما أكثر. يشرح: «لا تفهميني خطأ، كان هناك قلق ورغبة في النجاح لكن عالم (الفورمولا وان)، لم يكن يوماً خياراً شخصياً. فقد دخلته في سن غضة بتشجيع من والديّ. كنت أعرف أنهما ضحيا وعملا الكثير لكي أبرز فيه، وكنت أدرك أيضاً أنني إذا لم أتفوق فيه فإنني سأخذلهما وأن كل ما قاما به سيذهب أدراج الريح. من هذه الناحية كان الضغط كبيراً. الأمر يختلف هنا. فقد أصبحت رجلاً، أي أنني أكثر نضجاً وقدرة على اتخاذ قراراتي وعلى مواجهة ردود الأفعال أياً كانت، لأننا من الأخطاء نتعلم، المهم ألا نتوقف».
رغم شغفه بالموضة، لم يحلم لويس هاملتون أن يكون مصمماً في يوم ما، فقد بدأ يتدرب على السباقات وعمره نحو 8 سنوات فقط، ودخل مضمارها وهو في سن الصبا، وبالتالي لم يعرف غيرها. لكنه كان يعشق الموسيقى، ويعزف على الغيتار هواية. ربما كان هذا مدخله للموضة، لأنه بمتابعته كل ما يصدر من أشرطة وفيديوهات، كان يتابع بنهم كيف يختار نجوم الغناء ملابسهم وكيف كانت ألوانها صارخة وتصاميمها جريئة ومميزة.
وحتى عندما بدأ يرتاد عالم الموضة، اقتصر الأمر على كونه ضيفاً مكرماً، يُضفي على هذه العروض مزيداً من الأهمية والإبهار. «كان ذلك منذ نحو 7 سنوات تقريباً عندما بدأت أُدعى لعروض الأزياء، كان عالماً جديداً ومبهراً بالنسبة لي. في كل مرة كنت أكتشف فيه شيئاً جديداً يُحيرني وأرغب في فهمه». ويلفت إلى أنه كلما توغل فيه اكتشف مدى عمقه وكم ينطوي على تفاصيل وجوانب جد معقدة.
لا يدعي أنه نجح في فك ألغازها، إلا أنه بتعاونه مع تومي هلفيغر رأى أنها فرصته الذهبية. حسب تعبيره: «أنا لا أدعي أنني مصمم أزياء، بل أعتبر نفسي مُجرد متدرب عنده. فهو أيقونة من أيقونات الموضة الأميركية، وكل ساعة أقضيها معه أشعر كأنني تلميذ في حضرة أستاذه».
كان لقاؤهما عُضوياً ووليد صُدفة. كان لويس هاملتون في بهو فندق البلازا بنيويورك، عندما سمع من يناديه باسمه. عندما استدار، صُدم لدى رؤيته المصمم تومي هلفيغر. «قبل أن أفيق من مفاجأة أنه يعرف اسمي، هو الذي كان أشهر من نار على علم، مد يده ليصافحني ويُعرب لي عن إعجابه بي. بالنسبة لي كان من الطبيعي أن أتعرف عليه، لأنه أيقونة موضة، لكن أن يعرفني هو فهذا ما لم أصدقه. شعرت حينها أني أحلق عالياً».
هذا التواضع لم يكن من نصيب تومي هلفيغر فقط، لأنه لا يزال يشعر بالمفاجأة وعدم التصديق، كلما قابل شخصيات مشهورة تابعها وهو صغير على شاشات التلفزيون أو السينما ينادونه باسمه قبل أن يُعرفهم بنفسه. «الشيء نفسه حصل مع المغني البريطاني نويل كالاغر لأول مرة. فقد نشأت على موسيقى فرقة (أواسيس) ولم أتصور يوماً أنني سألتقي به شخصياً، وأنني لن أحتاج إلى التعريف بنفسي. هذا أنا، قد يكون الأمر تواضعاً لكنني أرده إلى البيئة التي نشأت فيها. فأنا من منطقة ستيفينغ ومن أسرة متواضعة جداً». ثم يضيف بابتسامة شقية: «لكن هذا لا يمنع أنه أمر رائع يرفعني كل مرة إلى السماء».
بعد اللقاء الأول مع تومي هلفيغر، بدآ يتبادلان رسائل إلكترونية في بعض المناسبات، وكلما تقابلا شعر لويس هاملتون أن معنوياته ترتفع بفضل شخصية المصمم المتفائلة وروحه الإيجابية. في كل هذه المناسبات كان يمدح أسلوبه ويمدح طريقته في تنسيق أزياء رياضية مع أخرى راقية. كان أيضاً يردد بضرورة أن يتعاونا مع بعض في يوم ما. في البداية، اعتقد هاملتون أن هذه التعليقات لا تخرج عن إطار المجاملة، لكن بعد أن تكررت أمامه، استجمع قوته في هذه المرات ورد: «لم لا؟ يسعدني أن نتعاون». ولاستغرابه، كانت ردة هلفيغر كمن كان ينتظر هذه الإشارة لينقض عليها. اقترح مباشرة أن يجلسا ليقررا آلية العمل. المشكلة كانت في إقناع فريق «الفورمولا وان» بالموافقة. فالصعوبة حسب هاملتون كانت تكمن في ارتباط «الفورمولا وان» بشركة «مرسيدس» منذ 30 عاماً تقريباً. «المعروف أن فريق مرسيدس لا يميل إلى التغيير خصوصاً عندما تكون الأمور على ما يرام... فضلاً عن أن الألوان المرتبطة بأسلوب تومي هلفيغر أكثر توهجاً وشبابية من الفضي الذي يرتبط بالشركة. لهذا كان الأمر يحتاج إلى قرار جريء وقوة إقناع». ببعض التحايل، تم التوصل إلى الاتفاق. في البداية، كانت شراكة تتمثل في أن يكون هاملتون وجه الحملة الترويجية، لتتطور إلى تمويل.
التوقيت أيضاً كان مناسباً، لأن عقد «الفورمولا وان» مع دار «هيوغو بوس» كان يُشرف على الانتهاء بعد نحو 7 سنوات. ولا يخفي هاملتون أنه يكن للدار الألمانية كل الاحترام، «إلا أن أسلوبها لم يكن يُعبر عني. فأنا لا أحب أن أكون مقيداً بقدر ما أحب الألوان والتصاميم الشبابية الجريئة وتنسيقها بطريقتي الخاصة». يتذكر أنه عندما كان صغيراً، كان جد معجب بأسلوب المغني فاريل ويليامز، لأنه «كان يمزج الكلاسيكي بالشبابي بطريقة تشدني. الآن، وبعد أن بدأت حضور عروض الأزياء وغُصت في أرشيف تومي هلفيغر الغني، أعتقد أن قدرتي على الانتقاء نمت أكثر. فقد قضيت عشرات الساعات، أعيد اكتشاف كنوز قديمة، حتى أستطيع أن أكون فكرة عما يُعبر عن شخصيتي ويعكسها في تجربتي الأولى في عالم التصميم. ولا أخفيكِ أنني أنتظر بفارغ الصبر طرحها في الأسواق حتى أرى كيف سينسقها الناس، هل مع قطع (سبور) من تصميم فيرجيل أبلو، مؤسس ماركة (أوف وايت) أو قطعة راقية من (ديور) أو (غوتشي)؟».
تجدر الإشارة إلى أن التشكيلة محدودة، تتألف من 20 قطعة فقط، كانت الإيحاءات فيها المستوحاة من أرشيف الدار واضحة فيها، لكن بترجمة جديدة مواكبة للعصر.


مقالات ذات صلة

درجة العام الجديد «موكا موس»… ما لها وما عليها

لمسات الموضة «موكا موس» له تأثير حسي دافئ ولذيذ من دون بهرجة (برونيللو كوتشينيللي)

درجة العام الجديد «موكا موس»… ما لها وما عليها

الألوان مثل العطور لها تأثيرات نفسية وعاطفية وحسية كثيرة، و«موكا موس» له تأثير حسي دافئ نابع من نعومته وإيحاءاته اللذيذة.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة ماثيو بلايزي مصمم «بوتيغا فينيتا» سابقاً (غيتي)

2024...عام الإقالات والتعيينات

تغييرات كثيرة شهدتها ساحة الموضة هذا العام، كانت من بينها إقالات واستقالات، وبالنتيجة تعيينات جديدة نذكر منها:

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)

الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

على الرغم من تعقيد الآلات المستعملة لصنعه، فإن نسيجه يستحق العناء، ويتحول إلى قماش ناعم جداً بمجرّد تحويله إلى سروال جينز.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الجينز لا يزال يتصدر منصات الموضة العالمية مثل عرض «ليبرتين» خلال أسبوع نيويورك الأخير (إ.ب.أ)

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

مهما تغيرت المواسم والأذواق، هناك قطع من الموضة تتحدى الزمن وتعتبر بمثابة استثمار سعره فيه.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون…

«الشرق الأوسط» (لندن)

درجة العام الجديد «موكا موس»… ما لها وما عليها

«موكا موس» له تأثير حسي دافئ ولذيذ من دون بهرجة (برونيللو كوتشينيللي)
«موكا موس» له تأثير حسي دافئ ولذيذ من دون بهرجة (برونيللو كوتشينيللي)
TT

درجة العام الجديد «موكا موس»… ما لها وما عليها

«موكا موس» له تأثير حسي دافئ ولذيذ من دون بهرجة (برونيللو كوتشينيللي)
«موكا موس» له تأثير حسي دافئ ولذيذ من دون بهرجة (برونيللو كوتشينيللي)

بعد البني بدرجاته التي تتراوح بين القمحي والكاراميل والقهوة والشوكولاته، سمع الكل بإعلان معهد «بانتون» المختص في اختيار ألوان العام، أن لون 2025 سيكون من فصيلة «البُنيات»، لكن بدرجة قشدة القهوة، كما يشير اسمه «موكا موس». لهذا؛ ما عليكِ سوى أن تتخيلي قهوة أو شوكولاته مخفوقة بقليل من الكريمة لتعرفي الدرجة المقصودة. أول ما يتبادر إلى الذهن عند ذِكر «موكا موس» خفتها وذوبانها في الفم، وهذا تحديداً ما تعمّده المسؤولون على التسمية في معهد «بانتون». كان بالإمكان الاكتفاء بـ«موكا»، لكن وفق قول لوري بريسمان، نائبة رئيس معهد «بانتون» للألوان في بيان صحافي: «إن اسم اللون دائماً ما يكون مهماً لنقل الشعور الذي نلمسه ونتوخى إيصاله». إضافة كلمة «موس» زادت الإحساس بالنعومة والخفة. كان هذا هو المطلوب، وترجمه الكثير من المصممين لحد الآن في قطع مصنوعة من الساتان الحريري والصوف الناعم إلى جانب الجلد والشامواه، في الإكسسوارات تحديداً.

تُرجمت خفته ونعومته في قطع من الساتان الحريري في عرض «هيرميس» (فيليبو فيور)

كيف يتم اختيار لون العام؟

المتعارف عليه أن اختيار لون العام لا يقوم على أساس أن يكون لوناً أنيقاً يناسب الموضة أو يحدد توجهاتها فحسب. هو نتاج دراسات كثيرة تشمل خبراء وأشخاص عاديين على حد سواء. كلهم يقرأون أو يُعبّرون عن نبض الشارع: تغيراته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ومن ثم تأثيراتها على الحالة النفسية العامة. من هذا المنظور، جاء اختيار «موكا موس» تعبيراً عن الانسجام والعودة إلى الطبيعة باعتباره واحداً من الدرجات الترابية، ووفق قول بريسمان هو أيضاً محاولة «لترجمة سلوكيات الإنسان العادي الذي أصبح يُقدّر المتع الصغيرة ويرغب في أن يعيش اللحظة».

كما ظهر في عرض «هيرميس» لخريف وشتاء 2024 (فيليبو فيور)

لون السلام الداخلي

تضيف لوري بريسمان، أن هذه الدرجة الترابية تولد مشاعر الرضا وتُلهم حالة من السلام الداخلي والهدوء والتوازن على المستويات النفسية والجسدية والعقلية والروحية، كونها ترابية تتلاحم بحميمية مع الطبيعة.

في عامي 2023 و2024، مثلاً اختار المعهد لوني ماجنتا والمشمس. السبب أن العالم كان خارجاً لتوه من جائحة كورونا وكان يحتاج إلى أي شيء فيه بريق أمل يعكس الانعتاق والانفتاح. لم يختلف الهدف هذا العام، وإن كانت نسبة الرغبة في تحقيق التوازن النفسي أعلى»، حسب قول بريسمان «فتزايد الاضطرابات والتوترات التي يشهدها العالم الخارجي، انعكس على نفسيات الناس وسلوكياتهم. أصبحنا نبحث عن السلام الداخلي والتناغم مع محيطنا بأي ثمن».

استبقت «هيرميس» معهد «بانتون» واستعملته بسخاء في تشكيلتها لخريف وشتاء 2024 (فيليبو فيور)

من جهتها، تُشير لي آيزمان، المدير التنفيذي للمعهد ذاته، إلى تنوع الظل قائلة «ربما نطلق عليه لوناً ترابياً، لكن استخدامه بإيحاءات بملمس الحرير الناعم يجلب شعوراً جديداً نسميه الدفء الحسي من دون أن ننسى أنه متعدد الاستخدامات ويتناغم مع الكثير من الألوان الأخرى». ما تقصده آيزمان أنه عند تنسيقه مع ألوان مثل الأزرق الفاتح أو الفيروزي أو الوردي، فإنه لا يبقى محايداً، ويتحول ظلاً جريئاً ومثيراً. فـ«موكا موس» لن يُلغي درجات الدوبامين المتوهجة مثل الأخضر والأصفر والوردي وغيرها. فهذه لها مكانتها في ساحة الموضة وأيضاً تأثيراتها الإيجابية على ذائقة المستهلك.

«برونيللو كوتشينيللي» يستعمله منذ سنوات في تشكيلاته (برونيللو كوتشينيللي)

المؤكد أن «موكا موس»، مثل سابقيه من ألوان الأعوام الماضية، اختير ليعكس حالة مزاجية مهمة تمرّ بها الموضة حالياّ. هذه الحالة تتبنى أو تطمح لفخامة مبطنة يلمسها صاحبها قبل الناظر إليها، و لا تريد أن تتقيد بزمن أو مكان. وهذا ما يجعلها مستدامة شكلاً ومضموناً، ويُفسّر انتعاش درجات البني حتى الآن رغم حياديتها. بداية في معاطف شتوية وحقائب يد وأحذية، ليتمدد حديثاً إلى باقي الأزياء. فمنذ أن روَّجت النجمة وسيدة الأعمال غوينيث بالترو من دون قصد لأسلوب الفخامة الهادئة وهذا اللون يزيد قوة. ففي عام 2023، وخلال حضورها محاكمتها في قضية حادثة التزلج الشهيرة، كانت تظهر بأزياء بسيطة للغاية بألوان حيادية غير مثيرة للنظر، لكن عندما تتعرف على مصدرها تعرف أنها من ماركات تهمس بالترف والفخامة. وهكذا خرجت بالترو من المحاكمة منتصرة على رافع القضية ضدها، وفي الوقت ذاته منتصرة لأسلوب موضة يمكن اعتباره مضاداً حيوياً لموضة استهلاكية تتجنب «اللوغوهات» والتفاصيل الصارخة.

من تشكيلة «برونيللو كوتشينيللي لخريف وشتاء 2024 (برونيللو كوتشينيللي)

ما يؤكد استقواء هذا التوجه أن ماركات مثل «برونيللو كوتشينيللي» و«لورو بيانا» و«ذي رو» و«هيرميس» وما شابهها من بيوت أزياء راقية، تُسجِل أرباحاً عالية على عكس الكثير من المجموعات الضخمة التي تشهد تراجعاً مخيفاً. الفضل في نجاحهم، اعتمادهم على وصفة واحدة، تمتزج فيها الحرفية والجودة من ناحية الخامات والتفاصيل والتقنيات بالأناقة. كما استعاضوا فيها عن الدرجات الصارخة بأخرى، ربما تكون مطفية، لكنها كلاسيكية، مثل الأخضر الزيتوني والرمادي والأزرق الغامق والأسود وكل درجات البني من البيج إلى الشوكولاتي الغامق.

من اقتراحات «لورو بيانا» لربيع وصيف 2025 (لورو بيانا)

ولأن واحدة من ميزات الفخامة الهادئة أنها مستدامة، بمعنى أنها ليست موسمية تميل إلى الصرعات؛ فإن لون «موكا موس» حسب معهد «بانتون» للألوان مناسب جداً في ظل التغيرات التي يشهدها العالم حالياً. فهي درجة تبُث مشاعر الحذر والأمان، وهو «ما يحتاج إليه المستهلك حالياً». خبراء الموضة يوافقونهم الرأي ويضيفون أن ما يُحسب لدرجة «موكا موس» أنها تُفسح المجال لكل واحد منا باختيار الخلطة حسب الرغبة والهوى، بمزج نسبة القهوة أو الشوكولاته مع نسبة الحليب أو القشدة. فأكثر ما يمنحه البني هو تنوعه الكبير من لون البسكوت إلى لون الشوكولاته الغامقة، فضلاً عن سهولة تنسيقه مع ألوان أخرى.

«كلوي» نسّقته مع قطع بألوان وخامات مختلفة (كلوي)

ثم لا ننسى هنا عنصر اللذة الذي تثيره هذه الدرجة، وهو ما تؤكده الجدالات والتعليقات التي أثارتها هذه الدرجة منذ الإعلان عنها. فالتركيز منذ الإعلان عنها كان على اللذة التي تثيرها من دون التطرق إلى أي سلبيات، مثل أنها بحياديتها قد تكون باهتة على البشرة السمراء والحنطية. لكن يبقى هذا مأخذاً حله بسيط، يتلخص في إضافة لون قوي يعزّزه فيُضفي على البشرة ما تحتاج إليه من ألق والمظهر من تألق.