اكتشاف الخلايا المسببة للعيوب الخلقية في قلوب الأجنة

إشارات كيميائية خاطئة تؤدي إلى حدوثها

اكتشاف الخلايا المسببة للعيوب الخلقية في قلوب الأجنة
TT

اكتشاف الخلايا المسببة للعيوب الخلقية في قلوب الأجنة

اكتشاف الخلايا المسببة للعيوب الخلقية في قلوب الأجنة

تُعد العيوب الخلقية في القلب «congenital heart defect» من أشهر المشكلات الخلقية شيوعاً في الأطفال، ويمكن أن تحدث في عضلة القلب نفسها أو في الشرايين. وبطبيعة الحال فإن لها توابع مؤثرة في المستويَين العضوي والنفسي، لا على الطفل فحسب، ولكن على عائلته كلها.

وبعض هذه العيوب يحمل أعراضاً بسيطة يمكن التعايش معها، وتتحسن تلقائياً مع تقدم الطفل في العمر، وبعضها الآخر يمكن أن يحمل عواقب صحية وخيمة ويحتاج إلى تصحيح جراحي.

عيوب خَلقية

على الرغم من عدم معرفة الأسباب الأكيدة لحدوث هذه العيوب، فإن إصابة الأم بالسكري سواء من النوع الأول أو النوع الثاني قبل الحمل، تزيد من فرصة حدوثها لأطفالها بنسبة تصل إلى 5 أضعاف الأم غير المصابة، (ولا يُعد السكري الذي يحدث نتيجة للحمل gestational diabetes سبباً في ذلك)، بجانب عديد من العوامل البيئية الأخرى مثل العامل الجيني.

ولعلاج حالات التشوه الخلقي في القلب والأوعية الدموية يجب محاولة معرفة الأسباب لكي يمكن تجنبها.

في أحدث دراسة نُشرت في مجلة «نيتشر لأبحاث أمراض القلب والأوعية الدموية (Nature Cardiovascular Research)» في نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي، توصّل العلماء من معاهد غلادستون بالولايات المتحدة Gladstone Institutes إلى اكتشاف خلايا معينة في قلوب الأجنة الموجودة في رحم السيدات المصابات بمرض السكري، التي كان من المفترض أن تصبح جزءاً من الشريان الأورطي والشريان الرئوي لقلب الأجنة، لديها مستويات عالية من حمض معين «الريتينويك (retinoic)» يغير من خصائص هذه الخلايا ويجعلها تتصرف مثل الخلايا الموجودة في أماكن أخرى من القلب.

أوضح العلماء أن الطريقة التي يتم بها تكوين خلايا الجنين في الفئران والأجنة البشرية، على السواء، تكاد تكون متطابقة (لذلك أُجريت الدراسة على الفئران). وهي عبارة عن استجابة ملايين الخلايا لإشارات كيميائية دقيقة معينة تنبعث كل منها في المكان المناسب والوقت المناسب لتكوين عضلة القلب.

وفي حالة تلقي أي خلايا، مهما قلّ عددها، إشارات كيميائية خاطئة سواء في التوقيت أو المكان، يحدث نمو لخلايا القلب أو الأوعية الدموية القريبة بشكل غير صحيح؛ مما يؤدي إلى عيوب خلقية، والمشكلة أنه نظراً للعدد الهائل من الخلايا وتعقيد تركيبتها يكون من الصعب جداً تحديد الخلية التي حدثت فيها الإشارة الخاطئة والتشوه الخلقي.

سكري الأمهات والأجنة

في محاولة لفهم الكيفية التي يؤثر بها مرض السكري لدى الأمهات على حدوث عيوب خلقية في القلب، قام الباحثون بعمل التجارب على فئران مصابة بمرض السكري، وأيضاً كان لديها ارتفاع لمعدلات حدوث عيوب خلقية سابقة في القلب في نسلها.

وقاموا بجمع أكثر من 30 ألف خلية مختلفة من قلوب الأجنة، ثم بعد ذلك قاموا بتحليل ثلاثي الأبعاد للحمض النووي (DNA)، وكذلك قاموا بقياس مستويات جزيئات mRNA المختلفة في كل خلية على حدة، ومن خلال الشفرة الجينية الموجودة في الخلية، التي تكون عبارة عن بروتينات معينة يمكن تمييز خلية معينة.

وأوضح الباحثون أن مرض السكري يقوم بتغيير الصفات الجينية المميزة لكل خلية، وبالتالي تصبح مختلفة عن بقية الخلايا. وفي وقت الانقسام تعطي نسيجاً مختلفاً وهو ما يحدث عيوباً وظيفية في العضو الذي يحدث فيه الاختلاف ولا يستطيع القيام بوظيفته بشكل جيد. ومثال ذلك العيوب التي تحدث في الجدار الذي يفصل نصف القلب الأيمن عن النصف الأيسر ويؤدي إلى عدم اكتماله وحدوث ثقب يترتب عليه خلل في الدورة الدموية.

وقال الباحثون إن أهمية الدراسة تكمن في أنها يمكن أن تؤدي في المستقبل إلى عمل تدخلات علاجية معينة في هذه الخلايا تقلل من فرصة حدوث التشوهات الخلقية في القلب للأطفال المولودين لأمهات مصابات بالسكري بجانب أنها تمهد الطريق لإجراء أبحاث مماثلة على عديد من العيوب الخلقية الأخرى.

قام الباحثون بدراسة الكيفية التي تتغير بها تركيبة الحمض النووي (DNA) نتيجة لاستخدامها بنشاط مكثف في خلايا الفئران، ووجدوا أكثر من 4000 اختلاف بين الفئران التي تتطور أجنتها بشكل طبيعي وأجنة الفئران لأمهات مصابات بمرض السكري. واللافت للنظر أن 97 في المائة من هذه الاختلافات كانت في مجموعتين فرعيتين من الخلايا؛ إحداهما تنقسم لتكون نسيجاً مهماً جداً في عضلة القلب يفصل بين الشريان الأورطي والشريان الرئوي وبقية غرف القلب الأخرى. والمجموعة الثانية من الخلايا تنقسم لتكون نسيج الوجه وهذه المجموعات الفرعية من الخلايا لها نشاط أعلى من المعتاد في جين معين يُسمى «ALX3» يتحكم في نشاط عديد من الجينات الأخرى.

تبين أن هذه المجموعة الفرعية من الخلايا لديها مستويات نشاط عالية من جزيء حمض «الريتينويك (retinoic)»، الذي يمكن أن يسبب تشوهات خلقية وفي الأغلب توجد مستويات أعلى من حمض «الريتينويك» فقط في الخلايا الموجودة في الجزء السفلي أو الخلفي من المنطقة التي تقوم بتكوين نسيج القلب، ولكن في مرض السكري يمكن أن توجد النسب العالية في المناطق الأمامية التي تنقسم بعد ذلك لتكون الشريانين الرئوي والأورطي.

قال العلماء إن الدراسات السابقة على الرغم من رصدها للمجموعات الفرعية، فإنه لم يتم التعرف عليها على أنها مختلفة عن الخلايا المحيطة بها. لذلك كان من المفاجئ لهم اكتشاف أن تلك الخلايا كانت أكثر حساسية لمرض السكري عند الأمهات سواء من النوع الأول أو الثاني، وتعدّ مسؤولة عن العيوب التي حدثت في أثناء انقسام خلايا الجنين وتكوين الأعضاء، ومنها القلب على وجه التحديد.

• استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

خبير يقترح وقف دواء شائع للبرد والإنفلونزا: «مضيعة للمال»

صحتك مجموعة من أدوية البرد (أرشيفية - رويترز)

خبير يقترح وقف دواء شائع للبرد والإنفلونزا: «مضيعة للمال»

يقول أحد خبراء الأدوية إنه يجب حظر العديد من علاجات البرد والإنفلونزا الشائعة لأنها مضيعة للمال.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك الممرضة سوزان ماكغوان (فيسبوك)

ربط وفاة ممرّضة بريطانية باستخدام دواء لمعالجة البدانة

رُبطت وفاة ممرضة بريطانية للمرة الأولى باستخدام علاج ضد البدانة تقول لندن إنها ترغب في توسيع قاعدة المستفيدين منه لتخفيف الضغط على نظام الصحة العامة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الأمهات الجدد يمكنهن استئناف ممارسة الرياضة بالمشي «اللطيف» مع أطفالهن (رويترز)

لمحاربة «اكتئاب ما بعد الولادة»... مارسي الرياضة لأكثر من ساعة أسبوعياً

تشير أكبر دراسة تحليلية للأدلة إلى أن ممارسة أكثر من ساعة من التمارين الرياضية متوسطة الشدة كل أسبوع قد تقلل من شدة «اكتئاب ما بعد الولادة».

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
عالم الاعمال «فقيه» تختتم أعمال مؤتمرها الثالث باتفاقيات نوعية لمشروعات واعدة

«فقيه» تختتم أعمال مؤتمرها الثالث باتفاقيات نوعية لمشروعات واعدة

اختتمت مجموعة «فقيه» للرعاية الصحية، الأربعاء، أعمال مؤتمرها السنوي الثالث، الذي عقد بمشاركة نخبة من الخبراء السعوديين والدوليين المتخصصين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك النوم خلال اليوم قد يشير إلى أنك معرّض لخطر أكبر للإصابة بالخرف (أرشيفية - رويترز)

النوم خلال اليوم قد يشير إلى ارتفاع خطر إصابتك بالخرف

إذا وجدت نفسك تشعر بالنعاس خلال اليوم، أثناء أداء أنشطتك اليومية، فقد يشير ذلك إلى أنك معرَّض لخطر أكبر للإصابة بالخرف، وفقاً لدراسة جديدة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

جهاز يوجه المكفوفين لتجنب العوائق والحفاظ على التوازن

الجهاز يحتوي على شبكة من 19 مشغلاً مغناطيسياً محاطاً بمادة سيليكون مرنة (جامعة نورث وسترن)
الجهاز يحتوي على شبكة من 19 مشغلاً مغناطيسياً محاطاً بمادة سيليكون مرنة (جامعة نورث وسترن)
TT

جهاز يوجه المكفوفين لتجنب العوائق والحفاظ على التوازن

الجهاز يحتوي على شبكة من 19 مشغلاً مغناطيسياً محاطاً بمادة سيليكون مرنة (جامعة نورث وسترن)
الجهاز يحتوي على شبكة من 19 مشغلاً مغناطيسياً محاطاً بمادة سيليكون مرنة (جامعة نورث وسترن)

طوّر فريق من المهندسين، بقيادة جامعة نورث وسترن الأميركية، جهازاً قابلاً للارتداء يحاكي حاسة اللمس، ويهدف إلى مساعدة الأشخاص من ذوي الإعاقة البصرية ومستخدمي الأطراف الاصطناعية.

وأوضح الباحثون أن هذا الجهاز الرقيق والمرن يلتصق بالجلد بلطف ليمنح المستخدمين تجربة حسية واقعية وشاملة، ونُشرت النتائج، الثلاثاء، في دورية «نيتشر».

وتُعدّ حاسة اللمس ذات أهمية كبيرة لذوي الإعاقة البصرية ولمستخدمي الأطراف الاصطناعية، فهي تتيح لهم التفاعل مع محيطهم وتزيد شعورهم بالاستقلالية والأمان.

وبالنسبة للمكفوفين، يمكنهم الإحساس باللمس من «رؤية» الأشياء بوسيلة بديلة، حيث يساعدهم في تجنب العقبات وتحديد الأشكال والأبعاد والمسافات؛ ما يسهل تنقلهم ويقلل احتمالية تعرضهم للإصابات.

أما مستخدمو الأطراف الاصطناعية فإن استعادة الإحساس باللمس تمكّنهم من التحكم الدقيق في حركاتهم والتفاعل بشكل طبيعي مع الأشياء، وهذا يسهم في تحسين جودة حياتهم وجعل المهام اليومية أكثر سهولة وواقعية.

ويُعد هذا الجهاز من أحدث الابتكارات في مجال التكنولوجيا القابلة للارتداء، وفقاً للباحثين، إذ يعتمد على شبكة من محركات اهتزازية صغيرة توضَع على الجلد لنقل الإحساس باللمس.

ويحتوي الجهاز على شبكة سداسية مكونة من 19 مشغلاً مغناطيسياً محاطاً بمادة سيليكون مرنة، تتلقى إشارات من محيط المستخدم عبر تقنية البلوتوث المتصلة بالهاتف الذكي.

ويمكن لهذه التقنية تحويل المعلومات البصرية إلى إشارات حسية تنقل للجلد، مما يتيح للمستخدم الشعور بالإحساس بالضغط أو الاهتزاز تبعاً لطبيعة المعلومات المحيطة.

ويقوم الجهاز بتوليد مجموعة متنوعة من الأحاسيس عبر تشغيل المحركات المغناطيسية الصغيرة التي تضغط وتهتز وتلتوي لتمنح الجلد إحساساً متعدداً. وصُمم الجهاز ليكون موفراً للطاقة؛ حيث يخزن الطاقة ميكانيكياً في الجلد عند الضغط ويستعيدها أثناء الاستخدام، مما يتيح تشغيل الجهاز لفترات أطول باستخدام بطارية صغيرة.

وفي تجارب أُجريت على مستخدمين مكفوفين معصوبي الأعين، أظهر الجهاز فاعليته في مساعدة الأشخاص على تجنب العقبات وتعديل توازنهم، بناءً على الإشارات الحسية المنقولة إلى الجلد.

ورغم ملاءمة الجهاز لتطبيقات الألعاب والواقع الافتراضي، يسعى الباحثون إلى توسيع استخدامه في مجال الرعاية الصحية؛ لدعم المكفوفين وتمكين مستخدمي الأطراف الاصطناعية من التفاعل الحسي الفعّال مع بيئتهم.