شعبية الحليب الخام ترتفع... لكن هل شربه آمن؟

عبوات حليب خام معروضة بمتجر في لوس أنجليس بكاليفورنيا (رويترز)
عبوات حليب خام معروضة بمتجر في لوس أنجليس بكاليفورنيا (رويترز)
TT

شعبية الحليب الخام ترتفع... لكن هل شربه آمن؟

عبوات حليب خام معروضة بمتجر في لوس أنجليس بكاليفورنيا (رويترز)
عبوات حليب خام معروضة بمتجر في لوس أنجليس بكاليفورنيا (رويترز)

تزداد شعبية الحليب الخام بين اختصاصيي الصحة الذين يشجعون على الأنظمة الغذائية الطبيعية والخالية من المواد المصنعة، وأصبحوا يشجعون على شربه بدلاً من المبستر عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى إن البعض منهم ينصح بإعطائه الأطفال والرضع، لما يتضمنه من فوائد صحية أكثر من المبستر.

في المقابل، يشعر بعض الخبراء بالقلق من مخاطر السلامة المرتبطة بالمنتج غير المبستر، حتى إن بعض خبراء التغذية يعدّونه في بعض الحالات مميتاً، خصوصاً مع تفشي إنفلونزا الطيور بين الأبقار المنتجة للألبان.

وفقاً لـ«تقرير المستهلك» لعام 2022، استهلك نحو 5 في المائة من البالغين في الولايات المتحدة الحليب الخام مرة واحدة على الأقل في العام السابق. وتشير «بيانات المستهلك» إلى أن مبيعات الحليب الخام الحالية ارتفعت مقارنة بالعام الماضي، وفقاً لوكالة «أسوشيتد برس».

ما الحليب الخام؟

الحليب الخام هو ببساطة الذي لم يخضع لعملية البسترة. بمعنى آخر، عندما ينتقل الحليب مباشرة من ضرع البقرة إلى المستهلك، فإنه يعدّ «خاماً».

على العكس من ذلك، يتضمن الحليب المبستر تسخين كل ذرة من الحليب إلى درجة حرارة معينة تمنع البكتيريا من الازدهار.

تهدف عملية البسترة هذه إلى جعل الحليب ومنتجات الألبان آمنة للاستهلاك البشري عن طريق تقليل عدد البكتيريا الضارة المحتملة، بالإضافة إلى تحسين العمر الافتراضي للحليب عن طريق تقليل عدد البكتيريا الفاسدة.

قالت كارولين ساويرس، وهي اختصاصية تغذية، لموقع «هيلث»: «بدأت البسترة الروتينية للحليب في الولايات المتحدة في عشرينات القرن الماضي، وانتشرت على نطاق واسع بحلول عام 1950 بوصفها وسيلة للحد من التلوث والحد من الأمراض التي تصيب الإنسان».

الحليب الخام مقابل المبستر

السبب الأكبر الذي يجعل المستهلكين ينجذبون إلى الحليب الخام يرجع إلى الترويج إلى أنه خيار صحي وأكثر تغذية من منتجات الألبان المبسترة.

ويجادل المدافعون عن الحليب الخام بأنه غذاء طبيعي كامل يحتوي على مزيد من الأحماض الأمينية ومضادات الميكروبات والفيتامينات والمعادن والأحماض الدهنية مقارنة بالحليب المبستر، وفقاً لموقع «هيلث لاين».

ويقولون أيضاً إنه خيار أفضل لأولئك الذين يعانون من عدم تحمل اللاكتوز والربو وأمراض المناعة الذاتية والحساسية، وفق الموقع.

يجادل بعض المدافعين عن الحليب الخام بأن كثيراً من البكتيريا الضارة التي دمرتها البسترة، مثل السل، لم تعدّ مشكلة، وأن البسترة لم تعد تخدم أي غرض.

علاوة على ذلك، يشيرون الى أن عملية التسخين في أثناء البسترة تقلل من الفوائد الغذائية والصحية الشاملة للحليب.

وصحيح أن عملية البسترة يمكن أن تقلل من نسبة بعض الفيتامينات الموجودة في الحليب، لكنها قد لا تكون جذرية كما تبدو، وفقاً لموقع «هيلث».

وقال الموقع إنه يمكن أن تؤدي الحرارة المستخدمة في بسترة الحليب إلى إنتاج سائل يحتوي على كمية أقل من فيتامين «ب12» وحمض الفوليك وفيتامين «ب2» (الريبوفلافين)، ولكن التأثير الإجمالي للبسترة على القيمة الغذائية للحليب ضئيل للغاية، حيث إن كثيراً من هذه الفيتامينات وجدت بشكل طبيعي في مستويات منخفضة نسبياً على أي حال.

ورغم أن الحليب المبستر قد يحتوي نسبة أقل قليلاً من بعض الفيتامينات، فإنه يمكن القول إنه يعوض عنها براحة البال.

قالت كاسي بارنز، وهي اختصاصية تغذية مسجلة: «الحليب الموجود في السوبر ماركت مقابل الحليب الخام به فرق كبير: السلامة».

وأوضحت لـ«هيلث» أن الحليب الخام يمكن أن يحمل بكتيريا ضارة، مثل العطيفة، والكريبتوسبوريديوم، والإشريكية القولونية، والليستيريا، والبروسيلا، والسالمونيلا، التي قد تسبب الأمراض المنقولة بالغذاء عند تناولها.

بالإضافة إلى قتل البكتيريا، فإن عملية البسترة تقتل أيضاً معظم الفيروسات التي يمكن أن تكون موجودة في حليب البقر.

يمكن أن يصاب الأشخاص الذين يعانون من الأمراض المنقولة بالغذاء (التي يشار إليها أكثر بـ«التسمم الغذائي») بالإسهال والغثيان والحمى والقيء والتعب. وفي الحالات القصوى، يمكن أن يؤدي التسمم الغذائي إلى تلف الكلى، وتلف الدماغ، والجفاف الشديد، وحتى الموت.

الاختيار

في حين يشجع كثير من الأشخاص عبر الإنترنت على شرب الحليب الخام، ينصح اختصاصيو التغذية المسجلون بعدم استهلاكه وفق موقع «هيلث».

وقالت جيمي نادو، اختصاصية التغذية، لـ«هيلث»: «أحد الأسباب الرئيسية وراء زيادة شعبية الحليب الخام هو وسائل التواصل الاجتماعي. لسوء الحظ، هناك كثير من المعلومات الخاطئة التي تُنشر حول الحليب الخام في الوقت الحالي».

وشددت على أنه لا توجد طريقة لضمان سلامة منتج الحليب الخام، حتى لو حصلت عليه من مزرعة تثق بها، موضحة أنه «بغض النظر عن مدى صحة الحيوانات أو مدى صيانة المزرعة، فلا يزال من الممكن أن تصاب بالمرض».

من هم الأكثر عرضة للخطر؟

يكون أي شخص عرضة للإصابة إذا كان الحليب الذي يستهلكه يحتوي بكتيريا ضارة، وفق موقع «هيلث لاين»، الذي أشار إلى أن الخطر أكبر بالنسبة إلى الحوامل والأطفال وكبار السن وأولئك الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة.

ولفت الموقع إلى أن أكثر من نصف حالات تفشي الأمراض المرتبطة بالحليب الخام أصابت طفلاً واحداً على الأقل دون سن الخامسة.


مقالات ذات صلة

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

صحتك استهلاك الأطعمة التي تحتوي على «أوميغا 3» و«أوميغا 6» مثل الأسماك الزيتية يقلل معدل خطر الإصابة بالسرطان (جمعية الصيادين الاسكوتلنديين)

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

وجدت دراسة أن استهلاك «أوميغا 3» و«أوميغا 6»، وهي الأحماض الدهنية التي توجد في الأطعمة النباتية والأسماك الزيتية، قد يؤثر على معدل خطر الإصابة بالسرطان.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

كشف أحد علماء الأعصاب أن الأشخاص الغاضبين أكثر ميلاً للنجاح، وقال الدكتور جاي ليشزينر إن الشعور بالغضب قد يكون «محركاً مهماً» للنجاح في العالم الحديث.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

أكدت وكالة الصحة العامة الكندية أمس (الجمعة) رصد أول حالة إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة في كندا لدى شخص في مانيتوبا.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال
TT

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

كشفت أحدث دراسة تناولت العوامل المؤثرة على ضغط الدم، عن الخطورة الكبيرة للحياة الخاملة الخالية من النشاط على الصحة بشكل عام، وعلى الضغط بشكل خاص. وأوضحت أن قضاء وقت من دون حركة كافية لفترة أكثر من 6 ساعات يومياً، يمكن أن يسبب زيادة في ضغط الدم الانقباضي (الخارج من البطين الأيسر- systolic blood pressure) بمقدار 4 ملِّيمترات زئبقية، وذلك في الفترة العمرية من الطفولة، وحتى بداية مرحلة البلوغ.

الخمول ومؤشرات الأمراض

أجريت الدراسة بالتعاون بين جامعتي «بريستول» و«إكستر» في المملكة المتحدة، وجامعة «شرق فنلندا»، ونُشرت في مطلع شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي، في مجلة «الهزال وضمور العضلات» (Journal of Cachexia, Sarcopenia and Muscle). وأكدت أن النشاط والخمول يلعبان دوراً رئيسياً في تنظيم الضغط؛ حيث يساهم الخمول وعدم الحركة في رفع ضغط الدم، بينما يساهم النشاط البدني الخفيف بشكل يومي في خفض الضغط. وفي الماضي وقبل التقدم التكنولوجي المعاصر، ولأن الأطفال كانوا في نشاط مستمر، كان ارتفاع ضغط الدم من الأمور شديدة الندرة في الأطفال.

قام الباحثون بمتابعة 2513 طفلاً من دراسة خاصة بجامعة «بريستول» على أطفال التسعينات من القرن الماضي، وتمت المتابعة من سن 11 إلى 24 عاماً. وركَّز الباحثون على الأطفال الذين قضوا تقريباً 6 ساعات يومياً من دون أي نشاط يذكر، ثم 6 ساعات يومياً في ممارسة تمارين خفيفة (LPA)، وأخيراً نحو 55 دقيقة يومياً في نشاط بدني يتدرج من متوسط إلى قوي (MVPA)، وبعد ذلك في بداية مرحلة المراهقة والشباب قضوا 9 ساعات يومياً في حالة خمول، ثم 3 ساعات يومياً في التمارين الخفيفة، ونحو 50 دقيقة يومياً في تمارين متوسطة إلى قوية.

تم أخذ عينات دم بعد فترة صيام لعدة ساعات للأطفال بشكل متكرر، لتثبيت العوامل التي يمكن أن تلعب دوراً مهماً في ارتفاع ضغط الدم، مثل قياس مستويات الكوليسترول منخفض الكثافة (LDL)، والكوليسترول عالي الكثافة (HDL)، والدهون الثلاثية (TG)، وأيضاً تم قياس منحنى الغلوكوز لكل 3 شهور (hba1c) في الدم، وكذلك هرمون الإنسولين، ودلالات الالتهاب مثل البروتين التفاعلي سي (C-reactive protein)، وقاموا بقياس معدل ضربات القلب.

بعيداً عن التحاليل الطبية، قام الباحثون برصد بقية العوامل المؤثرة في ارتفاع ضغط الدم، وتم سؤال الأطفال عن التاريخ العائلي للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، بجانب الحالة الاقتصادية والاجتماعية للعائلة، وحالة الطفل النفسية، وتعامل العائلة معه، وأيضاً نوعية الغذاء، وهل تحتوي على دهون أم لا، واستخدام ملح الطعام باعتدال. وبالنسبة للمراهقين والبالغين تم سؤالهم عن حالة التدخين، بالإضافة إلى قياس كتلة الدهون في الجسم، وكذلك الكتلة العضلية.

ضغط الدم في الأطفال

قال العلماء إن الدراسة الحالية تُعد أكبر وأطول دراسة متابعة في العالم، لرصد العلاقة بين حجم النشاط البدني ومستوى ضغط الدم في الأطفال والمراهقين، وصولاً لمرحلة البلوغ. وحتى تكون الدراسة معبرة عن التغيرات الطبيعية التي تحدث للضغط في المراحل العمرية المختلفة، قام الباحثون بقياس ضغط الدم بعد فترات الخمول والتمرينات الخفيفة ومتوسطة الشدة، في عمر الحادية عشرة (نهاية فترة الطفولة) وفي عمر الخامسة عشر (فترة المراهقة والتغيرات الهرمونية) وأخيراً في عمر الرابعة والعشرين (مرحلة البلوغ).

وجد الباحثون أن متوسط ضغط الدم في مرحلة الطفولة كان 106/ 56 ملِّيمتراً زئبقياً، وبعد ذلك ارتفع إلى 117/ 67 ملِّيمتراً زئبقياً في مرحلة الشباب. ويرجع ذلك جزئياً -في الأغلب- إلى النمو الفسيولوجي الطبيعي المرتبط بالسن، وأيضاً ارتبطت الزيادة المستمرة في وقت الخمول من سن 11 إلى 24 عاماً بزيادة ضغط الدم الانقباضي في المتوسط بمقدار 4 ملِّيمترات زئبقية.

لاحظ الباحثون أن المشاركة في التمرينات الخفيفة بانتظام من الطفولة وحتى البلوغ، ساهمت في خفض مستوى الضغط الانقباضي بمقدار 3 ملِّيمترات زئبقية تقريباً. وفي المقابل تبين أن ممارسة التمرينات الشاقة والقوية لم تساهم في خفض الضغط بعكس المتوقع، وذلك لأن زيادة حجم الكتلة العضلية ارتبط بزيادة الدم المتدفق إليها، مما سبب زيادة طفيفة في ضغط الدم، ما يوضح الأهمية الكبرى للنشاط البدني الخفيف بانتظام؛ لأنه يُعد بمثابة وقاية من خطر ارتفاع ضغط الدم.

النشاط البدني الخفيف المنتظم يقي من خطره

أكد الباحثون أن أي فترة صغيرة في ممارسة النشاط الحركي تنعكس بالإيجاب على الطفل. وعلى سبيل المثال عندما استُبدلت بعشر دقائق فقط من كل ساعة تم قضاؤها في حالة خمول، فترة من التمرينات الخفيفة (LPA) في جميع مراحل النمو من الطفولة إلى مرحلة الشباب، انخفض ضغط الدم الانقباضي بمقدار 3 ملِّيمترات زئبقية، وضغط الدم الانبساطي بمقدار ملِّيمترين زئبقيين، وهو الأمر الذي يُعد نوعاً من الحماية من خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتة الدماغية؛ لأن خفض ضغط الدم الانقباضي بمقدار 5 ملِّيمترات زئبقية فقط يقلل بنسبة 10 في المائة من الذبحة الصدرية وجلطة المخ.

من المعروف أن منظمة الصحة العالمية (WHO) أصدرت تقارير تفيد باحتمالية حدوث 500 مليون حالة مرضية جديدة من الأمراض غير المعدية المرتبطة بالخمول البدني بحلول عام 2030، ونصف عدد هذه الحالات بسبب ارتفاع ضغط الدم. ونصحت المنظمة بضرورة ممارسة النشاط البدني الخفيف لمدة 3 ساعات على الأقل يومياً، للحماية من الإصابة بضغط الدم، وأيضاً لأن هذه التمرينات بمثابة علاج للضغط العالي للمرضى المصابين بالفعل. وأكدت أن النشاط البدني لا يشترط وقتاً أو مكاناً معيناً، مثل المشي لمسافات طويلة، وركوب الدراجات، وحتى القيام بالأعمال المنزلية البسيطة.

* استشاري طب الأطفال