نقلة نوعية للاقتصاد الرقمي السعودي في 2024

السعودية تعزز ريادة الأعمال والاقتصاد الرقمي في قطاع الاتصالات والمعلومات (الشرق الأوسط)
السعودية تعزز ريادة الأعمال والاقتصاد الرقمي في قطاع الاتصالات والمعلومات (الشرق الأوسط)
TT

نقلة نوعية للاقتصاد الرقمي السعودي في 2024

السعودية تعزز ريادة الأعمال والاقتصاد الرقمي في قطاع الاتصالات والمعلومات (الشرق الأوسط)
السعودية تعزز ريادة الأعمال والاقتصاد الرقمي في قطاع الاتصالات والمعلومات (الشرق الأوسط)

نقلة نوعية للاقتصاد الرقمي السعودي في 2024 تشهد المملكة العربية السعودية وتيرة تطور استثنائية على مختلف الصعد تضعها على أعتاب تحول كبير خلال السنوات المقبلة. فمن خططها لاستضافة «إكسبو 2030» وكأس العالم لكرة القدم 2034، إلى تنفيذها حزمة من الحلول على نطاق واسع لكبح جماح الأزمة المناخية، يبدو جلياً أن المملكة عازمة على تقلُّد موقع الريادة على مستوى الرخاء الاقتصادي والاجتماعي.

وفي خضم هذا التحول الذي استقطب أنظار العالم بأسره، يبرز الاقتصاد الرقمي بوصفه أحد مكوناته وممكناته الرئيسية، إذ خصصت المملكة العربية السعودية استثمارات ضخمة في مجالات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والأمن السيبراني وتحليلات البيانات الضخمة، انطلاقاً من إدراك حكومتها العميق أهمية هذه المجالات، والإيمان بأنها الركائز الرئيسية لاقتصاد التجربة المنشود، في حين تتطلع المملكة لرفع حصة الاقتصاد الرقمي من الناتج المحلي الإجمالي إلى 19.2 في المائة بحلول عام 2025، وهو أمر سيطلق طيفاً واسعاً من الفرص الثمينة لأبرز اللاعبين في قطاع التقنيات الرقمية وداعمي المجال التكنولوجي، على المستويين المحلي والدولي.

مهمة هامة

سيجسد عام 2024 محطة هامة للاقتصاد الرقمي وداعميه، إذ من المتوقع أن يتجاوز حجم الإنفاق على تقنية المعلومات والاتصالات حاجز 34.5 مليار دولار في هذا العام، في حين تستعد المملكة العربية السعودية لاستضافة المؤتمر التقني الضخم «ليب» مجدداً تحت شعار «نحو عوالم جديدة» مشجعةً شركات التكنولوجيا على الخروج بمزيد من المشروعات المبتكرة والأفكار البناءة.

إن هذه الآفاق الواعدة تدعونا للتساؤل، ما الذي يمكننا توقعه تحديداً في المملكة العربية السعودية خلال عام 2024؟

حكومة تأخذ زمام المبادرة

لا يوجد أدنى شك بأن الحكومة السعودية تقود دفة الثورة الرقمية الراهنة في البلاد. ونتيجة جهودها الحثيثة، تبوأت المملكة العام الماضي المركز الثاني بين دول مجموعة العشرين، وحلت في المرتبة الرابعة عالمياً في جاهزية الأنظمة الرقمية. ولتحقيق أهداف خطة التحول الوطني المحددة لعام 2025، كلي ثقة بأننا سنشهد عدداً من المبادرات التي تمهد الطريق لنشوء مزيد من مشروعات الاقتصاد الرقمي، من بينها إنشاء مزيد من المنصات الإلكترونية الحكومية على غرار منصة «أبشر» التابعة لوزارة الداخلية، إلى جانب تقديم الخدمات الرقمية للمواطنين والمقيمين عبر تطبيقات الهاتف المتحرك، وتطبيق «توكلنا» خير مثال لذلك.

سنرى أيضاً إبرام كثير من الاتفاقات الاستراتيجية مع جهات ومؤسسات عالمية ومكاتب حكومية محلية. وفي الحقيقة، فإن العمل جارٍ على قدم وساق لتنفيذ خطة إنشاء مركز رقمي متكامل في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية.

القطاعات التقليدية:

نحو تحول جذري

تعكف 52 في المائة من المؤسسات السعودية على التحول بنماذج أعمالها التقليدية نحو شكل يواكب متطلبات المرحلة، ويتبنى منهجية العمل الرقمي. وفي ضوء هذه المساعي، من المتوقع أن تشهد قطاعات الرعاية الصحية، والخدمات المالية، والتجزئة - البيع بالجملة، والخدمات المتخصصة، والتعليم، وتيرة نمو متسارعة خلال السنوات الخمس المقبلة، وأعتقد أن رؤية الشركات العاملة في هذه المجالات تضع خططها لتسخير إمكانات التكنولوجيا على غرار الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء... وغيرها، بأفضل شكل ممكن.

في الحقيقة، وسعنا مؤخراً شراكتنا مع شركة «حلول السحابة»، المزود الرائد لخدمات تقنية المعلومات للرعاية الصحية، لتعزيز حضورنا في المنطقة استجابة للطلب المتنامي على هذه الخدمات. ويتحول رواد قطاع الرعاية الصحية، مثل مجموعة مستشفيات د. سليمان الحبيب الطبية، نحو حلول الشبكات التي تتيح لهم رقمنة سجلاتهم، وأتمتة عملياتهم بسلاسة تامة، ومزاولة أعمالهم اليومية وفق أرقى مستويات الموثوقية والأمان. وبالنسبة للقطاعات الأخرى، تحرص المؤسسات على مراجعة استراتيجياتها المعدّة للتكنولوجيا مع استعدادها لرسم مسارات نموها المستقبلية وتعزيز قدرتها على تلبية ارتفاع الطلب المتوقع.

وعلى أية حال، من الأهمية بمكان ملاحظة أن تبني التكنولوجيا لا يتعين أن يكون مجرّد واجب، بل آمل من الشركات أن ترى هذا التوجه الجديد من منظور استراتيجي بحت، ضماناً لامتلاكها الأساس الرقمي المناسب لتفعيل النمو التكنولوجي وتطبيق التحول الرقمي بأكثر الأشكال كفاءة، وفي المواضع التي يتحقق فيها أكبر أثر ممكن.

صقل المهارات والإمكانات استجابة لضرورات المرحلة

حقيقة أن الجيل السعودي الشاب والمتمرس في التكنولوجيا يشكل الغالبية العظمى من سكان المملكة ليست بالموضوع الجديد؛ فقد جرت كثير من النقاشات حول الحاجة لصقل مهارات الشباب السعودي، ومنحهم أفضل فرص التعلّم ليتمكنوا من لعب دور فاعل في الاقتصاد الرقمي المستهدف. ووفقاً لنتائج استطلاع رأي أعدته شركة «كيه بي إم جي»، ظهر أن جذب وتطوير المواهب اللازمة لتلبية احتياجات التحول الرقمي في المملكة هو محط اهتمام 41 في المائة من الشركات التي شاركت في الاستطلاع، وهو معدل ينسجم عموماً مع المتوسط العالمي المَعنيّ بهذه القضية.

لذلك نجد الحكومة السعودية، اليوم، عكفت بالفعل على وضع خطط مُحكمة لجسر هذه الفجوة من خلال تدريب وتطوير 20 ألف متخصص ومتمرس في الذكاء الاصطناعي والبيانات، وأتوقع أن يحذو القطاع الخاص حذوها مع تكثيف جهوده الموجهة لهذا الغرض. ومن أبرز الأمثلة لذلك التعاون الذي أبرمته «آبل» وأكاديمية طويق مع «إكستريم نتوركس» لإطلاق أكاديمية مطوري «آبل» الأولى من نوعها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتمكين وإلهام الشابات السعوديات الواعدات في مجالات التكنولوجيا وتطوير التطبيقات.

تحتل المملكة العربية السعودية المرتبة الرابعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على مستوى نظم الشركات الناشئة، ويمثل ذلك أحد الآثار الإيجابية للجهود التعليمية التي بذلها القطاعان العام والخاص في المملكة. ومن هذا المنطلق، أعتقد أننا سنشهد خلال العام المقبل عدداً من مشروعات ريادة الأعمال الجديدة القائمة على التكنولوجيا.

فرص لا تحصى

ما لا شك فيه أن الفرص السانحة في المملكة العربية السعودية لا تعد ولا تحصى، إلا أن التوجهات التي سترسم ملامح عام 2024، وما بعده ستتخطى التقنيات والحلول الجديدة، وستعتمد بشكل أكبر على الناس والشركات واللاعبين الرئيسيين الذين سيأخذون زمام المبادرة، وسيقودون دفة التحول؛ لذلك تؤمن «إكستريم نتوركس»، بوصفها من داعمي الاقتصاد الرقمي، بأن أثرنا الأكبر العام المقبل سيتحقق من خلال استنباط السبل المثلى للتعاون مع العملاء والشركاء والأقران، دعماً لـ«رؤية السعودية 2030»، وسعياً لاستقطاب الخبرات القادرة على ترسيخ ازدهار المملكة العربية السعودية.


مقالات ذات صلة

أهم 6 توجهات لتقنيات «ويب 3.0» و«بلوك تشين» والعملات الرقمية

خاص أهم 6 توجهات لتقنيات «ويب 3.0» و«بلوك تشين» والعملات الرقمية

أهم 6 توجهات لتقنيات «ويب 3.0» و«بلوك تشين» والعملات الرقمية

خوارزميات الـ«بلوك تشين» يمكن استخدامها لتعزيز أمان الشبكات والمساعدة في اكتشاف مشكلات الأمان المحتملة بشكل أكثر كفاءة من المنهجيات التقليدية.

بن تشو
خاص ثورة المدفوعات الرقمية  في السعودية تعزز فرص التجارة الإلكترونية

خاص ثورة المدفوعات الرقمية في السعودية تعزز فرص التجارة الإلكترونية

يشكّل التحول نحو وسائل الدفع الرقمية محفزاً لتحول أوسع في قطاعات التجارة الإلكترونية والخدمات اللوجيستية في المملكة العربية السعودية.

إيمان الغامدي
خاص الاتصالات المعزَّزة تعد بنقلة في قطاع السيارات

خاص الاتصالات المعزَّزة تعد بنقلة في قطاع السيارات

تواجه مسألة التحضُّر المدني والنمو الاقتصادي السريع في العصر الحالي عدّة تحدّيات رئيسية، من أبرزها الازدحام المروري الخانق الذي تتسبّب به الزيادة السكانية.

لويس دي لا كروز
خاص بزوغ عصر اقتصاد التجربة مدعوماً بالذكاء الاصطناعي

خاص بزوغ عصر اقتصاد التجربة مدعوماً بالذكاء الاصطناعي

في حين يقف العالم على أبواب مرحلة اقتصادية جديدة حافلة بالفرص والتحديات على كل المستويات، بدأت ملامح «اقتصاد التجربة Experience Economy» في الاكتمال في عدد من…

نضال أبو لطيف
خاص رئيس الاحتياطي الفدراسي في مؤتمر صحافي 13 ديسمبر (أ.ف.ب)

خاص 2024... سنة معقّدة ومحورية للاقتصاد العالمي

الانخفاضات المتوقعة في معدلات الفائدة من قبل المصارف المركزية الرئيسية في يونيو (حزيران) 2024 تأتي مصحوبة بجوانب من عدم اليقين.

سمير عساف

أي حرب بين إسرائيل و«حزب الله» أشد من «طوفان الأقصى»

TT

أي حرب بين إسرائيل و«حزب الله» أشد من «طوفان الأقصى»

مستشفى ميداني إسرائيلي تم تجهيزه في مرآب للسيارات في الطابق الثالث تحت الأرض في مدينة حيفا تحسباً لحرب مع "حزب الله" (غيتي)
مستشفى ميداني إسرائيلي تم تجهيزه في مرآب للسيارات في الطابق الثالث تحت الأرض في مدينة حيفا تحسباً لحرب مع "حزب الله" (غيتي)

في الحروب يحرص عادة كل طرف على نصب الكمائن للطرف الآخر. أما اليوم، في الحرب الدائرة بين إسرائيل و«حزب الله»، فيبدو أن كل طرف يوقع نفسه في الكمائن. فعلى رغم أن كلا الطرفين يؤكد أنه غير معني بتوسيع نطاق الحرب، فإنهما يندفعان بشكل جارف إلى توسعتها. وعلى الجانب الإسرائيلي، تجري تدريبات حربية متواصلة على كيفية توسيعها، في حين تشير الاستطلاعات إلى أن الجمهور يؤيد هذه التوسعة. قبل شهرين فقط كان 64 في المائة من المستطلعين الإسرائيليين يؤيدون حرباً مع «حزب الله» حتى لو كان الثمن حرباً إقليمية واسعة. وفي الشهر الأخير هبطت هذه النسبة إلى 46 في المائة وهي لا تزال نسبة مرتفعة إلى حد بعيد. هذا التأييد أفزع القيادات العسكرية في تل أبيب، وجعلها تشعر بأن الجمهور لا يدرك تماماً ما قد تعنيه هذه الحرب.

أيال حولتا، المستشار الأسبق للأمن القومي في الحكومة الإسرائيلية، يقول إن حرباً كهذه ستؤدي إلى تدمير مناطق شاسعة من لبنان، ولكنها أيضاً ستلحق أضراراً كبيرة في إسرائيل، وقد توقع نحو 15 ألف قتيل فيها.

فتاة تعبر قرب دكان مغلق كتب عليه "لقد مات 4 من رفاقي. منطقة حرب" في تل أبيب (رويترز)

معهد أبحاث الإرهاب في جامعة رايخمان، أجرى دراسة حول سيناريوهات حرب مع «حزب الله» بمشاركة 100 خبير عسكري وأكاديمي، خرجوا فيها باستنتاجات مفزعة؛ إذ قالوا إن من شأن حرب كهذه أن تتسع فوراً لتصبح متعددة الجبهات، بمشاركة ميليشيات إيران في سوريا والعراق واليمن وقد تنضم إليها حركتا «حماس» و«الجهاد» في الضفة الغربية.

ورجّحت الدراسة أن يطلق «حزب الله» طيلة 21 يوماً كمية هائلة من الصواريخ بمعدل 2500 إلى 3000 صاروخ في اليوم ويركز هجومه على إحدى القواعد العسكرية أو المدن في منطقة تل أبيب، وكذلك على مناطق حساسة أخرى، مثل محطات توليد الكهرباء وآبار الغاز ومفاعل تحلية المياه والمطارات ومخازن الأسلحة. وبالإضافة إلى الدمار الذي سيحدثه هذا القصف، ستنفجر فوضى لدى الجمهور الإسرائيلي.

كذلك، سيحاول «حزب الله» الدفع بخطته القديمة، في إرسال فرق «الرضوان» لتخترق الحدود الإسرائيلية وتحتل بلدات عدة، كما فعلت «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) وأكثر.

تدمير على نسق غزة

هذا السيناريو المخيف، جاء أولاً وبالأساس لكي يصبّ بعض الماء البارد على الرؤوس الحامية التي راحت تمارس ضغوطاً على الجيش لكي يجتاح الأراضي اللبنانية. والجيش، إذ يدرك بأن القيادات السياسية اليمينية الحاكمة تحرّض عليه وتظهره متردداً وخائفاً من الحرب، ينشر في المقابل خططاً تظهر أنه جاد في الإعداد للحرب. وبحسب التدريبات والتسريبات التي يمررها، يتضح أنه يعدّ لاجتياح بري واسع يحتل فيه الجنوب اللبناني حتى نهر الليطاني، وربما حتى نهر الزهراني أيضاً. وهو يقول إنه في حال رفض «حزب الله» اتفاقاً سياسياً يبعده عن الحدود، فإن الجيش سيسعى لفرض هذا الابتعاد بالقوة.

ويوضح أنه سيبدأ توسيع الحرب بقصف جوي ساحق يدمر عدداً من البلدات اللبنانية على طريقة غزة، وبعدها يأتي الاجتياح. وبحسب مصادر عسكرية، فإن إسرائيل استعادت الأسلحة المتأخرة من الولايات المتحدة، بما فيها القنابل الذكية، وستستخدمها في قصف الضاحية الجنوبية في بيروت ومنطقة البقاع على الأقل.

طائرة إطفاء إسرائيلية تلقي مواد لإخماد النيران المشتعلة في الجليل الأعلى جراء صواريخ أطلقها «حزب الله» (أ.ف.ب)

ويبعد نهر الليطاني عن الحدود 4 كيلومترات في أقرب نقطة و29 كيلومتراً في أبعد نقطة، ليشكل شريطاً مساحته 1020 كيلومتراً مربعاً يشمل ثلاث مدن كبيرة، صور (175 ألف نسمة) وبنت جبيل ومرجعيون. ويعيش في تلك المنطقة نصف مليون نسمة، تم تهجير أكثر من 100 ألف منهم، حتى الآن. لذا؛ فإن الحديث عن احتلال هذه المنطقة كلها لن يكون سهلاً. فـ«حزب الله» أقوى بكثير من «حماس» ولديه أنفاق أكبر وأكثر تشعباً من أنفاق غزة، كما أنه يملك أسلحة أفضل وأحدث وأكثر فتكاً، وهو مستعد لهذه الحرب منذ فترة طويلة. وإذا كانت إسرائيل تخطط لحرب قصيرة من 21 يوماً، فإن أحداً لن يضمن لها ذلك وقد تغرق في الوحل اللبناني مرة أخرى.

جدوى الحرب ومستوطنات الشمال

بدأ الجيش الإسرائيلي في إعداد الجبهة الداخلية لمواجهة حرب طويلة، فجرى إنعاش أوامر الاحتياط الأمني في أوقات الطوارئ في المستشفيات والمصانع والمؤسسات الحكومية والرسمية والملاجئ. وهو يضع في الحسبان احتمال أن يستطيع «حزب الله» إطلاق آلاف الصواريخ والمسيّرات وضرب البنى التحتية من محطات توليد كهرباء وتحلية مياه وآبار غاز. وفي التدريبات التي جرت في الشهرين الماضيين، وضع في الحسبان أيضاً احتمال أن تتدخل إيران مباشرة. عندها ستتفاقم فوضى الملاحة في البحر الأحمر وقد يتم ضرب قبرص. وهذا يعني أن الأراضي الإسرائيلية، كلها، ستتحول إلى جبهة مشتعلة.

ويقول معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب في دراسته: «حتى الآن أطلق (حزب الله) أكثر من 5000 ذخيرة مختلفة، معظمها من لبنان، على أهداف مدنية وعسكرية في إسرائيل؛ ما أدى إلى مقتل 33 مدنياً وعسكرياً، وإحداث أضرار جسيمة. فهناك شعور قوي بعدم جدوى الحرب بالنسبة لمستقبل المنطقة الشمالية، والمستوطنات الـ28 التي تم إخلاؤها ومدينة كريات شمونة وسكانها، الذين يتساءلون متى وتحت أي ظروف سيتمكنون من العودة إلى بيوتهم».

يهود متدينون يؤدون صلاة الصباح عند هضبة في الضفة الغربية بعد وعود حكومية بضمن مزيد من الاراضي الفلسطينية (أ ب)

ترسانة «حزب الله»

بحسب التقارير ومنذ حرب لبنان الثانية، يشكّل «حزب الله» التهديد العسكري الرئيسي لإسرائيل؛ نظراً لضخامة قواته المدعومة إيرانياً وبصفته «رأس الحربة في محور المقاومة». وتتكون الترسانة الرئيسية للحزب مما لا يقل عن 150 ألف صاروخ وقذيفة وأسلحة إحصائية أخرى، بالإضافة إلى مئات الصواريخ الدقيقة الموجهة، والمتوسطة والطويلة المدى، التي تغطي المنطقة المأهولة بالسكان في إسرائيل. يكمن الضرر الرئيسي المحتمل لهذا المخزون في الصواريخ الدقيقة، والتي تشمل صواريخ كروز، والصواريخ الباليستية، والصواريخ الدقيقة القصيرة المدى المضادة للدبابات، والصواريخ الساحلية المتقدمة وآلاف الطائرات والمروحيات المُسيّرة. وفي حرب 2006، عندما خاض الجانبان حرباً استمرت 34 يوماً، كان لدى «حزب الله» نحو 15 ألف صاروخ وقذيفة، غالبيتها العظمى لم تكن موجهة ومداها أقل من 20 كيلومتراً؛ مما يعني أنها لم تكن قادرة على الوصول لمدينة حيفا شمالي إسرائيل. وقد أطلق الحزب نحو 120 صاروخاً يومياً في تلك الحرب؛ ما أسفر عن مقتل 53 إسرائيلياً وإصابة 250 وإلحاق أضرار مادية جسيمة.

أما اليوم، فإلى جانب ما ذُكر، هناك أيضاً المنظومات السيبرانية المتقدمة، القادرة على التسبب بأعمال قتل جماعي وأضرار مدمرة للأهداف المدنية والعسكرية، بما في ذلك البنية التحتية الوطنية الحيوية. الموارد العسكرية التي يملكها «حزب الله» كبيرة كمّاً ونوعاً، بما يضاهي عشرات أضعاف القدرات العسكرية لـ«حماس» قبل اندلاع الحرب. والأهمية الاستراتيجية هي أن «حزب الله» يمتلك البنية التحتية والقدرات العسكرية اللازمة لشنّ حرب طويلة، ربما لأشهر عدة، وإلحاق أضرار جسيمة بإسرائيل.

عناصر من «حزب الله» يشيعون في بيروت القيادي في الحزب محمد نعمة ناصر الذي قتل في غارة إسرائيلية (د.ب.أ)

ويضيف التقرير أنه «في حرب واسعة النطاق ضد (حزب الله)، سيتعين على أنظمة الدفاع الجوي التابعة للجيش الإسرائيلي أن تتعامل، مع مرور الوقت - وخاصة في الأسابيع الأولى من الحرب - مع وابل من الأسلحة يصل إلى آلاف يومياً، ولن يكون من الممكن اعتراضها كلها. هذه الهجمات، بما في ذلك من جبهات أخرى، مثل إيران والعراق وسوريا واليمن، يمكن أن تسبب التشبع لطبقات الدفاع الجوي الإسرائيلية، بل وربما نقصاً في وسائل الاعتراض. وهذا تهديد عسكري ومدني لم تعش مثله إسرائيل. في مثل هذا السيناريو، سيكون مطلوباً من الجيش الإسرائيلي تحديد الأولويات، سواء بين ساحات القتال المختلفة أو فيما يتعلق بتوزيع الموارد للدفاع الفعال عن الجبهة الداخلية. من المتوقع أن تعمل القوات الجوية كأولوية أولى لحماية الأصول العسكرية الأساسية، وكأولوية ثانية لحماية البنى التحتية الأساسية، وكأولوية ثالثة فقط لحماية الأهداف المدنية، التي سيكون لسلوك الجمهور فيها، أهمية كبيرة في مواجهة تحذيرات الجبهة الداخلية والحماية السلبية بمختلف أنواع الملاجئ، والتي تعدّ قليلة».

آثار صدمة 7 أكتوبر

ويحذر الدكتور العميد (احتياط) أريئيل هايمان من أن «إسرائيل، في معظمها، لا تزال تعاني صدمة جماعية مستمرة، من جراء هجوم (حماس) في 7 أكتوبر، تضر بشدة بقدرتها على الصمود. ويتجلى هذا الوضع في تقلص مؤشرات الصمود، كما تظهرها استطلاعات الرأي العام التي أجراها معهد دراسات الأمن القومي. فهناك تراجع كبير في الصمود الوطني للمجتمع الإسرائيلي، مقارنة بالأشهر الأولى للحرب. ويتجلى ذلك في انخفاض واضح في مستوى التضامن والثقة في مؤسسات الدولة، بما في ذلك الجيش الإسرائيلي، وفي مستوى التفاؤل والأمل لدى غالبية الجمهور. كل هذا، أيضاً في مواجهة ما يُعدّ «تباطؤاً» في الحرب على غزة، والتي كان ينظر إليها في البداية، على أنها حرب مبررة، وأدت في البداية إلى «التقارب حول العلم الوطني». من المشكوك الآن، إلى أي مدى سيكون المجتمع الإسرائيلي مستعداً ذهنياً لحرب صعبة وطويلة الأمد في الشمال أيضاً».

جندي إسرائيلي يتفقد الأضرار في منزل أُصيب بصاروخ أطلقه «حزب الله» على كريات شمونة (أ.ف.ب)

ويقول البروفسور بوعز منور، رئيس جامعة رايخمان، الذي ترأس البحث حول الحرب مع لبنان: «لا تخافوا، إسرائيل لن تُهزم في حرب كهذه. لكن 7 أكتوبر سيبدو صغيراً أمام ما سيحل بنا في حرب مع لبنان. سيحصل ضرر استراتيجي كبير. لكن لن يكون هناك خطر وجودي علينا. وأنا لا أريد أن أخفف وطأة هذه الحرب إلا أنني أضع الأمور في نصابها. والحقيقة أننا لا نحتاج إلى حرب كهذه؛ إذ إنه في حال التوصل إلى اتفاق في غزة سينسحب الأمر على الشمال».

وحذّر البروفسور شيكي ليفي، الباحث في اتخاذ القرارات ورئيس دائرة التمويل في الجامعة العبرية، من حرب لبنان ثالثة عالية، مؤكداً أن «الجميع يتفق على أن مثل هذه الحرب، إذا ما نشبت، ستكون حرباً وجودية، مع إصابات في الأرواح وفي الممتلكات على نطاق لم تشهده دولة إسرائيل أيضاً. هذه حرب ستضع مجرد وجود الدولة في خطر حقيقي». ويضيف، في مقال نشرته «معاريف» أخيراً أن «انعدام ثقة أغلبية الجمهور في إسرائيل بالقيادة السياسية غير مسبوق، كما ينعكس في استطلاع إثر استطلاع. الجيش متآكل حتى الرمق الأخير من الحرب المتواصلة منذ 7 أكتوبر. يوجد حد لما يمكن أن نطلبه من رجال الاحتياط الذين انفصلوا عن عائلاتهم، جمّدوا حياتهم المهنية والتعليمية ويقاتلون منذ أشهر طويلة في غزة وفي الشمال».

على رغم كل ذلك، هناك احتمال كبير في أن تختار إسرائيل فتح هذه الحرب، أو الانجرار إليها على طريق الكمائن الذاتية. فهي تواصل سياسة الاغتيالات لقادة «حزب الله»، مع علمها اليقين بأن مع كل اغتيال يأتي رد تصعيدي. في الوقت الحاضر، يحافظ «حزب الله» على السقف الذي حددته الولايات المتحدة وإيران في بداية الحرب، بمنع الانفجار الأوسع، ملتزماً بسياسة الرد وعدم المبادرة إلى عمليات كبيرة. لكن استمرار هذا الانضباط ليس مضموناً. فيكفي أن يقع أحد الأطراف في خطأ ما حتى تنفجر الأمور وتخرج عن السيطرة. وعندها لا يبقى من كلام سوى ذلك المثل القائل: «مجنون ألقى حجراً في البئر».