البرلمان الإيراني يمنح الثقة لحكومة بزشكيان

نواب انتقدوا إشارات الرئيس إلى دعم خامنئي لتشكيلته

بزشكيان يلقي دفاعه الأخير قبل تصويت البرلمان على منح الثقة للحكومة (رويترز)
بزشكيان يلقي دفاعه الأخير قبل تصويت البرلمان على منح الثقة للحكومة (رويترز)
TT

البرلمان الإيراني يمنح الثقة لحكومة بزشكيان

بزشكيان يلقي دفاعه الأخير قبل تصويت البرلمان على منح الثقة للحكومة (رويترز)
بزشكيان يلقي دفاعه الأخير قبل تصويت البرلمان على منح الثقة للحكومة (رويترز)

منح البرلمان الإيراني الثقة للحكومة الجديدة، بعد لحظات من خطاب الرئيس مسعود بزشكيان، الذي طالب المشرعين بالموافقة على حكومته، مشيراً إلى تأييدها من قِبل المرشد علي خامنئي.

وشارك في التصويت 288 من أصل 290 نائباً، وحصل وزير الدفاع عزيز نصير زاده على أعلى نسبة أصوات، بواقع 281 صوتاً. وذهبت أقل نسبة إلى وزير الصحة، محمد رضا ظفرقندي بحصوله على 163 صوتاً. وحصل وزیر الخارجیة عباس عراقجي على 247 صوتاً موافقاً، والاستخبارات، إسماعيل خطيب 261 صوتاً. والداخلية، إسكندر مومني 259 صوتاً. والثقافة، عباس صالحي 272 صوتاً.

وسارع بزشكيان إلى نشر صورته مع رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف ورئيس القضاء غلام حسين محسني إجئي. وكتب في تغريدة: «الوفاق من أجل إيران»، في إشارة إلى شعار الحكومة. وبدوره هنأ قاليباف الحكومة، وقال إن «البرلمان اتخذ الخطوة الثانية نحو الوفاق وأعطى الثقة لجميع أعضاء حكومة بزشكيان». وأضاف: «سيكون البرلمان إلى جانب الحكومة في مسار حل مشاكل البلاد وتحقيق أحكام البرنامج السابع للتنمية. نجاح الحكومة هو نجاح لنا جميعاً».

وقال وزير الخارجية الأسبق، محمد جواد ظريف، إنه يأمل أن تساهم حكومة بزشكيان في زيادة الأمل بين الإيرانيين الذين فقدوا الأمل في المشاركة. وأضاف: «منح الثقة لجميع الوزراء قد أسعد العديد من العاملين من أجل إيران مستقرة ومتفائلة». وتابع: «نجاح استراتيجية الرئيس في تحقيق الوفاق داخل النظام السياسي هو بداية ذات قيمة كبيرة».

وأشرف ظريف على لجنة ترشيح وزراء لحكومة بزشكيان، لكنه لم يعتمد إلا نصف الأسماء المقترحة. وبعد تقديم الوزراء إلى الحكومة استقال ظريف من منصب نائب الرئيس في الشؤون الاستراتيجية، وهو منصب مستحدث في الحكومة.

نواب البرلمان الإيراني يصوتون على الوزراء المقترحين من بزشكيان (أ.ف.ب)

الدفاع الأخير

وبعد نهاية دفاعه الأخير قبل عملية التصويت، كتب بزشكيان على منصة «إكس»: «الخطوة الثانية للوفاق الوطني، الكرة باتت في ملعب البرلمان، اليوم هو لحظة الاختبار والتحقق».

وفي خطابه، دعا بزشكيان البرلمان إلى التعاون والوحدة، وقال إن فريقه الوزاري «يمثل مجموعة من الأذواق والتيارات المختلفة لكنها تتفق على الرؤية العامة والسياسات الشاملة»، متحدثاً عن استعداده لتقديم التنازلات.

وقال بزشكيان لزملائه السابقين: «نعدكم بأننا سنفي بوعودنا، وقد وعدنا بالتعاون معكم، وسنقوم بذلك بالتأكيد... ما نحتاجه في هذه المرحلة هو الوفاق والوحدة الداخلية، وبالتأكيد لا يعني ذلك التخلي عن توجهاتنا ومعتقداتنا». وأضاف: «العهود دائماً تكون متبادلة، نحن ثابتون على موقفنا، ساعدونا كي نتمكن من الاستمرار في العمل على هذه الأسس».

وتابع: «دعونا نصبح إخوة ونعقد عهد الأخوة. وحدتنا وتماسكنا يفوقان أهمية الصلاة والصيام. يجب علينا جميعاً أن نتمسك بحبل الله معاً».

وأشار بزشكيان إلى أن «المجتمع يعاني من مشاكل وفقر وتفرقة وظلم. إذا كنا نملك مهارة، فعلينا أن نركز على عيوبنا». وأضاف: «حل الخلافات ليس في إدانة الطرف الآخر... إذا أردنا حل المشكلة فعلينا أن نتنافس في حل الأزمة الاقتصادية، لا أن يهدم بعضنا بعضاً. طريق نجاتنا هو الوحدة والتماسك».

وبذلك دعا البرلمان إلى التقدم بالوفاق والتعاون. وحذر البرلمانيين قائلاً: «إذا كان من المقرر أن تعملوا على ما ترونه مناسباً، وأن نعمل نحن على ما نراه مناسباً، فأنا أشك في قدرتنا على حل المشكلة». وقال: «أنا هنا لحل مشاكل الشعب. لن أقف ضد الشعب. سأتوصل إلى تفاهم معكم لنضع أيدينا في أيدي بعضنا لحل مشاكل الشعب».

وأضاف: «بصفتي إيرانياً، لا أستطيع أن أقبل أن ينمو الآخرون في الخارج بينما ينظر الإيرانيون بحسرة. يجب أن نتوقف عن النزاعات غير المجدية ونتحد».

عراقجي أصبح وزيراً للخارجية بعد حصوله على ثقة البرلمان (أ.ف.ب)

دعم خامنئي

وأشار مرة أخرى إلى أن اختيار مرشحيه لوزارة الخارجية عباس عراقجي، ووزارة الدفاع عزيز نصير زاده، ووزارة الاستخبارات إسماعيل خطيب، ووزارة الداخلية إسكندر مومني، ووزارة التعليم والتربية علي رضا كاظمي، ووزارة التعليم العالي حسين سيمائي، جاء بالتنسيق مع المستويات العليا في البلاد، وذلك في إشارة ضمنية إلى المرشد الإيراني علي خامنئي.

وقال: «لماذا تجبرونني على قول أشياء لا ينبغي لي أن أقولها؟ جميع هؤلاء الأعزاء قدمناهم بالتنسيق والتفاهم». ومع ذلك، أبدى في جزء من خطابه استعداده لتقديم التنازلات. وصرح: «سأتنازل من أجل الوحدة. فيما يتعلق بهؤلاء الأفراد الذين ترونهم، حققنا أقصى تفاهم وتوافق. تفاهمنا مع المؤسسات الأمنية و(الحرس الثوري) ثم قدمنا الأفراد».

وذهب بزشكيان أبعد من ذلك، وقال: «عراقجي كان أول شخص وافق عليه القائد. قبل أن نعلن أسماء الوزراء، وافق القائد على اختياره. لا تجعلوني أدخل في التفاصيل. صوّتوا حتى نتمكن من تشكيل الحكومة».

وأشار إلى أن تشكيلته تضم نائبين، وهو نفسه كان عضواً في البرلمان لدى ترشحه في الانتخابات الرئاسية المبكرة في أعقاب وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.

توقف بزشكيان عند أسماء أربعة وزراء اقترحهم لوزارة الصحة، والعمل والرفاه، والاقتصاد، والتراث الثقافي، بعدما أظهرت مواقف النواب، وتوقعت الصحف الإيرانية، احتمال فشلهم في نيل ثقة البرلمان. وقال بزشكيان: «لا يوجد أدنى شك في كفاءتهم وخبراتهم، ثقوا بنا... لن أبقى مع أحد ضد ولاية الفقيه. لقد دافعت دائماً عن الولاية. أنا لا أتنازل، فمن قال إن هؤلاء هم ضدنا؟ لماذا نريد إبعاد شخص معنا عن السفينة؟».

ووصف بزشكيان «الحرب» التي تخوضها بلاده بـ«أسوأ من حرب العراق»، طالباً مساندة البرلمان لـ«الحفاظ على الوحدة والتماسك رغم كل العيوب».

وكتب النائب المتشدد، حميد رسايي على منصة «إكس»: «بشكل غير مسبوق، أنفق بزشكيان من اسم المرشد لتأييد حكومته، وحصل جميع وزرائه المرشحين على ثقة البرلمان». وأضاف: «مثلما وعد بزشكيان، يجب على الوزراء أن يعملوا ضمن إطار القوانين العليا والسياسات العامة للنظام وتوجيهات المرشد».

وكتب النائب المحافظ، مالك شريعتي، أن «استغلال الرئيس المحترم لدعم المرشد من أجل الحصول على الثقة من البرلمان كان خطأً كبيراً لأنه: إذا لم يحصل الوزراء على الثقة، فسيضع البرلمان في مواجهة مع خيار المرشد، وإذا حصلوا على الثقة، فلن يكونوا مسؤولين عن أدائهم في المستقبل. ومع ذلك، فإن تصريحات بزشكيان ستقلل بشكل كبير من عدد الوزراء المهددين بعدم الحصول على الثقة».

وباشر البرلمان الإيراني جلسات عامة لتقييم الوزراء والاستماع لبرامجهم، بعد مثولهم أمام اللجان المختصة. وحصل جميع مرشحي بزشكيان على موافقة تلك اللجان لتولي الحقائب الوزارية.

وقالت آذر منصوري، رئيسة «جبهة الإصلاحات» إن «منح الثقة لكل الوزراء خطوة مهمة للتقدم بمشروع الوفاق الوطني». وأعربت عن أملها بأن تقبل السلطات «متطلبات المصالحة الوطنية من قبل جميع أركان نظام الحكم، وكذلك التيارات السياسية، وبذل الجهود من أجل ترميم الشرخ في حكم الشعب».

صورة نشرها موقع البرلمان الإيراني للرئيس مسعود بزشكيان قبل التصويت على منح الثقة لحكومته اليوم

وزير إصلاحي

وجاء ذلك، بعدما دعت صحيفة «كيهان» المتشددة إلى حذف أصحاب «السجلات»، في إشارة إلى الانتقادات التي طالت ظفرقندي، وزير الصحة، بسبب مواقفه في احتجاجات الموجة الخضراء التي قادها الزعيمان الإصلاحيان ميرحسين موسوي ومهدي كروبي.

وينظر إلى ظفرقندي، الطبيب الأخصائي في الأوعية الدموية، على أنه أبرز «الإصلاحيين» في تشكيلة الحكومة.

وقالت صحيفة «كيهان» إن «تأييد أهلية بزشكيان وفوزه في الانتخابات الرئاسية يدحض بشكل واضح الادعاءات الخبيثة التي طرحها مدعو الإصلاح وبعض الغافلين داخل البلاد».

واتهمت الصحيفة الإصلاحيين بالسعي إلى استخدام بزشكيان كـ«جسر للعودة إلى الساحة السياسية الإيرانية، وبمقاومة الرئيس لمطالبهم، سارعوا في أقل من شهر من فوزه إلى انتقاده». وقالت: «قام مدعو الإصلاح بفرض ضغوط شديدة على الرئيس، وأدرجوا بعض الأشخاص الذين لديهم سجل سيئ في التاريخ السياسي والإداري للبلاد ضمن قائمة الوزراء المقترحين باستخدام آليات غير شفافة في اللجنة الاستشارية»، في إشارة إلى ظريف.

وبموازاة «كيهان»، أجمعت الصحف الإصلاحية على الدفاع عن أهلية ظفرقندي. وقالت صحيفة «آرمان ملي» إنه «علاج لمشكلات الصحة».

وقالت صحيفة «سازندكي» في افتتاحيتها إن انتخاب ظفرقندي «فرصة للتوازن واحتواء الأزمات التي قد تواجه قطاع الصحة الإيراني»، وأشارت إلى قفزة مرض السرطان، وهجرة المتخصصين في الطب، والمشكلات البنيوية في هذا القطاع.

وكتب الناشط محمد مهاجري في صحيفة «هم ميهن» أن «تكون لدى شخص مواقف انتقادية في 2009 لكن الأجهزة الأمنية توافق على توليه لحقيبة وزارية، يظهر أن هذا الشخص ليست لديه مشكلة، لكن بعض الأشخاص يحاولون تلفيق التهم، ما يظهر أنهم يحاولون منع وزير فعال من الدخول للحكومة، بسبب عقدهم السياسية».


مقالات ذات صلة

إيران: تضارب بشأن أسباب تحطم مروحية رئيسي

شؤون إقليمية مروحية «بيل 212» التي كان يستقلها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته عبداللهيان قبل سقوطها غرب إيران (إرنا - رويترز)

إيران: تضارب بشأن أسباب تحطم مروحية رئيسي

قال مصدر مطلع إن تحطم الطائرة الهليكوبتر الذي أسفر عن مقتل الرئيس الإيراني رئيسي في مايو (أيار) سببه الظروف الجوية وعدم قدرة الطائرة على تحمل الوزن.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية مشنقة في سجنٍ إيرانيّ قبل تنفيذ حكم بالإعدام (إيسنا)

إيران تنفذ حكم الإعدام في عرّاف مدان بالاغتصاب

أعلنت السلطة القضائية الإيرانية الأربعاء تنفيذ حكم الإعدام في عرّاف مدان بالاغتصاب والاعتداء الجنسي بعد أكثر من ثلاث سنوات من سجنه.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية فرق الإسعاف تبحث عن ضحايا حافلة لزوَّار باكستانيين انقلبت في محافظة يزد الإيرانية (أرنا) play-circle 00:41

مصرع 35 في انقلاب حافلة تُقل زواراً باكستانيين بإيران

لقي ما لا يقل عن 35 باكستانياً كانوا متوجهين إلى العراق مصرعهم، في حادث حافلة وسط إيران، حسب ما ذكرت وسائل إعلام رسمية، الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية قاليباف يستقبل بزشكيان لدى حضوره جلسة الثلاثاء (البرلمان الإيراني)

بزشكيان يتودد للمشرعين عشية «منح الثقة» لحكومته

عشية التصويت على منح الثقة لحكومته، حاول الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، خطب وُدّ زملائه السابقين في البرلمان.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية قوات الشرطة الإيرانية تداهم «معهد غوته» الألماني في طهران صباح اليوم (نورنيوز)

الشرطة الإيرانية تداهم معهداً ألمانياً وبرلين تستدعي سفير طهران

استدعت الخارجية الألمانية السفير الإيراني في برلين على خلفية مداهمة الشرطة الإيرانية لفرعين على صلة بالسفارة في طهران.

«الشرق الأوسط» (برلين - طهران)

نتنياهو راوغ بلينكن تحسباً لليمين في إسرائيل وأميركا

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وهو يصافح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال اجتماع في القدس 19 أغسطس 2024 (إ.ب.أ)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وهو يصافح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال اجتماع في القدس 19 أغسطس 2024 (إ.ب.أ)
TT

نتنياهو راوغ بلينكن تحسباً لليمين في إسرائيل وأميركا

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وهو يصافح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال اجتماع في القدس 19 أغسطس 2024 (إ.ب.أ)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وهو يصافح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال اجتماع في القدس 19 أغسطس 2024 (إ.ب.أ)

كشفت مصادر سياسية في تل أبيب أن أسباباً مركّبة إسرائيلية وأميركية، دفعت رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، إلى التعبير عن التراجع عمّا أعلنه وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، من قبول حكومته بمقترح التهدئة؛ ولم تكن الأسباب فقط من اليمين الإسرائيلي، بل دخل على خطها اليمين الأمريكي، مع إشارة إلى مقربين من حملة الرئيس السابق ومرشح الحزب الجمهوري، دونالد ترمب، كجزء من هذه الضغوط.

وذهبت تقديرات لمحللين إسرائيليين إلى أنه على الرغم من إفادة بلينكن بأن نتنياهو وافق على التهدئة، فإن الأخير راوغه وفضّل صداماً معه بإنكار جزئي لبعض البنود على أن يدخل في خلاف مع المتطرفين في حكومته من أمثال الوزيرين، بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، اللذين يهددانه بإسقاط الحكومة.

جاءت تلك الإفادات في ظل إحباط شامل يسود عائلات أسرى إسرائيليين من تصرفات نتنياهو، والتقديرات التي تُجمع على أن الصفقة باتت في خطر حقيقي، وتوقعات بأن اجتماعاً مفترضاً بشأن التهدئة يُعقد في القاهرة غداً، يمكن أن يُلغى أو يُعقد بتركيبة ناقصة ويفشل.

كان بلينكن قد أعلن موافقة نتنياهو على المقترحات الجديدة. لكن نتنياهو عاد وقال بعد يوم واحد من لقائهما، إنه «ربما أقنع الوزير بلينكن بصفقة تتضمن بقاء الجيش الإسرائيلي في محوري فيلادلفيا (المتاخم للحدود مع مصر) ونتساريم (يقسم قطاع غزة عرضياً)».

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يلتقي وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في القدس (السفارة الأميركية)

وأثارت هذه التصريحات غضباً كبيراً لدى بلينكن ومرافقيه. وردوا عليها من الدوحة، ووصفوها بـ«المتشددة». وقال بلينكن في تصريح للصحافيين من مطار الدوحة قبيل صعوده إلى الطائرة عائداً إلى واشنطن، مساء الثلاثاء، إنّ «نتنياهو قال لي مباشرةً وبكل وضوح إنه يقبل المقترحات. ولذلك بدأنا الضغط على (حماس) كي تقبل بها»

وفي إسرائيل أعادوا تأكيد التشاؤم إزاء المفاوضات القادمة. وقال أعضاء في الفريق الإسرائيلي المفاوض إن «رئيس الحكومة، نتنياهو، يتعمد إطلاق تصريحات لإفشال المفاوضات، لا يوجد أي تفسير آخر لذلك».

وحسبما أفادت هيئة البث العام الإسرائيلية (كان 11)، قال أكثر من مسؤول في الفريق المفاوض إن «رئيس الحكومة يعرف أننا في فترة حرجة نعمل فيها على إيجاد حلول لمسألة محوري فيلادلفيا ونتساريم قبل جولة المحادثات المقبلة، وهو يعرف أن هناك تقدماً، رغم ذلك يُصدر تصريحات تتعارض مع ما جرى الاتفاق عليه مع الوسطاء».

ووفقاً لمصدر مطلع على تفاصيل اللقاء الذي جمع نتنياهو مع عائلات أسرى في غزة وذوي جنود قُتلوا في غزة، قال نتنياهو: «أنا المخول بإدارة المفاوضات. ومن لا يعجبه الطريقة التي يدير بها رئيس الحكومة المفاوضات، فهو مدعوٌّ للقيام والمغادرة». وقد ردوا قائلين: «على الرغم من التوتر الكبير بين الأطراف، فلا توجد أي نية لدى أعضاء فريق المفاوضات المكون من رؤساء الأجهزة الأمنية، للتخلي عن مناصبهم في هذه المرحلة الحرجة من المفاوضات».

بدورها، رجّحت القناة 13 الإسرائيلية، أن تُرجأ جولة المحادثات المقررة في نهاية الأسبوع الجاري في القاهرة بمشاركة رئيس الموساد، دافيد برنياع، إلى حين «حدوث تقدم في المحادثات»، وأفادت بأنه «حتى الآن، لا يوجد تقدم يبرر عقد قمة من هذا القبيل».

مراوغة

وبات السؤال الملحّ في تل أبيب: لماذا غيّر نتنياهو رأيه من الموافقة، إذا كانت موجودة فعلاً كما أبلغ بلينكن، إلى رفض؟ وتذهب تقديرات إلى أن الأمر متسق مع طبيعة نتنياهو المراوغة في كل المحاولات السابقة للتهدئة، بينما يعتقد مراقبون إسرائيليون أن بلينكن حاول نصب مصيدة عسل لنتنياهو، بأن يعلن أنه وافق، فاكتشف نتنياهو الأمر وقرر إحباطه بفظاظة.

لكن تبين أن هناك ما هو أهم وأكبر تأثيراً على نتنياهو، فقد كشف النقاب عن أن نتنياهو ما زال يدير مفاوضات مع حلفائه في اليمين المتطرف، وعقد مؤخراً اجتماعين مع وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، لمناقشة المفاوضات غير المباشرة مع حركة «حماس» لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في قطاع غزة.

العضوان المتطرفان في الحكومة الإسرائيلية إيتمار بن غفير (يسار) وبتسلئيل سموتريتش (أ.ف.ب)

وحسب موقع «واللا» الإسرائيلي، فقد حاول نتنياهو فحص مدى معارضة سموتريتش لاتفاقية الأسرى، وما إذا كان سيوافق عليها وبأي شروط أو يتغاضى عنها بصمت في ظل ظروف معينة.

وبعدما نشر بلينكن البيان عن موافقة نتنياهو، بعث سموتريتش برسالة إلى نتنياهو يهدده فيها بأنه «سيعمل على إسقاط الحكومة إذا ما أُقرت الصفقة». وبما أن شريك سموتريتش، بن غفير، هدد مسبقاً بتفكيك الائتلاف في حالة إبرام صفقة، فقد فهم أن عليه طمأنتهما بأن موقفه لم يتغير. وفضّل الصدام مع واشنطن على الصدام معهما.

حسابات أميركية

وليس سموتريتش وبن غفير فحسب، بل أفادت تقارير بأن هناك جهات أمريكية تتدخل وتحاول إجهاض الصفقة، وهي جهات مقربة من الحزب الجمهوري والرئيس السابق، دونالد ترمب. وتعتقد أن على نتنياهو ألا يقدم هدية انتخابية للرئيس بايدن ونائبته المرشحة للرئاسة، هاريس.

فهناك تسعة رهائن إسرائيليين من أصل أمريكي لدى «حماس»، فإذا خرجوا من الأسر، سيستقبلهم بايدن وهاريس في البيت الأبيض ويظهران على أنهما أطلقا سراح كل الأسرى الأمريكيين في الخارج (بمن في ذلك الأسرى الذين أُطلق سراحهم من روسيا مؤخراً). ففي هذا ربح صافٍ للحزب الديمقراطي.

وابتداءً من يوم الثلاثاء، اليوم الثاني من مؤتمر الحزب الديمقراطي في شيكاغو، تظاهر بضع عشرات من المواطنين الإسرائيليين الذين يحملون الجنسية الأمريكية معلنين تخصيص «ساحة للمخطوفين»، (على نمط ساحة المخطوفين في تل أبيب، التي أُقيمت أمام مقر قيادة الحرب منذ العاشر من أكتوبر - تشرين الأول الماضي)، ورفعوا شعارات تتهم بايدن وهاريس بهدر دماء الرهائن وتساند نتنياهو في استمرار الحرب على غزة.

وتبين أن وراء المظاهرة يقف تنظيم «أميركيون وإسرائيليون (IAC)»، الذي يموله صندوق أدلسون، على اسم شلدون أدلسون، الملياردير الأمريكي المقرب من ترمب (يمول حملاته السياسية والانتخابية بقيمة 90 مليون دولار في السنة) وهو الذي يمول صحيفة «يسرائيل هيوم» المجانية في إسرائيل (يدفع لها 22 مليون دولار في الشهر) منذ 13 عاماً.

المرشح الجمهوري الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب يتحدث خلال مؤتمر صحافي في نيوجرسي (أ.ف.ب)

ويقف على رأس هذا التنظيم نشطاء في حملة ترمب، بينهم إيلان كار، الذي عيَّنه ترمب مستشاراً لشؤون «مكافحة العداء للسامية» إبان حكمه، وتبين أن معهم مجموعة من عائلات الأسرى الإسرائيليين وإحدى عائلات الأسرى الأمريكيين، الذين يعملون في الحملة الدولية لنتنياهو ضد الصفقة. ونجح نتنياهو في سلخ هؤلاء عن «منتدى عائلات الأسرى الإسرائيليين» منذ الشهر الثاني للحرب وأرسلهم لحملة دولية ضد «حماس».