روسيا تعزز مكاسبها في 2024 وتستعد لاتساع الشرخ في المعسكر الغربي

حرب أوكرانيا «مؤجلة»... وتنشيط الانخراط في ملفات إقليمية

بوتين ووزير دفاعه سيرغي شويغو خلال زيارة لمركز تدريب عسكري في أكتوبر (أ.ف.ب)
بوتين ووزير دفاعه سيرغي شويغو خلال زيارة لمركز تدريب عسكري في أكتوبر (أ.ف.ب)
TT

روسيا تعزز مكاسبها في 2024 وتستعد لاتساع الشرخ في المعسكر الغربي

بوتين ووزير دفاعه سيرغي شويغو خلال زيارة لمركز تدريب عسكري في أكتوبر (أ.ف.ب)
بوتين ووزير دفاعه سيرغي شويغو خلال زيارة لمركز تدريب عسكري في أكتوبر (أ.ف.ب)

يبدو المشهدان الإقليمي والدولي مواتيين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في نهاية العام. كان 2023 أكثر المحطات اضطراباً وقلقاً خلال السنوات العشر الماضية؛ على الصعيدين الداخلي والخارجي. شهدت روسيا منعطفات خطرة وأحداثاً كبرى.

كاد التمرد العسكري لمجموعة «فاغنر» مدعوماً بتأييد جنرالات بارزين، ومساحة واسعة من القبول الشعبي، يدخل روسيا، في منتصف العام، نفقاً من الفوضى الداخلية. لكن الكرملين خرج منتصراً في معركة داخلية حاسمة ونجح في القضاء بضربة قاضية على خصومه. وأطلق عملية تطهير داخلية واسعة غاب معها تهديد انتشار السلاح والطموحات السياسية لدى أطراف عدة شكلت مراكز ضغط وتأثير.

الأحوال المعيشية شهدت هزات كبرى. وبدا في بداية العام أن الاقتصاد الروسي بدأ يترنح تحت ثقل 11 رزمة من العقوبات الشاملة. لكن المؤشرات انتقلت، مع حلول الخريف، من الجمود إلى تحقيق تحسن في عدد من القطاعات. وبدا أن روسيا بدأت تتعايش مع العزلة الاقتصادية عن الغرب، وحسنت شروط مواجهة التداعيات القاسية، وانتقلت إلى تسجيل أرقام نمو في مجالات عدة.

على جبهات القتال في البلد المجاور، كرس العام الماضي معادلة فشل الرهان على تحقيق انتصار عسكري على روسيا. بدل الكرملين بدوره الأولويات، وبعد اختراق باخموت في منتصف العام، لم يعد يولي اهتماماً لتقدم واسع على الجبهات. لكنه حصن في المقابل خرائط «الأمر الواقع» التي أقامها بعد ضم المقاطعات الأوكرانية، محبطاً كل محاولات التقدم في إطار الهجوم الأوكراني – الغربي المضاد.

في السياسة الدولية؛ سارت الرياح وفقاً لهوى بوتين، مع اتساع الشرخ في المعسكر الغربي حيال ملف المساعدات الحربية لكييف وجدوى الضغوط الاقتصادية على موسكو. وفتحت حرب غزة في الخريف على مكاسب جديدة. ولم يمنع ضعف تأثير التحالفات الإقليمية التي رعاها الكرملين، مثل «بريكس» و«شنغهاي» و«رابطة الدول المستقلة»، على الأحداث العالمية، من تطوير سياسات تقوم على مراكمة فوائد لموسكو وحلفائها.

انقضت أصعب الأوقات؛ وفقاً للكرملين ولتيار واسع داخل روسيا. وبدا أن موسكو تستعد مع حلول العام الجديد لحصد نتائج.

أوكرانيا... تجميد الصراع

بين أبرز توجهات سياسات بوتين في 2024 المحافظة على جمود خرائط الصراع العسكري في أوكرانيا. لا يتوقع خبراء بارزون أن يبادر الكرملين لشن هجوم واسع على الأقل خلال النصف الأول من العام. ولهذا مبررات قوية من وجهة نظرهم؛ إذ لا تحتاج موسكو لتغيير ميداني واسع قد يسبب تبدلاً في موازين القوى القائمة. في حين تستعد البلاد لاستحقاق انتخابي مهم في مارس (آذار) المقبل. ومع أن نتيجة الانتخابات الرئاسية معروفة سلفاً؛ فإن هذا لا يقلل من أهمية الحدث، الذي يكرس بوتين عملياً زعيماً للأمة، وسيداً للكرملين مدى الحياة. خلافاً لتساؤلات قلقة كانت قد برزت سابقاً عن مدى قدرة صاحب قرار الحرب المثير للجدل على الصمود في كرسيه. هذا الاستحقاق سوف يعني تكريس نهج «البوتينية» في روسيا لسنوات طويلة مقبلة بعدما توقع الغرب انهياره.

زينة العام الجديد في موسكو: نجمة الكرملين بعلامة «زد» شعار الجيش الروسي في أوكرانيا (أ.ف.ب)

في هذا الإطار؛ يمكن رصد توجهات عدة لبوتين على صعيد معركته في أوكرانيا.

نجحت القوات الروسية في تجميد القتال على طول خط المواجهة بالكامل، ومنع وقوع اختراقات كبيرة. وغدا النجاح يقاس بتقدم لبضع مئات من الأمتار، أو تراجع بمثلها. ويقول الخبراء العسكريون إن موسكو قد تطور حصارها على أفدييفكا (دونيتسك) من دون شن هجوم كبير لا يحتاجه الكرملين، لتأكيد «شعبية» بوتين في المرحلة المقبلة، كما أن مخاطره مرتفعة للغاية، وقد تنعكس سلباً إذا وقعت خسائر كبيرة في صفوف الجنود الروس.

العنصر الثاني على هذا الصعيد أن موسكو باتت في وضع رابح جزئياً في «حرب الاستنزاف»؛ لذلك تركز توجهاتها على السعي لتوسيع الشرخ في صفوف الغرب، وهي تستعد لمزيد من التململ الأوروبي، وأن تحذو بلدان عدة حذو سلوفاكيا والمجر وهولندا في تخفيف لهجتها حيال موسكو والدعوة بشكل أكثر إلحاحاً إلى فتح حوار معها.

في الإطار ذاته، تشير معطيات موسكو إلى استنفاد الأسلحة والذخيرة من مخازن الغرب، مما يعني أن تكلفة إمدادات أوكرانيا ستكون أعلى في المرحلة المقبلة. وهذا بدأ ينعكس في توجه بعض البلدان الغربية لدعم إنشاء صناعات دفاعية مشتركة مع كييف بديلاً للإمدادات العسكرية بالأسلحة والتقنيات المصنوعة في بلدان «حلف الأطلسي».

يراهن الكرملين على أن جمود الصراع يوفر أساساً مهماً لتوسيع الشرخ لدى الغرب، ويضعف أكثر قدرات كييف على المناورة، خصوصاً مع انتظار وتشجيع صراعات داخلية في أوكرانيا قد تتطور مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي الرئاسي الداخلي المؤجل حتى الآن.

ولا يتوقع خبراء أن يحدث تطور عسكري واسع قبل حلول منتصف العام المقبل، وغالباً سوف تكون مقدماته مرتبطة بالمشهد الداخلي الأوكراني، ومستوى الترهل الذي يتوقع الكرملين أن يصيب الحلف الغربي.

عموماً تميل التقديرات إلى أن عام 2024 سيكون حاسماً بالنسبة إلى تحديد مصير الحرب مع اقترابه من الربع الأخير.

تعزيز جبهة الحلفاء

على الرغم من أن تحالفات روسيا الإقليمية لم تنعكس خلال العام الماضي في إظهار تماسك صلب يدعم مواقف الكرملين تجاه الغرب، فإن موسكو نجحت في تحقيق اختراقات عدة؛ بينها توسيع خطوط التبادل التجاري البديلة، في مواجهة الحصار الغربي، وزيادة نسبة التبادل بالعملات الوطنية في إطار «شنغهاي» و«بريكس» وبشكل ثنائي مع حلفاء «استراتيجيين» مثل الصين، لتصل إلى نحو نصف حجم التجارة الخارجية الروسية. هذا المسار سوف يتواصل بقوة خلال العام الجديد، وتسعى موسكو إلى تعزيز مسار طرق الإمداد البديلة، خصوصاً «ممر شمال - جنوب» بالتعاون مع الصين وإيران وبلدان جنوب القوقاز، وتحسين شروط التبادل التجاري مع حلفائها.

على صعيد السياسة الدولية؛ يعمل الكرملين على تثبيت انحيازه لبلدان «الجنوب» في إطار مواجهة الهيمنة الأميركية على الملفات الإقليمية. وهذا التوجه بدأ يتخذ منحى أوضح مع اندلاع حرب غزة. لذلك تسعى موسكو إلى توسيع التعاون في أفريقيا، وهي هيأت لذلك عبر إعادة ترتيب وجود مجموعات بديلة لـ«فاغنر» في عدد من بلدان القارة؛ مما يؤسس لاستمرار التدخل المباشر في السياسات الداخلية ودعم بعض البلدان في مواجهة الضغوط الغربية.

بالمقياس نفسه؛ تتعامل موسكو مع ظروف تنشيط عمل مجموعة «شنغهاي» ومسار توسيع حضور تكتل «بريكس» في السياسات الإقليمية، على الرغم من أن التباينات الداخلية لدى أعضاء التكتلين شكلت عناصر عرقلة في السنة الماضية، ومثال ذلك التباينات الصينية - الهندية.

قادة «بريكس» خلال اجتماعهم في جوهانسبرغ في أغسطس (أ.ف.ب)

في العلاقة مع الحليف الأبرز الصين، الذي سوف يتحول أكثر خلال عام 2024 إلى الشريك «الأكبر» بعدما كانت موسكو تسعى إلى تكريس الندية في التعامل معه في السابق، تخطط روسيا والصين لإطلاق مشروعات مشتركة في مجالات عدة عام 2024؛ بما في ذلك على صعيد تعزيز تنسيق السياسات الخارجية وتعزيز مسار المشروعات الاستراتيجية المشتركة. من ذلك؛ خطط لمشروعات عملاقة في مجال بناء السفن والتقنيات الشاملة والطاقة الخضراء. علماً بأن الصين باتت تحتل مكان الاتحاد الأوروبي سابقاً شريكاً تجارياً أول. وخلال عام 2023، ارتفع حجم التجارة الثنائية بنسبة 23 في المائة ليصل إلى 201 مليار دولار.

إيران الحليف الاستراتيجي

بين التوجهات الرئيسية للسياسة الروسية في العام الجديد؛ مواصلة تعزيز العلاقة بإيران بصفتها الشريك الإقليمي الأبرز لروسيا. وقد وضع ترسيخ الشراكة في الحرب الأوكرانية، والإمدادات الكبرى التي قدمتها طهران لموسكو خلال العام الماضي، مقدمات للبناء على توسيع هذا التحرك المشترك، وهو ما بدأ يبرز عبر اتفاقات على صناعات مشتركة يجري العمل لتطويرها في المجالين؛ المدني (صناعة السيارات وتجميع طائرات وآليات...)، والعسكري الذي يتعلق بالدرجة الأولى بتطوير التعاون في مجال صناعة المسيّرات ومواصلة العمل على تطوير قطاع الصواريخ الدفاعية. في هذا الإطار يصب أيضاً الحديث عن احتمال تزويد إيران بصفقة طال انتظارها من مقاتلات الجيل الأحدث من «سوخوي».

وتشير تقديرات روسية وإيرانية إلى توجه الطرفين في النصف الأول من 2024 إلى توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية، جديدة وشاملة. جرى العمل على وضع الاتفاقية؛ التي ينتظر أن تنقل العلاقات إلى مستوى نوعي جديد، لمدة عامين، وباتت تنتظر مراسم التوقيع الرسمية بعدما تم التوصل إلى صيغتها النهائية التي تشمل كل مجالات التعاون المستقبلي.

على الصعيد الإقليمي؛ لا يخفي البلدان عزمهما على تعزيز التطابق في وجهات النظر حيال الملفات المطروحة، خصوصاً ما يتعلق بالملف النووي الإيراني، وملف الصراع الدائر في سوريا، الذي ينتظر أيضاً أن يدخل خلال العام المقبل مرحلة جديدة.

سوريا... ساحة صراع متجدد

قادت حرب أوكرانيا، والمواقف التي تبنتها تل أبيب في تقديم دعم صريح لكييف، بالإضافة إلى التداعيات اللاحقة التي سببتها الحرب الدائرة في غزة، إلى تبدل مهم في أولويات روسيا في سوريا.

ظهر ذلك بالدرجة الأولى في انتقال موسكو إلى سياسة أقل حذراً وحساسية تجاه مساعيها السابقة للمحافظة على التوازن الدقيق الذي أقامته بين علاقاتها بإيران من جانب؛ وبإسرائيل من الجانب الآخر. وقد تجلى هذا المسار في ازدياد وتيرة الإدانات الروسية للضربات الإسرائيلية على مواقع إيرانية في سوريا، وفي التراجع عن استعدادات في السابق للتوصل إلى صفقة مع الغرب تقوم على «ضبط الوجود» الإيراني في سوريا، وهو أمر برز عبر لقاءات رؤساء مجالس الأمن القومي في روسيا والولايات المتحدة وإسرائيل، وكذلك عبر تفاهمات سابقة على إبعاد إيران عن مواقع «حساسة» مثل خطوط التماس في الجولان.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال المؤتمر الصحافي في قاعة المعارض غوستيني دفور بوسط موسكو (رويترز)

حالياً؛ مالت موسكو نحو تخفيف التزاماتها في هذا الشأن، ومع حلول نهاية العام نفت موسكو صحة تقارير غربية عن استعداد للوساطة لتجديد اتفاق إبعاد إيران عن الجولان بمسافة 80 كيلومتراً. والأكثر من ذلك؛ تردد تقارير حول تقديم تسهيلات لنقل إمدادات إيرانية عبر المطارات السورية التي تسيطر عليها موسكو بديلاً عن المطارات التي تقصفها إسرائيل دورياً.

يضاف إلى هذا العنصر؛ أن موسكو شجعت بشكل مباشر أو غير مباشر أحياناً على توسيع استهداف القواعد الأميركية في سوريا والعراق.

يتوقع خبراء أن تواصل موسكو تعزيز هذا المسار خلال المرحلة المقبلة، مع ميلها إلى مواصلة الحرص على عدم انزلاق الأمور إلى مواجهة شاملة قد تسفر عن توسيع النطاق الجغرافي لحرب غزة إقليمياً.

يعني ذلك تحول سوريا مجدداً إلى ساحة صراع نشط وإن كان «مضبوطاً» إلى درجة معينة بين الفاعلين الخارجيين، مع توقع أن تتخلى موسكو عن تحركات لضبط الحضور الإيراني في هذا البلد. في الوقت ذاته، وانعكاساً لهذا التطور، يتوقع خبراء أن يشهد العام المقبل تدهوراً أوسع على صعيد غياب مفاعيل التفاهمات الروسية - الإسرائيلية والروسية - الأميركية في مجال «بروتوكولات عدم التصادم»؛ مع المحافظة على الحد الأدنى الذي يمنع وقوع مواجهة مباشرة.


مقالات ذات صلة

أوكرانيا تطلب أنظمة حديثة للدفاع الجوي بعد استهدافها بصاروخ باليستي روسي

أوروبا صورة نشرتها مؤسسة أوكرانية تُظهر لحظة الهجوم بالصاروخ الباليستي الروسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية (أ.ف.ب) play-circle 01:12

أوكرانيا تطلب أنظمة حديثة للدفاع الجوي بعد استهدافها بصاروخ باليستي روسي

أعلن الرئيس الأوكراني، الجمعة، أن بلاده تطلب من حلفائها الغربيين تزويدها بأنظمة حديثة للدفاع الجوي، بعدما استهدفتها روسيا، هذا الأسبوع، بصاروخ باليستي فرط صوتي.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)

بوتين يأمر بـ«اختبارات» في الوضع القتالي للصاروخ «أوريشنيك»

أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإنتاج كمية كبيرة من الصاروخ الباليستي الجديد فرط الصوتي «أوريشنيك» ومواصلة اختباره في الأوضاع القتالية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا صاروخ «يارس» الباليستي الروسي خلال إطلاق تجريبي (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

ماذا نعرف عن الصاروخ فرط الصوتي الروسي الذي أُطلق على أوكرانيا؟

أشاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، بإطلاق بلاده صاروخاً جديداً فرط صوتي على مصنع أوكراني. وهذا السلاح استخدمته روسيا للمرة الأولى.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (د.ب.أ)

روسيا: تصرفات بايدن بشأن أوكرانيا محاولة لـ«إفساد» عمل إدارة ترمب

نقلت وكالة «سبوتنيك» للأنباء عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قوله (الجمعة) إن تصرفات إدارة الرئيس بايدن بشأن أوكرانيا محاولة لـ«إفساد» عمل إدارة ترمب.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا قبة مبنى مجلس الشيوخ في الكرملين خلف برج سباسكايا وسط موسكو 4 مايو 2023 (رويترز)

روسيا: قصف أوكرانيا بصاروخ فرط صوتي تحذير للغرب

قال الكرملين، الجمعة، إن الضربة التي وُجّهت لأوكرانيا باستخدام صاروخ باليستي فرط صوتي تم تطويره حديثاً تهدف إلى تحذير الغرب.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
TT

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)

فيما كانت الستينية كاميليا محمود تعبر بسيارتها أحد شوارع مدينة نصر بالقاهرة، لفتتها مطاعم كثيرة تزدحم واجهاتها بمواطنين اصطفوا لشراء «ساندويتش شاورما»، ما أثار لديها تساؤلات حول انتشار المطاعم السورية «بهذا الشكل المبالغ فيه»، على حساب نظيراتها المصرية، مبدية مخاوفها من «هيمنة اقتصادية سورية قد يكون لها تبعات أكبر في المستقبل».

كاميليا، التي كانت تعمل موظفة بإحدى شركات القطاع الخاص قبل بلوغها سن التقاعد، رصدت خلال السنوات العشر الأخيرة انتشاراً كبيراً للمطاعم السورية في مختلف الأحياء والمدن المصرية لا سيما مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة) حيث تقطن. لم تستغرب الأمر في البداية، بل على العكس كان حدثاً جاذباً، ولو بدافع استكشاف ما تقدمه تلك المطاعم من نكهات جديدة وغير معتادة في المطبخ المصري، من الشاورما إلى الدجاج المسحب والكبة وغيرها.

صبغة شامية

خلال أكثر من عقد من الزمان، منذ تكثف التوافد السوري على مصر، زاد عدد المطاعم التي تقدم مأكولات سورية، لدرجة صبغت أحياءً بكاملها بملامح شامية، لا تُخطئها العين، ليس فقط بسبب أسياخ الشاورما المعلقة على واجهاتها، ولا الطربوش أو الصدرية المزركشة التي تميز ملابس بعض العاملين فيها، بل بلافتات تكرس هوية أصحابها وتؤكد ارتباطهم بوطنهم الأم، فعادة ما تنتهي أسماء المطاعم بكلمات من قبيل «السوري»، «الشام»، «الدمشقي»، «الحلبي».

طوابير أمام أحد المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

محاولات تكريس الهوية تلك «أقلقت» كاميليا وغيرها من المصريين ممن باتوا يشعرون بـ«الغربة» في أحياء مثل «6 أكتوبر»، أو «الرحاب (شرق القاهرة)» التي باتت وكأنها «أحياء سورية وسط القاهرة». وتتساءل كاميليا في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «ألا يقتطع وجود السوريين من حصة المصريين في سوق العمل؟ ألا يشكل وجودهم خطراً سياسياً لا سيما مع هيمنة اقتصادية في قطاعات عدة؟».

بين «العشق» و«القلق»

رغم مشاعر القلق والغربة، فإن السيدة لا تخفي «عشقها» للمأكولات السورية. فهي تحرص بين الحين والآخر على الذهاب مع أسرتها لأحد تلك المطاعم، مستمتعة بنكهات متنوعة من أطباق «الشاورما والفتوش والكبة وغيرها». فـ«الطعام السوري لذيذ ومتنوع وخفيف على المعدة، وله نكهة مميزة»، وبات بالنسبة لها ولغيرها «عنصراً مضافاً على المائدة حتى داخل المنزل». وبالطبع لا يمكن لكاميليا إغفال «جودة الضيافة»، لا سيما مع كلمات ترحيبية مثل «تكرم عينك» التي تدخل كثيراً من البهجة على نفسها كما تقول.

حال كاميليا لا يختلف عن حال كثير من المصريين، الذين غيرت المطاعم السورية ذائقتهم الغذائية، وأدخلت النكهات الشامية إلى موائدهم عبر وصفات نشرتها وسائل إعلام محلية، لكنهم في نفس الوقت يخشون تنامي الوجود السوري وتأثيره على اقتصاد بلادهم، الأمر الذي بات يُعكر مزاجهم ويحول دون استمتاعهم بالمأكولات الشامية.

ومع موافقة مجلس النواب المصري، الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين، تزايدت حدة الجدل بشأن وجود الأجانب في مصر، لا سيما السوريون، وسط مخاوف عبر عنها البعض من أن يكون القانون «مقدمة لتوطينهم»، ما يعني زيادة الأعباء الاقتصادية على البلاد، وربما التأثير على حصة المواطن المصري في سوق العمل وفق متابعين مصريين.

مجلس النواب المصري وافق على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين (الشرق الأوسط)

تزايد عدد السوريين في مصر خلال العقد الأخير عكسته بيانات «المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين» حيث ارتفع عدد السوريين المسجلين في مصر لدى المفوضية من 12800 في نهاية عام 2012 إلى أكثر من 153 ألفاً في نهاية عام 2023، ليحتلوا المرتبة الثانية بعد السودانيين ضمن نحو 670 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية من 62 جنسية مختلفة.

جاءت هذه الزيادة مدفوعة بالحرب السورية، ودفعت مواطنيها إلى دول عدة، بينها مصر، لتبدأ المفوضية في تلقي طلبات اللجوء منذ عام 2012، مؤكدة دعمها «الفارين من أتون الحرب».

ومع ذلك، لا تعكس البيانات التي تقدمها مفوضية اللاجئين العدد الحقيقي للسوريين في مصر، والذي تقدره المنظمة الدولية للهجرة، بنحو 1.5 مليون سوري من بين نحو 9 ملايين مهاجر موجودين في البلاد.

لكن التقدير الأخير لا يُقره الرئيس السابق لرابطة الجالية السورية في مصر، راسم الأتاسي، الذي يشير إلى أن «عدد السوريين في مصر لا يتجاوز 700 ألف، ولم يصل أبداً لمليون ونصف المليون، حيث كان أعلى تقدير لعددهم هو 800 ألف، انخفض إلى 500 ألف في فترة من الفترات، قبل أن يعود ويرتفع مؤخراً مع تطورات الوضع في السودان». وكان السودان عموماً والخرطوم خصوصاً وجهة لكثير من السوريين عقب 2011 حيث كانوا معفيين من التأشيرات وسمح لهم بالإقامة والعمل حتى 2020.

دعوات مقاطعة

تسبب الوجود السوري المتنامي في مصر في انطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد السوريين، من بينها الدعوة لمقاطعة أحد المطاعم بسبب إعلان عن ساندويتش شاورما بحجم كبير، قال فيه مخاطباً الزبائن: «تعالى كل يا فقير»، مثيراً غضب مصريين عدوا تلك الجملة «إهانة».

حملات الهجوم على السوريين، وإن كانت تكررت على مدار العقد الماضي لأسباب كثيرة، لكنها تزايدت أخيراً تزامناً مع معاناة المصريين من أوضاع اقتصادية صعبة، دفعت إلى مهاجمة اللاجئين عموماً باعتبارهم «يشكلون ضغطاً على موارد البلاد»، وهو ما عززته منابر إعلامية، فخرجت الإعلامية المصرية قصواء الخلالي في معرض حديثها عن «تأثير زيادة عدد اللاجئين في مصر»، لتتساءل عن سبب بقاء السوريين كل هذه السنوات في بلادها، لا سيما أن «سوريا لم يعد بها حرب»، على حد تعبيرها.

وعزز تلك الحملات مخاوف من التمييز ضد المصريين في فرص العمل مع إعلان البعض عن وظائف للسوريين واللبنانيين والسودانيين فقط.

وانتقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي المطاعم السورية باعتبارها «ليست استثماراً».

في حين طالب البعض بـ«إغلاق المطاعم السورية والحصول على حق الدولة من الضرائب»، متهماً إياهم بـ«منافسة المصريين بهدف إفلاسهم»، لدرجة وصلت إلى حد المطالبة بمقاطعة المطاعم السورية بدعوى «سرقتها رزق المصريين».

الهجوم على السوريين في مصر لا ينبع فقط من مخاوف الهيمنة الاقتصادية أو منافسة المصريين في فرص العمل، بل يمتد أيضاً لانتقاد شراء الأثرياء منهم عقارات فاخرة وإقامتهم حفلات كبيرة، وسط اتهامات لهم بأنهم «يتمتعون بثروات المصريين». وهو الأمر الذي يعتبره رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر المهندس خلدون الموقع «ميزة تضاف للسوريين ولا تخصم منهم، فهم يستثمرون أموالهم ويربحون في مصر، وينفقون أيضاً في مصر بدلاً من إخراجها خارج البلاد»، بحسب حديثه لـ«الشرق الأوسط».

زحام لافت على مطعم سوري بشارع فيصل بالجيزة (الشرق الأوسط)

ووسط سيل الهجوم على المطاعم السورية تجد من يدافع عنهم، ويتلذذ بمأكولاتهم، باعتبارها «أعطت تنوعاً للمطبخ المصري».

كما دافع بعض الإعلاميين عن الوجود السوري، حيث أشار الإعلامي المصري خالد أبو بكر إلى «الحقوق القانونية للسوريين المقيمين في مصر»، وقال إن «أهل سوريا والشام أحسن ناس تتعلم منهم التجارة».

ترحيب مشروط

كان الطعام أحد الملامح الواضحة للتأثير السوري في مصر، ليس فقط عبر محال في أحياء كبرى، بل أيضاً في الشوارع، فكثيراً ما يستوقفك شاب أو طفل سوري في إشارات المرور أو أمام بوابات محال تجارية، بجملة «عمو تشتري حلوى سورية؟».

ويعكس الواقع المعيش صورة مغايرة عن دعوات الهجوم والمقاطعة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، عبر طوابير وتجمعات بشرية لشباب وأطفال وأسر تقف على بوابات المحال السورية لا يثنيها زحام أو حر أو مطر، عن رغبتها في تناول ساندويتش شاورما، «لرخص ثمنه، ومذاقه الجيد»، بحسب مالك مصطفى، شاب في السابعة عشرة من عمره، التقته «الشرق الأوسط» وهو يحاول اختراق أحد طوابير «عشاق الشاورما» التي تجمهرت أمام مطعم في حي الزمالك.

مصريون طالبوا بمقاطعة المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

أما مدير فرع مطعم «الأغا» في حي الزمالك وسط القاهرة أيمن أحمد، فلم يبد «تخوفاً أو قلقاً» من تأثير حملات المقاطعة على المطاعم السورية، لا سيما مع «الإقبال الكبير والمتنامي على وجبات معينة مثل الشاورما والدجاج المسحب»، والذي أرجعه خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «النكهة المختلفة للمطبخ السوري التي أضافت طعاماً شعبياً جديداً أرضى ذائقة المصريين».

وكان إعجاب المصريين بالمطبخ السوري هو ما دفع مؤسس مطعم الأغا، رائد الأغا، الذي يمتلك سلسلة مطاعم في دول عربية أخرى، إلى الاستثمار في مصر ليفتح أول فروعه في الدقي (شمال الجيزة) عام 2021، ثم يقدم على افتتاح فرعين آخرين في الزمالك ثم مصر الجديدة، بمعدل فرع كل عام.

على النقيض، تُغضب حملات الهجوم المتكررة رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين بمصر، الذي يرفض الاتهامات الموجهة للسوريين بـ«أخذ رزق المصري والحصول على مكانه في الوظائف والاستثمار»، لا سيما أن «السوري استثمر وفتح مطعماً أو مصنعاً ووفر فرص عمل أيضاً ولم يأخذ محل أو مطعم مصريين».

استثمارات متنوعة

يتحدث الأتاسي بفخر عن الاستثمارات السورية في مصر، ووجودها في قطاعات اقتصادية عدة، منها أكثر من 7 آلاف مصنع سوري في مجالات مختلفة، في مدن العاشر من رمضان والعبور وغيرهما، لكن المواطن المصري ربما لا يرى من الاقتصاد السوري في بلاده سوى المطاعم «كونها أكثر اتصالاً بحياته اليومية».

ويبدي الأتاسي اندهاشه من كثرة الحملات على المطاعم السورية، رغم أن «أغلبها وخاصة الكبيرة فيها شركاء وممولون مصريون، وبعضها مصري بالكامل وبه عامل سوري واحد».

ليست الصورة كلها قاتمة، فإعلامياً، يجد السوريون في مصر ترحيباً، وإن كان مشروطا بـ«تحذير» من عدم الإضرار بـ«أمن البلاد»، وهو ما أكده الإعلامي المصري نشأت الديهي في رسالة وجهها قبل عدة أشهر إلى السوريين في مصر رداً على الحملات المناهضة لهم.

وهو ترحيب عكسته وسائل إعلام سورية في تقارير عدة أشارت إلى أن مصر «حاضنة للسوريين».

وهو أمر أكد عليه موقع الجالية بتأكيد الحديث عن تسهيلات قدمت لرجال أعمال سوريين وأصحاب مطاعم، من بينها مطاعم في حي التجمع الراقي بالقاهرة.

و«مدينة الرحاب» تعد واحدة من التجمعات الأساسية للسوريين، ما إن تدخل بعض أسواقها حتى تشعر بأنك انتقلت إلى دمشق، تطرب أذنك نغمات الموسيقى السورية الشعبية، وتجذبك رائحة المشاوي الحلبية، وأنت تتجول بين محال «باب الحارة»، و«أبو مازن السوري»، و«ابن الشام» وغيرها، وتستقطبك عبارات ترحيب من بائعين سوريين، «أهلين»، و«على راسي» و«تكرم عيونك».

«حملات موجهة»

انتشار السوريين في سوق التجارة لا سيما الغذاء فسره مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق رخا أحمد حسن، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن «بلاد الشام بشكل عام قائمة على المبادرة الفردية، فجاء السوري برأسمال بسيط وبدأ مشروعاً عائلياً وباع ما أنتجه في إشارات المرور، قبل أن يتوسع ويحول مشروعه إلى مطعم».

رصد حسن بنفسه تنامي الإقبال على المطاعم السورية في حي الشيخ زايد الذي يقطنه، لا سيما أنهم «ينافسون المنتج المصري في الجودة والسعر»، معتبراً الحملات ضدهم «تحريضية تنطوي على قدر من المبالغة نتيجة عدم القدرة على منافسة ثقافة بيع أكثر بسعر أقل».

وتثير حملات الهجوم المتكررة مخاوف في نفس الكاتب والمحلل السياسي السوري المقيم في مصر عبد الرحمن ربوع، وإن كانت «موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا وجود لها في الشارع المصري»، حيث يشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «على مدار السنوات الماضية لم تتغير المعاملة لا من الشعب المصري أو الجهات الرسمية في الدولة».

السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية في مصر (الشرق الأوسط)

وبالفعل، أثرت المطاعم السورية إيجابياً في سوق الأكل المصري، ورفعت من سويته، بحسب ربوع، رغم أنها لا تشكل سوى جزء صغير من استثمارات السوريين في مصر التي يتركز معظمها في صناعة الملابس، وربما كان تأثيرها دافعاً لأن تشكل الجزء الأكبر من الاستهداف للسوريين في حملات يراها ربوع «سطحية وموجهة وفاشلة»، فلا «تزال المطاعم السورية تشهد إقبالاً كثيفاً من المصريين».

ولا تجد تلك «الحملات الموجهة» صدى سياسياً، ففي فبراير (شباط) من العام الماضي وخلال زيارة لوزير الخارجية المصري السابق سامح شكري إلى دمشق، وجه الرئيس السوري بشار الأسد الشكر لمصر على «استضافة اللاجئين السوريين على أراضيها وحسن معاملتهم كأشقاء»، بحسب إفادة رسمية آنذاك للمتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، أشار فيها إلى تأكيد شكري أن «السوريين يعيشون بين أشقائهم في مصر كمصريين».

لكن يبدو أن هناك تطوراً أخيراً «أثار قلقاً كبيراً لدى السوريين وهو قرار إلغاء الإقامات السياحية»، فبحسب ربوع، معظم الأجانب في مصر وبينهم السوريون كانوا يقيمون في البلاد بموجب إقامات سياحية طويلة، لا سيما الطلاب وكثير ممن ليس لديهم عمل ثابت ويأتي قرار إلغاء تجديدها مقلقاً لأنه سيجبر كثيرين على الخروج من البلاد والعودة مرة أخرى كل فترة، وهو القرار الذي يرغب الأتاسي في أن يشهد إعادة نظر من جانب السلطات المصرية خلال الفترة المقبلة كونه «يفرض أعباءً جديدة على السوريين لا سيما الطلاب منهم».

«استثمارات متنامية»

ويشكل السوريون نحو 17 في المائة من المهاجرين في مصر، وهم «من بين الجنسيات التي تشارك بإيجابية في سوق العمل والاقتصاد المصري، وتتركز مشاركتهم في الصناعات الغذائية والنسيج والحرف التقليدية والعقارات»، وبحسب تقرير لـ«منظمة الهجرة الدولية» صدر في يوليو (تموز) 2022، أوضح أن «حجم التمويل الاستثماري من جانب نحو 30 ألف مستثمر سوري مسجلين في مصر، قُدر بمليار دولار في عام 2022».

وفي عام 2012 جاء السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية، عبر تأسيس 365 شركة من بين 939 شركة تم تأسيسها خلال الفترة من ما بين يناير (كانون الثاني) وأكتوبر (تشرين الأول)، بحسب بيانات «الهيئة العامة للاستثمار» في مصر.

ولا توجد إحصائية رسمية عن حجم الاستثمارات السورية في مصر الآن، لكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أشار، في تقرير نشره عام 2017، إلى أن «اللاجئين السوريين استثمروا في مصر 800 مليون دولار». وهو نفس الرقم الذي تبنته هيئة الاستثمار المصرية في تصريحات تداولتها وسائل إعلام محلية.

لكنه رقم يقول رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين إنه «لا يعدو كونه الرقم التأسيسي الذي بدأ به السوريون مشروعاتهم في مصر، ثم تنامى مع الوقت»، إضافة إلى أن «هناك الكثير من الأنشطة الاقتصادية غير مسجلة في هيئة الاستثمار المصرية».

مطعم سوري في وسط البلد (الشرق الأوسط)

حملات الهجوم المتكررة على السوريين لن تمنعهم من الاستثمار في مصر، فهي من وجهة نظر الموقع «ناتجة عن نقص المعلومات وعدم إدراك لطبيعة وحجم مساهمة السوريين في الاقتصاد»، إضافة إلى أن «المتضرر الأكبر من تلك الحملات هما الاقتصاد والصناعة المصريان»، لا سيما أنها «تتناقض مع سياسة الحكومة الرامية إلى تشجيع الاستثمار».

فقد جاء المستثمر السوري بأمواله لمصر واستثمر فيها، و«أنفق أرباحه فيها أيضاً»، فهو بذلك قادر على «العمل... ولم يأت ليجلس في المقاهي».

بالفعل «لا يحصل السوريون على إعانات من الدولة، بل يعملون بأموالهم ويدفعون ضرائب، ومثل هذا الحملات تقلل من دور مصر التاريخيّ أنها ملجأ لكل من يضار في وطنه أو يتعرض للخطر»، بحسب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، الذي اعتبر الهجوم المتكرر عليهم «محاولة لإظهار السوريين بأنهم سبّب مشكلات البلاد، وهو غير صحيح».

وفي الوقت الذي يعول فيه الموقع على الإعلام لـ«نشر الوعي بأهمية وجود السوريين في مصر»، لا تزال الستينية كاميليا محمود حائرة بين «عشقها» للمأكولات السورية، و«مخاوفها» من التأثير على اقتصاد بلادها، ما يتنقص من متعتها ويعكر مزاجها وهي تقضم «ساندويتش شاورما الدجاج» المفضل لديها.