عسر الهضم... معاناة لا ضرورة لها

قد يكون علامة على بعض أمراض الجهاز الهضمي

عسر الهضم... معاناة لا ضرورة لها
TT

عسر الهضم... معاناة لا ضرورة لها

عسر الهضم... معاناة لا ضرورة لها

هل تشعر بالشبع المبكر أثناء تناول وجبتك؟ أو هل تشعر بالامتلاء الشديد سريعاً لدرجة أنك لا تتمكن من إنهاء طعامك، مع أنك لم تأكل كثيراً من وجبتك؟

أو هل ينتابك شعور بالامتلاء بعد تناول وجبتك، بدرجة مزعجة لك، ويستمر ذلك الإحساس بالامتلاء لمدة أطول مما ينبغي؟ وهل تشعر بعدم الراحة أو بحرقة في أعلى البطن بعد تناول وجبة الطعام، أو تُحسّ بألم خفيف في المنطقة الواقعة فيما بين أسفل عظم الصدر والسرة؟

أو هل تُحسّ بانتفاخ أو إحساس مزعج بالضيق، في الجزء العلوي من البطن؟ إن كان الأمر كذلك، فربما تعاني من عسر الهضم (Dyspepsia).

ويضيف أطباء الجهاز الهضمي في «مايو كلينك» بالقول: «قد يشعر المصابون بعسر الهضم أيضاً بحرقة المعدة أحياناً. وحرقة المعدة هي ألم أو شعور بالحرقة في وسط صدرك قد يمتد إلى رقبتك أو ظهرك أثناء الأكل أو بعده. وتشمل مؤشرات المرض والأعراض الأقل شيوعاً القيء والتجشؤ».

عسر الهضم

عسر الهضم حالة شائعة الحدوث. ويفيد المعهد الوطني للسكري وأمراض الجهاز الهضمي والكلى بالولايات المتحدة (NIDDK)، بأن «عسر الهضم حالة شائعة تصيب نحو 1 من كل 4 أشخاص في الولايات المتحدة كل عام. من بين هؤلاء الأشخاص الذين يعانون من عسر الهضم والذين يذهبون إلى الطبيب، يتم تشخيص ما يقرب من 3 من كل 4 مع عسر الهضم الوظيفي»، أي الذي لا ينجم عن مرض عضوي في أحد أجزاء الجهاز الهضمي.

ويضيف المعهد موضحاً: «عسر الهضم ليس مرضاً بحد ذاته ولا يرتبط دائماً بالأكل، بل قد يكون علامة على بعض أمراض الجهاز الهضمي. ومع ذلك، في معظم الأحيان لا يصل الأطباء إلى معرفة السبب وراء عسر الهضم المزمن. ويسمى هذا العسر المزمن في الهضم، الذي لا يكون بسبب مشكلة صحية مزمنة، ودون وجود أمراض في الجهاز الهضمي، عسر الهضم الوظيفي».

وتذكر بعض الإحصائيات الطبية أن في 40 في المائة من حالات عسر الهضم، يكون هناك اضطراب وخلل في «تأخر إفراغ المعدة» من الطعام بعد تناول الوجبة.

وعلى الرغم من أن عسر الهضم ليست له مضاعفات خطيرة عادةً، فإنه قد يؤثر في جودة حياتك، حيث يجعلك تشعر بعدم الراحة ويتسبب في فقدان الشهية. وقد تتغيب عن العمل أو المدرسة بسبب أعراضه. ويضيف أطباء «مايو كلينك»: «قد تختلف أعراضه من شخص لآخر، كما قد تختلف لدى الشخص نفسه من آن لآخر. كما يمكن أن يشعر المرء بأعراض عسر الهضم في أوقات دون أخرى، وعلى فترات متباعدة أو بصورة يومية. ولكن الجيد في الأمر، أنه يمكن التخفيف من عسر الهضم عن طريق إحداث تغييرات حياتية وتناول أنواع متنوعة من الأطعمة، وحتى تناول أنواع من الأدوية».

راحة الجهاز الهضمي

والواقع أن إعطاء الراحة للجهاز الهضمي كي يقوم بعملية هضم الطعام، أمر أساسي في الشعور بالراحة بعد تناول وجبات الطعام. وراحة الجهاز الهضمي للقيام بوظائفه تعتمد على أمرين: الأول تناول الطعام بطريقة وبمكونات وبطهو صحي، والثاني تمتع الجهاز الهضمي بصحة جيدة تمكنه من القيام بمهامه.

والجهاز الهضمي يتألف من مكونين: قناة هضمية تأخذ أشكالاً وأحجاماً مختلفة على طول مجراها، وأعضاء صلبة مُساندة تتصل بتلك القناة الهاضمة. والقناة الهضمية، هي أنبوب يتشكل على هيئة سلسلة من الأعضاء المجوفة المتصلة، أي أنبوب طويل ملتوٍ، يبدأ من الفم وينتهي عند فتحة الشرج.

أما الأعضاء المجوفة فهي: الفم، والمريء، والمعدة، والأمعاء الدقيقة، والأمعاء الغليظة، والشرج. والأعضاء الصلبة، المتصلة بالجهاز الهضمي والمُساندة له في إتمام عمله، هي: الكبد والبنكرياس والمرارة.

وتضيف مصادر علم وظائف الأعضاء وتشريح الجسم، أن مما يسهم بشكل مباشر، وكذلك بشكل غير مباشر، في نجاح عمل وتفاعلات أداء الجهاز الهضمي، كل من: الجهاز العصبي المركزي (في الدماغ والنخاع الشوكي) والجهاز العصبي المحلي (في الجهاز الهضمي)، والدم، والأوعية الدموية (الشرايين والأوردة والقنوات الليمفاوية الخاصة بأجزاء الجهاز الهضمي)، والغدد الهرمونية، والبكتيريا الصديقة في الأمعاء.

وتلخص تلك المصادر العلمية أن إجراء الجهاز الهضمي لعمليات استيعاب الطعام المُتناول، وعمليات تفتيت قطع هذا الطعام، وعمليات امتصاص العناصر الغذائية فيه، وعمليات تحييد المكونات التي لا يحتاجها الجسم منه والتي يجدر إفراغها من أنبوب الهضم، يتطلب كله تناغم وكفاءة قيام أجزاء الجهاز الهضمي بالتحرك بالطريقة الدودية. وهي طريقة حركة تضغط وتدفع الطعام من جزء إلى آخر (من الأنبوب الهضمي)، وصولاً إلى إخراج الفضلات. ويرافق هذه الحركة الدودية إفراز أنواع مختلفة من العصارات الهاضمة. أي من كل منطقة في القناة الهضمية (المعدة، الأمعاء) ومن كل عضو من الأعضاء الهضمية الصلبة (الكبد، والبنكرياس، والمرارة). وبفعل هذين الأمرين، يتم إجراء عمليات التفتيت للعناصر الغذائية الرئيسية (الماء، والبروتينات، والسكريات، والدهون). ثم إجراء عمليات الامتصاص للعناصر الغذائية الرئيسية والعناصر الغذائية الدقيقة (المعادن، والفيتامينات، ومضادات الأكسدة، ومجموعات مختلفة من المركبات الكيميائية الغذائية والمركبات الدوائية وعدد من المواد الكيميائية في العصارات الهضمية نفسها).

تناول الطعام

والخطوة الأهم لنجاح كل هذا، القيام بالبداية الصحيحة. أي تناول لقمات الطعام بحجم معتدل، وعبر فترة زمنية وجيزة فيما بين كل لقمة وأخرى، ومضغ الطعام جيداً في الفم، وإعطاء راحة للسان كي يدفع كتلة الطعام إلى الحلق لبلعها، وكذلك راحة للسان المزمار كي يمنع دخول الطعام إلى القصبة الهوائية ويوجه دفعه نحو المريء. وهنا تقوم الغدد اللعابية في الفم بإنتاج اللعاب، الذي يرطب الطعام كي ينتقل بسهولة أكبر عبر المريء إلى المعدة. ويحتوي اللعاب أيضاً على إنزيم يبدأ في تكسير النشويات.

وإذا استمر المرء بهذه الطريقة في تناول الطعام وبلعه، تصبح بعد ذلك عملية الهضم تلقائية، حيث يتولى الدماغ توجيه عضلات المريء لتبدأ بدفع الطعام نحو المعدة، وعندما يصل الطعام إلى نهاية المريء، ترتخي الحلقة العضلية العاصرة في أسفل المريء لتسمح بمرور الطعام إلى المعدة. ثم تمزج عضلات المعدة الطعام مع عصارات المعدة الهاضمة، وتستمر في ذلك ما بين 40 دقيقة و4 ساعات (وفق نوعية مكونات وجبة الطعام). ثم تقوم المعدة بإفراغ محتوياته ببطء إلى الأمعاء الدقيقة.

وبهذه الطريقة، يحصل «جزء مهم» من شعور المرء بالراحة أثناء وبعد تناول وجبة الطعام، ولا يعاني في الغالب من عسر الهضم.

أسباب عسر الهضم

في غالب الحالات، تنشأ أعراض عسر الهضم نتيجة تفاعل معقد بين عوامل 4، وهي:

- زيادة الحساسية العصبية المعوية.

- تأخر إفراغ المعدة وتخمتها بوجبة الطعام.

- ضعف تقبل المعدة للطعام ولو كان بكمية قليلة.

- وجود أحد الاضطرابات النفسية كالقلق النفسي.

ولذا ثمة عدة أسباب محتملة للمعاناة من عسر الهضم، منها ما له علاقة بسلوكيات عدة في الحياة اليومية، ومنها ما له علاقة بطريقة تناول وجبات الطعام ومكوناتها. ومن تلك الأسباب الشائعة لعُسر الهضم ما يلي:

- تناول الطعام بسرعة بالغة.

- تناول وجبات طعام كبيرة.

- تناول الأطعمة الغنية بالدهون أو الشحوم أو الغنية بالتوابل الحارة.

- تناول قدر كبير من الكافيين أو الشوكولاته أو المشروبات الغازية.

- قلة شرب الماء بما يكفي حاجة الجسم.

- التدخين.

- التوتر النفسي أو القلق.

- تلقي المعالجة ببعض أنواع المضادات الحيوية أو مسكنات الألم أو حبوب الحديد.

ولكن أيضاً ثمة أسباب أخرى لعسر الهضم ذات العلاقة باضطرابات وظيفية أو مرضية في أجزاء الجهاز الهضمي نفسه، ومنها:

- متلازمة القولون المتهيج، أو القولون العصبي، وهي سبب شائع جداً لعُسر الهضم.

- التهاب المعدة.

- قروح أجزاء من الجهاز الهضمي (المريء، والمعدة، والاثنا عشر، والقولون).

- وجود العدوى بالبكتيريا الملوية البوابية (جرثومة المعدة) ذات العلاقة بالتهابات وقروح المعدة.

- حصوات المرارة.

- الإمساك المزمن أو المتكرر.

وبالإضافة إلى ما تقدم، هناك أسباب نادرة، مثل التهاب البنكرياس أو سرطان المعدة أو انسداد الأمعاء أو انخفاض تدفق الدم في الأمعاء (الإقفار المعوي).

كما أن عدداً من الأمراض الأخرى قد تسبب عسر الهضم، مثل:

- مرض السكري.

- كسل أو زيادة نشاط الغدة الدرقية.

عسر الهضم... متى تجدر زيارة الطبيب؟

يفيد أطباء «مايو كلينك» بالقول: «عادةً ما يكون عسر الهضم البسيط أمراً لا يستحق القلق. استشر طبيبك إذا استمرت الحالة لأكثر من أسبوعين».

ولكنهم يُوضحون أيضاً: «اتصل بطبيبك على الفور إذا كان الألم شديداً أو مصحوباً بما يلي:

- فقدان الوزن غير المتعمد أو فقدان الشهية.

- القيء المتكرر أو قيء مصحوب بدم.

- براز أسود قاتم.

- صعوبة في البلع تتفاقم حدتها تدريجياً.

- الإرهاق أو الضعف الذي قد يشير إلى الإصابة بفقر الدم».

كما يُضيفون: «اطلب العناية الطبية العاجلة إذا شعرت بأي مما يلي:

- ضيق التنفس أو التعرق أو ألم في الصدر ممتد إلى الفك أو الرقبة أو الذراع.

- ألم في الصدر مع المجهود أو التوتر».

يتم تشخيص ما يقرب من 3 من كل 4 أشخاص بعسر الهضم الوظيفي، الذي لا ينجم عن مرض عضوي في أحد أجزاء الجهاز الهضمي

أنواع الأطعمة ومدة بقائها التقريبي في المعدة

المعدة هي المكان الأول الذي يدخل الطعام فيه ويستقر بشكل مؤقت. ولأن سرعة خروج الطعام منها أحد أسباب الشعور بالراحة الهضمية، فإن من المفيد معرفة أن أنواع الأطعمة تختلف في مدة بقائها «الطبيعي» في وعاء المعدة.

وبداية، فإن مدة بقاء الطعام في المعدة تعتمد على حجم الوجبة الغذائية، وسرعة تناولها، ونوعية مكوناتها الغذائية، خصوصاً كمية الدهون والبروتينات.

وبشكل تقريبي لأنواع الأطعمة والمشروبات، ينتقل الماء مباشرة من المعدة إلى الأمعاء، إذا تم شربه على معدة خالية. ولكي تغادر المعدة، تستغرق عصائر الفواكه 20 دقيقة، وقطع البطيخ 20 دقيقة، وخضار السلطة والبرتقال 30 دقيقة، وقطع التفاح والخضار الورقية 40 دقيقة، والفاصوليا والقرع المطهوين والبيض المسلوق والأسماك المشوية 45 دقيقة، والخضراوات الجذرية كالجزر والبنجر 50 دقيقة، والبطاطا والأرز الأبيض القليل الدسم بالطهو 60 دقيقة، والشوفان 90 دقيقة، وبقوليات العدس والحمص والبازلاء والدجاج المشوي ساعتين، والمكسرات ساعتين ونصف الساعة، والجبن الأصفر كامل الدسم ولحم البقر والضأن والأطعمة الدسمة كالأرز مع اللحم والحلويات الشرقية والمقليات 4 ساعات.

لذا، وبغض النظر عن مكونات وجبة الطعام، غالباً لا تتجاوز فترة بقاء وجبة الطعام في المعدة مدة 4 ساعات. هذا مع ملاحظة أن مرور وجبة الطعام من خلال الأمعاء الدقيقة يستغرق نحو 4 ساعات، وعبر الأمعاء الغليظة ما بين 30 و40 ساعة. ولكن المشكلة في الشعور بعسر الهضم، تحصل في بعض الأحيان، ولدى البعض، عندما الإفراط في تناوُل الطعام، أو تناوُل الطعام بصورة سريعة، أو تناول الأطعمة الغنية بالدهون أو الشحوم، أو إضافة كثير من التوابل.

• استشارية في الباطنية


مقالات ذات صلة

لمحاربة «اكتئاب ما بعد الولادة»... مارسي الرياضة لأكثر من ساعة أسبوعياً

صحتك الأمهات الجدد يمكنهن استئناف ممارسة الرياضة بالمشي «اللطيف» مع أطفالهن (رويترز)

لمحاربة «اكتئاب ما بعد الولادة»... مارسي الرياضة لأكثر من ساعة أسبوعياً

تشير أكبر دراسة تحليلية للأدلة إلى أن ممارسة أكثر من ساعة من التمارين الرياضية متوسطة الشدة كل أسبوع قد تقلل من شدة «اكتئاب ما بعد الولادة».

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
عالم الاعمال «فقيه» تختتم أعمال مؤتمرها الثالث باتفاقيات نوعية لمشروعات واعدة

«فقيه» تختتم أعمال مؤتمرها الثالث باتفاقيات نوعية لمشروعات واعدة

اختتمت مجموعة «فقيه» للرعاية الصحية، الأربعاء، أعمال مؤتمرها السنوي الثالث، الذي عقد بمشاركة نخبة من الخبراء السعوديين والدوليين المتخصصين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك النوم خلال اليوم قد يشير إلى أنك معرّض لخطر أكبر للإصابة بالخرف (أرشيفية - رويترز)

النوم خلال اليوم قد يشير إلى ارتفاع خطر إصابتك بالخرف

إذا وجدت نفسك تشعر بالنعاس خلال اليوم، أثناء أداء أنشطتك اليومية، فقد يشير ذلك إلى أنك معرَّض لخطر أكبر للإصابة بالخرف، وفقاً لدراسة جديدة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق جانب من «مؤتمر الطبّ التجميلي» الذي استضافته الرياض (الشرق الأوسط)

جراحات التجميل للرجال في السعودية... إقبالٌ لافت لغايات صحّية

احتلّت السعودية عام 2023 المركز الثاني عربياً في عدد اختصاصيي التجميل، والـ29 عالمياً، في حين بلغ حجم قطاع الطبّ التجميلي فيها أكثر من 5 مليارات دولار.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
صحتك بعض الأطعمة يسهم في تسريع عملية الشيخوخة (رويترز)

أطعمة تسرع عملية الشيخوخة... تعرف عليها

أكدت دراسة جديدة أن هناك بعض الأطعمة التي تسهم في تسريع عملية الشيخوخة لدى الأشخاص بشكل ملحوظ، داعية إلى تجنبها تماماً.

«الشرق الأوسط» (روما)

7 معلومات عن أنواع جراحات شرايين القلب التاجية وطرقها

7 معلومات عن أنواع جراحات شرايين القلب التاجية وطرقها
TT

7 معلومات عن أنواع جراحات شرايين القلب التاجية وطرقها

7 معلومات عن أنواع جراحات شرايين القلب التاجية وطرقها

تظل العبارة الذهبية طبياً: «النهج العلاجي الأفضل هو إجراء ما هو ملائم ومفيد للمريض». كما تبقى السمة الأبرز للتوصية في اختيار المقاربات الجراحية هي: «تخصيص الإجراء للمريض، بدلاً من (تخصيص) المريض وفقاً للإجراء».

تصميم نهج المعالجة

ولذا؛ عند التعامل العلاجي مع واقع الحالة المرضية القلبية، فإن «الشيء يُبنى على مقتضاه». ويتم النظر أولاً إلى المعطيات الصحية لدى المريض، وجوانب عدة من الحالة المرضية لديه، ثم عليها يُبنى تصميم نهج المعالجة.

وما يحاول طبيب القلب فعله هو «تدوير الزوايا الحادة» التي تفرضها أمراض القلب على صحة المريض في المديين المنظور والبعيد. وكلما تناقصت «حدة الزوايا» المرضية تلك، ارتفعت فرص تحسين جودة الحياة اليومية والتوقعات المستقبلية لدى المرضى. وهو ما يتم تطبيقه بدقة عند النظر في معالجة أمراض شرايين القلب التاجية.

وعلى الرغم من الاعتماد الأساسي على «المعالجات التحفظية» Conservative Management بالأدوية وتبني السلوكيات الصحية في نمط عيش الحياة اليومية، فإن ذلك قد لا يُفلح في بعض حالات أمراض شرايين القلب المتقدمة، لتخفيف أو إزالة عبئها المرضي على سلامة القلب ومعاناة المريض منها. وهو الأمر الذي يضطر الطبيب إلى الاستعانة إما بالمعالجات التدخلية Invasive Management من خلال القساطر التي تصل إلى داخل القلب، أو الاستعانة بالتدخل الجراحي المباشر، لإعادة أوضاع حالة القلب إلى النصاب الذي يُمكّن المريض من تجاوز الانتكاسات الصحية وعودته إلى ممارسة حياته الطبيعية بأقصى قدر ممكن.

جراحات القلب والشرايين التاجية

ودون الحديث عن المعالجات الجراحية لأمراض صمامات القلب أو العيوب الهيكلية أو العيوب الخلقية في القلب، إليك المعلومات التالية عن الجراحات القلبية لأمراض الشرايين التاجية الأكثر شيوعاً:

1. جراحة القلب. هي أي عملية جراحية تتضمن القلب أو الأوعية الدموية المتصلة به مباشرة. وتُجرى لتصحيح مشاكل القلب وتحسين طريقة عمله، حينما تكون الجراحة هي الطريقة الأفضل أو الوحيدة لذلك.

ويعتمد نوع جراحة القلب التي يخضع لها المريض، على المشكلة القلبية الأساسية أو مجموعة المشاكل القلبية لديه. وهي جراحة معقدة، وتتطلب عمل فريق طبي واسع، ذي خبرة متخصصة. وهي أيضاً حدث رئيسي في حياة المريض، يمنحه فرصة جديدة تماماً للحياة.

وفي كل عام، يخضع أكثر من مليونَي شخص حول العالم لجراحة القلب المفتوح لعلاج مشاكل القلب المختلفة، وخصوصاً الشرايين التاجية. لكن يظل مصطلح «جراحة القلب» مبهماً لدى المرضى في جوانب عدة منها، وخصوصاً مع التطورات المتلاحقة فيها. والأهم، مع اختلاف تفضيلات جراحي القلب للمقاربات الجراحية عند التخطيط لطريقة إجراء العملية، وفق معطيات مختلفة لدى كل مريض على حدة. وهذا ما يجعل ذكر «جراحة القلب» مثيراً للتوتر، وربما التخوف والتحاشي، لدى بعض المرضى. وما يثير أيضاً تساؤلات عن دواعي اختلاف طرق إجرائها على الرغم من أن الخطوط الرئيسية لإجراء الأنواع المختلفة من عمليات القلب، واضحة في الخطوات والمسارات الرئيسية.

2. فريق طبي متمرس. يتطلب النجاح في جراحة القلب وجود فريق طبي متجانس مارس عدداً كبيراً من الحالات، من أجل الوصول إلى أفضل النتائج. وتتنافس مراكز القلب في تكوين هذا الفريق الذي يضم أطباء تشخيص وعلاج ومتابعة أمراض القلب لمرحلة ما قبل الجراحة، ثم فريق غرفة العمليات المكون من الجراحين والتقنيين واختصاصيي التخدير، ثم فريق مرحلة ما بعد الجراحة المكون من أطباء الرعاية الحرجة، وطاقم الرعاية الصحية المساعدة خلال ما بعد العملية إلى حين الخروج من المستشفى. وبعد أن يغادر المريض المستشفى، هناك فريق أطباء القلب لضمان استمرار المتابعة في تقديم الرعاية القلبية.

وقبل الجراحة، يطلب طبيب القلب إجراء فحوص واختبارات عدة، لتحديد نوع جراحة القلب التي تناسب المريض بشكل أفضل. واعتماداً على مشكلة القلب لدى المريض والمعطيات الصحية الأخرى لديه، يقرر جراح القلب الطريقة التي سيُجري بها الجراحة، وفق احتياج معالجة المريض. ثم يتولى عرض الأمر بتفاصيله على المريض لأخذ الموافقة المشفوعة بالعلم منه.

طرق جراحية لإصلاح القلب

3. في العموم، يمكن علاج الكثير من أمراض القلب بإحدى الطرق الجراحية الملائمة. وإضافة إلى معالجة أمراض الشرايين التاجية، ثمة ما يلي من العلاجات الاخرى:

- إصلاح أو استبدال صمامات القلب التي تضبط تدفق الدم عبر حجرات القلب

- إصلاح الهياكل غير الطبيعية أو التالفة في أجزاء عدة من القلب

- إصلاح العيوب الخلقية في أجزاء مختلفة من القلب والأوعية الدموية الكبيرة المتصلة به

- إصلاح تمدد الأوعية الدموية (انتفاخات في جدران الشرايين)

- زرع أجهزة طبية تساعد في التحكم في ضربات القلب أو أجهزة دعم وظيفة القلب وضمان تدفق الدم

- استبدال القلب التالف بقلب سليم من متبرع (زراعة القلب)

وكما هو الحال مع أي نوع من الجراحة التي تشمل القلب، هناك بعض المخاطر. وبالنسبة للكثير من الأشخاص، تكون نتائج جراحة القلب ممتازة. ويمكن لجراحة القلب تقليل الأعراض وتحسين نوعية الحياة وتحسين فرص البقاء على قيد الحياة. لكن تكون المخاطر أعلى عموماً إذا أجريت الجراحة في حالة طارئة (كعلاج نوبة قلبية). وأيضاً تكون المخاطر أعلى مع تواجد أمراض مرافقة عميقة التأثير صحياً (مرض السكري، ضعف الكلى، أمراض مزمنة في الرئتين، وغيرها).

جراحة الشرايين التاجية

4. معالجة مرض شرايين القلب التاجية جراحياً. وهي تُسمى جراحة «التخطي» Heart Bypass Surgery أو «مجازة الشريان التاجي» CABG. ومرض القلب التاجي يحدث عندما لا تستطيع الشرايين التاجية Coronary Arteries توصيل ما يكفي من الدم، الغني بالأكسجين، إلى القلب.

واعتماداً على مدى خطورة حالة المريض وأعراضه، يُلجأ إلى التدخل الجراحي. وللتوضيح، يُحاول أطباء القلب التعامل مع تضيقات أو انسدادات الشرايين التاجية، إما بالعلاج الدوائي، أو بالعلاج التدخلي من خلال القسطرة لتركيب دعامات معدنية تضمن تدفق الدم من خلال تلك الشرايين. وعندما لا يُفلح الأمر، أو لأن التضيقات ذات طبيعة من الصعب التغلب عليها بالدعامات، يتم اللجوء إلى الجراحة، ويتم أيضاً تحديد الطريقة الأفضل للمريض في إجراء الجراحة.

وهذا أمر يُناقشه أطباء القلب وأطباء جراحة القلب، ثم يُعرض على المريض ما يستقر عليه الرأي الطبي في معالجة شرايين القلب التاجية لديه. وفي هذه الجراحة تُستخدم الأوعية الدموية السليمة المأخوذة من جزء آخر من الجسم، وتُربط بالأوعية الدموية أعلى وأسفل الشريان المسدود أو المتضيق بشدة. وهذا يوفر طريقاً جديدة لتدفق الدم، تتجاوز مناطق الضيق أو السدد. والأوعية الدموية المُستخدمة، عادة ما تكون شرايين إما موجودة داخل القفص الصدري أو شرايين مأخوذة من الساعد، أو أوردة مأخوذة من الساقين. وثمة طرق عدة لإجراء عملية شرايين القلب، كما سيأتي.

طرق جراحة القلب المفتوح

5. جراحة مجازة الشريان التاجي التقليدية، وتسمى أيضاً جراحة القلب المفتوح بشق الصدر Open-Heart Surgeries. ويُجري الجرَّاح في العادة شقاً طويلاً في منتصف الصدر، يشمل الجلد وطول عظمة «القص» الأمامية Sternum Bone. ثم يفتح الجرَّاح القفص الصدري للكشف عن القلب والعمل عليه مباشرة.

وفي الطريقة الأولى للجراحة، يتم وبعد فتح الصدر، وبالتزامن إيقاف عمل القلب مؤقتاً بفعل البوتاسيوم والأدوية وتبريد القلب، وتشغيل جهاز مضخة القلب والرئة Heart Lung Machine. وهذا الجهاز يعمل على ضخ الدم للجسم (عند الإيقاف المتعمد للقلب) بشكل مؤقت (خلال العملية فقط)؛ كي يحافظ على تدفق الأكسجين إلى كل أنحاء الجسم أثناء الجراحة. ويطلق على هذه الطريقة الأولى للجراحة، جراحة مجازة الشريان التاجي بالمضخات On-Pump.

وبعد انتهاء الجراحة في القلب نفسه، يعيد الجراح إلى القلب قدرة النبض عبر الإنعاش، وهو ما يأخذ بعض الوقت. ثم يوقف جهاز مضخة القلب والرئة الخارجي بالتدرج، وفق تدرج عودة القلب إلى سابق قوته. ثم تبدأ مرحلة الإقفال الجراحي، حيث يستخدم الجرَّاح خيطاً جراحياً معدنياً لإغلاق عظم الصدر (الذي يظل طوال العمر تحت الجلد في الجسم بعد التئام العظم). ثم يتم إقفال فتحة الجلد الطويلة بخيط قابل للامتصاص أو الإزالة لاحقاً. وعادةً، تستغرق جراحة مجازة الشريان التاجي من ثلاث إلى ست ساعات تقريباً.

وتتوقف مدة جراحة القلب المفتوح على عدد الشرايين المسدودة، وإذا ما كان ثمة صمامات قلبية تحتاج إلى الزراعة.

أما الطريقة الثانية، فهي إجراء جراحة مجازة الشريان التاجي «دون مضخة» Off-Pump. وهي خطوات جراحة القلب المفتوح نفسها مع عدم استخدام آلة لضخ الدم، وإبقاء القلب ينبض بشكل طبيعي. وهي أحد أنواع جراحات القلب النابض. لكن هذا النوع من الجراحة قد يكون صعباً، بسبب استمرار القلب في الحركة، على الرغم من استخدام الجراح آلة لتثبيت القلب. وهي ليست من الخيارات المناسبة لكل المرضى، لأسباب عدة.

الجراحة بالمنظار أو الروبوت

6. جراحة بالمنظار. وهذه هي الطريقة الثالثة، وهي إجراء جراحة مجازة الشريان التاجي من النوع «الأقل توغلاً» Minimally Invasive، بالمنظار أو بشكل مباشر. وهنا لا يتم إجراء شق الصدر من الأمام بفتحة كبيرة وشق عظمة القص الأمامية. أي لا تنطوي هذه الطريقة على كسر العظام أو إحداث شق جلدي كبير في أمام الصدر. بل يتم إجراء شقوق جراحية صغيرة جانبية، غالبا صغيرة وربما أحدها أكبر، وفق متطلبات طرق متعددة في هذا النهج الجراحي. ثم قد تتم الجراحة المباشرة أو الجراحة بالمنظار.

وعادة تكون «دون مضخة» الجهاز القلبي الرئوي، وفي أحيان أخرى باستخدام المضخة عبر فتحات شريانية ووريدية من مناطق أخرى من الجسم. ويُتم جراح القلب إجراء الخطوات الجراحية المطلوبة لعلاج الشرايين التاجية المريضة. لكن من الضروري التنبه إلى أن جراحات القلب «الأقل توغلاً»، لا تلائم، أو ليس بالإمكان إجراؤها لكثير من حالات أمراض القلب التي تتطلب الجراحة، للكثير من الأسباب التقنية والأسباب المرضية لدى المريض. وهذا جانب تتم مناقشته مع المريض. ويظل الأساس أن بالعمليات «الأقل توغلاً» تصبح المدة الإجمالية للإقامة في المستشفى أقصر. كما تصبح مدة استخدام جهاز التنفس الاصطناعي أقصر، ويقل معها ألم ما بعد العملية، وتتدنى كمية النزيف الدموي بشكل كبير، وتقل احتمالية الإصابة بعدوى، واحتمالات الإصابة باضطراب عابرة في إيقاع نظم نبض القلب بعد الجراحة. وتقل أيضاً مدة البقاء في وحدة العناية المركزة.

وكذلك، فإن هذه الطريقة أفضل من الناحية التجميلية الخارجية لحجم ندبة الجرح. ويبلغ إجمالي مدة الإقامة في المستشفى نحو ثلاثة أيام. وتتحسن جودة الحياة بشكل عام، مع إمكانية العودة إلى العمل في وقت أسرع (العودة في غضون أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع من الجراحة).

7. جراحة الروبوت. والطريقة الرابعة هي إجراء جراحة مجازة الشريان التاجي بمساعدة الروبوت. والروبوتات هي أحدث ما توصلت إليه الجراحات «الأقل توغلاً». لكن كونها الأحدث لا يعني تلقائياً أنها الأفضل للمريض، أو أنها مناسبة لكل مريض، أو أنها الأفضل في النتائج قريبة وبعيدة المدى، مقارنة بالطرق الجراحية الأخرى.

والروبوت في الحقيقة مكوّن من ثلاث أذرع، تمثل امتداداً ليد الجراح، وذراع رابعة تمثل كاميرا تنقل الصورة داخل الصدر إلى شاشة وحدة التحكم أمام الجراح. ويتطلب النجاح في جراحة القلب الروبوتية وجود فريق متجانس، والأهم أنه مارس عدداً كبيراً من الحالات، من أجل الوصول إلى أفضل النتائج. ويقوم بالعملية جراحان اثنان غالباً. أحدهما بجانب طاولة العمليات، والآخر أمام وحدة التحكم.

وثمة دواعٍ محددة لقدرة إجراء عمليات جراحة مجازة الشريان التاجي روبوتياً. وهناك كثير من المرضى الذين لا يمكنهم الخضوع لجراحة القلب الروبوتية. وخصوصاً عندما يكونون في حاجة إلى إجراءات متعددة، كمجموعة من جراحة المجازة التاجية والصمامية، فإن هذا قد يفوق قدرة الروبوت. ويُشار إلى أن المرضى الذين خضعوا لجراحة قلبية سابقة، أو الذين خضعوا لعملية سابقة تتضمن شقّاً في الجانب الأيسر من الصدر، قد لا يكونون مؤهلين أيضاً للخضوع للجراحة باستخدام الروبوت في الوقت الحالي. وقد لا يكون المرضى المصابون بزيادة الوزن أو السمنة المفرطة أو أمراض مزمنة ومؤثرة على وظائف الرئة أو أمراض الأوعية الدموية الطرفية الشديدة، مؤهلين لإجراء هذه العمليات أيضاً لأسباب عدة. وتختلف المراكز الطبية العالمية في قدرات الفريق الجراحي في كل منها، في إجراء أنواع محددة من الجراحات القلبية.