انتابت أطباء مصريين حالة غضب عقب مقترحات برلمانية وإعلامية تدعو إلى الحد من «هجرتهم» عبر منع سفر خريجي كليات الطب للخارج عدة سنوات. في حين قالت نقيبة أطباء القاهرة، شيرين غالب، لـ«الشرق الأوسط» إن «المقترحات تصورات خيالية، ولا تعالج أزمة سفر الأطباء للعمل في الخارج بشكل واقعي».
وتجدد الجدل في مصر أخيراً بشأن «هجرة الأطباء»، بعد إعلان مستشفيات جامعة الإسكندرية، خلو 117 وظيفة من الوظائف الإكلينيكية للأطباء المقيمين من مستشفيات جامعة الإسكندرية ومعهد البحوث الطبية بالجامعة.
وتم تداول الإعلان على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي بمصر، وفسره البعض على أنه جاء بعد «موجة استقالات للأطباء حديثي التخرج بسبب سوء أوضاع عملهم وتكليفهم وجعلهم يعملون لساعات طويلة دون أدنى حقوق، مما دفعهم للرغبة في الهجرة للخارج». لكن جامعة الإسكندرية أكدت أن «البعض تداول إعلان المستشفيات بشكل مغلوط وبعيد عن الحقيقة بغرض إثارة البلبلة».
كما أثار حديث نقيب الأطباء المصريين، أسامة عبد الحي، عن ارتفاع معدلات «هجرة الأطباء» للخارج، تساؤلات بشأن ضرورة البحث عن حلول عاجلة للأزمة، بعدما أشار في تصريحات متلفزة أخيراً إلى أن «أكثر من 7 آلاف طبيب شاب، هاجروا للعمل في الخارج، خلال عام واحد فقط»، لافتاً إلى أن «أسباب السفر، تعود إلى ضعف الرواتب، وصعوبة بيئة العمل في الداخل».
وعمّقت حالة الجدل بشأن «هجرة الأطباء» مقترحات برلمانية وإعلامية خلال الساعات الماضية، طالبت بـ«الحد من هجرتهم للخارج»، واقترح عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، رفعت شكيب، «عدم السماح بسفر خريجي كليات الطب لمدة 5 سنوات بعد التخرج، أو فرض رسوم مالية على الأطباء راغبي السفر للخارج، لضمان حصول الدولة على حقها في الإنفاق على تعليم الأطباء داخل الجامعات».
كما دعا الإعلامي المصري، عمرو أديب، في برنامجه على فضائية «إم بي سي مصر» أخيراً إلى «إعادة النظر في مجانية التعليم، حيث إن الأطباء في مصر يحصلون على تعليمهم وتدريبهم مجاناً، ثم يهاجرون للعمل بالخارج». إلا أن أديب قدم اعتذاراً عبر حسابه على منصة (إكس) بعد ذلك، وقال إنه «يجب البحث عن السبب الرئيسي للمشكلة، والتحرك، قبل انهيار المنظومة الصحية».
بعتذر لكل الاطباء ، سافروا عندما تريدون حتى لو كنتم فى الجامعه ومسأله علاج الناس فى مصر ليست من الاهميه بمكان ، يمكن ان نستعين بخريجى كليات التجاره اعدادهم كبيره وليس لهم فرص عمل فى الداخل او الخارج ، موضوع ان الطب رساله وانك ترد بعض جميل التعليم المجانى مسأله بصراحه افلاطونيه -...
— Amr Adib (@Amradib) April 14, 2025
وقالت شيرين غالب إن «مقترحات فرض رسوم مالية على الأطباء راغبي السفر للخارج، ترفضها نقابة الأطباء بشكل كامل؛ كونها لا تعالج الأسباب الحقيقية لسفر الأطباء للخارج». وأشارت إلى أن «النقابة ترفض الحلول العقابية، وتدعو لحلول واقعية، تستهدف العمل على تحسين الأجور، وتوفير بيئة عمل آمنة، وتطوير منظومة التعليم والتدريب الطبي»، ودللت على تزايد أعداد هجرة الأطباء بـ«وجود نحو 12 ألف طبيب مصري، يعملون في إنجلترا، أغلبهم من الشباب».
وفي وقت سابق، تحدثت نقابة الأطباء المصرية عن تزايد في نسب «هجرة الأطباء» السنوية، وذكرت في تقرير إحصائي عام 2022 أن «أكثر من 11 ألف طبيب، استقالوا من العمل الحكومي، خلال 3 سنوات فقط»، وأوضحت أن «معدل الأطباء في مصر، يصل إلى 8.6 في المائة طبيب لكل 10 آلاف مواطن، في حين يصل المعدل العالمي، إلى 23 طبيباً لكل 10 آلاف مواطن».
وتدعو نقيبة أطباء القاهرة إلى حلول عملية يمكن من خلالها الاستفادة من الخبرات الطبية التي تعمل في الخارج، وقالت، الثلاثاء، إنه «لا يمكن منع الهجرة، دستورياً، لكن يمكن أن يكون هناك تعاون مع جهات التي يعمل فيها الأطباء المصريون بالخارج، بحيث يمكن الاستفادة من خبراتهم على فترات زمنية، داخل المستشفيات المصرية»، إلى جانب «ضرورة العمل على تشجيع الأطباء المهاجرين على العودة مرة أخرى، بتوفير التدريب والتأهيل اللازمَين، وتحسين بيئة عمل الأطباء».
ووفق رئيس «المؤسسة المصرية لمطوري الجهاز الهضمي والمناظير»، محمد خورشيد، فإنه « يجب عدم النظر لمسألة هجرة الأطباء من منظور مادي فقط»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «المؤسسة أجرت بحثاً عن أسباب هجرة الأطباء، العام الماضي، باستطلاع رأي أكثر من 500 طبيب سافروا للخارج»، و«النتائج أكدت أن دوافع الهجرة لم تكن مالية فقط، بقدر البحث عن بيئة عمل جيدة، وفرص تدريبية، والبحث عن مستقبل أفضل».
ودعا خورشيد إلى «ضرورة وضع حلول جذرية للأزمة، تركز على تطوير بيئة العمل الطبي، وتتيح فرصاً للتأهيل والتدريب للأطباء، مع توفير أحدث الأجهزة الطبية في المعاهد والمؤسسات الطبية».
وانتقل جدل «هجرة الأطباء» إلى منصات التواصل الاجتماعي خلال الساعات الماضية، وبينما تحدث متابعون عن ضرورة وضع حلول عاجلة للأزمة، لمنع استخدامها من قبل البعض، تهكم آخرون على مقترح منع سفر خريجي كليات الطب بعد تخرجهم للحد من هجرتهم إلى الخارج.
جامعة اسكندرية نفت خبر استقالة 117 طبيب و هتنزل بيان.طيب الخبر بقاله يومين وانتشر في ظل جو مشحون بسبب هجرة الاطباء المتزايدة. كنتوا مستنيين إيه عشان تنفوه بدري؟ليه سايبين الملعب فاضي للإخوان؟#مصر_للمصريين_مش_تكية pic.twitter.com/WdZSlwxSOe
— Sherin Helal (@sherinhelal555) April 13, 2025
قانون منع هجرة الأطباء بيفكرني بحاجة زمان شوفتها في كذا جامعة خاصة انك لما تأخد الدكتوراة تمضي عقد يجبرك انك تقعد في الجامعة ٥ سنين عشان قال ايه الجامعة سابتك تحضر دكتوراة و تروح محاضراتك يوم واحد في الأسبوع اللطيف بقي ان محدش من الي مضي العقود دي كمل #هجرة_الأطباء
— alshaimaa (@Alshaimaahmed) April 14, 2025
في حين أشار البعض إلى أن السبب في تزايد هجرة الأطباء يعود إلى «قلة الإمكانيات، وتكرار حوادث الاعتداء على الطواقم الطبية».
من الكدب والتدليس اننا نقول ان الاطباء بيهاجروا عشان يحسنوا من معيشتهم وعشان مرتباتهم في مصر قليلة، رغم ان ده سبب وجيه جدا وكافي، لكن الحقيقي هجرة الاطباء نتيجة سوء منظومة الصحة كلها، المستشفيات اللي مفيهاش امكانيات اساسا، والاعتداءات المتكررة عليهم،وتعنت الحكومة في حل ازماتهم!
— Salma el Daly (@salmaeldaly) April 14, 2025
وكيل «لجنة حقوق الإنسان» بمجلس النواب المصري، أيمن أبو العلا، يرفض مقترحات فرض رسوم على الأطباء المهاجرين أو منعهم من السفر، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن تلك الرؤى «تخالف نصوص الدستور المصري الذي يكفل حق الهجرة والسفر للجميع»، ورجح «تحسن أوضاع الأطباء نسبياً خلال الفترة المقبلة، بعد صدور قانون (المسؤولية الطبية)، الذي يوفر حماية للأطباء في عملهم»، إلى جانب «التحركات الحكومية لتحسين مستوى دخل الأطباء».
وأقر البرلمان المصري، في مارس (آذار) الماضي، قانون «تنظيم المسؤولية الطبية وسلامة المريض»، وهو أول تشريع يهدف إلى توفير الحماية والحرية لمزاولي المهن الطبية المختلفة في أثناء قيامهم بواجباتهم في تقديم خدمات الرعاية الطبية، وفي الوقت ذاته توفير الحماية اللازمة لمتلقي الخدمات مما يقع في حقهم من أخطاء في أثناء تقديمها.
ويرى أبو العلا أن «من إشكاليات هجرة الأطباء، العجز في الطواقم الطبية داخل المستشفيات المصرية»، وقال إنه «يمكن وضع حلول عاجلة لتوفير (الطواقم) من خلال التوسع في إقامة كليات الطب المتخصصة، ورفع سن معاش الطبيب إلى 70 عاماً، كما فعلت بعض التجارب الدولية».