تشير إحصاءات «مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC)» الأميركية إلى أن واحداً من كل 6 أشخاص في أميركا يعاني من الإصابة بأمراض تنقلها الأغذية؛ التي تمثل خطورة على صحة وحياة المستهلك وتشكل عبئاً صحياً كبيراً؛ وأن 128 ألفاً يجري تنويمهم في المستشفيات؛ ويتوفى نحو 3 آلاف بسبب الأمراض التي تنتقل بالأغذية.
يمكن لأي شخص أن يصاب بالتسمم الغذائي بسبب تلوث طعامه، ولكن هناك مجموعة من الناس أكثر عرضة للإصابة الخطيرة بالمرض، كالبالغين 65 عاماً فما فوق، والأطفال أقل من 5 سنوات، والنساء الحوامل، وأصحاب المناعة الضعيفة؛ بمن فيهم مرضى السكري وأمراض الكبد والكلى وفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) والسرطان. وهذه المجموعة من الناس تُنصح بعدم تناول الأطعمة غير المطبوخة جيداً أو النيئة والحليب والعصائر غير المبسترة (الخام) والجبن الطري، ما لم تصنَّف على أنها مصنوعة من الحليب المبستر.
قد يحدث تلوث الغذاء خلال السلسلة الغذائية التي تبدأ من المزرعة إلى أن يصل الطعام إلى طاولة الأكل. ويمكن أن يتعرض الغذاء أو الشراب إلى عوامل التلوث التي قد تكون من مصادر فيزيائية، أو بيولوجية، أو بيئية، أو مواد موجودة أصلاً في الغذاء، أو عوامل التلف والانحلال الذاتي، التي تحولها إلى أغذية أو مشروبات ضارة.
التقت «صحتك» الدكتورة أمل بنت محمد اللبان، عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى والحاصلة على درجة الدكتوراه في التغذية التطبيقية والتغذية وعلوم الأطعمة، وذلك لتسليط الضوء، بشيء من التفصيل، على موضوع تلوث الغذاء؛ طرق التلوث، ومصادره، وأنواعه، وطرق حفظ الطعام وسلامته. وأوضحت أن مصادر تلوث الطعام متعددة، نذكر منها ما يلي:
التلوث البيولوجي
يحدث التلوث البيولوجي نتيجة التعرض للمصادر البيولوجية الكثيرة في البيئة، مثل التربة والهواء والمياه السطحية للبحار والأنهار، وكذلك من الإنسان والحيوان المصاب، ومن الغذاء الملوث نفسه. وعادة ما يكون التلوث البيولوجي ذا طابع مُعدٍ أو سُمي، وتتسبب فيه البكتيريا أو الفيروسات أو الفطريات التي تتضمن الأعفان أو الطفيليات أو الخمائر أو مواد سمية تفرزها هذه الكائنات الحية، فتنتقل إلى جسم الإنسان عن طريق الغذاء أو الماء الملوث، وذلك خلال السلسلة الغذائية التي تشمل تحضير أو تخزين أو إعداد أو غسل أو طهي أو نقل أو تجهيز أو تصنيع الطعام أو الشراب. ويشمل التلوث البيولوجي ما يلي:
> التلوث البكتيري للأغذية: يحدث التلوث البكتيري في أكثر من 90 في المائة من الأمراض المنتقلة عن طريق الغذاء، ومع ذلك تمثل البكتيريا الممرضة نحو 4 في المائة فقط من مجمل أنواع البكتيريا المعروفة، في حين يعدّ نحو 96 في المائة من البكتيريا غير ضار، بل يستعمل بعضها لغرض المساعدة في إعداد وتحضير بعض الأغذية مثل منتجات الألبان، والمخبوزات... وغيرهما من الأطعمة المتخمرة. وتعدّ لحوم الماشية والدواجن والبيض والأسماك والحليب ومشتقاته من أكثر الأطعمة المرتبطة بالتلوث البكتيري. وتسبب البكتيريا الممرضة 3 أنواع من الإصابة المرضية عن طريق الغذاء أو الشراب؛ هي: العدوى من الطعام الذي يحتوي البكتيريا، والإصابة المرضية نتيجة تكوّن سموم من البكتيريا في الغذاء، والإصابة المرضية نتيجة تكون السموم داخل الأمعاء.
> التلوث الفيروسي للأغذية: تتطفل الفيروسات إجباريّاً على الخلايا الحية من البكتيريا والإنسان والحيوان والنبات للتكاثر وإحداث العدوى. كما تسبب أمراضاً متعددة للحيوانات والنباتات والإنسان، فهي تسبب للإنسان أمراضاً مختلفة بالأجهزة التنفسية والهضمية والعصبية والدموية والتهابات المعدة والكبد... وغيرها.
> تلوث الأغذية بالفطريات: تشمل الفطريات 3 مجموعات من الأحياء الدقيقة؛ هي: الأعفان (Molds)، والخمائر (Yeasts)، والفطر (عش الغراب (Mushrooms)، وتنتمي الفطريات إلى الكائنات الحية ذات النواة الحقيقية، بينما تنتمي البكتيريا إلى الكائنات الحية التي ليست لها نواة حقيقية. وتستوطن الفطريات بيئات متباينة تشمل التربة، ومخلفات النباتات الميتة... وغيرهما. وتسبب الفطريات تعفن وتلف وفساد الأغذية، خصوصاً الفواكه والخضراوات، وبعضها يسبب عدوى وتسمماً للإنسان والحيوان. وتنتشر الفطريات في جميع عناصر البيئة المتمثلة في الهواء والمياه والتربة والأغذية والنباتات والحيوانات. وتنتقل الفطريات فيما بين عناصر البيئة هذه بوسائل مختلفة.
> الأمراض الطفيلية المنقولة بالغذاء: تنتقل الطفيليات للإنسان عن طريق تناول الغذاء أو المياه الملوثة، مسببة له أمراضاً معوية. ولقد سميت «الطفيليات» بسبب تطفلها على حيوان أكبر تعيش عليه يسمى «المضيف» أو «العائل»؛ حيث تستمد أسباب حياتها بصفة عامة وكاملة. وتنتشر الأمراض الطفيلية بشكل واسع وتعدّ متوطنة في كثير من الدول النامية التي تقل فيها الاشتراطات الصحية في طرق التخلص من الفضلات الآدمية والحيوانية، وصعوبة الحصول على مياه الشرب غير الملوثة. ويمكن تقسيم الطفيليات من حيث الصفات المشتركة إلى مجموعتين: وحيدة الخلايا، ومتعددة الخلايا ويطلق عليها «الديدان الطفيلية».
التلوث البيئي
يشمل:
> التلوث الصناعي: أشارت الدكتورة أمل اللبان إلى أنه يُلاحظ خلال عمليات التصنيع ظهور بعض المواد الضارة في البيئة، التي تلوث الهواء أو الأرض أو البحار والأنهار، ومن ثم يصل الأمر إلى الغذاء والإنسان. ويرجع التلوث بالمعادن الثقيلة إلى التقدم في الصناعات الكيميائية التي تشمل صناعة المعادن والبلاستيك والبويات والمواد العازلة والصبغات، بالإضافة إلى عادم السيارات... وجميعها يخلف نسبة عالية من هذه المعادن. والتسمم بالمعادن الثقيلة له تأثير تراكمي، تظهر في نهايته أعراض التسمم التي تشمل مشكلات عصبية، واضطرابات في المزاج، واضطرابات أيضية، وفقر الدم، والإجهاد، ومشكلات بالجهاز العضلي المفصلي، وارتفاع ضغط الدم، وعدم انتظام وظيفة الكلى والكبد، ومشكلات في الجهاز الهرموني، وعدم انتظام وظيفة الجهاز المناعي. ومن أهم هذه المعادن التي تمثل خطورة على صحة وحياة الإنسان الزئبق، والرصاص، والكادميوم.
> التلوث الإشعاعي: عرّفت الدكتورة أمل اللبان التلوث الإشعاعي بأنّه أحد أشكال التلوث الناتجة من انبعاث مواد مشعة في البيئة بطريقة عشوائية، أو بفعل الطبيعة، أو نتيجة الحروب، مما يؤدي إلى تلوث الأغذية أو المشروبات بالإشعاعات التي تصبح خطرة وغير صالحة للإنسان أو للحيوان. ويحدث التلوث الإشعاعي عندما تكون المواد المشعة موجودة على سطح الأجسام أو داخلها، وتُصبح جميع عناصر البيئة، كالهواء والماء والتربة والنباتات والأسطح بشكل عام والمباني والأشخاص وحتى الحيوانات، ملوثة إذا ما تعرضت للمواد المشعة.
ومن أمثلة حالات التلوث الإشعاعي واسعة الانتشار كارثة «تشيرنوبل» عام 1986 في روسيا، فقد ارتفع عدد حالات السرطان في المنطقة المحيطة بالكارثة.
أما معالجة الأطعمة بالأشعة المتأينة بغرض الحفظ؛ فإنها لا تطلق إشعاعات ضارة ولا تجعل الطعام ملوثاً بالإشعاع، وذلك في حالة الاستخدام الصحيح لطريقة الحفظ.
> الغش التجاري: قد يمثل الغش التجاري للمنتجات الغذائية خطورة على صحة وحياة المستهلك، وعلى سبيل المثال: تفشي حالات التسمم التي حدثت سنة 1981 في إسبانيا بظهور أعراض جديدة من ارتفاع درجة الحرارة، والطفح الجلدي، ومشكلات في الجهاز التنفسي، وتنويم الآلاف بالمستشفيات، ووفاة أكثر من 100 شخص، نتيجة الغش التجاري لزيت الزيتون بزيت بذرة اللفت (Rapeseed Oil) والمضاف إليه مادة سامة تدعى «أنيلين (Aniline)» التي تستعمل في الصناعة فقط.
وكذلك تلوث بدائل حليب الأم بمادة الميلامين في عام 2008 بالصين، مما أدى إلى تسمم 300 ألف طفل ورضيع ووفاة 6 منهم.
> التغيرات خلال إعداد وطهي الأطعمة: أوضحت الدكتورة أمل اللبان أن هناك بعض طرق إعداد وطهي وتناول الأطعمة تؤدي إلى مشكلات صحية تشمل:
- اللحوم المشوية: تؤدي عملية شَيّ اللحوم؛ خصوصاً الغنية بالدهون، إلى تحلل بعض المواد العضوية الموجودة فيها إلى مواد ذات حجم جزيئي أصغر، لها تأثير مسرطن على حيوانات التجارب. لذلك ينصح المختصون في علوم الغذاء والتغذية بعدم تناول اللحوم المشوية على الفحم بصورة يومية؛ خصوصاً الدسمة منها. هذا بالإضافة إلى أن الاحتراق غير الكامل للفحم يؤدي إلى ظهور السخام الذي ثبت تأثيره المسرطن على الجلد عند دهانه على جلد حيوانات التجارب.
- تكرار استخدام الزيوت في القلي: من الملاحظ أن زيادة تسخين الزيت على 180 درجة مئوية تزيد من تحلله. وتختلف نواتج أكسدة الزيوت بالتسخين باختلاف نوع الزيت، ودرجة الحرارة، ومدة التسخين، ووجود الهواء والمعادن من نحاس وحديد، ونسبة الرطوبة. وإعادة استعمال الزيوت للقلي مرات عدة يؤدي إلى تكوّن مواد مبلمرة تضر بالصحة. يُنصح أن يكون قلي الأطعمة في درجة حرارة أعلى من 140 درجة مئوية وأقل من 180 درجة مئوية حتى لا تفقد طعمها ولا تمتص زيتاً كثيراً وحتى لا تتكون قشرة صلبة تمنع قلي الطعام جيداً. كما يُنصح باستخدام طرق وأدوات طهي صحية بدلاً من القلي، مثل السلق، والطبخ بالبخار، وأواني الضغط.
- استخدام درجات الحرارة العالية: يؤدي الطهي باستخدام درجات الحرارة العالية للأطعمة الغنية بالكربوهيدرات والمحتوية على السكر والحمض الأميني «أسباراجين» إلى تكوين مادة تسمى «أكريلاميد» يمكن أن تتكون عند درجات الحرارة المرتفعة أثناء التحمير أو التحميص أو الخبز. وقد ظهر أن لهذه المادة تأثيراً مسرطناً على حيوانات التجارب، ولحسن الحظ أن الناس لا يتناولون في وجباتهم اليومية كمية كبيرة من هذه المادة بدرجة تجعلها تمثل خطراً كبيراً.
التلوث الفيزيائي
> التلوث «الملموس»: يقصد به وجود مادة أو جسم غريب في الغذاء، والتي قد تحدث أعراضاً مرضية نتيجة تناولها؛ منها: قطع من المعادن (كالمجوهرات)، وأحجار، وأخشاب، وقطع من الزجاج، وحشرات أو أجزاء منها، وبلاستيك... وغيرها.
> عدم تحمل مضافات الأغذية: لقد تطورت الطرق الزراعية مع بداية القرن العشرين، كما تطورت تكنولوجيا إنتاج وصناعة المواد الغذائية، مما أدى إلى وفرة الطعام وزيادة تداوله ونقله، ليس فقط داخل البلد المنتج؛ بل حتى خارجه، الأمر الذي استوجب إضافة مواد تساعد في المحافظة على الجودة التغذوية والفيزيائية للغذاء، وتحسن من اللون والطعم والرائحة، كما تساعد في جعله أكثر جاذبية وأكثر قيمة غذائية، مما يجعله مرغوباً بدرجة أكبر.
وتعدّ المادة المضافة سالمة وآمنة في تركيزها المضاف بناء على المعلومات العلمية والصحية المتوفرة، وذلك بالنسبة إلى كل أفراد المجتمع، باستثناء بعض الحالات النادرة التي تعاني من الحساسية أو عدم تحمل هذه المادة المضافة. وكمثال على المضافات: «أحادي جلوتامات الصوديوم (MSG)»، و«السلفيت (Sulfite)»، و«نترات الصوديوم (Sodium Nitrate)»، و«البنزوات (Benzoates)»، و«الترترازين (Tartrazine)».
توصيات السلامة الغذائية
تعمل منظمة الصحة العالمية مع منظمة الأغذية والزراعة، وهما تابعتان لهيئة الأمم المتحدة، وغيرهما من المنظمات الدولية، على الترويج لفوائد السلامة الغذائية والنُظم الغذائية الصحية، من أجل ضمان السلامة الغذائية خلال مراحل السلسلة الغذائية بأكملها؛ من الإنتاج إلى الاستهلاك.
وتوصي منظمة الصحة العالمية باتباع 5 خطوات أو وصايا لضمان السلامة الغذائية من الملوثات البيولوجية؛ تشمل:
- الحفاظ على النظافة: النظافة الشخصية، ونظافة أدوات ومكان التعامل مع الطعام.
- فصل الطعام النيئ عن الطعام المطبوخ: حفظ الأغذية المطبوخة في أوانٍ بعيداً من الأغذية النيئة، واستعمال أدوات ومعدات وأوانٍ خاصة للأغذية النيئة، والتأكيد على غسل وتعقيم الأوعية وألواح التقطيع وغير ذلك من الأدوات التي استُخدمت في تحضير الطعام النيئ، ووضع اللحوم والدجاج النيئ في حافظات مقفلة بإحكام في رفوف الثلاجة كي لا تتسرب العصارات إلى الطعام المطهو أو الجاهز للأكل في الرفوف الأخرى.
- طهو الطعام جيداً لفترة كافية: لقتل الكائنات المجهرية الضارة الخطرة كالبكتيريا.
- حفظ الطعام في درجات حرارة آمنة: تحت 5 درجات مئوية، وفوق 60 درجة مئوية، لإيقاف أو إبطاء نمو وتكاثر الجراثيم.
- استخدام مياه نظيفة وأطعمة طازجة.
- استشاري طب المجتمع