هل ثمة جانب مُظلم لمشروبات الطاقة؟

لها تأثيرات ضارة حادة ومزمنة على صحة الإنسان

هل ثمة جانب مُظلم لمشروبات الطاقة؟
TT

هل ثمة جانب مُظلم لمشروبات الطاقة؟

هل ثمة جانب مُظلم لمشروبات الطاقة؟

كانت هذه العبارة جزءاً من عنوان دراسة باحثين إيطاليين من معهد الطب الشرعي Institute of Legal Medicine في جامعتي بيزا وسابينزا في روما، حول مشروبات الطاقة وتأثيراتها الصحية السلبية. وتمام العنوان للدراسة الطبية الإيطالية هو «الجانب المظلم لمشروبات الطاقة: مراجعة شاملة لتأثيرها على جسم الإنسان»، التي نشرت في عدد 2 سبتمبر (أيلول) الماضي لمجلة العناصر الغذائية Nutrients.

انتشار مشروبات الطاقة

في مقالة علمية سابقة لباحثين من كلية الطب بجامعة هارفارد، نشرت على موقعهم الإلكتروني، أفادوا بالقول: «تظهر التقديرات زيادة بنسبة تزيد عن 240 في المائة في مبيعات مشروبات الطاقة Energy Drinks في الولايات المتحدة والعالم. ويروج لها بحملات تسويقية تستهدف الشباب، ويتم بيعها في أماكن يسهل على هذه الفئة العمرية الوصول إليها.

وأظهرت الأبحاث أن المراهقين يفتقرون إلى النضج في المناطق الرئيسية من الدماغ، وهم أكثر عرضة للانخراط في سلوكيات المخاطرة، مما يجعلهم عرضة للسلوكيات المحفوفة بالمخاطر التي يتم تصويرها أحياناً في تسويق مشروبات الطاقة. وينجذب الشباب إلى مشروبات الطاقة بسبب التسويق الفعال، والتأثير من أقرانهم، ونقص المعرفة حول آثارها الضارة المحتملة».

وبالعودة إلى الدراسة محل العرض في المقال، أفاد الباحثون الإيطاليون بالقول: «في السنوات الأخيرة، ارتفع استهلاك مشروبات الطاقة من قبل الشباب والرياضيين بشكل ملحوظ. ولكن أثيرت مخاوف بشأن المخاطر الصحية المحتملة المرتبطة بالاستهلاك المفرط. وتشمل هذه المخاوف مشاكل القلب والأوعية الدموية، واضطرابات الجهاز العصبي، واحتمال الإدمان».

تأثيرات ضارة حادة ومزمنة

وأوضحوا غايتهم بالقول: «تهدف هذه المراجعة إلى دراسة تأثيرات الإساءة الحادة أو المزمنة لمشروبات الطاقة على صحة الإنسان. ويبين التحليل انتشاراً كبيراً للآثار الضارة، وخاصة على أنظمة القلب والأوعية الدموية والجهاز العصبي».

وأضافوا بقولهم: «وتؤكد التقارير أن مشروبات الطاقة لها آثار ضارة على مجموعة واسعة من أعضاء الجسم، مثل القلق، واضطرابات الجهاز الهضمي، والجفاف، والعصبية، وعدم انتظام دقات القلب. إلى جانب نتائج أكثر خطورة مثل انحلال الربيدات في عضلات الجسم Rhabdomyolysis، وإصابات الكلى بالضعف والتلف الحادة AKI، واضطرابات الرجفان البطيني في نبضات القلب Ventricular Fibrillation، ونوبات الصرع والهوس الحاد Acute Mania والسكتة الدماغية. علاوة على ذلك، تم توثيق حالات تربط بين استهلاك مشروبات الطاقة والوفيات».

وفصّل الباحثون في مراجعتهم العلمية علاقة تناول مشروبات الطاقة بنظام القلب والأوعية الدموية. وقالوا: «يبدو أن التأثيرات على نظام القلب والأوعية الدموية هي الأكثر دراسة بين جميع الآثار الجانبية لهذه المواد، وذلك بسبب خصائصها القاتلة المحتملة. وأجرت الجمعية الأوروبية لاضطرابات نبض القلب ECAS مراجعة نقدية للبيانات المبلغ عنها حول مشروبات الطاقة، ولا سيما الأحداث القلبية الوعائية والعلاقة المحتملة بين السبب والنتيجة. وذلك من أجل تقديم توصيات بشأن الاستخدام الأكثر أماناً لهذه المشروبات».

وأكدوا توصلهم إلى أن: «يرتبط الاستهلاك المرتفع لمشروبات الطاقة هذه بحالة ديناميكية دموية وأدرينالية حادة، مما يزيد من مستويات الغلوكوز والنورإبينفرين Norepinephrine. وتم الإبلاغ عن حالات حصول عدم انتظام ضربات القلب فوق البطيني Supraventricular Arrhythmias، وعدم انتظام ضربات القلب البطيني Ventricular Arrhythmias، والتشنج الوعائي التاجي Coronary Vasospasm، ونقص التروية / احتشاء عضلة القلب، والرجفان الأذيني AF، والإغماء، وتسلخ الشريان الأبهر Aortic Dissection، واعتلال عضلة القلب Cardiomyopathy، والسكتة القلبية، والموت القلبي المفاجئ لدى المرضى الشباب، وكذلك الشباب الأصحاء غير المرضى بالأصل».

وأضافوا: «وعلى وجه الخصوص، حدد التحليل حصول حالات سكتة قلبية Cardiac Arrest، تُعزى مسبباتها إلى خصائص التحفيز العصبي المتأصلة في هذه المشروبات، التي يعد الكافيين هو المكون السائد فيها».

اقتراحات وتوصيات

وعلقوا بقول جانب مهم له علاقة بالممارسات الإكلينيكية الحالية: «وتسلط هذه المراجعة الضوء على الحاجة إلى قدر أكبر من الدقة في تقييم الموت القلبي المفاجئ، خاصة عند الشباب، حيث قد تكون هناك مواد مثل مشروبات الطاقة. ونقترح قيوداً أكثر صرامة على استهلاك هذه المشروبات».

كما وجدوا أن خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية المرتبط بتناول كميات عالية من مشروبات الطاقة، يزداد لدى الأفراد الذين يعانون من أمراض القلب الهيكلية أو الوراثية الموجودة لديهم مسبقاً.

وحول توصياتهم قالوا: «لذلك، نقترح أن الاستهلاك اليومي من مشروبات الطاقة لا ينبغي أن يتجاوز حدود السلامة لتناول الكمية اليومية (المسموح طبياً تناولها بأمان) من الكافيين. ولا أن يكون مشابهاً لتلك الكمية اليومية من الكافيين التي حددتها السلطات التنظيمية الأوروبية والأمريكية، بل يجب أن يكون أقل من ذلك».

وعللوا نصيحتهم بقولهم: «وفي الواقع، تحتوي هذه المشروبات أيضاً على منبهات عصبية أخرى، لم يتم فهم آثارها بشكل كامل. علاوة على ذلك، كما تشير هذه المراجعة، هناك حالات في الدراسات الطبية لأشخاص لا يعانون من حالات طبية معروفة، والذين مع ذلك عانوا من أحداث قلبية حادة بعد تناول عدد قليل من علب 250 ملليلترا من هذه المشروبات».

الجمعية الدولية للتغذية الرياضية... موقف جديد تجاه مشروبات الطاقة

ضمن عدد ديسمبر (كانون الأول) المقبل من مجلة المجمع الدولي للتغذية الرياضية J Int Soc Sports Nutr، سيتم نشر تقرير «موقف الجمعية الدولية للتغذية الرياضية ISSN: مشروبات الطاقة، وطلقات الطاقة».

وللتوضيح، فإن طلقات الطاقة Energy Shot هي نوع متخصص من مشروبات الطاقة التي تحتوي على جرعة من الكافيين المنشط في كمية صغيرة من السائل (حوالي 50 ملليلترا). أي يمكن اعتبارها أشكالاً مركزة من مشروبات الطاقة.

وقد أعدت التقرير العلمي لجنة الأبحاث في الجمعية، والمكونة من 14 عضواً طبياً من مايوكلينك ويسكونسن، وجامعة ويسكونسن، وجامعة ليندنوود بميسوري، وجامعة تكساس التقنية، وجامعة هوفسترا بنيويورك، وجامعة تكساس إيه آند إم، وجامعة كارولينا الجنوبية، وجامعة كارولاينا الشمالية وجامعة سنترال فلوريدا بأورلاندو، وجامعة جنوب فلوريدا في تامبا، جامعة جاكسونفيل في فلوريدا وجامعة نوفا الجنوبية الشرقية في فلوريدا.

وأكدّت الجمعية الدولية للتغذية الرياضية أن موقفها: «يعتمد على تحليل نقدي للدراسات المتعلقة بتأثيرات استهلاك مشروب الطاقة أو طلقة الطاقة، على أداء التمارين الحادة، والتمثيل الغذائي، والإدراك. جنباً إلى جنب مع النتائج المتآزرة المتعلقة بمخرجات الأداء ومتطلبات التكيّفات التدريبية». واشتمل التقرير على 13 نقطة، مثلت إجماع الجمعية وتمت الموافقة عليها من قبل لجنة الأبحاث في الجمعية حول مشروبات الطاقة.

ومن بين إحدى تلك النقاط قولها: «على الرغم من أن مشروبات وطلقة الطاقة تحتوي على العديد من العناصر الغذائية التي يُزعم أنها تؤثر على الأداء العقلي و/أو البدني، فإن العناصر الغذائية الأولية المولدة للطاقة في معظمها، بناءً على الأدلة العلمية، هي الكافيين و/أو توفير الكربوهيدرات».

وأفادت نقطة أخرى أن: «تحتوي العديد من مشروبات وطلقة الطاقة على العديد من المكونات التي لم تتم دراستها أو تقييمها مع العناصر الغذائية الأخرى الموجودة (في مزيج مكونات) مشروبات وطلقة الطاقة. لهذا السبب، تحتاج هذه المنتجات إلى الدراسة لإثبات فعالية تركيبات العناصر الغذائية الفردية والمتعددة للأداء البدني والمعرفي، وكذلك للسلامة».

كما أفادت نقطة ثالثة بالقول: «بالإضافة إلى ذلك، لا يُنصح باستخدام مشروبات وطلقة الطاقة للأطفال (الذين تتراوح أعمارهم بين 2 و12 عاماً)، والحوامل، أو اللاتي يحاولن الحمل، أو المُرضعات، أو أولئك الذين لديهم حساسية للكافيين. ويجب على المراهقين (الذين تتراوح أعمارهم بين 12 إلى 18 عاماً) توخي الحذر وطلب إرشادات الوالدين عند التفكير في استهلاك مشروبات وطلقة الطاقة».

كما حذرت نقطة رابعة بالقول: «يجب على مرضى السكري والأفراد الذين يعانون من أمراض القلب والأوعية الدموية و/أو (اضطراب) التمثيل الغذائي و/ أو أمراض الكبد/ الكلى و/ أو الأمراض العصبية الموجودة (لديهم) مسبقاً، الذين يتناولون الأدوية التي قد تتأثر بالأطعمة ذات نسبة السكر العالية والكافيين و/ أو المنشطات الأخرى، (عليهم جميعاً) توخي الحذر والتشاور مع طبيبهم قبل تناول طلقة الطاقة».

ونبهت نقطتان خامسة وسادسة على أن: «قد يؤدي الاستخدام العشوائي لمشروبات وطلقات الطاقة، خاصة إذا تم استهلاك حصص متعددة يومياً أو عند تناولها مع مشروبات و/ أو أطعمة أخرى تحتوي على الكافيين، إلى تأثيرات ضارة. ويجب أن يعتمد قرار استهلاك مشروبات وطلقات الطاقة، على محتوى المشروبات من الكربوهيدرات والكافيين والمواد المغذية الأخرى وفهم شامل للآثار الجانبية المحتملة».

تزيد من القلق والعصبية واضطرابات الجهاز الهضمي وعدم انتظام دقات القلب

لماذا الإقبال على استهلاك مشروبات الطاقة؟

ضمن دراستهم الحديثة (الجانب المظلم لمشروبات الطاقة: مراجعة شاملة لتأثيرها على جسم الإنسان) المتقدمة الذكر، أوضح الباحثون الإيطاليون أن «المراهقين ينجذبون نحو هذه المشروبات لزيادة مستويات الطاقة بسرعة، وتعزيز اليقظة، وزيادة الأداء الدراسي أو الرياضي. وقد أدت عواقب نمط الاستهلاك هذا إلى ارتفاع حالات الشباب الذين يلتمسون الرعاية الطبية في أقسام الطوارئ بسبب مجموعة من النتائج الصحية الضارة».

ولكن الملاحظ في مناطق مختلفة من العالم، أن استهلاك مشروبات الطاقة لا يقتصر على الرياضيين بأنواعهم، بل من المثير للدهشة أن ثمة فئات أخرى يرتفع فيها استهلاك تلك المشروبات في بعض مناطق العالم، وهو ما تسلط عليه الدراسات الطبية في بحوثها الاستقصائية.

ومن ذلك، فئة طاقم التمريض الطبي. وكمثال، تم نشر دراسة كورية ضمن عدد يونيو (حزيران) الماضي من مجلة علوم صحة التمريض Nurs Health Sci، لباحثين من جامعة إيوا للسيدات في سيول. وفيها أفاد الباحثون بالقول: «يستهلك ما يقرب من ثلثي الممرضات (الكوريات المشمولات في الدراسة) مشروبات الطاقة بالإضافة إلى القهوة و/ أو الشاي التي تحتوي على الكافيين. وعادة ما يستهلكن مشروبات الطاقة أثناء ساعات العمل وفي مكان العمل.

وتبين أن وجود زملاء يستهلكون مشروبات الطاقة، وإدراكهم أن مشروبات الطاقة لها تأثير مثير، هي عوامل مرتبطة باستهلاك مشروبات الطاقة؛ وبالتالي، فمن الضروري وضع استراتيجيات تعليمية تستهدف هذه المجموعات من الممرضات. وينبغي إجراء مزيد من التحقيق في أسباب اعتماد ممرضات المستشفيات على مشروبات الطاقة».

وفي عدد نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي من مجلة ماتوريتاس Maturitas، وهي مجلة علمية دولية متعددة التخصصات حول صحة منتصف العمر وما بعده، أرسل باحثون من جامعة مودينا وريجيو إميليا بإيطاليا مقالتهم بعنوان «استهلاك مشروبات الطاقة لدى الممرضات: هل ضغط العمل العالي مرتبط بتبني عادات الشرب السيئة؟». ومما أفادوه: «سلطت الأبحاث الحديثة الضوء على الاستهلاك العالي للمشروبات الغنية بالكافيين من قبل العاملين في مجال الرعاية الصحية. ويتعلق هذا بشكل أساسي باستهلاك مشروبات الطاقة أثناء ساعات العمل، وخاصة في الليل».


مقالات ذات صلة

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

صحتك استهلاك الأطعمة التي تحتوي على «أوميغا 3» و«أوميغا 6» مثل الأسماك الزيتية يقلل معدل خطر الإصابة بالسرطان (جمعية الصيادين الاسكوتلنديين)

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

وجدت دراسة أن استهلاك «أوميغا 3» و«أوميغا 6»، وهي الأحماض الدهنية التي توجد في الأطعمة النباتية والأسماك الزيتية، قد يؤثر على معدل خطر الإصابة بالسرطان.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

كشف أحد علماء الأعصاب أن الأشخاص الغاضبين أكثر ميلاً للنجاح، وقال الدكتور جاي ليشزينر إن الشعور بالغضب قد يكون «محركاً مهماً» للنجاح في العالم الحديث.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

أكدت وكالة الصحة العامة الكندية أمس (الجمعة) رصد أول حالة إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة في كندا لدى شخص في مانيتوبا.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام
TT

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

مؤشرات وزن الجسم

يستخدم «مؤشر كتلة الجسم» BMI الذي يحسب مقدار وزن الجسم بالكيلوغرامات، مع الأخذ بالاعتبار مقدار طول الجسم بالمتر، ليعطينا «رقماً» يفصل بين 3 حالات: الحالة الطبيعية، وزيادة الوزن، والسمنة.

ونلجأ كذلك إلى قياس «محيط الخصر» WC بعدد السنتيمترات بوصفه «رقماً» يميز وجود سمنة البطن من عدم ذلك.

في السنوات الأخيرة ازداد ظهور أمراض ذات صلة بالسلوكيات غير الصحية في نمط عيش الحياة اليومية، وعادات الأكل السيئة، وتداعيات التقدم التكنولوجي الذي يفصل الناس عن ممارسة النشاط البدني. وقد ثبت تجريبياً أن العواقب الصحية السلبية لذلك تنمو على مستوى العالم بمعدل مثير للقلق. وهي تشمل السمنة Obesity، ومرض السكري من النوع 2، وأمراض القلب.

وإلى جانب ظهور «أمراض نمط الحياة» هذه، هناك انتشار زائد لمتلازمة التمثيل الغذائي Metabolic Syndrome، وهي مجموعة من الاضطرابات الأيضية في العمليات الكيميائية الحيوية التي تجري في الجسم، وترتبط بمقاومة الجسم لمفعول الإنسولين، ونشوء عمليات بطيئة ومستمرة في الالتهابات، واضطرابات الدهون في الدم (خصوصاً ارتفاع الدهون الثلاثية)، وارتفاع ضغط الدم.

«سمنة مركزية» ووزن طبيعي

ومن بين كل ذلك، تطفو السمنة البطنية (السمنة المركزية Central Obesity)، التي تتميز بزيادة كمية الأنسجة الشحمية (الشحوم الصفراء) داخل البطن، بوصفها علامة مميزة في كثير من تلك الحالات.

والسؤال الذي يتبادر للذهن: هل الأمر في شأن الأضرار الصحية مرتبط بالسمنة بوصفها حالة عامة في زيادة كتلة عموم الجسم أم أن الأمر مرتبط على وجه الخصوص بزيادة تراكم الشحوم في البطن (محيط منطقة الوسط)؟

والأدق أيضاً في طرح هذا السؤال عندما يكون لدى المرء حالة «الوزن الطبيعي مع سمنة بطنية» NWCO، أي عندما يكون وزن الجسم طبيعياً لدى الشخص بالنسبة لطوله، ولكن في الوقت نفسه لديه سمنة بطنية... هل من الممكن أن يكون هذا الشيء ضاراً ويمثل خطراً صحياً؟

والإجابة عن هذا السؤال تحتاج بداية إلى التساؤل بالأصل: هل ثمة «مشروعية طبية» لطرح مثل هذا السؤال؟

والإجابة نعم بالتأكيد، أن ثمة مشروعية طبية في طرح هذا السؤال لدواع شتى، أهمها اثنان، هما:

- الداعي الأول أن هناك أمثلة من سمنة أجزاء معينة في الجسم، ثبت أن ليس لها ضرر صحي واضح، حتى لو كان لدى الشخص ارتفاع في مقدار وزن الجسم، وارتفاع في مؤشر كتلة الجسم. وتحديداً أفادت نتائج دراسات عدة بأن سمنة شحوم الأرداف بحد ذاتها لدى النساء، ليس لها تأثير صحي ضار يوازي وجود سمنة تراكم شحوم البطن لديهن. وكذلك ثبت أن سمنة كتلة عضلات الجسم (زيادة مقدار وزن الجسم بسبب زيادة وزن كتلة العضلات فيه وليس زيادة تراكم الشحوم)، التي قد تزيد في مقدار مؤشر كتلة الجسم لتجعله ضمن نطاق السمنة، ليس لها تأثيرات سلبية مقارنة مع سمنة زيادة كتلة الشحوم في الجسم بالعموم وفي البطن على وجه الخصوص. وثبت أيضاً أن سمنة الوزن الطبيعي، مع تدني حجم كتلة العضلات، وارتفاع كتلة الشحوم Sarcopenic Obesity، لها تأثيرات ضارة لا تقل عن سمنة زيادة مؤشر كتلة الجسم.

- الداعي الآخر أن نحو 25 في المائة من البالغين ذوي الوزن الطبيعي، يُصنفون بالفعل على أن لديهم سمنة تراكم شحوم البطن، وفي الوقت نفسه يكون وزن أجسامهم طبيعياً، وفق «المجلة الطبية البريطانية BMJ» عدد 26 أبريل (نيسان) 2017. وهذه النسبة مقاربة جداً للإحصاءات الطبية في الولايات المتحدة. وفي مجتمعات أخرى ثبت أنها أعلى وفق نتائج دراسات طبية فيها. وهي نسبة مهمة بين عموم البالغين الذين قد يعتقدون أن كون مقدار وزن جسمهم طبيعياً يعني تلقائياً أنه لا ضرر متوقعاً عليهم من تراكم الشحوم في بطونهم.

دراسات سمنة البطن

والملاحظ أن الأوساط الطبية تأخرت كثيراً في الاهتمام بهذه الوضعية الصحية ومعرفة آثارها. وأيضاً تأخرت في وضع إرشادات ونصائح طبية للتعامل معها. وفي دراسة مشتركة لباحثين من جامعة آيوا، ومن كلية ألبرت آينشتاين للطب بنيويورك، ومن جامعة كاليفورنيا، ومن كلية الطب بجامعة هارفارد، ومن مركز فريد هاتشينسون لأبحاث السرطان في سياتل، تم طرح الأمر في دراسة بعنوان: «ارتباط السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي بالوفيات بين النساء». ونشر ضمن عدد 24 يوليو (تموز) 2019 من مجلة «شبكة جاما المفتوحة» JAMA NETWORK Open، الصادرة عن «الجمعية الطبية الأميركية» AMA.

وقال فيها الباحثون: «السمنة المركزية، التي تتميز بتراكم الشحوم في منطقة البطن بشكل مرتفع نسبياً، ارتبطت بارتفاع خطر الوفاة، بغض النظر عن مقدار مؤشر كتلة الجسم. ومع ذلك، فإن الأفراد الذين لديهم مؤشر كتلة جسم طبيعي مع السمنة المركزية يتم إهمالهم عادة في الإرشادات الإكلينيكية. وعلاوة على ذلك لا يحظى الأفراد الذين يعانون من السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي باهتمام كبير في وضع استراتيجيات الحد من المخاطر، مثل تعديلات نمط الحياة والتدخلات الأخرى».

ولكن حتى بين الأفراد ذوي الوزن الطبيعي، قد يكون أولئك الذين يعانون من السمنة المركزية مُعرّضين لخطر زائد للوفاة بسبب تراكم الشحوم المفرط في البطن. وفي نتائج دراستهم التي شملت أكثر من 160 ألف امرأة أفادوا بالقول: «ارتبطت السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي بارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والوفاة بالسرطان، مقارنة بالوزن الطبيعي دون السمنة المركزية».

عوامل خطر أيضية قلبية

ومن ثمّ بدأت تصدر دراسات طبية من مناطق مختلفة من العالم حول هذا الأمر. وعلى سبيل المثال، نذكر دراسة حديثة من الصين، وأخرى من بنما.

وفي دراسة بعنوان: «ارتباط السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي بارتفاع ضغط الدم»، تم نشرها العام الماضي، عدد 8 مارس (آذار) 2023 من مجلة «BMC» لاضطرابات القلب والأوعية الدموية، لباحثين من الصين، أفادوا بالقول: «السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي (NWCO) هي حالة أيضية تم وصفها أخيراً في عدد قليل من الدراسات. ويتم تجاهل الأفراد المصابين بها بسهولة في الرعاية الصحية الروتينية، بسبب التركيز الصارم على مؤشر كتلة الجسم».

وأضافوا: «قد يكون لدى الفرد ذي الوزن الطبيعي نسبة شحوم كبيرة في الجسم، وهو ما لا يظهر عندما يكون مقدار مؤشر كتلة الجسم طبيعياً. وتشير الأدلة الموجودة إلى أن السمنة المركزية، التي تتميز بالتراكم المرتفع نسبياً للشحوم في البطن، ترتبط ارتباطاً أقوى بعوامل الخطر الأيضية القلبية من السمنة العامة، وحتى بين الأفراد ذوي الوزن الطبيعي». وخلصوا في نتائجهم إلى القول: «ترتبط السمنة المركزية، كما هو محدد بواسطة محيط الخصر، بزيادة خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى البالغين ذوي مؤشر كتلة الجسم الطبيعي».

وضمن عدد يونيو (حزيران) 2022 من مجلة «لانسيت للصحة الإقليمية - بالأميركتين» The Lancet Regional Health - Americas، نشر باحثون من كلية الطب بجامعة بنما، حول انتشار السمنة المركزية والتعرف على مدى وجود عوامل الخطر القلبية الأيضية Cardiometabolic risk لديهم.

ويتم تعريف مخاطر القلب والأيض على أنها مجموعة من التشوهات في العمليات الأيضية الكيميائية الحيوية، وفي القلب، وفي الأوعية الدموية، بما في ذلك السمنة البطنية، ومقاومة الإنسولين، وارتفاع ضغط الدم، واضطرابات الكولسترول، ودهون الدم، وتصلب الشرايين، التي تجعل الأفراد أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب، والأوعية الدموية، ومرض السكري من النوع 2.

ولاحظوا أن باستخدام مؤشر «نسبة الخصر إلى الطول»WHtR، كان معدل انتشار السمنة البطنية نحو 44 في المائة بين الذين بالأساس لديهم مؤشر كتلة الجسم طبيعياً. وقالوا في نتائجهم: «ارتبطت السمنة البطنية مع الوزن الطبيعي للجسم بعوامل الخطر القلبية الوعائية، خصوصاً مع ارتفاع تركيز الدهون الثلاثية. قد يكون تقييم السمنة البطنية على مستوى الرعاية الصحية الأولية تقنية مفيدة لتحديد الأشخاص ذوي الوزن الطبيعي مع خصائص السمنة الأيضية».

ولذا إذا أردنا ألا نفقد متابعة هذه الفئة من الناس، فيجدر قياس محيط الوسط مع قياس وزن الجسم وحساب مؤشر كتلة الجسم، والالتفات إلى كليهما في التقييم الإكلينيكي. وللتوضيح، على الرغم من حقيقة أن مؤشر كتلة الجسم يتم استخدامه على نطاق واسع لتحديد السمنة في الممارسة الإكلينيكية، فإن أحد القيود المهمة لمؤشر كتلة الجسم هو أنه لا يميز بين أشكال مكونات تركيبات أجزاء الجسم المختلفة، حيث قد يكون لدى الفرد ذي الوزن الطبيعي نسبة شحوم متزايدة في منطقة من الجسم، ولكنها قد تكون مخفية بالقيمة الطبيعية لمؤشر كتلة الجسم.

وحتى بين الأفراد ذوي الوزن الطبيعي، فإن أولئك الذين لديهم نسبة عالية من الشحوم في الجسم، لديهم انتشار أعلى لمتلازمة التمثيل الغذائي ومكوناتها من أولئك الذين لديهم مؤشر كتلة جسم طبيعي، ونسبة شحوم في الجسم طبيعية.

25 % من البالغين ذوي الوزن الطبيعي لديهم سمنة تراكم شحوم البطن

تشخيص السمنة بالأساس مجرد حسابات من الأرقام

* عند التكلم عن السمنة في جانب التشخيص، علينا ابتداءً استخدام لغة الأرقام. ومن بين عدة «طرق» مطروحة لدى الأوساط العلمية والطبية، يظل «الأشهر»، و«الأقرب» هو الطرق الأربع التالية في تقييم وزن الجسم والسمنة:

- حساب «مؤشر كتلة الجسم» BMI يتم بقسمة مقدار الوزن بالكيلوغرامات على مربع طول الجسم بالمتر. و«الطبيعي» أن يكون مؤشر كتلة الجسم ما بين 20 إلى 25، أما ما بين 25 و30 فهو «زيادة في الوزن»، وما بين 30 إلى 35 فهو «سمنة»، وما بين 35 و40 فهو «سمنة شديدة»، وما فوق ذلك هو «سمنة مفرطة».

- حساب محيط الخصر Waist Circumference هو طريقة مهمة في تقييم سمنة البطن بالذات. وبدقة، يتم قياس محيط الخصر عند مستوى منتصف المسافة بين أدنى ضلع ملموس وبين الحافة الحرقفية لأعلى قوس عظمة الحوض، وذلك تقريباً أعلى قليلاً من السرّة، بعد إخراج هواء الزفير من النفس، أي قياس محيط أصغر جزء من الخصر. ولكن تجدر ملاحظة أن محيط الخصر يختلف في المجتمعات الجغرافية المختلفة وفق متوسط الطول فيها وعموم حجم الجسم.

ووفقاً للمعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة NIH، فإن محيط الخصر الذي يزيد على 102 سنتيمتر (40 بوصة) للرجال ويزيد على 88 سنتيمتراً (35 بوصة) للنساء (غير الحوامل)، هو سمنة البطن. بينما لدى ذوي الأصول من جنوب شرقي آسيا، فإن الطبيعي نحو 94 سنتيمتراً (37 بوصة) للرجال و80 سنتيمتراً (31 بوصة) للنساء. ولذا تحتاج المجتمعات المختلفة دراسات لتقييم الطبيعي وغير الطبيعي في ذلك.

- حساب نسبة محيط الخصر إلى محيط الورك WHR. ومحيط الورك Hip Circumference يختلف عن محيط الخصر، حيث إن محيط الورك هو قياس محيط الجزء الأكبر من الوركين، أي الجزء الأوسع من كتلة الأرداف. والطبيعي أن تكون تلك النسبة أقل من 0.95 للرجال، وأقل من 0.80 للنساء. وما فوق ذلك فهو سمنة. وهي طريقة يتم بها التغلب على وجود حجم أكبر في الأرداف التي تكون الشحوم فيها مختلفة عن نوعية الشحوم التي في البطن. وتحديداً شحوم بيضاء في الأرداف، وشحوم صفراء في البطن.

- حساب نسبة الخصر إلى الطول WHtR: يكون بقسمة مقدار محيط الخصر على مقدار الطول. والطبيعي أن يكون أقل من 0.5، وما فوق ذلك هو سمنة. وهي طريقة يتم من خلالها التغلب على الاختلافات العرقية في متوسط الطول لدى غالبية الناس في المجتمعات المختلفة.