إردوغان يسعى لولاية رئاسية جديدة عبر مبادرة حليفه للحوار مع أوجلان

مستشاره أكد العمل على ترشحه… وموقف الحزب الكردي سيكون حاسماً

إردوغان يسعى لرئاسة تركيا مجدداً في 2028 (الرئاسة التركية)
إردوغان يسعى لرئاسة تركيا مجدداً في 2028 (الرئاسة التركية)
TT
20

إردوغان يسعى لولاية رئاسية جديدة عبر مبادرة حليفه للحوار مع أوجلان

إردوغان يسعى لرئاسة تركيا مجدداً في 2028 (الرئاسة التركية)
إردوغان يسعى لرئاسة تركيا مجدداً في 2028 (الرئاسة التركية)

وسط الجدل المتصاعد في تركيا حول القضية الكردية وعقد لقاءات مع زعيم حزب العمال الكردستاني، كشف كبير مستشاري الرئيس رجب طيب إردوغان للشؤون القانونية محمد أوتشوم عن فرصة استثنائية لحصول الرئيس على ولاية أخرى دون اللجوء إلى وضع دستور جديد للبلاد. وقال أوتشوم إن الطريق أمام إردوغان ليصبح مرشحاً مرة أخرى في الانتخابات الرئاسية عام 2028 «مفتوحة بشكل استثنائي»، ومع القرار الذي سيتم اتخاذه في البرلمان قبل 7 مايو (أيار) 2028، فإن الطريق ستتغير.

وأضاف أوتشوم، في مقابلة تليفزيونية ليل الأربعاء - الخميس، أن «الرئيس إردوغان يمثل قيمة وطنية كبيرة لتركيا، وأعتقد أنه من المهم إتاحة فرصة الترشح عندما تكون لدينا مثل هذه القيمة والزعيم القوي».

إردوغان متحدثاً أمام المجموعة البرلمانية لحزبه الأربعاء (الرئاسة التركية)
إردوغان متحدثاً أمام المجموعة البرلمانية لحزبه الأربعاء (الرئاسة التركية)

تصريحات المستشار الرئاسي جاءت بعد ساعات قليلة من كلمة إردوغان أمام اجتماع المجموعة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية الحاكم، الأربعاء، حيث أعلن الرئيس التركي تأييده دعوة حليفه دولت بهشلي، رئيس حزب الحركة القومية، الشريك الأساسي لحزب العدالة والتنمية الحاكم في «تحالف الشعب»، لنواب حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، المؤيد للأكراد للقاء زعيم منظمة حزب العمال الكردستاني، المصنّف من جانب تركيا تنظيماً إرهابياً، عبد الله أوجلان بمحبسه في جزيرة إيمرالي الواقعة في بحر مرمرة غرب البلاد، من أجل حل مشكلة الإرهاب في تركيا، وضمان حياة أفضل للأكراد والأتراك معاً.

تحرك مفاجئ

وكان بهشلي فجَّر جدلاً واسعاً عندما صافح نواب الحزب الكردي، بشكل مفاجئ، خلال افتتاح الدورة الجديدة للبرلمان في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهي الخطوة التي أثنى عليها إردوغان بعد 8 أيام، كما أثنى على حكمة بهشلي.

مصافحة مفاجئة بين بهشلي والنواب الأكراد بالبرلمان في أول أكتوبر الماضي (إعلام تركي)
مصافحة مفاجئة بين بهشلي والنواب الأكراد بالبرلمان في أول أكتوبر الماضي (إعلام تركي)

وتطور الأمر بعد ذلك، إلى دعوة بهشلي في 22 أكتوبر إلى كسر عزلة أوجلان والسماح له بالحضور إلى البرلمان والحديث خلال اجتماع المجموعة البرلمانية لحزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، وإعلان حل الحزب وترك سلاحه وانتهاء الإرهاب في تركيا؛ وهو ما سيفتح الطريق لمناقشة مسألة إطلاق سراحه في إطار تعديلات قانونية لتطبيق ما يسمى «الحق في الأمل». لم يرحب إردوغان بتصريحات حليفه عن إطلاق سراح أوجلان، وبدا أن هناك خلافاً في الرأي بينهما حرصا على تبديده، في لقاء بينهما بالقصر الرئاسي في أنقرة في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.

لكن اللافت كانت التصرفات المتناقضة التي أيَّدت فكرة التباين في موقفي إردوغان وبهشلي، حيث سمحت السلطات لابن شقيق أوجلان النائب بالحزب الكردي، عمر أوجلان، بزيارته بعد 43 شهراً من العزلة، ثم عادت السلطات وقررت منع محاميه من زيارته لمدة 6 أشهر ابتداءً من 6 نوفمبر. وفي هذه الأثناء عزلت السلطات التركية 6 رؤساء بلديات بينهم 4 من الحزب الكردي بتهمة الاتصال مع حزب العمال الكردستاني.

وبعد كل هذه الخطوات، عدّل بهشلي دعوته إلى لقاء نواب الحزب الكردي مع أوجلان، دون الإشارة إلى مسألة إطلاق سراحه، التي بدا واضحاً أن إردوغان لا يقبلها، وهو ما أرضى إردوغان، الذي قال، الأربعاء، إن «السيد بهشلي قدم عرضاً جريئاً غيَّر قواعد اللعبة، يعبّر عن الرأي المشترك لتحالف الشعب».

لقاء بين إردوغان وبهسلي في 14 نوفمبر (الرئاسة التركية)
لقاء بين إردوغان وبهسلي في 14 نوفمبر (الرئاسة التركية)

ورأى محللون أن تصريحات مستشار إردوغان كشفت بوضوح عن أن المبادرة تجاه الحزب الكردي، ما هي إلا مناورة جديدة من حزب العدالة والتنمية الحاكم لفتح الطريق، المغلقة بحكم الدستور، أمام إردوغان للترشح للرئاسة من جديد عام 2028.

«مبادرة أوجلان»

وقال الصحافي البارز المحلل السياسي، مراد يتكين، إن ما قاله أوتشوم كشف عن هدف «مبادرة أوجلان»، التي أطلقها بهشلي، وهو فتح الطريق أمام إردوغان ليصبح مرشحاً للرئاسة مرة أخرى عام 2028.

ولفت إلى أن ما قاله أوتشوم عما سيحدث في البرلمان قبل 7 مايو 2028 يعدّ تذكيراً بالمادة 116 من الدستور، الذي ساهم هو نفسه في كتابته عام 2017، والتي تنص على أنه إذا قرر البرلمان إجراء انتخابات مبكرة، فسيتمكن الرئيس من الترشح لمنصبه مرة أخرى، كما لو أنه لم يخدم للفترة الأخيرة (الحالية بالنسبة لإردوغان).

ويمكن للبرلمان أن يقرر إجراء انتخابات مبكرة بأغلبية 3 أخماس أعضائه الـ600، أي بتوقيع 367 نائباً، وإجمالي المقاعد الحالية لحزب العدالة والتنمية، 267 مقعداً، وحزب الحركة القومية، 44 مقعداً، ليست كافية لهذا الغرض، لكن عند إضافة نواب حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب سيتجاوز العدد 367 نائباً، وحتى لو خسرت الأحزاب بعض الأصوات بحلول ذلك الوقت (مايو 2028)، فمن الممكن استكمالها بمساعدة «تحالف الشعب».

زعيم حزب العمال الكردستاني السجين في تركيا عبد الله أوجلان (أرشيفية)
زعيم حزب العمال الكردستاني السجين في تركيا عبد الله أوجلان (أرشيفية)

ورأى يتكين أنه بهذه الحسابات، يمكن لحزب الديمقراطية والمساواة للشعوب أن يمهد الطريق أمام أردوغان ليصبح مرشحاً للرئاسة دون الحاجة إلى اللجوء إلى أساليب أكثر صعوبة مثل وضع الدستور الجديد الذي أعلن حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، أنه لن يؤيده، كما أعلنت الأحزاب الأخرى بالبرلمان أنها لن تؤيده إلا إذا تم النص على العودة للنظام البرلماني.

وعدّ يتكين أن «مبادر أوجلان» التي طرحها بهشلي تهدف إلى كسب أصوات النواب الأكراد في البرلمان، وكسب أصوات الأكراد في صناديق الاقتراع، والتأكد من بقاء إردوغان على القمة مرشحاً للرئاسة مرة أخرى.


مقالات ذات صلة

حزب كردي يضغط على حكومة تركيا لإقرار تشريع لإطلاق سراح أوجلان

شؤون إقليمية خرج الآلاف إلى الشوارع في ديار بكر جنوب شرقي تركيا في 27 فبراير رافعين صور أوجلان ابتهاجاً بدعوته لحل حزب العمال الكردستاني (أ.ف.ب)

حزب كردي يضغط على حكومة تركيا لإقرار تشريع لإطلاق سراح أوجلان

كثف حزب كردي في تركيا ضغوطه لإقرار تشريع يسمح بإطلاق سراح عبد الله أوجلان.ودعا رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهشلي إلى الإسراع بمحاكمة أكرم إمام أوغلو.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي وزير التجارة التركي عمر بولاط خلال تفقده البوابات والمعابر الحدودية مع سوريا يناير الماضي (من حسابه في «إكس»)

تركيا لبحث ملفات النقل والاستثمار والطاقة في سوريا

يقوم وزير التجارة التركي عمر بولاط، بزيارة لسوريا، الأربعاء، على رأس وفد كبير من رجال الأعمال ورؤساء الغرف والاتحادات وممثلي شركات القطاعين العام والخاص.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية متظاهرون مؤيدون لإمام أوغلو احتشدوا حول سجن سيليفري الجمعة الماضي خلال نظر إحدى القضايا المتهم فيها (أ.ب)

تركيا: رفض طلب محامي إمام أوغلو لمحاكمته من خارج السجن

رفضت محكمة في إسطنبول الاعتراض المقدم من محامي رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو المحتجز منذ نحو الشهر على ذمة تحقيق في قضية فساد.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل تعهّد بإطاحة حكم إردوغان في أول انتخابات (حساب الحزب في «إكس»)

أوزيل يتعهّد بإطاحة حكم إردوغان... ويجدّد مطالبته بانتخابات مبكّرة

تعهّد زعيم المعارضة التركية، رئيس حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزيل، بإطاحة حكم الرئيس رجب طيب إردوغان لتركيا في أول انتخابات مقبلة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية فيدان خلال مؤتمر صحافي في ختام منتدى أنطاليا الدبلوماسي (رويترز)

تركيا تؤكد استمرارها في المحادثات مع إسرائيل لتفادي الصدام بسوريا

أكدت تركيا أنها ستواصل محادثاتها الفنية مع إسرائيل للتوصل إلى آلية لخفض التصعيد ووضع قواعد للاشتباك ومنع وقوع حوادث أو صدام على الأراضي السورية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

رغم تركيزها على «الاعترافات المتبادلة»... نتنياهو متمسك برفض مبادرة ماكرون

ماكرون خلال زيارته معرض «كنوز غزة» في معهد العالم العربي يوم الاثنين ويظهر ممسكاً بخريطة «فلسطين» مرسومة على قماش (أ.ف.ب)
ماكرون خلال زيارته معرض «كنوز غزة» في معهد العالم العربي يوم الاثنين ويظهر ممسكاً بخريطة «فلسطين» مرسومة على قماش (أ.ف.ب)
TT
20

رغم تركيزها على «الاعترافات المتبادلة»... نتنياهو متمسك برفض مبادرة ماكرون

ماكرون خلال زيارته معرض «كنوز غزة» في معهد العالم العربي يوم الاثنين ويظهر ممسكاً بخريطة «فلسطين» مرسومة على قماش (أ.ف.ب)
ماكرون خلال زيارته معرض «كنوز غزة» في معهد العالم العربي يوم الاثنين ويظهر ممسكاً بخريطة «فلسطين» مرسومة على قماش (أ.ف.ب)

إذا كان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، يراهن على فن الدبلوماسية الذي يُتقنه، وعلى وزن بلاده السياسي، وعلى قدرته على جر العديد من الدول الأوروبية وراءه لدفع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لتغيير سياسته في غزة وموقفه إزاء الدولة الفلسطينية، فإن الاتصال الهاتفي الذي أجراه معه، الثلاثاء، يأتي بالبرهان القاطع على أن نتنياهو ماضٍ في سياساته، وأنه لا يُعير ما يطرحه ماكرون أهمية كبرى.

وتصاعد التوتر بين الطرفين في الأيام الأخيرة، بعد أن أعلن ماكرون أنه ينوي الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وذلك بمناسبة المؤتمر الذي ستستضيفه الأمم المتحدة، برئاسة فرنسية - سعودية مشتركة، في يونيو (حزيران) المقبل، تحت شعار «حل الدولتين».

وجاءت الردود الإسرائيلية، وكذلك ردود المنظمات اليهودية في فرنسا، وأحزاب اليمين بشكليه التقليدي والمتطرف، سلبية وعنيفة للغاية؛ لكن هذا لم يمنع ماكرون من مواصلة مساعيه في كل اتجاه، فاتصل بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، الاثنين، وبرئيس الوزراء الإسرائيلي، الثلاثاء.

«نحن بحاجة إلى السلام»

الواضح أن زيارة الأيام الثلاثة التي قام بها الرئيس الفرنسي إلى مصر، والقمة الثلاثية التي التأمت في القاهرة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وزيارته العريش، فضلاً عن اقتراب موعد مؤتمر نيويورك، كانت كلها عوامل دفعته لتكثيف اتصالاته.

بيد أنه وجد في موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي عقبة يصعب تخطيها رغم ما أظهره له من تلويحات إيجابية، منها ترك الباب مفتوحاً أمام إمكانية زيارته فرنسا رغم مذكرة التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحقه، العام الماضي، فضلاً عن تبنيه مطلب نزع سلاح حركة «حماس»، ورفضه أن يكون لها لاحقاً أي دور في غزة، وهو ما أكده في اتصاله الهاتفي مع عباس، الاثنين.

ماكرون ونتنياهو في صورة تعود لأكتوبر 2023 بمناسبة زيارة الرئيس الفرنسي لإسرائيل (د.ب.أ)
ماكرون ونتنياهو في صورة تعود لأكتوبر 2023 بمناسبة زيارة الرئيس الفرنسي لإسرائيل (د.ب.أ)

وكتب ماكرون على منصة «إكس» أن مرحلة ما بعد الحرب تتطلب «نزع سلاح حركة (حماس) وإقصاءها، وتحديد نظام حكم ذي مصداقية، وإصلاح السلطة الفلسطينية، ويجب أن يتيح ذلك إمكانية التقدم نحو حل سياسي قائم على أساس الدولتين، في أفق مؤتمر يونيو، خدمةً للسلام وأمن الجميع. نحن بحاجة إلى السلام».

ولزحزحة موقف إسرائيل، لا يتحدث ماكرون في دعوته عن اعتراف من جانب واحد، بل عن «اعترافات متبادلة»، بمعنى أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يفترض أن يترافق مع اعتراف الدول العربية وبعض الدول غير العربية - وذكر منها إيران - بدولة إسرائيل.

ولم توضح فرنسا ما إذا كان الاعتراف المتبادل شرطاً لاعترافها بالدولة الفلسطينية، أم أنه يبقى هدفاً تجري المساعي حثيثاً لتحقيقه.

«الرابح الأول»

حملت كلمة ماكرون على منصة «إكس»، والتي جاءت بعد اتصاله الهاتفي مع نتنياهو، العديد من التلميحات الإيجابية.

وجاء في نَص الكلمة: «عبَّرت له عن دعم فرنسا لإسرائيل وشعبها، وأن إطلاق جميع الرهائن وتجريد (حماس) من السلاح، كان دوماً أولوية مطلقة» بالنسبة لفرنسا.

وأضاف: «قلت بوضوح تام إن وقف إطلاق النار هو الطريقة الوحيدة لتحرير الرهائن المتبقين لدى (حماس)، وإن فتح جميع المعابر لإيصال المساعدة الإنسانية، هو ضرورة حيوية للمدنيين في غزة».

واستطرد مُلخّصاً موقفه: «وقف إطلاق النار، وتحرير جميع الرهائن، وتأمين المساعدات الإنسانية، وإعادة فتح أفق يوصّل للحل السياسي القائم على دولتين... في هذا السياق، أتطلع إلى مؤتمر يونيو، آخذاً بعين الاعتبار المصالح الأمنية لإسرائيل ولكل المنطقة. (نريد) السلام في أسرع وقت».

فلسطينيون يسيرون بمحاذاة بركة مياه قرب مبنى منهار في حي النصر بمدينة غزة يوم الثلاثاء (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون بمحاذاة بركة مياه قرب مبنى منهار في حي النصر بمدينة غزة يوم الثلاثاء (أ.ف.ب)

وما يلفت النظر في نص ماكرون أنه لا يشير أبداً إلى رغبته في الاعتراف بالدولة الفلسطينية الذي عادت باريس للحديث عنه بعد أن امتنعت عن اللحاق بالركب الأوروبي، العام الماضي، حين أقدمت أربع دول على هذا الاعتراف بها هي: إسبانيا، وآيرلندا، والنرويج، وسلوفينيا.

والمهم لدى باريس أن يدفع الاعتراف إلى إيجاد «ديناميكية سياسية جماعية»، لا أن يبقى موقفها منعزلاً لا تأثير له.

وهناك 147 دولة تعترف بالدولة الفلسطينية.

ويبدو أن باريس تراهن على «الاعتراف المتبادل» لإحداث تغيير، ليس فقط في موقف إسرائيل، ولكن أيضاً في الموقفين الأميركي والألماني، بإظهار أن إسرائيل الساعية للانخراط في محيطها العربي والشرق أوسطي هي «الرابح الأول» من هذا الاعتراف، ومن الدبلوماسية الفرنسية.

ولخَّص ماكرون على منصة «إكس» موقفه بتأكيد أنه يدعم «حق الفلسطينيين المشروع (في العيش) في دولة وفي سلام، تماماً مثلما أدعم حق الإسرائيليين في العيش في أمن وفي سلام، وكلاهما مُعترف به من قبل جيرانه».

وكتب أيضا: «نعم للسلام. نعم لأمن إسرائيل. نعم لدولة فلسطينية من دون (حماس)».

وأضاف: «لن نقبل مواعظ أخلاقية».

غير أن البيان الصادر عن رئاسة الحكومة الإسرائيلية بعد الاتصال لم ينجح في تحريك موقف نتنياهو من قبول قيام دولة فلسطينية أو الاعتراف بها شبراً واحداً.

وجاء في البيان أنه يرفض عرضاً «سيكون مكافأة للإرهاب»، وأن وجود دولة فلسطينية إلى جوار المدن الإسرائيلية «سيحوّلها إلى مرتع للإرهاب الإيراني».

ونقلت وكالة «بلومبرغ» عن مصادر إسرائيلية أن نتنياهو جدد رفضه القوي للدولة الفلسطينية، والذي دفع الكنيست، العام الماضي، إلى التصويت على قرار يرفض قيامها.

وكتب نتنياهو، الأحد، على منصة «إكس»، أن ماكرون «يُخطئ خطأً فادحاً بمواصلته الترويج لفكرة دولة فلسطينية في قلب بلادنا طموحها الوحيد هو تدمير دولة إسرائيل. لن نُعرّض وجودنا للخطر بسبب أوهام منفصلة عن الواقع».

وأضاف: «لن نقبل مواعظ أخلاقية تُنادي بإقامة دولة فلسطينية تُعرّض وجود إسرائيل للخطر من أولئك الذين يعارضون منح الاستقلال لكورسيكا وكاليدونيا الجديدة وغينيا الفرنسية وأراضٍ أخرى لن يُعرّض استقلالها فرنسا للخطر بأي شكل من الأشكال».

يائير «صهيوني حقيقي»

وفي السياق ذاته، أعلن الرئيس الفرنسي، خلال زيارته عصر الاثنين معرضاً مخصصاً لغزة في «معهد العالم العربي» في باريس، أن ما يريده هو «إطلاق سلسلة من الاعترافات الأخرى (بالدولة الفلسطينية)، وكذلك اعتراف بإسرائيل من قبل الدول التي لا تعترف بها حالياً».

ماكرون مستمعاً لشرح عن المعرض وإلى يمينه وزير السياحة والآثار الفلسطيني هاني الحايك كما تظهر في الصورة وزيرة الثقافة الفرنسية رشيدة باتي (أ.ف.ب)
ماكرون مستمعاً لشرح عن المعرض وإلى يمينه وزير السياحة والآثار الفلسطيني هاني الحايك كما تظهر في الصورة وزيرة الثقافة الفرنسية رشيدة باتي (أ.ف.ب)

بيد أن مواقفه وخططه لم تعجب يائير، ابن بنيامين نتنياهو، الذي يعيش في الولايات المتحدة والذي لجأ إلى استخدام كلمات سوقية بحق ماكرون يمكن تلطيفها وإعادة صياغتها بعبارة «اذهب إلى الجحيم»، أو «تباً لك».

ودافع الأب عن ابنه بالقول: «أحب ابني يائير، فهو صهيوني حقيقي يهتم بمستقبل الدولة ويحق له، كأي مواطن إسرائيلي، أن يكون له رأي شخصي. إلا أن ما قاله في رده على دعوة ماكرون لقيام دولة فلسطينية، أمر غير مقبول في نظري».

وفي حين تتحرك الدبلوماسية الفرنسية في كل اتجاه، فمن المفترض - حتى يكون تحركها فاعلاً - أن تنجح على الأقل في إقناع واشنطن بتمرير مبادرتها، أي بعدم معارضتها.

فما دام نتنياهو حائزاً على دعم الرئيس الأميركي دونالد ترمب المطلق، فإن توصل باريس إلى «إنجاز ما» يبدو هزيلاً، خصوصاً أن الأوروبيين لا يشكلون كتلة واحدة، بل إن بعضهم ليس بعيداً عن تبني موقف ترمب.