إيران تعوّل على «آستانة» لحفظ نفوذها في سوريا

مصادر: طهران على تواصل مباشر مع فصائل في القيادة الجديدة

رجل إيراني يقرأ صحيفة «همشهري» التي توجه انتقادات لبشار الأسد في عنوانها الرئيسي
رجل إيراني يقرأ صحيفة «همشهري» التي توجه انتقادات لبشار الأسد في عنوانها الرئيسي
TT

إيران تعوّل على «آستانة» لحفظ نفوذها في سوريا

رجل إيراني يقرأ صحيفة «همشهري» التي توجه انتقادات لبشار الأسد في عنوانها الرئيسي
رجل إيراني يقرأ صحيفة «همشهري» التي توجه انتقادات لبشار الأسد في عنوانها الرئيسي

تعوّل طهران على إبقاء ما تبقى من نفوذها في سوريا عبر «مسار آستانة»، وذلك بعد الإطاحة بحليفها الأبرز في المنطقة، بشار الأسد.

وأبلغ وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، نواب البرلمان، بتمسك بلاده باستمرار محادثات «آستانة» حول الأزمة السورية، لكنه قال إن المسار الدبلوماسي يعتمد على تطورات الوضع في سوريا وقرارات الأطراف الثلاثة؛ إيران وروسيا وتركيا.

وقالت إيران، الأحد، إنها تتوقع استمرار العلاقات مع دمشق على أساس «نهج حكيم وبعيد النظر»، ودعت إلى تشكيل حكومة شاملة تمثل كل فئات المجتمع السوري.

وأجاب عراقجي، في جلسة مغلقة على أسئلة نواب البرلمان حول تطورات الوضع السوري. وقالت وسائل إعلام حكومية إنه قدم تقريراً عن الأنشطة الدبلوماسية خلال الأيام القليلة الماضية، خصوصاً «اجتماع الدوحة»، عشية سقوط نظام بشار الأسد.

وقال للصحافيين: «في هذه الجلسة طرح النواب أسئلة حول مسار وسرعة التطورات في سوريا، وأجبنا عليها وناقشنا بعض النقاط. بشكل عام، كان الاجتماع فرصة جيدة لتبادل الآراء».

صورة نشرها موقع البرلمان الإيراني من مشاركة عراقجي في جلسة مغلقة اليوم

وبشأن ما إذا كانت المعارضة السورية ستعترف بـ«مسار آستانة»، وتشارك في الجولة الجديدة، قال عراقجي: «في الأساس، الحكومة السورية لم تشارك أبداً في محادثات مسار آستانة، حيث كانت هذه العمليّة بين إيران وتركيا وروسيا. مسألة استمرار هذا المسار في المستقبل تعتمد على التطورات وقرارات الدول الثلاث. أما باقي الدول العربية فلم تكن أبداً جزءاً من مسار آستانة».

وقال عراقجي للتلفزيون الرسمي، مساء الأحد، إن بشار الأسد أبلغه «استغرابه وشكواه من أداء الجيش السوري».

وأن الاستخبارات الإيرانية والسورية كانتا على علم بتحركات إدلب، وتم إبلاغ الحكومة السورية بذلك. وأشار إلى أن ضعف الجيش السوري وسرعة التطورات كانا أسباباً لعامل المفاجأة.

وأنفق حكام إيران من رجال الدين مليارات الدولارات على دعم الأسد خلال «الحرب الأهلية» التي اندلعت في سوريا عام 2011، ونشروا فيها الحرس الثوري لإبقاء حليفهم في السلطة، والحفاظ على «محور المقاومة» الإيراني في مواجهة إسرائيل ونفوذ الولايات المتحدة بالشرق الأوسط.

وسقوط الأسد يكسر حلقة مهمة في سلسلة المقاومة الإيرانية بالمنطقة، التي كانت بمثابة طريق عبور مهم تزود طهران من خلاله حلفاءها، خصوصاً «حزب الله»، بالأسلحة والتمويل.

الاتصالات مع القيادة السورية

ونسبت وكالة «رويترز»، الاثنين، إلى مسؤول إيراني كبير، أن طهران فتحت قناة مباشرة للتواصل مع فصائل في القيادة الجديدة في سوريا. وأضاف أن هذا يمثل محاولة «لمنع مسار عدائي» بين البلدين.

ولا شك أن إيران تشعر بالقلق من أن تؤثر طريقة تغيير السلطة في دمشق على نفوذها في سوريا؛ العمود الفقري لنفوذها في المنطقة.

وقال ثلاثة مسؤولين إيرانيين لـ«رويترز» إن الأمر لا يدعو للذعر، وإن طهران ستتبع السبل الدبلوماسية للتواصل مع أشخاص وصفهم أحد المسؤولين بأنهم «داخل الجماعات الحاكمة الجديدة في سوريا الذين تقترب آراؤهم من (وجهات نظر) إيران».

وقال مسؤول إيراني ثان: «القلق الرئيسي بالنسبة لإيران هو ما إذا كان خليفة الأسد سيدفع سوريا للدوران بعيداً عن فلك طهران... هذا السيناريو تحرص إيران على تجنبه».

أشخاص يمشون أمام لوحة دعائية لصاروخ «فتاح» فرط الصوتي تحت شعار «إيران على خط المواجهة» في طهران

وإذا أصبحت سوريا ما بعد الأسد دولة معادية، فستحرم جماعة «حزب الله» اللبنانية من طريق الإمداد البري الوحيد لها، وستمنع إيران من الوصول إلى البحر المتوسط ​​و«خط المواجهة» مع إسرائيل.

وقال أحد المسؤولين الكبار إن حكام إيران، الذين يواجهون الآن فقدان حليف مهم في دمشق وعودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني)، منفتحون على التعامل مع القادة السوريين الجدد.

وأضاف: «هذا التواصل مفتاح لاستقرار العلاقات، وتجنب مزيد من التوترات الإقليمية».

وقال المسؤول إن إيران أقامت اتصالات مع جماعتين في القيادة الجديدة، وستقيم مستوى التفاعل في الأيام المقبلة بعد اجتماع في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، وهو جهاز أمني كبير.

وذكر مسؤولان إيرانيان أن طهران تخشى من أن يستغل ترمب سقوط الأسد في زيادة الضغوط الاقتصادية والسياسية على إيران «إما لإجبارها على تقديم تنازلات أو لزعزعة استقرارها».

أسئلة وسيناريوهات

وتباينت عناوين الصحف الإيرانية حول سقوط بشار الأسد، لكنها حاولت الإجابة على جملة من الأسئلة المتعددة التي أجاب عليها الخبراء، من بينها سيناريوهات المرحلة المقبلة، وكيفية إعادة الأموال الذي أنفقتها إيران في تمويل حكومة الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، فضلاً عن مستقبل نفوذ إيران.

وتحت عنوان «الفوضى تعم سوريا»، عدت صحيفة «كيهان» المحسوبة على مكتب المرشد الإيراني، سقوط الأسد، «نهاية مهمة الإرهابيين وبداية السلطة الأميركية». وقالت: «نتيجة هذا الحراك (...) ستكون بداية فوضى أساسية، ومن المحتمل مطولة». وفي إشارة إلى «هيئة تحرير الشام»، قالت «كيهان» إن «هذه المجموعة الإرهابية المكونة من 37 مجموعة أخرى، وتعمل تحت أمرة أميركا وإسرائيل، بدأت بنهب مختلف الأماكن من الساعات الأولى لسقوط دمشق».

أما صحيفة «همشهري»، التابعة لبلدية طهران، فقد أشارت إلى «التوصية التي لم تسمع». وأشارت إلى تحذير المرشد الإيراني علي خامنئي في نهاية مايو (آيار) الماضي بشأن «محاولات إقصاء سوريا من المعادلات الإقليمية».

من جانبها، عنونت صحيفة «آكاه» التابعة لمنظمة الدعاية في مكتب المرشد الإيراني، بـ«ثمن عدم خوض الحرب»، وقالت إن «سقوط دمشق تظهر أن الهزيمة نتيجة الامتناع عن المقاومة»، في إشارة ضمنية للانتقادات التي طالت الأسد بسبب موقفه من الحرب الإسرائيلية مع «حزب الله» و«حماس».

ودون الإشارة إلى الدور الإيراني في سوريا، قالت صحيفة «دنياي اقتصاد»، في مقالها الافتتاحي، إن أحداث سوريا «أظهرت مرة أخرى أن القوة السياسية دون دعم شعبي تكون غير مستقرة... رغم أنه يبدو أن كل شيء تحت السيطرة، فإن عدم الاستقرار المحتمل قد يتحوّل فجأة إلى واقع».

وأضافت: «سوريا الآن في واحدة من تلك اللحظات الحرجة التي إذا التزم حكامها الجدد بنظرة وطنية شاملة تركز على التنمية والانفتاح، وأدرجوا اقتصادهم في سلسلة القيمة العالمية، يمكنهم إنقاذ ملايين المواطنين من حياتهم الحالية». وحذرت من أن عدم حدوث ذلك، يضع «الشعب السوري تحت رحمة ديكتاتورية جديدة، وستستمر المعاناة المظلمة لشعب الشام».

وأشارت الصحيفة تحت عنوانها الرئيسي «نهاية شام الأسد» إلى عدة أسباب لسقوط بشار، منها غياب «حزب الله» نتيجة الحرب الأخيرة، وانخفاض المقاتلات الجوية الروسية المنشغلة بالحرب الأوكرانية. ورأت الصحيفة أنهما كانا أساسيين في سيطرة قوات الجيش السوري على حلب قبل سبع سنوات.

وبرز عنوان «سقوط الأسد» على أولى صفحات صحيفة «سازندكي» الناطقة باسم فصيل الرئيس الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، وقال وكيل أمين عام حزب «كاركزاران سازندكي» إن سوريا قد تشهد سيناريو مماثلاً لعراق ما بعد صدام حسين، متوقعاً صعود هيكل سياسي يضم المكونات العرقية والطوائف بما يشمل العلويين وأهل السنة والأكراد، محذراً من أن انهيار هذا النهج «سيزعزع النظام الإقليمي في المنطقة».

طغى الحدث السوري وتأثيره على إيران في غالبية الصحف الصادرة في طهران صباح الاثنين (أ.ف.ب)

وكان لافتاً أن الصحيفة أشارت إلى التوقعات بشأن الموقف العربي والروسي والإسرائيلي حيال سوريا الجديدة، دون التطرق للموقف الإيراني.

وقال المحلل السياسي أحمد زيد آبادي في افتتاحية صحيفة «هم ميهن» الإصلاحية إن «الأسد انتهى لكنها بداية لإيران». ودعا إلى إجابة صريحة وواضحة بشأن «الأخطاء التي وقعت وما أنفقته إيران»، داعياً إلى تشكيل مجموعة عمل تضم خبراء مستقلين للإجابة على هذا السؤال.

وأضاف: «إيران وحيدة تماماً، يبدو أن جميع الأطراف المعنية كانت تعلم ما سيحدث في سوريا باستثناء إيران».

وأشار إلى مقال نشرته وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» صباح الأحد. وكتب زيد آبادي: «منبر خبري عسكري حمّل المسؤولية للرئيس بشار الأسد لتبرير الهزيمة»، وكتب: «رئيس الجمهورية السورية لم يُظهر اهتماماً كافياً بتوصيات الجمهورية الإسلامية بشأن الديمقراطية والدفاع الشعبي».

ديون إيران

بدوره، دعا النائب السابق حشمت الله فلاحت بيشه، الذي ترأس لجنة الأمن القومي سابقاً، إلى إقامة قنوات تواصل مع القوى السورية، لافتاً إلى أنه حذر المسؤولين الإيرانيين بعد زيارته إلى دمشق بشأن ضرورة استعادة الأموال الإيرانية خشية سقوط النظام.

وترأس فلاحت بيشه وفداً برلمانياً إيرانياً في يناير (كانون الثاني) 2019، وأجرى حينها مباحثات مع بشار الأسد لتوسيع العلاقات.

وكان فلاحت بيشه قد طالب المسؤولين الإيرانيين باستعادة «عشرات المليارات من الدولارات» من الديون الإيرانية لدى سوريا.

أما صحيفة «إيران» الناطقة باسم الحكومة فقد اقتبست عنوانها من تصريح الرئيس المدعوم من الإصلاحيين مسعود بزشيكان: «إيران تدعم حق الانتخاب للشعب السوري».

رواية إيرانية

نفى مكتب علي لاريجاني، الذي نقل رسالتين من المرشد الإيراني إلى بشار الأسد، رواية محلل سياسي كشف تفاصيل الساعات الأخيرة على انسحاب القوات الإيرانية من ساحة المعركة في سوريا.

وقال المحلل مصطفى خوش جشم، في تصريح للقناة الرسمية الثانية، إن لاريجاني التقى بشار الأسد، الجمعة، وسأله عن أسباب عدم التقديم بطلب لإرسال قوات إيرانية إلى سوريا.

وفي المقابلة التي أعادت بثها وكالة «مهر» الحكومية، صرح خوش جشم بأن الأسد قال للاريجاني: «أرسلوا قوات لكنني لا يمكنني إعادة معنويات هذا الجيش». وأوضح المحلل أن «تصريح الأسد كان اعترافاً منه وكرره عدة مرات»، وتابع: «ماذا يعني ذلك، عندما قال بصراحة: تقرر أن يتدخل الجيش ويعمل لمدة يومين حتى تصل القوات الإيرانية ومستشاروها، وهو ما حدث جزئياً»، ولفت إلى أن «جماعات (محور المقاومة) هي التي تسببت في إيقاف زحف المسلحين في حمص لبعض الساعات»، وأضاف في السياق نفسه: «لكن عندما كانت أفضل قواتنا تعمل هناك، الجيش توقف عن العمل، وانضمت له وحدات الدفاع الشعبي السورية، ونحن بقينا وحدنا، حتى لم يقفوا يوماً واحداً لكي نبقى».

لافتة للجنرال الإيراني قاسم سليماني في مدخل السفارة الإيرانية في دمشق (أ.ب)

أكبر المتضررين

وقال المحلل نوذر شفيعي لوكالة «إيلنا» الإصلاحية إن إيران «الأكبر تضرراً في سوريا»، قائلاً: «لا دولة تكبدت تكلفة أكبر منا في سوريا». وأوضح أن المبرر بأن «التيار الحاكم في سوريا لن يؤذي الشيعة لا يُبرر الخسارة»، مطالباً بمراجعة سياسة إيران تجاه سوريا ومحاسبة المسؤولين عنها.

وأشار إلى أن «الحكومة السورية الجديدة قد لا تكون داعمةً لإيران، وإذا اكتفت بعلاقات عادية وصداقة معها سيكون ذلك إنجازاً». وقال إن تطورات سوريا يجب أن تكون «درساً تاريخياً عميقاً» لإيران، محذراً من أن بعض المسؤولين يتعاملون مع ذلك بـ«سطحية».

وأضاف أن «الوضع يحتاج إلى تحول عميق في السياسة الخارجية الإيرانية لتجنب المزيد من المشكلات».

كما تحدث عن احتمال نشوء نظام إقليمي جديد بعد التطورات في سوريا، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وإسرائيل «ستكونان المستفيدتين الرئيسيتين». وتوقع تراجع دور «حزب الله».

ورأى شفيعي أنه إذا اختارت إيران الأمن المستند إلى السلام بدلاً من القوة، ستكون قادرة على الحفاظ على مصالحها الوطنية وتعزيزها. ولكن إذا استمرت في رؤية النظام الإقليمي من منطلق القوة ودعمه، فإن هذا سيزيد من تكاليفها.


مقالات ذات صلة

الغرب يحذّر سوريا من تعيين «مقاتلين أجانب» في الجيش

المشرق العربي مقاتلون من «هيئة تحرير الشام» في دمشق (رويترز)

الغرب يحذّر سوريا من تعيين «مقاتلين أجانب» في الجيش

حذّر مبعوثون أميركيون وفرنسيون وألمان الحكام الجدد في سوريا من أن تعيينهم لـ«مقاتلين أجانب» في مناصب عسكرية عليا يمثّل مصدر قلق أمني ويسيء لصورتهم.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي (د.ب.أ)

ميقاتي إلى دمشق لتدشين العلاقة الرسمية مع القيادة الجديدة

يتوجّه رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي إلى دمشق، السبت، للقاء قائد الإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
خاص زعيم «هيئة تحرير الشام» أحمد الشرع خلال اجتماع في دمشق (إ.ب.أ)

خاص مسؤول أميركي لـ«الشرق الأوسط»: نُجري محادثات بناءة مع الشرع

أكدت واشنطن أنها تُجري محادثات «بناءة» مع الإدارة السورية الجديدة، معلنة أن أولوياتها مع دمشق تشمل المشاركة الجامعة للسوريين ومكافحة الإرهاب وإضعاف إيران وروسيا

علي بردى (واشنطن)
المشرق العربي قوات أمن سورية في ساحة الأمويين بدمشق يوم 8 يناير الحالي (أ.ف.ب)

عمليات ثأر في ريف دمشق تثير قلقا حقوقيا

أثار احتفال أهالي بلدة دمر، غرب دمشق، الجمعة، بـ«إعدام» مختار المنطقة السابق مازن كنينة ميدانياً، قلق نشطاء المجتمع المدني وحقوقيين.

سعاد جروس (دمشق)
المشرق العربي وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال مؤتمر صحافي في إسطنبول الجمعة (رويترز)

تركيا تنسّق مع أميركا في سوريا وتطالب فرنسا باستعادة «دواعشها»

أعطت تركيا إشارة إلى تنسيقها مع الولايات المتحدة بشأن التحرك ضد القوات الكردية في شمال سوريا، وانتقدت بعنفٍ موقف فرنسا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

تركيا: اعتقالات جديدة لرؤساء بلديات كردية... وتفاؤل بحقبة ترمب

احتجاج أمام بلدية أكدنيز في مرسين على اعتقال رئيسيها المشاركين (إعلام تركي)
احتجاج أمام بلدية أكدنيز في مرسين على اعتقال رئيسيها المشاركين (إعلام تركي)
TT

تركيا: اعتقالات جديدة لرؤساء بلديات كردية... وتفاؤل بحقبة ترمب

احتجاج أمام بلدية أكدنيز في مرسين على اعتقال رئيسيها المشاركين (إعلام تركي)
احتجاج أمام بلدية أكدنيز في مرسين على اعتقال رئيسيها المشاركين (إعلام تركي)

عبّرت تركيا عن تفاؤلها بالعلاقات مع أميركا في عهد الإدارة الجديدة للرئيس المنتخب دونالد ترمب، ووجّهت انتقادات حادّة للاتحاد الأوروبي، واتهمته بـ«العمى الاستراتيجي» في التعامل مع ملف انضمامها إلى عضويته.

على صعيد آخر، اعتقلت السلطات التركية رئيسي بلدية تابعة لحزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، المؤيد للأكراد، في ولاية مرسين جنوب البلاد، في خضم المفاوضات الجارية مع زعيم «حزب العمال الكردستاني» السجين مدى الحياة، عبد الله أوجلان، للتوصل إلى حل ديمقراطي للمشكلة الكردية وقضية الإرهاب.

أميركا وأوروبا

وقال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إن بلاده ستواصل الحوار البنّاء والصريح مع الإدارة الجديدة للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وعبّر عن أمله في استمرار الزخم الإيجابي في العلاقات بين البلدين.

وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال مؤتمر صحافي في إسطنبول الجمعة (الخارجية التركية)

وأضاف فيدان، خلال مؤتمر صحافي في إسطنبول الجمعة، أن تركيا تتوقع العمل مع الإدارة الجديدة لترمب على صعيد العلاقات الثنائية وقضايا إسرائيل وغزة وأوكرانيا وغيرها، وتأمل في إحراز تقدم بتلك المجالات.

وتزامنت تصريحات فيدان مع جولة مباحثات تركية أميركية، اختُتمت الجمعة، وشملت اجتماعات ولقاءات أجراها على مدى يومين وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية، جون باس، مع نائبي وزير الخارجية التركي نوح يلماظ، وبرهان الدين بوران، وكبير مستشاري الرئيس التركي للشؤون السياسية والأمن القومي، عاكف تشاغطاي كيليتش، ووزير الدفاع، يشار غولر.

مباحثات تركية أميركية في أنقرة الخميس (الخارجية التركية)

وتناولت جولة المباحثات، وهي الثانية من نوعها بعد جولة مماثلة عُقدت في أنقرة سبتمبر (أيلول) الماضي، العلاقات بين البلدين بمختلف جوانبها، مع التركيز على التطورات في سوريا.

من ناحية أخرى، انتقد فيدان موقف الاتحاد الأوروبي من مفاوضات بلاده للحصول على عضويته، قائلاً: إن الاتحاد يعاني نوعاً من «العمى الاستراتيجي» فيما يخص المفاوضات.

وأبدى الوزير التركي استغراباً من موقف الاتحاد تجاه مسألة تحرير تأشيرات الدخول إلى دوله (شنغن) للمواطنين الأتراك، قائلاً: إن «تحرير التأشيرة مسألة فنية، ويمكن تنفيذها بسهولة بالغة».

وأشار إلى أن حجم التجارة بين تركيا والاتحاد الأوروبي يعد مؤشراً آخر على أن العلاقات مع مؤسسات الاتحاد ليست بمستوى كافٍ، مؤكداً ضرورة مراجعة اتفاقية الاتحاد الجمركي الموقعة عام 1995.

وأضاف: «نرى أن القضايا المتعلقة بتركيا تؤخذ رهينة لدى الاتحاد، تركيا لديها آفاق العضوية الكاملة بسبب مسيرتها التاريخية، تركيا كان لديها فرص الانضمام في 2008 أو 2009 أو 2011، لكن المشكلة أنه لا يوجد أشخاص يرون هذا، هناك حالة عمى استراتيجي».

وفيما يخص علاقات بلاده مع اليونان، قال فيدان: «إن خلافاتنا الحالية مع اليونان لا تزال تُعالَج في إطار آليات الحوار الثنائي التي تعمل بشكل جيد، ومن مصلحة البلدين والمنطقة أن نتصرف بروح حُسن الجوار».

اعتقال مسؤولين أكراد

على صعيد آخر، وفي حين يتم إنضاج عملية جديدة لحل المشكلة الكردية في تركيا، عبر الحوار مع زعيم «حزب العمال الكردستاني»، السجين مدى الحياة، عبد الله أوجلان، اعتماداً على مبادرة بهشلي، بتأييد من الرئيس رجب طيب إردوغان، اعتقلت السلطات التركية رئيسي بلدية في مرسين جنوب البلاد، تتبع حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، الذي يتولى الحوار مع أوجلان.

رئيسا بلدية أكدنيز في مرسين المعتقلان (إكس)

واعتقلت شرطة ولاية مرسين كلّاً من الرئيسين المشاركين لبلدية «أكدنيز» هوشيار صاري يلدز، ونورية أرسلان، و4 أعضاء آخرين من الحزب، المؤيد للأكراد، في مجلس البلدية، واقتادتهم للاستجواب، بتهمة «القيام بدعاية لمنظمة إرهابية» و«الانتماء إلى منظمة إرهابية مسلحة» (حزب العمال الكردستاني) و«انتهاك قانون منع تمويل الإرهاب».

وقال حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، الذي يعد ثالث أكبر أحزاب البرلمان التركي بـ57 مقعداً من 600 مقعد، في بيان، إن «التحقيق ملفق» لتبرير تعيين وصي على البلدية؛ نعرف هذه الأساليب جيداً من ممارسات الانقلاب التي تنفذها الحكومة ضد إرادة الشعب منذ سنوات.

وعزلت وزارة الداخلية التركية، أو اعتقلت، منذ يونيو (حزيران) 2024، في أعقاب الانتخابات المحلية في 31 مارس (آذار) من العام ذاته، رؤساء 6 بلديات، بينهم 4 من الحزب المؤيد للأكراد، منهم السياسي الكردي المخضرم رئيس بلدية ماردين، أحمد تورك، الذي يشارك حالياً في عملية الحوار بين أوجلان والبرلمان والأحزاب.

أمهات المعتقلين من أعضاء بلدية أكدنيز في مرسين يفترشن الأرض أمام البلدية وتحيط بهن قوات الشرطة (إعلام تركي)

وأصبح الاعتقال أو العزل وتعيين الأوصياء من جانب الحكومة ممارسة شائعة في السنوات الأخيرة، لا سيما لرؤساء البلديات من الأحزاب الكردية، الذين تُوجّه إليهم في العادة تهم دعم الإرهاب، والاتصال مع «حزب العمال الكردستاني» بوصفه منظمة إرهابية من جانب تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

الحوار مع أوجلان

وعلّق وزير الخارجية، هاكان فيدان، خلال المؤتمر الصحافي، على الحوار مع أوجلان والعملية الجارية حالياً، قائلاً: «لا يوجد تغيير فيما يتعلق بالشخص المذكور (أوجلان) في هذه اللحظة».

أكراد يتظاهرون في فرنكفورت بألمانيا للمطالبة بالإفراج عن أوجلان (د.ب.أ)

وأضاف أن «المنظمة (العمال الكردستاني) لها علاقات مع عدد من الدول، وعلاقات مع عدد من أجهزة الاستخبارات على مستوى العمليات، وعلاقات مع الهياكل العسكرية لعدد من الدول، فما مدى قوة رد الفعل الذي يمكن أن يكون لمنظمة تم اختراقها والتلاعب بها إلى هذا الحد، وهل ستستجيب لتعليمات من قادتها؟ هذه مشكلة أخرى».

وتابع فيدان: «في السابق، أعطت قيادة المنظمة تعليمات لمسلحيها: (ضعوا السلاح وارحلوا)، وبدأت ثورة في هذا الاتجاه، وفي وقت لاحق، أوقفوها باستخدام الأزمة السورية ذريعةً. والآن، بعد نحو 11 عاماً، نشهد الآن وضعاً مماثلاً في سوريا والعراق، فهل سيستمعون؟... إنه اختيارهم، وباعتبارنا دولة، ينبغي أن تكون جميع خطواتنا مبنية على حسابات واقعية».