لبن الأم يعزز امتصاص الأدوية لدى الرضع

أسهم في زيادة فاعلية دواء للسل بـ2.5 مرة

لبن الأم يعزز امتصاص الأدوية لدى الرضع
TT

لبن الأم يعزز امتصاص الأدوية لدى الرضع

لبن الأم يعزز امتصاص الأدوية لدى الرضع

على الرغم من وجود مئات الدراسات التي تظهر المزايا المتعددة للرضاعة الطبيعية وفوائد لبن الأم، فإنه، ودائماً، يتم اكتشاف فوائد جديدة تنعكس بشكل إيجابي على صحة الرضيع.

آخر هذه الدراسات نُشرت في منتصف شهر فبراير (شباط) من العام الحالي في «المجلة الأوروبية للصيدلة والصيدلة الحيوية (the European Journal of Pharmaceutics and Biopharmaceutics)»، وكشفت عن الدور الكبير لحليب الأم في زيادة امتصاص بعض الأدوية بشكل سريع؛ مما يعزز الاستفادة القصوى منها.

الرضاعة وفاعلية الأدوية

وجد الفريق البحثي المسؤول عن الألبان وتأثيرها، بما فيها لبن الأم في جامعة موناش Monash Milk Team بأستراليا، أن الكمية الممتصة من دواء معين يسمى «كلوفازيمين (clofazimine)» زادت بأكثر من 2.5 مرة عند إعطائه مع حليب الأم. والسبب في تركيز الفريق البحثي بشكل خاص على هذا الدواء لأهميته الكبيرة في إنقاذ حياة الأطفال.

ويُستخدم «كلوفازيمين» بشكل أساسي لعلاج مرض الجذام، ولكن الآن أصبح يستخدم في علاج حالات الإصابة العنيفة لمرض السل في الأطفال، وأيضاً في علاج بعض الأمراض الطفيلية التي تتسبب في حدوث إسهال شديد يمكن أن يؤدي إلى الوفاة في الأطفال تحت سن الخامسة، خصوصاً في الدول الفقيرة والمتوسطة الدخل.

أوضح الباحثون أن المشكلة الرئيسية في استخدام دواء «كلوفازيمين» في علاج هذه الأمراض في الرُّضع كانت أن فاعليته محدودة؛ بسبب عدم قدرته على الذوبان في الجهاز الهضمي. وهذه المشكلة يمكن حلها بسهولة في حالة تناول لبن الأم؛ حيث يقوم بتوفير بيئة مواتية لذوبان «كلوفازيمين» دون الحاجة إلى إضافة مواد كيميائية أخرى للدواء تسهل من عملية امتصاصه، وبالتالي تزيد المخاطر الطبية نتيجة للأعراض الجانبية للمادة المضافة؛ مما يؤثر بالسلب على صحة الرضيع.

وقال العلماء إن هذه النتائج تؤكد الفوائد الكبيرة للبن الأم للرُّضع المعرضين للخطر، المحتاجين لتناول دواء معين؛ حيث تكون خيارات العلاج محدودة جداً. والمعروف أنه يتم التعامل مع أي أدوية في فترة الرضاعة بشكل حذر جداً نظراً لعدم نضج الجهاز الهضمي بشكل كافٍ؛ ما يؤثر على امتصاص الدواء والاستفادة منه، فضلاً عن خطورة الأعراض الجانبية للأدوية التي يمكن أن تؤثر بالسلب على أجهزة الجسم المختلفة التي لا تكون ناضجة بشكل كافٍ؛ لأن الجسم يتأثر عندما يتخلص من مخلفات الأدوية عن طريق الكلى أو الكبد.

سهولة امتصاص لبن الأم

أوضح العلماء أن الجهاز الهضمي للرضيع يتعامل مع اللبن سواء لبن الأم أو اللبن الصناعي مثل الطعام العادي عند البالغين، ويتم امتصاصه بسهولة. ولذلك فإن الأدوية التي تتفاعل بشكل جيد مع اللبن يمكن امتصاصها هي الأخرى بسهولة، وبالتالي تدخل كمية أكبر منها إلى الجسم، ما يضاعف الاستفادة من المواد الفعالة الموجودة فيها. ويقلل ذلك من عدد مرات التناول، وبالتالي يقلل من الأعراض الجانبية للدواء بشكل عام، بحيث يحقق أفضل نتيجة في أقل وقت. ولذلك يجب على الأم أن تعرف على وجه التحديد الأدوية أو المشروبات المختلفة التي يمكن أن يتناولها الرضيع في أثناء الرضاعة؛ لتحقق الفائدة القصوى، وبالمثل الأدوية التي يجب تجنب تناولها.

هناك بعض الأدوية تذوب بشكل سيئ في المعدة بعد تناولها مثل «كلوفازيمين»، وبالتالي فإن تطوير تركيبات مناسبة للسن وآمنة وفعالة أمر صعب، فضلاً عن ارتفاع السعر، وهو الأمر الذي يعرِّض الأطفال في المناطق الفقيرة لمخاطر كبيرة. ولذلك تتضمَّن التركيبات الدوائية التي تستهدف الرُّضع دائماً مواد كيميائية تعتمد وتتفاعل بشكل جيد مع اللبن بطريقة تساعد هذه الأدوية على الذوبان بسهولة في المعدة. وتبعاً لهذه التجربة تَبيَّن أن الأمر نفسه ينطبق حتى على الأدوية التي لا تذوب بشكل جيد بمفردها في المعدة ولا تعتمد تركيبتها الكيميائية على اللبن بشكل أساسي مثل «كلوفازيمين».

يُعدُّ هذا البحث رائداً في فهم كيفية الاستفادة من الحليب سواء لبن الأم أو الألبان الصناعية لتعزيز توصيل الأدوية عن طريق الفم. ويعدّ تناول الأدوية عن طريق الفم لدى الرُّضع من أكثر الطرق أمناً وسهولة، خصوصاً في المناطق التي لا تتوافر فيها مستشفيات مجهَّزة للأطفال؛ ورعاية طبية جيدة؛ حيث توصلوا من قبل إلى تصميم تركيبات للأطفال يمكنها تعزيز إذابة الأدوية المضادة للملاريا في الجهاز الهضمي بسهولة.

أكد الباحثون أن التجارب التي تم إجراؤها على بعض الأنواع الأخرى من الألبان مثل لبن البقر على وجه التحديد، كانت جيدة، وساعدت على زيادة امتصاص بعض الأدوية، والاستفادة منها بشكل أفضل مثل الأدوية المشتقة من نبات القنب cannabidiol، التي تُستخدَم في علاج الحالات النفسية الشديدة، الناتجة عن مرض الصرع. وأيضاً أسهَمَ لبن الأبقار في زيادة الاستفادة من دواء معين يستخدم في علاج البلهارسيا، ولكن هناك صعوبات كبيرة في استخدامه في البلدان النامية كوسيلة فعالة لتعزيز امتصاص الأدوية.

وقال العلماء إن الصعوبات في استخدام الألبان الأخرى في المجتمعات الفقيرة تشمل بشكل رئيسي عدم التأكد من صلاحية الحليب في حالة استخدامه دون تعقيم، وفي هذه الحالة يمكن أن يصبح مصدراً للعدوى. لذلك يُعدُّ لبن الأم هو الأفضل على الإطلاق في المجتمعات الفقيرة؛ لأنه لا يحتاج إلى ترتيبات خاصة أو تعقيم أو تكلفة إضافية، ومع وجود تركيبات دوائية منخفضة التكاليف يمكن الاستفادة القصوى من الأدوية، وعلاج الأمراض الخطيرة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.

• استشاري طب الأطفال.


مقالات ذات صلة

بلوغ «شيخوخةٍ شابّة» ليس مهمة مستحيلة... طبيبة متخصصة تقدّم بعض النصائح

يوميات الشرق سلوكيات بسيطة يمكن أن تضاعف سنوات العمر وتقي من العجز (رويترز)

بلوغ «شيخوخةٍ شابّة» ليس مهمة مستحيلة... طبيبة متخصصة تقدّم بعض النصائح

في يد الأجيال الحالية أدوات كثيرة تجعل من تأخير عوامل التقدّم في السنّ مهمة أسهل مما كانت عليه مع الأسلاف.

كريستين حبيب (بيروت)
صحتك الكبد (رويترز)

5 أطعمة مُضرّة بالكبد... توقف عن تناولها

قال موقع «هيلث سايت» إن الكبد يُعد أكثر أعضاء الجسم نشاطاً في تصفية السموم، وتحليل العناصر الغذائية، ولكن هناك بعض الأطعمة تبدو غير ضارة فيما هي تضر بالكبد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
صحتك ساعدت الأقطاب المزروعة في هذه المنطقة على تسجيل نشاط الدماغ (ساينس فوتز)

واجهة الدماغ - الكمبيوتر تعيد «الصوت» لمرضى التصلّب الجانبي الضموري

يُعدّ الكلامُ من أثمن القدرات البشريّة؛ فهو الوسيلة الأولى التي نُعبِّر بها عن أفكارنا ومشاعرنا، ونبني بها علاقاتنا الاجتماعيّة، ونمارس بها أدوارنا المهنيّة.

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (جدة)
صحتك التعرض للمواد الكيميائية قبل الولادة يرفع ضغط الدم في فترة المراهقة

التعرض للمواد الكيميائية قبل الولادة يرفع ضغط الدم في فترة المراهقة

أظهرت أحدث دراسة، أن الأطفال الذين تعرضوا في أثناء الحمل للمواد الكيميائية هم الأكثر عرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدم خلال سنوات المراهقة.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك علامات وأعراض عليك ألا تتجاهلها مطلقاً

علامات وأعراض عليك ألا تتجاهلها مطلقاً

معظم الأعراض أو الآلام أو الأوجاع التي تعترينا قد لا تعني في الحقيقة وجود مشكلة صحية خطيرة، أو أنها تُشكّل حالة تهدد سلامة الحياة أو سلامة أحد أعضاء الجسم.

د. عبير مبارك (الرياض)

علاج للسكري يحقق نتائج واعدة لمرضى الصداع النصفي

الصداع النصفي يتميز بنوبات متكررة من الألم النابض في الرأس (جامعة كاليفورنيا)
الصداع النصفي يتميز بنوبات متكررة من الألم النابض في الرأس (جامعة كاليفورنيا)
TT

علاج للسكري يحقق نتائج واعدة لمرضى الصداع النصفي

الصداع النصفي يتميز بنوبات متكررة من الألم النابض في الرأس (جامعة كاليفورنيا)
الصداع النصفي يتميز بنوبات متكررة من الألم النابض في الرأس (جامعة كاليفورنيا)

كشف باحثون من جامعة نابولي الإيطالية عن نتائج دراسة واعدة، أظهرت أن دواءً شائعاً لعلاج السكري من النوع الثاني قد يقلّل بشكل كبير من نوبات الصداع النصفي المزمن.

وأوضح الباحثون أن فعالية الدواء ترجع إلى آلية غير تقليدية تتعلق بخفض ضغط سوائل الدماغ، وعُرضت النتائج، الجمعة، ضمن فعاليات مؤتمر الأكاديمية الأوروبية لعلم الأعصاب، الذي يُعقد بين 21 و24 يونيو (حزيران) 2025 في هلسنكي، بفنلندا.

ويُعد الصداع النصفي اضطراباً عصبياً شائعاً، يتميز بنوبات متكررة من الألم النابض في الرأس، وغالباً ما يتركز في جانب واحد. وتُصاحب النوبات أحياناً أعراض مثل الغثيان، والتقيؤ، والحساسية الشديدة للضوء أو الصوت، وقد تستمر من ساعات لأيام.

وتختلف شدة وتكرار النوبات من شخص لآخر، ويُعد الصداع النصفي من أبرز أسباب الإعاقة المؤقتة عالمياً، لا سيما بين النساء. وعلى الرغم من توفر عدة أدوية للتخفيف من حدة النوبات أو الوقاية منها، فإن بعض المرضى لا يستجيبون للعلاجات التقليدية، مما يدفع للبحث عن بدائل علاجية جديدة وفعالة.

وأُجريت الدراسة على 26 من البالغين المصابين بالسمنة والصداع النصفي المزمن، بهدف اختبار فعالية دواء «ليراجلوتيد» (liraglutide)، وهو من فئة أدوية (GLP-1) المعروفة بتأثيرها في خفض سكر الدم، وكبح الشهية، وتقليل الوزن، ويُستخدم على نطاق واسع لعلاج السكري.

وأظهرت النتائج انخفاضاً ملحوظاً في عدد أيام الصداع، بمعدل 11 يوماً أقل شهرياً، بعد استخدام الدواء لمدة 12 أسبوعاً. كما انخفضت درجات الإعاقة على مقياس تقييم إعاقة الصداع النصفي بمقدار 35 نقطة، وهو تحسن كبير ذو دلالة سريرية، يعكس استعادة المرضى لقدرتهم على العمل، والدراسة، والنشاط الاجتماعي.

وأشار الباحثون إلى أن معظم المرضى شعروا بتحسن ملحوظ خلال أول أسبوعين من بدء العلاج، واستمر هذا التحسن طوال فترة الدراسة التي امتدت لثلاثة أشهر.

آثار جانبية طفيفة

ورغم أن «ليراجلوتيد» معروف بفعاليته في تقليل الوزن، فإن التغير في مؤشر كتلة الجسم للمشاركين لم يكن ذا دلالة إحصائية، ما يُعزز فرضية أن التحسن في الصداع ناجم عن خفض ضغط السائل الدماغي الشوكي، وليس عن خسارة الوزن.

ويعتقد الفريق أن تقليل ضغط هذا السائل يخفف من الضغط على الجيوب الوريدية داخل الجمجمة، مما يؤدي لتقليل إفراز أحد المحفزات الرئيسية لنوبات الصداع النصفي.

وسُجّلت آثار جانبية طفيفة لدى 38 في المائة من المشاركين، تمثلت غالباً في الغثيان والإمساك، لكنها لم تؤدِ إلى توقف أي من المرضى عن الاستمرار في العلاج.

ويُخطط الفريق حالياً لإجراء تجربة سريرية جديدة لاختبار أدوية أخرى تنتمي للفئة نفسها، قد تحقق التأثير العلاجي ذاته مع آثار جانبية أقل. وإذا تم تأكيد هذه النتائج، فقد تُفتح آفاق جديدة لعلاج الصداع النصفي، خصوصاً أولئك الذين لم تنجح معهم العلاجات المتوفرة حالياً.