سيناريوهات إيران 2024: انفتاح إقليمي لمواجهة العقوبات

الاتفاق النووي رهن حربي أوكرانيا وغزة وانتخابات أميركا

إسلامي يشرح لخامنئي مجسمات لسلسلة أجهزة الطرد المركزي يونيو الماضي (إرنا)
إسلامي يشرح لخامنئي مجسمات لسلسلة أجهزة الطرد المركزي يونيو الماضي (إرنا)
TT

سيناريوهات إيران 2024: انفتاح إقليمي لمواجهة العقوبات

إسلامي يشرح لخامنئي مجسمات لسلسلة أجهزة الطرد المركزي يونيو الماضي (إرنا)
إسلامي يشرح لخامنئي مجسمات لسلسلة أجهزة الطرد المركزي يونيو الماضي (إرنا)

تراهن إيران على مواصلة سياسة تحسين العلاقات مع الجوار، وتوثيق التعاون الاقتصادي مع دول المنطقة، وحلفائها، في محاولة لتقليل آثار العقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية، مع الإبقاء على طاولة المفاوضات النووية، في ظل اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية.

ومن المرجح أن تواصل طهران وواشنطن تبادل الرسائل عبر قنوات الاتصال من دون حدوث اختراق دبلوماسي يتعلق بالاتفاق النووي، حتى معرفة الاسم الذي يخرج من صناديق الاقتراع الأميركية، في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) العام المقبل، إلا إذا قدمت إدارة جو بايدن مبادرات لقلب الطاولة على هذه التكهنات.

وما إن تبدأ الإدارة الأميركية الجديدة عملها في يناير (كانون الثاني) 2025، تدخل إيران أجواء الانتخابات الرئاسية المتوقعة بين مايو (أيار) ويونيو (حزيران) من العام نفسه. وإلى حين معرفة الفائز بالانتخابات الرئاسية الإيرانية، يعد الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي مرشحاً لتولي فترة ثانية، نظراً للدعم الذي يتلقاه من المرشد الإيراني.

ويرجح أن تواصل طهران تخصيب اليورانيوم بنسب عالية، ومتابعة سياسة «القبض والبسط» مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لمنع إحالة ملفها إلى مجلس الأمن. لكن تغيير مسارها الحالي نحو إنتاج سلاح نووي، سيبقى من بين السيناريوهات المفتوحة، إذا ما قررت طهران الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، وإطلاق رصاصة الرحمة على الاتفاق النووي.

ويتوقع أن تترك حرب غزة ومآلاتها والحرب الروسية - الأوكرانية، تأثيرها على المقايضات النووية والدبلوماسية بين طهران من جهة وأميركا وحلفائها الغربيين من جهة أخرى. وتمني طهران النفس بتكرار الدور الروسي في سوريا، في حرب غزة، عبر إقناع روسيا بتقديم الدعم للجماعات المسلحة، للثأر من الدور الأميركي والأوروبي في حرب غزة.

بوتين ورئيسي خلال حفل توقيع اتفاقية لبناء خط سكة حديد في مايو الماضي (رويترز)

«استراتيجية رصاصة الغيب»

من هذا المنطلق، فإن أي استمرار للحرب في غزة، بموازاة استمرار الحرب في أوكرانيا، سيشكل عاملاً لتخفيف الضغوط عن طهران في ملفها النووي، أو حتى ضبط أنشطة «الحرس الثوري» المتعلقة بتطوير الصواريخ الباليستية والمسيرات، ودعم الجماعات المسلحة سواء تلك التي تدين بالولاء الآيديولوجي للمؤسسة الحاكمة، أو الجماعات الحليفة التي تتلقى التمويل، وتنسق تحركاتها ضمن المحور الإيراني.

وفي المجموع، فإن استراتيجية «رصاصة الغيب»، أي الإبقاء على حافة المواجهة مع أميركا وإسرائيل، وممارسة أقصى الضغوط عبر الجماعات المسلحة، ستكون على رأس أولويات إيران، التي نأت بنفسها عن المسؤولية المباشرة، لتجنب عواقب الهجمات على القوات الأميركية، أو تهديد الملاحة البحرية، بما في ذلك المواجهة المباشرة، مع استخدامها ورقة ضغط في المساومات الدبلوماسية. وتقول طهران إنها تقدم الدعم لتلك الجماعات، لكنها مستقلة في قرارتها.

ضباط في «الحرس الثوري» يرددون شعارات خلال لقاء سابق مع المرشد الإيراني (موقع خامنئي)

وبذلك، سيحافظ ملفا الاتفاق النووي والعقوبات الاقتصادية على تأثيرهما في تحديد وجهة البلاد الخارجية، والموازين الداخلية. رغم أن نواب البرلمان الإيراني كشفوا في الأسابيع الأخيرة، عن تمرير خطة تعطي صلاحيات للمنظمة الإيرانية للطاقة الذرية، ووزارة الاستخبارات والقوات المسلحة، صلاحيات بإقامة علاقات خارجية، دون إبلاغ الوزارة الخارجية.

ومن غير المتوقع، تغيير أوضاع الاقتصاد الإيراني، إذ تحاول الحكومة تثبت أسعار العملة وكبح موجات جديدة من التضخم. ويتوقع البرلمان الإيراني أن تواجه الحكومة نقصاً في الموازنة، بناء على مسودة قانون الموازنة التي قدمها الرئيس الإيراني في ديسمبر (كانون الأول)، ومن المفترض أن تبدأ في 20 مارس (آذار). وتتحدث الحكومة الإيرانية عن نمو اقتصادي، لكن الأرقام التي تقدمها الحكومة في ظل تسترها على الكثير من الإحصاءات تبدو غير مقنعة، وغير موثوقة.

الانتخابات واستعراض المشروعية

ستكون الانتخابات المقررة مطلع مارس من بين أهم المحطات السياسية في إيران خلال عام 2024، وهي أول مناسبة تضع الشارع الإيراني وجهاً لوجه مع الحكام بعد 529 يوماً على اندلاع الاحتجاجات الشعبية.

وتبدأ الحملة الانتخابية بعد أيام من إحياء الذكرى الـ44 للثورة الإيرانية وتجري لانتخاب 290 عضواً في البرلمان لمدة أربع سنوات بموازاة انتخابات مجلس خبراء القيادة يتنافس فيها رجال الدين المتنفذين. وليس من الواضح مدى قدرة التحالف الإصلاحي والمعتدل أو حتى المحافظين المنتقدين للرئيس الإيراني، على تغيير معادلات البرلمان الحالي، بما في ذلك زحزحة رئيسه محمد باقر قاليباف.

ومن المستبعد أن تحدث نتائج الانتخابات التشريعية تغييراً ملحوظاً في المشهد السياسي، في ضوء إصرار السلطات على توحيد التوجهات بين الحكومة والبرلمان، وأجهزة صنع القرار الخاضعة مباشرة لصاحب كلمة الفصل في النظام، المرشد الإيراني علي خامنئي.

ودعت أطراف سياسية إلى انتخابات جميع الأحزاب المرخصة في ظل إصرار كبار المسؤولين على رفع نسبة المشاركة في الانتخابات. وهي النقطة التي شدد عليها خامنئي عدة مرات في خطاباته أمام المسؤولين المعنيين، خلال العام الحالي.

وتخشى السلطات من تكرار نتائج الانتخابات البرلمانية، فبراير (شباط) 2020، والانتخابات الرئاسية 2021، التي سجلت أدنى إقبال شعبي على الانتخابات خلال أربعة عقود. وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية السابقة 42.5 في المائة، وفي العاصمة طهران 25.4 في المائة. وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية 48.8 في المائة، وبلغت نسبة المشاركة في طهران العاصمة 26 في المائة؛ أي صوت شخص واحد من بين أربعة يحق لهم التصويت. وكانت نسبة المشاركة في طهران هي الأدنى بين جميع المدن الإيرانية.

خامنئي يلتقي أعضاء «مجلس خبراء القيادة» في فبراير 2023 (موقع المرشد)

وستكون المصالحة بين الشارع الإيراني وصناديق الاقتراع، مهمة شاقة، خصوصاً أنها تأتي بعد الاحتجاجات الشعبية العارمة، التي اندلعت بعد وفاة الشابة مهسا أميني في سبتمبر (أيلول) العام الماضي، وخلفت أكثر من 500 قتيل. وتستمر تداعياتها حتى هذا اليوم. ووجه الحكام أصابع الاتهام إلى القوى الغربية بإذكاء الاضطرابات وأعمال الشغب. وتنظر السلطات إلى نسبة المشاركة، إلى أنها اختبار لإظهار شرعية النظام التي يفتقدها أكثر من أي وقت مضى بعد الانتخابات.«خليفة خامنئي»

وإلى جانب الانتخابات التشريعية، ستجري انتخابات مجلس خبراء القيادة الذي يضم رجال الدين المتنفذين في السلطة. ويعد النظر في تسمية خليفة المرشد الإيراني في حال تعذر مواصلة مهامه من المهام الأساسية للمجلس، الذي يواجه انتقادات جدية بإهمال مهمة الإشراف على أداء المرشد.

وستحظى انتخابات هذه الفترة بأهمية مضاعفة مقارنة بالسنوات الثماني السابقة؛ نظراً لاقتراب المرشد الإيراني من عامه الـ85 في أبريل (نيسان). ويحاول رجال الدين المحسوبين على التيار المعتدل والمحافظ وغالبيتهم مسؤولون تنفيذيون سابقون، في مقدمتهم الرئيس السابق حسن روحاني، خوض الانتخابات.

وبعد تركه المنصب، لم يحصل روحاني على عضوية مجلس تشخيص مصلحة النظام الذي يختار أعضاءه المرشد الإيراني. ومع ذلك، يطمح روحاني أن يلعب دور علي أكبر هاشمي رفسنجاني، في مجلس خبراء القيادة، عندما لعب دوراً مهماً قبل 35 عاماً في تولي خامنئي منصب المرشد.

سيترشح روحاني من محافظة طهران، لكن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي تجنب خوض الانتخابات في العاصمة وقدم أوراق ترشحه من محافظة خراسان الجنوبية. ويعد رئيسي إلى جانب حسن خميني المدعوم من التيار الإصلاحي والمعتدل، من بين المرشحين المحتملين لمنصب المرشد.


مقالات ذات صلة

غروسي: أود لقاء بزشكيان في أقرب فرصة

شؤون إقليمية إسلامي يتحدّث إلى غروسي على هامش مؤتمر «الاجتماع الدولي للعلوم والتكنولوجيا النووية» في أصفهان مايو الماضي (أ.ب)

غروسي: أود لقاء بزشكيان في أقرب فرصة

أعلن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، رغبته في زيارة طهران، خلال رسالة وجّهها إلى الرئيس الإيراني، مسعود بزشكیان.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية صورة نشرها موقع الرئيس الإيراني المنتخب مسعود بزشكيان على هامش استقباله لرجال دين الأربعاء

بزشكيان: لا يمكن إدارة إيران بالطريقة الحالية

قال الرئيس الإيراني المنتخب مسعود بزشكيان إن إدارة البلاد بالطريقة الحالية «غير ممكنة»، مشدداً على الحاجة إلى اتخاذ «قرارات صعبة».

عادل السالمي (لندن)
شؤون إقليمية صورة من فيديو لخطاب ظريف يدافع عن الاتفاق النووي خلال حملة بزشكيان (شبكات التواصل)

ظريف يتراجع عن انتقادات لقانون «استراتيجي» بعد تأييد خامنئي

قال ظريف إن بزشكيان مستعد لإجراء مفاوضات لإحياء الاتفاق النووي على أساس قانون «الخطوة الاستراتيجية لإلغاء العقوبات الأميركية»، في تراجع عن انتقادات سابقة.

عادل السالمي (لندن)
شؤون إقليمية وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ف.ب)

بلينكن: إيران تستطيع إنتاج مواد لصنع سلاح نووي خلال أسبوع أو اثنين

أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، اليوم (الجمعة)، أن إيران قادرة على إنتاج مواد انشطارية بهدف صنع قنبلة نووية «خلال أسبوع أو اثنين».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية صورة وزعتها «الذرية الإيرانية» لأجهزة طرد مركزي من الجيل السادس في معرض للصناعة النووية أبريل العام الماضي

واشنطن حذّرت طهران سراً بشأن أنشطة نووية مريبة

وجهت واشنطن الشهر الماضي تحذيراً سرياً لإيران تعبر فيه عن مخاوفها إزاء أنشطة بحث وتطوير إيرانية قد تُستخدم في إنتاج سلاح نووي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

يوم هزّت «أيلول الأسود» شباك «أولمبياد ميونيخ»


أحد منفّذي عملية ميونيخ يطلّ من مقر البعثة الإسرائيلية في القرية الأولمبية (غيتي)
أحد منفّذي عملية ميونيخ يطلّ من مقر البعثة الإسرائيلية في القرية الأولمبية (غيتي)
TT

يوم هزّت «أيلول الأسود» شباك «أولمبياد ميونيخ»


أحد منفّذي عملية ميونيخ يطلّ من مقر البعثة الإسرائيلية في القرية الأولمبية (غيتي)
أحد منفّذي عملية ميونيخ يطلّ من مقر البعثة الإسرائيلية في القرية الأولمبية (غيتي)

تفتتح، غداً، في باريس دورة الألعاب الأولمبية لعام 2024، وسط إجراءات استثنائية صارمة استدعتها المخاوف الأمنية وذكريات المجزرة التي شهدتها القرية الأولمبية في دورة ميونيخ عام 1972، إثر محاولة لاحتجاز رهائن إسرائيليين نفذتها مجموعة «أيلول الأسود» الفلسطينية.

«الشرق الأوسط» تعيد تسليط الضوء على تلك «الكارثة الأولمبية» انطلاقاً من أسئلة طرحتها على العقلين المدبرين للعملية. ولدت فكرة الهجوم في لقاء عُقد في مقهى بروما وضم صلاح خلف «أبو إياد» عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» ومساعده فخري العمري ومحمد داود عودة «أبو داود» عضو «المجلس الثوري» لـ«فتح». جاءت الفكرة من العمري وتبناها «أبو إياد» وأوكل التنفيذ إلى «أبو داود».

وتكشف رواية «أبو داود» عن أنه نجح في استطلاع مقر البعثة الإسرائيلية، وأن «أبو إياد» تولى شخصياً إحضار الأسلحة برفقة «زوجته» اللبنانية المزيفة التي سُميت جولييت. وشاءت الصدفة أن يسهم رياضيون أميركيون عائدون من سهرة عامرة في مساعدة الفريق الفلسطيني المهاجم في تسلق السياج ومن دون معرفة غرض الفريق ومحتوى الحقائب التي يحملها.

وتؤكد الرواية أن ياسر عرفات كان على علم بالعملية وأن الرئيس الفلسطيني الحالي محمود عباس (مسؤول المالية آنذاك) صرف للفريق المبلغ اللازم لتنفيذها. وانتهت العملية بمقتل 11 إسرائيلياً وخمسة من المهاجمين حين اختلط الرصاص الألماني بالرصاص الفلسطيني.