روحاني يكشف عن أسرار لقاء «تهدئة التوترات» مع قادة «الحرس الثوري»

كشف الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، عن ملابسات لقاء «تهدئة التوترات» مع خمسة من كبار قادة «الحرس الثوري»، قبل أسبوعين من بدء ولاية ثانية مطلع أغسطس (آب) 2017، في أعقاب هزيمة الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي في أول تجربته الانتخابية.

ونقل موقع روحاني الرسمي قوله لمجموعة من الصحافيين إن لقاءه قادة «الحرس الثوري» حينذاك، كان «من أجل السلام والمودة بعد الانتخابات، جاءوا ليقولوا لأنك منتخب، نحن سنكون إلى جانبك ونريد أن نعمل معاً».

ولفت روحاني إلى أن مسؤول العلميات الخارجية في «الحرس الثوري» السابق، قاسم سليماني، طلب منه في نهاية اللقاء تسمية وزير دفاع من بين ضباط «الحرس الثوري».

ولكن روحاني بعد شهر من اللقاء المذكور، قدم العميد أمير حاتمي، من ضباط الجيش الإيراني وزيراً للدفاع، مستبعداً وزير دفاعه الأول حسين دهقان الذي كان من ضباط «الحرس الثوري». وكانت هي المرة الأولى التي يعين فيها الرئيس الإيراني قيادياً في الجيش وزيراً للدفاع، بعد دمج «وزارة الحرس الثوري» بوزارة الدفاع في عام 1989.

ويؤكد كلام روحاني التقارير المتباينة، حول استمرار أو خروج دهقان من التشكيلة الوزارية. ورغبة الرئيس الإيراني في إحالة المنصب إلى قائد بالجيش.

وقال روحاني إنه اختار جميع فريقه الوزاري بعد مشورة المرشد علي خامنئي. ومن المعروف أن الرئيس ملزم بالحصول على موافقة مسبقة من المرشد في تسمية خمسة وزراء؛ وزير الدفاع، والداخلية، والخارجية، والاستخبارات، والثقافة والإعلام.

جاءت رواية روحاني عن اللقاء الشهير التي تباينت الروايات والتكهنات حوله، خصوصاً أنه جاء بعدما بلغ التوتر بين الرئيس السابق وقادة «الحرس الثوري» ذروته في الحد الفاصل بين توقيع الاتفاق النووي، في صيف 2015، والانتخابات الرئاسة الإيرانية لعام 2017 والتي هزم فيها روحاني المرشح المدعوم من «الحرس الثوري» حينها، الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي.

ولفت موقع روحاني إلى أن حديثاً لمجموعة من محرري صحيفة «اعتماد» الإصلاحية، يعود إلى منتصف فبراير (شباط) الماضي، قبل أسبوعين من انتخابات «مجلس خبراء القيادة» الهيئة المعنية بتسمية خليفة المرشد الإيراني علي خامنئي، والتي استعبد منها روحاني بعد 24 عاماً على عضوية المجلس. وتزامنت انتخابات «خبراء القيادة» مع الانتخابات التشريعية.

تأتي الرواية الجديدة بشأن العلاقة المتوترة بين «الحرس» والحكومة، السابقة، بعد أيام من نشر كتاب وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف تحت عنوان «عمق الصبر». وكشف ظريف عن عدم إبلاغه وإبلاغ الرئيس الإيراني حسن روحاني، بالهجوم على قاعدة «عين الأسد»، بينما تلقى رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي، والقادة الأميركيون رسائل من طهران، بشأن نوايا قصف القوات الأميركية بصواريخ باليستية.

«تهدئة التوترات»

تضاف رواية روحاني عن اللقاء المثير للجدل مع قادة «الحرس الثوري»، إلى روايات متضاربة أخرى وردت بعضها على لسان مسؤولين مقربين من روحاني نفسه.

وحضر اللقاء قائد «الحرس الثوري» السابق، محمد علي جعفري، وقائد «فيلق القدس» الذراع الخارجية لـ«الحرس»، قاسم سليماني، وقائد الوحدة الصاروخية في «الحرس»، أمير علي حاجي زاده، وقائد «الباسيج» السابق غلام حسين غيب بور، والقائد السابق لوحدة «ثأر الله» المسؤولة عن أمن طهران في الأوقات المتأزمة، إسماعيل كوثري، وهو نائب حالي في البرلمان، وأعيد انتخابه للبرلمان المقبل.

ووصفت بيانات رسمية، أجواء اللقاء بـ«الودية»، دون الكشف عن تفاصيل ما جرى. وخلال اللقاء حض روحاني القادة الخمسة على «حفظ الوحدة والتماسك بين جميع القوى وأجهزة النظام للعمل بتوصيات المرشد».

وشهدت فترة روحاني علاقات متوترة بين إدارته، وقادة الجهاز الأكثر نفوذاً في البلاد، والذي يملك أجهزة موازية لوحدات الجيش، وأذرعاً اقتصادية، وجهازاً موازياً لوزارة الاستخبارات، ويعلب ذراعه الخارجية «فيلق القدس» دوراً رقابياً، وتنفيذياً في السياسة الخارجية، خصوصاً السياسة الإقليمية.

أنصار «الحرس الثوري» أمام مبنى الخارجية الإيرانية احتجاجاً على إعلان ظريف انفتاحه للحوار مع واشنطن بعد أيام من مقتل سليماني يناير 2020 (تسنيم)

وبلغ التوتر حدته خلال فترة انتخابات الرئاسة لعام 2017، عندما وصف روحاني جهاز «الحرس الثوري» بـ«الحكومة التي تملك البندقية»، وقال إنه يترأس حكومة «لا تملك البندقية»، منتقداً على وجه الخصوص، الأنشطة الصاروخية لـ«الحرس الثوري»، بعد أشهر قليلة من توقيع الاتفاق النووي، في يوليو (تموز) 2015، وكذلك دخول الاتفاق حيز التنفيذ في منتصف يناير (كانون الثاني) 2016.

كما انتقد روحاني في حملته الانتخابية دور «الحرس» في وسائل الإعلام، وكذلك، الدعم الذي قدموه حينها لمنافسه إبراهيم رئيسي.

وأكد تسجيل صوتي مسرّب لوزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، في مارس (آذار) 2021، عمق التوتر بين الحكومة السابقة، وقادة «الحرس الثوري»، خصوصاً قاسم سليماني. واتهم ظريف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالسعي لتخريب الاتفاق النووي، عبر توجيه الدعوة إلى سليماني لزيارة الكرملين، من أجل إقناعه بتوسيع العمليات في سوريا. ويبدي عن أسفه لأن «الدبلوماسية» تقدم تضحيات في سياستها الإقليمية، من أجل الميدان، في إشارة إلى أنشطة «الحرس الثوري» الإقليمية.

وطعن ظريف في رواية إعلام «الحرس الثوري» بشأن «نجاح» سليماني في إقناع بوتين بدخول الحرب السورية، موضحاً أنها كانت «خطة مبيتة» من بوتين لقلب الطاولة على الاتفاق النووي، عندما دعا سليماني إلى زيارة موسكو. وكان بوتين قد زار طهران في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، والتقى خامنئي.

خامنئي يصف ما قاله ظريف في تسجيل صوتي بأنه «تكرار لتصريحات الأعداء» - خطاب متلفز في 2 مايو 2021 (موقع المرشد)

روايات متباينة

باستثناء سليماني الذي قضى في ضربة أميركية، بعد نحو ثلاث سنوات ونصف السنة على اللقاء، قدم قادة «الحرس» رواياتهم عن اللقاء الذي بقيت تفاصيله طي الكتمان لأيام، رغم أن كثيرين ربطوه بالحرب الكلامية بين روحاني وقادة «الحرس».

بعد أيام من اللقاء، ذكرت صحيفة «كيهان» في نهاية يوليو 2017، أن المحور الأساسي كان نقد أداء ومواقف الحكومة في مجال الأمن والدفاع عن القيم الأساسية للثورة، مشيرة إلى أن القادة طالبوا روحاني بمنع ظهور أدبيات مختلفة عن أدبيات الثورة.

أما عن مناقشة الوضع الاقتصادي والتشكيلة الوزارية، فقد ادعت الصحيفة أن «قادة (الحرس) لا يعدّون الدخول إلى المجالين من صلاحياتهم... إنهم لا يفكرون بما يخص صلاحيات الرئيس».

بعد ساعات من نشر رواية «كيهان»، قال رئيس «الباسيج» غلام حسين غيب بور الذي حضر اللقاء إن «الأجواء كانت ودية، أن «مجموعة (الحرس) ترى روحاني رئيساً قانونياً للبلاد»... ونقل عن روحاني قوله: «ليس من المقرر أن الأداء بتصريحات تعارض مصلحة النظام الذي على رأسه ولي الفقيه».

أما الرواية الأخرى، فقد وردت على لسان الجنرال إسماعيل كوثري، الذي عاد للبرلمان لاحقاً. وقال كوثري في حديث تلفزيوني إن «اللقاء كان صريحاً»، موضحاً أن الطرفين طرحا انتقادهما، لكنه قال: «من المؤكد كان اللقاء ودياً لكي نمنع من هم خارج الحدود من سوء استغلال الوضع».

من جانبه، قال قائد «الحرس الثوري» السابق، محمد علي جعفري: الهواجس التي جرى طرحها في الاجتماع كانت تشغل قادة (الحرس)... كانت أوضاعاً خاصة في الانتخابات... برأينا أن كثيراً من الحريصين على النظام، شعروا بالاستياء من الأجواء، كان من الضروري القيام بمثل هذه الخطوة للوحدة ومنع اتساع الفجوة بين قوى الثورة». وأضاف: «بالطبع كان نقاشاً جدياً، لكنه رحب لأن الهدف كان صادقاً ومخلصاً».

مسؤول الوحدة الصاروخية في «الحرس الثوري» أثناء الكشف عن صاروخ على متن شعارات عبرية بعد أسبوعين من تنفيذ الاتفاق النووي في يناير 2016 (أرشيفية)

على خطى أحمدي نجاد

لكن الرواية الأكثر وصراحة، جاءت في الذكرى الثانية لمقتل سليماني، على لسان قائد الوحدة الصاروخية لـ«الحرس الثوري» أمير علي حاجي زاده، حيث قال في حوار نشرته صحيفة «كيهان» إن سليماني وقادة «الحرس» وجّها تحذيراً شديدة اللهجة إلى روحاني في اللقاء، بشأن مواقفه المتباينة مع المرشد الإيراني علي خامنئي.

وبحسب رواية حاجي زاده: «سليماني قال لروحاني إن الدفاع عن الثورة والنظام والمرشد خط أحمر لنا، ويجب ألا تعتقد أنك يمكنك التشويه دائماً وأن نلتزم الصمت».

وأجاب حاجي زاده على سؤول بشأن ما يتداول عن دعم سليماني الصفقة النووية، قائلاً: «إذا كان الأمر كذلك؛ فلماذا قال ظريف في التسجيل الصوتي إنه ألحق أضراراً بالدبلوماسية؟ قائد الجهاز الدبلوماسي يقول إنه ألحق ضرراً بنا».

وقال حاجي زاده إن «المرشد كان يقول شيئاً وفي الأسبوع اللاحق يتخذ روحاني موقفاً، ويشوّه (الحرس الثوري). كان يهاجم الداخل كل يوم. لقد كانت رسالة ذهابنا إلى الاجتماع أن نبلغ روحاني أننا نساعده»؛ لافتاً إلى أن سليماني سأل روحاني «عمّا إذا كان يريد مواصلة طريق أحمدي نجاد، أو يريد أن يصبح مثله».

روحاني يلتقي قادة الحرس الثوري لتهدئة التوتر

قبل أسبوعين من أداء القسم الدستوري وإعلان التشكيلة الوزارية، واصل الرئيس الإيراني حسن روحاني، مشاورات مع دوائر صنع القرار الإيراني، فأمس، التقى خمسة من كبار قادة الحرس الثوري في محاولة لنزع التوتر مطالبا القوات العسكرية بحفظ «الانسجام والوحدة في النظام» وذلك بعدما شهد الشهر الماضي تلاسنا شديد اللهجة بين الجانبين.
وبينما يتطلع الإيرانيون لمعرفة موقف المرشد الإيراني علي خامنئي من الحكومة المرتقبة، تناقلت وسائل الإعلام الإيرانية، أمس، نبأ لقاء جرى بين روحاني وأبرز قادة الحرس الثوري على رأسهم القائد العام، محمد علي جعفري وقائد فيلق «القدس» قاسم سليماني وقائد «الباسيج» غلامحسين غيب برور وقائد الوحدة الصاروخية (جو الفضاء) أميرعلي حاجي زادة وقائد قاعدة ثارالله المسؤولة عن أمن طهران في الأوضاع المتأزمة، إسماعيل كوثري.
وعلى خلاف التلاسن بين الجانبين عبر وسائل الإعلام الشهر الماضي والذي كشف عن عمق الخلافات بين الحرس الثوري والحكومة، أشار التقرير الرسمي الذي تناقلته وكالات الأنباء الرسمية إلى أجواء ودية سادت اللقاء، دون الكشف عن التفاصيل وإذا ما كان روحاني ناقش التشكيلة المقبلة مع قادة الحرس الثوري، إلا أن التقرير كشف عن محاولة روحاني الدفع بالتهدئة مع قادة الحرس الثوري وذلك في وقت يقترب من إعلان حكومته الثانية بعدما يؤدي القسم الدستوري أمام البرلمان في الخامس من أغسطس (آب) المقبل.
ويمارس الحرس الثوري ضغوطا على الحكومة الإيرانية في وزارات سيادية هي الأمن والدفاع والداخلية والنفط. وبينما رجحت أوساط مقربة من روحاني استمرار وزير الدفاع الحالي حسين دهقان وهو من قادة الحرس الثوري، ذكرت مصادر إيرانية أن روحاني يتطلع لتعيين أحد قادة الجيش في منصب وزير الدفاع.
بحسب التقرير، أبدى روحاني استعداده لتقديم الدعم في الحكومة المقبلة «لخدمات الحرس الثوري على صعيد مهامه». كما طلب من قادة الحرس الثوري «حفظ الوحدة والتماسك بين جميع القوى وأجهزة النظام للعمل بتوصيات المرشد الإيراني».
وشهد الشهر الماضي، ذروة الخلافات بين روحاني والحرس الثوري منذ وصوله إلى منصب الرئاسية في أغسطس 2013. هاجم الرئيس الإيراني سياسات الحرس الثوري على الصعيد الاقتصادي والإعلامي والسياسي ووصف الجهاز العسكري بـ«الحكومة التي تملك البندقية» في إشارة إلى مزاحمة الحرس الثوري لصلاحيات الحكومة الإيرانية.
وكان روحاني في حملة الانتخابات الرئاسية، وجه انتقادات لاذعة إلى الحرس الثوري لكشفه عن مستودعات للصواريخ الباليستية إضافة إلى مناورات جرت في الشهر الأول من دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ متهما الحرس بمحاولة عرقلة حكومته بعد رفع العقوبات كما اتهم الجهاز العسكري بالتدخل في الانتخابات والسياسة عبر فتح قواعده العسكرية لدعم خصمه المحافظ إبراهيم رئيسي.
وكان الخلاف حول الجهة التي أصدرت أوامر إطلاق ستة صواريخ باليستية الشهر الماضي من بين محاور الخلاف بين الحكومة والحرس الثوري وأصر كل طرف منهما على صحة روايته عن الحدث. سبق ذلك مواقف متباينة بين الحكومة والحرس الثوري حول هجوم استهدف مقر البرلمان ومرقد الخميني، نفذه مسلحون إيرانيون ينتمون إلى «داعش».
وبعد أسابيع من إطلاق الصواريخ، في مؤشر إلى رفض روحاني انفراد الحرس الثوري بتسجيل الهجوم على مواقع في سوريا فضلا عن الصناعة الصاروخية قال روحاني بأن حكومته تمول
برنامج الصواريخ وتدفع الرواتب وتقدم السلاح للقوات الإيرانية في العراق وسوريا.
وفي المقابل، تسببت مواقف روحاني في موجة غضب بين قادة الحرس الثوري. وبدأ الهجوم من قائد الحرس الثوري الذي توعد حكومته بالهزيمة والخذلان أمام الأعداء إن لم تملك البندقية ونصح روحاني بعدم الهروب إلى الأمام من المشكلات الداخلية. وقال مخاطبا روحاني «بأن البعض يصفنا بأهل البندقية، أمر البندقية هين نحن نملك الصواريخ».
قبل أسبوعين وبعد هجوم روحاني على دول الجوار وإعلان معارضته تشييد السدود، اصطحب جعفري قائد القوات البرية محمد باكبور وقائد مجموعة «خاتم الأنبياء» الذراع الاقتصادية للحرس الثوري في جولة إلى الحدود الغربية حيث يشرف الحرس الثوري على بناء السدود وهي ما عدت رسالة من الحرس الثوري لروحاني برفض وقف المشاريع العملاقة مثل السدود.
ولم يتوقف الرد على جعفري، بل تدخل قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني الذي ربط وجود إيران بالحرس الثوري محذرا روحاني من «ارتكاب الخيانة الكبرى بتكريس التشكيك حيال الأجهزة الثورية» كما حذر من الوقوف بوجه المرشد الإيراني و«الإدلاء بتصريحات على خلاف نوايا وسياسات المرشد».
رغم ذلك دفع روحاني، أمس، باتجاه التهدئة أمس عندما أشاد بـ«جهود الحرس الثوري»، لكنه بنفس الوقت أعرب عن أمله بأن «يؤدي التنسيق بين حكومته المقبلة والقوات المسلحة إلى الإسراع في تحقق مطالب الشعب».
كما تمسك روحاني بشكل ضمني بتكرار مواقفه السابقة التي تطالب بعدم التداخل بين الأجهزة في النظام عندما طالب بضرورة «شفافية جميع الأجهزة والمؤسسات المسؤولة في مجال تخصصها» مشددا على أنه «يزيد من الفاعلية ودعم القدرات العسكرية لقوات الحرس الثوري والجيش من أجل ضمان الأمن القومي الإيراني».
في سياق متصل، أشار التقرير إلى تهنئة قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري لروحاني لفوزه بالانتخابات الرئاسية و«جاهزية الحرس الثوري للتعاون مع الحكومة لتحقق أهداف الثورة».
وكان قائد الباسيج غلامحسين غيب برور، القيادي الوحيد من الحرس الثوري الذي قدم التهاني لروحاني بعد إعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية.
في غضون ذلك، حذر أكثر من 70 خبيرا اقتصاديا في رسالة مفتوحة إلى روحاني من التأثر بـ«الضغوط والمساومات السياسية» في انتخاب تشكيلة فريقه الاقتصادي في الحكومة الجديدة.
وفي إشارة إلى «تحديات كبيرة» تواجه الاقتصاد الإيراني في الوقت الحالي، حذر الخبراء من تبعات تسمية الأسماء المرشحة للمناصب الاقتصادية على الأداء الاقتصادي للحكومة المقبلة.
وقال الموقعون على الرسالة بأن «بعض المرشحين للمناصب السيادية في الاقتصاد، لا يملكون المواصفات المطلوبة».
ويشدد الموقعون وأغلبهم من أساتذة الجامعات الإيرانية أنهم «لا يدعمون مجموعة أو شخصا خاصا لكنهم يطالبون باختيار فريق اقتصادي كفء ومتناسق مع الحكومة المقبلة لمواجهة التحديات الاقتصادية الموجودة» حسب ما نقلت وكالة مهر.

سليماني هدد روحاني إذا مسّ بصورة خامنئي

كشف قائد «الوحدة الصاروخية والجوية» في «الحرس الثوري»، أمير علي حاجي زاده، أمس، عن تحذير وجهه قائد «فيلق القدس» السابق، قاسم سليماني، وكبار قادة «الحرس» إلى الرئيس السابق حسن روحاني بعد فوزه بولاية ثانية في انتخابات الرئاسة عام 2017، بشأن مواقفه المتباينة مع المرشد الإيراني علي خامنئي.
وقال حاجي زاده؛ في حوار نشرته صحيفة «كيهان» التابعة لمكتب المرشد الإيراني، في عددها الصادر أمس، بعد أيام من الذكرى الثانية لمقتل سليماني بضربة نفذتها طائرة مسيّرة أميركية في بغداد، إن سليماني حذر روحاني من «تشويه» خامنئي، صاحب كلمة الفصل في النظام.
وتطرق حاجي زاده، في حواره المفصل، إلى خلافات سليماني والجهاز الدبلوماسي الإيراني، متحدثاً عن معارضته «المساومة والتبعية»، وقال: «كان سليماني يقول للحكومة السابقة إننا لن نتوصل لشيء عبر الطريق الحالية... سليماني قال لروحاني إن الدفاع عن الثورة والنظام والمرشد خط أحمر لنا، ويجب ألا تعتقد أنك يمكنك التشويه دائماً وأن نلتزم الصمت».
ورداً على سؤال بشأن ما إذا كان يتفق مع ما يقوله أنصار الاتفاق النووي بشأن «دعم سليماني الصفقة النووية، بينما ينتقدون سعي الحكومة الحالية للحصول على ضمانات والتحقق من رفع العقوبات»، قال: «إذا كان الأمر كذلك؛ فلماذا قال ظريف في التسجيل الصوتي إنه ألحق أضراراً بالدبلوماسية؟ قائد الجهاز الدبلوماسي يقول إنه ألحق ضرراً بنا».
وكان حاجي زاده يشير إلى التسجيل الصوتي المثير للجدل، والذي سُرب من «مركز أبحاث الرئاسة الإيرانية» في أبريل (نيسان)، بعد نحو شهر من تسجيل أُعدّ لكي يكون جزءاً من برنامج سري حكومي يوثق شهادات المسؤولين ضمن التاريخ الشفوي الإيراني. ويوجه ظريف في التسجيل المسرب لثلاث ساعات (من أصل 7 ساعات)، انتقادات لاذعة إلى الأنشطة الإقليمية لـ«الحرس» التي يشير إليها بمصطلح «الميدان». ويتهم ظريف روسيا بالتآمر على الاتفاق النووي، سواء عبر وزير خارجيتها سيرغي لافروف في الساعات الأخيرة من إعلان الاتفاق في يوليو (تموز) 2015، والشهور التي فصلت الإعلان عن توقيع الاتفاق وتنفيذه في يناير (كانون الثاني) 2016.
ويقلل ظريف من أهمية ما يروج له «الحرس» بشأن تمكن سليماني في إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدخول الحرب السورية، موضحاً أنها كانت «خطة مبيتة» من بوتين لقلب الطاولة على الاتفاق النووي، عندما دعا سليماني إلى زيارة موسكو. وكان بوتين قد زار طهران في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، والتقى خامنئي.
والأسبوع الماضي، كشفت صحيفة «آرمان ملي» عن أن وزارة الاستخبارات والجهازين الموازيين لها: «جهاز استخبارات الحرس الثوري» و«جهاز استخبارات القضاء الإيراني»، حركوا دعوة قضائية ضد 190 مشتبهاً فيه بتسريب التسجيل الصوتي؛ من بينهم ظريف وحسين آشنا رئيس «مركز الأبحاث» ومساعد الرئيس السابق.
ولكن مقابلة حاجي زاده تذهب أبعد من السجال الذي أثاره التسجيل؛ إذ إنها تكشف لأول مرة عن تفاصيل اللقاء الذي جمع كبار قادة «الحرس الثوري» بالرئيس روحاني، في إشارة واضحة إلى لقاء 24 يوليو 2017 قبل نحو أسبوعين من أداء روحاني القسم أمام البرلمان لبدء ولايته الثانية؛ على رأسهم قائد «الحرس» حينها، محمد علي جعفري، وسليماني وحاجي زاده، إضافة إلى قائد «الباسيج» وقائد «وحدة ثار الله» المسؤولة عن حماية طهران.
وتناقض رواية حاجي زاده ما نقلته وسائل الإعلام الإيرانية حينذاك؛ عن «أجواء ودية» سادت اللقاء المذكور، حيث قال إنه «كان اجتماعاً صريحاً وحاداً»، وقال إن سليماني «لم يكن معارضاً للدبلوماسية. لم يعارض ما تم تأييده والمصادقة عليه على مستوى البلاد. في الواقع لم يكن موافقاً ولا معارضاً».
وعن السبب الحقيقي لعقد الاجتماع المذكور، قال حاجي زاده إن «المرشد كان يقول شيئاً وفي الأسبوع اللاحق يتخذ روحاني موقفاً، ويشوه (الحرس الثوري). كان يهاجم الداخل كل يوم. لقد كانت رسالة ذهابنا إلى الاجتماع أن نبلغ روحاني أننا نساعده»؛ لافتاً إلى أن سليماني سأل روحاني «عمّا إذا كان يريد مواصلة طريق أحمدي نجاد، أو يريد أن يصبح مثله».
ونشب التوتر في صيف 2017 بين «الحرس» وروحاني على خلفية خطاباته النارية في الحملة الانتخابية، التي انتقد فيها بشدة سياسات «الحرس» في الاقتصاد والإعلام والسياسية. ووصل الأمر بروحاني إلى وصف «الحرس الثوري» بـ«الحكومة التي تملك البندقية». كما انتقد روحاني الكشف عن مستودعات الصواريخ الباليستية تحت الأرض، المسماة «المدن الصاروخية»، في أكتوبر (تشرين الأول) وديسمبر (كانون الأول) من عام 2015، قبل تنفيذ الاتفاق النووي بأسابيع قليلة. وشملت انتقاداته التجربة الصاروخية لـ«الحرس الثوري» وكتابته شعارات مناهضة لإسرائيل باللغة العبرية على تلك الصواريخ، خلال الشهر الأول من تنفيذ الاتفاق النووي. وحينذاك رد الجنرال جعفري، الذي ترك مكانه لنائبه حسين سلامي، على أقوال روحاني بأن «حكومته ستواجه الهزيمة والخذلان أمام الأعداء إن لم تملك البندقية... البعض يصفنا بأصحاب البندقية. أمر البندقية هين. نحن لدينا الصواريخ».
ويأتي نشر المقابلة غداة موافقة نواب البرلمان الإيراني على التحقيق في أداء مؤسسة الرئاسة لحكومة روحاني، استناداً إلى تقرير لجنة الشؤون الداخلية في البرلمان. ووافق 138 نائباً، فيما صوت 28 نائباً ضد التقرير، وامتنع 10 نواب عن التصويت.
وبعد تصويت نواب البرلمان، عنونت وكالة «إيلنا» الإصلاحية المؤيدة لروحاني بأن «تسونامي من التحقيقات في طريقها إلى باستور» وهو مقر الحكومة الإيرانية.
ويشمل التحقيق مساعد ومسؤولي مكتب الرئيس؛ خصوصاً أداءهم المالي والتدخل في المفاوضات النووية، ودورهم المحتمل في التسبب في الفساد، وكذلك دورهم في تسمية المسؤولين ورؤساء المؤسسات الاقتصادية والمصانع والبنوك والمراكز الحساسة والاقتصادية.
كما سيحقق البرلمان في دور الفريق الاقتصادي، خصوصاً نائبه للشؤون الاقتصادية محمد نهاونديان، في ضخ 18 مليار دولار إلى سوق العملة و«إهدار موارد النقد الأجنبي، وتوزيع 60 طناً من الذهب في إطار ضبط أسعار الذهب، دون أن تسفر عن نتائج إيجابية»، وهو متهم بـ«إهدار بيت المال».
والمحور الآخر من التحقيق يستهدف حسن فريدون، شقيق الرئيس الإيراني؛ الذي اعتقل من قبل «جهاز استخبارات الحرس» في صيف 2017.
وسيكون فريدن مرة أخرى موضع تحقيق بسبب «تبعات تدخلاته في المفاوضات النووية». وكان حسن فريدون عضواً في الفريق المفاوض النووي بصفته مستشاراً خاصاً للرئيس الإيراني بشأن المفاوضات.

روحاني يؤكد شهادة ظريف بشأن ليلة الانتقام لسليماني

أكد الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، شهادة وزير خارجيته محمد جواد ظريف، بشأن عدم تلقيهما أي إشعارات من المجلس الأعلى للأمن القومي، وهيئة الأركان المسلحة في ليلة قصف قاعدة «عين الأسد» مقر القوات الأميركية في غرب العراق، قبل 4 سنوات.

وقصف «الحرس الثوري» قاعدة «عين الأسد» فجر 8 يناير (كانون الثاني) 2020، بصواريخ باليستية، بعد 5 أيام على مقتل قاسم سليماني، قرب مطار بغداد، في تطور كاد يشعل حرباً مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران.

وقال ظريف في مذكراته «عمق الصبر» الصادر حديثاً، إنه علم من نائبه عباس عراقجي، بعد ساعات من الهجوم، مشيراً إلى عدم علم روحاني أيضاً بالهجوم، بينما كان رئيس الوزراء العراقي حينها عادل عبد المهدي، تلقى بلاغاً من القادة العسكريين الإيرانيين قبل ساعات من الهجوم، ونقل بدوره رسائل للأميركيين.

وقالت صحيفة «كيهان» المقربة من مكتب المرشد الإيراني السبت، إن روحاني «كان نائماً ولم يتمكن القادة العسكريون من إبلاغه بالهجوم على عين الأسد».

وفي وقت لاحق، هاجم الموقع الرسمي لروحاني، الصحيفة بأشد العبارات. وقال: «كبار المسؤولين العسكريين طلبوا لقاءً عاجلاً مع الرئيس وهو كان ينتظرهم في منزله، لكن الطلب ألغي في آخر لحظات، حتى علم الرئيس بالهجوم على قاعدة عين الأسد، من خلال شريط الأخبار العاجلة، عبر قناة (خبر) الإيرانية».

وتابع: «عندما أصروا على عدم إبلاغ الرئيس الإيراني (قبل رئيس الوزراء العراقي)، بطبيعة الحال لم يتمكنوا من إبلاغ ظريف».

روحاني علم بالهجوم على «عين الأسد» من التلفزيون الرسمي

دخل الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني على خط الجدل الدائر بشأن رواية وزير خارجيته، محمد جواد ظريف، حول عدم إبلاغهما بقصف على قاعدة عين الأسد، فجر الثامن من يناير (كانون الثاني) 2020، بعد 5 أيام من مقتل مسؤول العمليات الخارجية لـ«الحرس الثوري»، قاسم سليماني، في ضربة أميركية بضواحي «مطار بغداد»، الأمر الذي كاد يشعل حرباً بين البلدين.

وكشف ظريف في مذكراته الصادرة حديثاً تحت عنوان «عمق الصبر» عن ملابسات ليلة هجوم «الحرس الثوري» بصواريخ باليستية على قاعدة عين الأسد في غرب العراق، وتوجيه رسالة من طهران إلى رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي، وكذلك للقادة الأميركيين، قبل ساعات من الهجوم.

وتساءل ظريف عن أسباب عدم إبلاغه وإبلاغ الرئيس الإيراني حسن روحاني بالهجوم.

ورداً على رواية ظريف، قالت صحيفة «كيهان» المقربة من مكتب المرشد الإيراني علي خامنئي، في عددها الصادر السبت، إن روحاني «كان نائماً، ولم يتمكن القادة العسكريون من إبلاغه بالهجوم على عين الأسد».

وهاجم موقع روحاني صحيفة «كيهان» بشدة. وكتب في بيان: «على نقيض كذبة (كيهان)، فإن أصل القضية عدم إبلاغ الرئيس، والدليل على ذلك إلغاء اجتماع طارئ للقادة العسكريين مع روحاني في منزله قبل ساعات من الهجوم».

وأضاف: «إذا لم تكن (كيهان) مغرضة، يكفي أن تسأل كبار القادة في هيئة الأركان المسلحة، للتأكد من صحة أقوال روحاني. إن القادة سيقولون للصحيفة إن كبار المسؤول العسكريين طلبوا لقاء عاجلاً مع الرئيس، وهو كان ينتظرهم في منزله، لكن الطلب جرى إلغاؤه في آخر لحظات، حتى علم الرئيس الإيراني بالهجوم على قاعدة عين الأسد صباح الثامن من يناير، من خلال شريط الأخبار العاجلة، عبر قناة (خبر) التابعة للتلفزيون الرسمي».

وتابع موقع روحاني: «سبب إلغاء الاجتماع وعدم إبلاغ الرئيس الذي كان رئيساً للمجلس الأعلى للأمن القومي (شعام) ليس واضحاً، لكن بعد 5 سنوات فإن كذبة (نوم روحاني) لتبرير الأمر، من صنف تلك التحليلات الخيالية التي تبرع فيها صحيفة (كيهان)».

وبشأن عدم إبلاغ ظريف، كتب موقع روحاني أنه «عندما أصروا على عدم إبلاغ الرئيس الإيراني (قبل رئيس الوزراء العراقي)، بطبيعة الحال لم يتمكنوا من إبلاغ الوزير، ربما لا تعلم (كيهان) أن وزير الخارجية عضو قانوني في (المجلس الأعلى للأمن القومي)، والرئيس بصفته رئيساً لـ(الأمن القومي) لا يمكنه اتخاذ القرار بدلاً من الأعضاء، حتى لو كانوا مطلعين على الأمر».

قائد الوحدة الصاروخية في «الحرس الثوري» أمير علي حاجي زاده يتوسط أعلام ميليشيا موالية لإيران في مؤتمر صحافي بعد الهجوم على قاعدة عين الأسد (التلفزيون الإيراني)

«إجراءات محسوبة»

وقال ظريف في كتابه الجديد إن «القرار الأخير في اجتماع (المجلس الأعلى للأمن القومي) هو عدم الاستعجال في الرد على أميركا حول مقتل الجنرال سليماني، وإن الطريقة الأكثر فعالية التي يتابعها (حزب الله) دوماً هي فرض الشروط الاستنزافية للتأهب لقوات الطرف الآخر»، وذلك في إشارة إلى آخر اجتماع حضره ظريف في «المجلس الأعلى للأمن القومي»، قبل الهجوم المباغت على عين الأسد فجر الأربعاء الثامن من يناير 2020.

وسرد ظريف اللحظات الأولى التي أعقبت الهجوم؛ إذ استيقظ من النوم بعد تلقيه اتصالاً من نائبه عباس عراقجي، الذي أطلعه على الهجوم، وإجراءه اتصالاً مع السفير السويسري راعي المصالح الأميركية لدى إيران، بناء على طلب أمين عام «المجلس الأعلى للأمن القومي»، علي شمخاني.

وبشأن مضمون اتصال عراقجي بالسفير السويسري، أوضح موقع روحاني أن عراقجي قال للسفير إن الهجوم «هو الرد الإيراني على اغتيال جنرالها، وهذه نهاية العملية».

وبعد ساعات من الضربة الإيرانية، قال ظريف في تصريحات صحافية إن بلاده اتخذت «إجراءات محسوبة» في إطار الدفاع عن النفس، مضيفاً أن الضربات «أكملت» رد إيران على مقتل سليماني. وأضاف: «لا نسعى إلى التصعيد أو الحرب، لكن سندافع عن أنفسنا في وجه أي عدوان».

قبل نحو شهرين من تأكيد ظريف تبادل رسائل بين طهران والطرف الأميركي، نفى شمخاني ما قاله الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، حول تلقي رسالة إيرانية، قبل الهجوم الصاروخي الباليستي على قاعدة «عين الأسد».

وكان شمخاني يعلق على ما صرح به ترمب خلال حملته الانتخابية في تكساس، نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، متحدثاً عن تلقي اتصال من قبل الإيرانيين قالوا فيه: «ليس لدينا خيار... يجب أن نضربكم... سنطلق 18 صاروخاً على قاعدة عسكرية، وستسقط الصواريخ الموجهة في محيط القاعدة».

وأفاد شمخاني بأن «العملية تقررت بناء على قرار اتُّخذ بالإجماع بشأن الهجوم الصاروخي المكثف لاستهداف أكبر قاعدة أميركية في العراق بشكل مباغت تماماً من أجل تحقيق أقصى قدر من الدمار».

وقال موقع روحاني: «ليس من الواضح ما الذي يقصده من الإجماع، وبين أي أشخاص، عندما لم يعلم رئيس (المجلس الأعلى للأمن القومي) بالهجوم».

ورغم نفي شمخاني، تؤكد المعلومات التي أفصح عنها ظريف في كتابه روايات سابقة من المسؤولين العراقيين والأميركيين بشأن تلقي رسائل إيرانية، قبل ساعات من الهجوم، وهو ما ساعد القوات الأميركية في تجنب الخسائر البشرية.

روايات سابقة

وقال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إن بلاده والولايات المتحدة تبادلتا الرسائل قبل الهجوم على قاعدة عين الأسد، في أعقاب تهديد المرشد الإيراني علي خامنئي بتوجيه رد انتقامي. ونقل أيضاً عن المسؤولين الأميركيين قولهم: «نحن مستعدون لتحديد كيف تنتقمون منا. نحن مَن يحدد ذلك، وأن تبقوا صامتين بعد أن تنتقموا». وقال: «بعد الضربة وجهوا الرسالة: (أوقفوا الضرب وأنهوا الهجوم)».

كانت وكالة «رويترز» قد نقلت عن مصادر حكومية أميركية وأوروبية أن إيران سعت عمداً إلى تجنب وقوع أي خسائر في صفوف الجنود الأميركيين. وأضافت المصادر أنه من المعتقد أن الإيرانيين تعمدوا أن تخطئ الهجماتُ القوات الأميركية للحيلولة دون خروج الأزمة عن نطاق السيطرة، مع توجيه رسالة عن قوة العزم لدى إيران.

كما نقلت شبكة «سي إن إن» الأميركية حينها عن مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية أن مسؤولين عراقيين أبلغوا مسؤولين أميركيين بتعرض قواعد لهجوم إيران قبل ساعات من الهجوم، بناء على معلومات تلقوها من مسؤولين إيرانيين، وهو ما ساهم في تجنب الخسائر في صفوف العسكريين الأميركيين.

وفي اليوم نفسه، أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية» بأن رئيس الوزراء العراقي تلقى «رسالة شفيهة رسمية» من إيران تبلغه بهجوم صاروخي وشيك على القوات الأميركية المتمركزة في الأراضي العراقية، دون تقديم تفاصيل.

وليست المرة الأولى التي يتحدث فيها ظريف عن عدم إطلاعه على تطورات يوم الثامن من يناير 2020؛ ففي تسجیل صوتي جری تسریبه في مارس (آذار) 2021، قبل أشهر من الانتخابات الرئاسية الإيرانية، قال ظريف إن المسؤولين علموا بملابسات إسقاط الطائرة الأوكرانية منذ اللحظات الأولى، لكنهم أخفوا ذلك عنه.

ويقول ظريف في التسجيل الصوتي الذي أثار جدلاً واسعاً إنه شارك في العاشر من يناير 2020 باجتماع «مجلس الأمن القومي»، وقال لهم: «الغربيون يقولون إن الطائرة الأوكرانية أُسقِطت بصاروخ. إذا صح ذلك، فقولوا لي لكي أعالج الأمر».

في 25 فبراير (شباط) 2019، قدم ظريف استقالته من منصب وزير الخارجية، بعد ساعات من زيارة مفاجئة للرئيس السوري بشار الأسد إلى طهران، برفقة قاسم سليماني، وأجرى اجتماعات مع روحاني والمرشد علي خامئني.

وعلم ظريف بالزيارة عبر التلفزيون الرسمي كغيره من الإيرانيين، بعد ساعات من عودة بشار الأسد إلى دمشق.

ظريف يروي أحداث ليلة الهجوم على «عين الأسد» انتقاماً لقاسم سليماني

وسط تضارب في الروايتين الإيرانية والأميركية، أكد وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف في كتابه الصادر حديثاً، تلقي الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إخطاراً إيرانياً بشأن ضرب قاعدة «عين الأسد» رداً على مقتل العقل المدبر للعمليات الخارجية في «الحرس الثوري» قاسم سليماني الذي قضى في غارة مسيّرة أميركية قرب مطار بغداد مطلع 2020.

ويسرد ظريف في كتابه الجديد «عمق الصبر» ذكرياته خلال تولي منصب وزير الخارجية، وفق ما أعلن في منشور على منصة «إكس» يوم 13 مارس (آذار) الحالي.

وبعد أقل من 10 أيام على إعلان نشر كتابه، تداولت «شبكات تلغرام» إيرانية صورة من إحدى صفحات الكتاب، وتتضمن رواية ظريف للحظات الأولى لقصف قاعدة «عين الأسد» في عمق الأراضي العراقية؛ مقر القوات الأميركية في محافظة الأنبار غرب بغداد. وكذلك إسقاط طائرة الركاب الأوكرانية بصواريخ دفاعات «الحرس الثوري»، بعد ساعات من قصف قاعدة «عين الأسد»؛ ما أسفر عن مقتل 176 شخصاً غالبيتهم من الإيرانيين الذين يقيمون في كندا.

«طريقة حزب الله»

ويصف ظريف ما جري في مجلس الأمن القومي الإيراني بعد مقتل قاسم سليماني بأنه «التجربة الأكثر مرارة خلال وزارته».

ويتابع: «كان آخر قرار اطلعت عليه بعد اغتيال الجنرال سليماني فجر الجمعة 3 يناير (كانون الثاني)، هو أنه لا عجلة في الانتقام، والطريقة الأكثر تأثيراً هي ما تجري متابعته دوماً من (حزب الله) اللبناني؛ أي فرض الشروط الاستنزافية للتأهب على قوات الطرف الآخر».

وبعد ذلك، يلفت ظريف إلى أنه تلقى اتصالاً من نائبه عباس عراقجي في الساعة الـ4:30 فجر الأربعاء 8 يناير، ليخبره بالهجوم الذي استهدف قاعدة «عين الأسد». وأضاف: «الأمانة العامة لمجلس الأمن القومي أيقظوا عراقجي من النوم في الساعة الـ3 فجراً وطلبوا منه نقل رسالة عبر السفير السويسري إلى أميركا، وهو استطاع بشكل لا يصدق العثور على السفير السويسري (راعي المصالح الأميركية لدى إيران) لكي ينقل رسالة إلى الأميركيين، رغم أن الأميركيين علموا بالهجوم من رئيس الوزراء العراقي (الأسبق) عادل عبد المهدي، قبل الرئيس حسن روحاني ووزارة الخارجية».

عادل عبد المهدي خلال جنازة سليماني في بغداد يوم 4 يناير 2020 (أرشيفية - رويترز)

وتابع ظريف: «على ما يبدو أخبروا عادل عبد المهدي الثلاثاء ليلاً»، مضيفاً: «إبلاغ رئيس الوزراء العراقي كان عملاً صائباً وفي محله، لكن ما يثير تساؤلات: لماذا لم يخبروا الرئيس (روحاني) ووزير الخارجية».

وحينها، نقلت «رويترز» عن متحدث باسم عبد المهدي أنه تلقى رسالة شفوية من إيران، تقول إن الرد على مقتل سليماني سيبدأ في وقت لاحق، على أن الهجوم سيستهدف أماكن وجود القوات الأميركية، دون تحديد موقعها.

وفي ختام الصفحة، يشير ظريف إلى أنه كان يعمل مع فريقه على إعداد رسائل لمجلس الأمن والجهات الأخرى بشأن تفسير الهجوم على «عين الأسد»، قبل أن يعلم بإسقاط الطائرة الأوكرانية في جنوب طهران.

ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها ظريف عن عدم اطلاعه على تطورات يوم الثامن من يناير 2020، ففي تسجیل صوتي جری تسریبه في مارس (آذار) 2021، قبل أشهر من الانتخابات الرئاسية الإيرانية، قال ظريف إن المسؤولين علموا بملابسات إسقاط الطائرة الأوكرانية منذ اللحظات الأولى، لكنهم أخفوا ذلك عنه. ويقول ظريف في التسجيل الصوتي الذي أثار جدلاً واسعاً إنه شارك في العاشر من يناير 2020 في اجتماع مجلس الأمن القومي، وقال لهم: «الغربيون يقولون إن الطائرة الأوكرانية أسقطت بصاروخ؛ إذا صح ذلك، فقولوا لي لكي أعالج الأمر».

غلاف كتاب ظريف الجديد تحت عنوان «عمق الصبر»

رواية ترمب

يأتي تأكيد ظريف على إطلاع الأميركيين على هجوم «عين الأسد»، بعد نحو شهرين من نفي الأمين العام السابق لمجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني، ما قاله الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، حول تلقي رسالة إيرانية، قبل الهجوم الصاروخي الباليستي على قاعدة «عين الأسد».

وقال ترمب في خطاب خلال حملته الانتخابية إنه تلقى اتصالاً من قبل الإيرانيين، قالوا فيه: «ليس لدينا خيار... يجب أن نضربكم... سنطلق 18 صاروخاً على قاعدة عسكرية».

ونفى علي شمخاني، المستشار السياسي للمرشد الإيراني، والأمين العام السابق لمجلس الأمن القومي، أي اتصالات إيرانية - أميركية قبل الهجوم على «عين الأسد».

ترمب تحدث عن مقتل سليماني خلال حملته الانتخابية بولاية تكساس في 2 نوفمبر الماضي (أ.ب)

وقال شمخاني في 5 فبراير (شباط) الماضي إن «اتصال إيران مع أميركا قبل الهجوم الصاروخي على (عين الأسد) محض أكاذيب». وأضاف: «من الأحرى أن يجيب ترمب عن سؤال حول سبب حياته شبه السرية، والحماية الخاصة له ولبومبيو وبولتون والعسكريين المتورطين في (قتل) قاسم سليماني، بدلاً من إطلاق الأكاذيب الانتخابية».

وكان شمخاني يشير ضمناً إلى تمسك طهران بمواصلة خطط الانتقام لسليماني؛ من كبار المسؤولين في إدارة ترمب، على رأسهم وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، والمبعوث الخاص إلى إيران في إدارة ترمب؛ برايان هوك.

في فبراير من العام الماضي، قال قائد الوحدة الصاروخية في «الحرس الثوري» حسين أمير علي حاجي زاده، إن الانتقام لمقتل سليماني «لا يزال هدفاً أساسياً» لقواته. وحينها، أبلغت إدارة جو بايدن الكونغرس الأميركي بأن التهديدات لبومبيو ونائبه «لا تزال جادة وذات مصداقية». ولا تزال الحماية الخاصة للمسؤولين مستمرة.

رواية عبداللهيان

وقبل ظريف بأشهر عده، أكد خليفته، وزير الخارجية الحالي، حسين أمير عبداللهيان، تبادل رسائل إيرانية - أميركية، في أعقاب مقتل سليماني.

وقال عبداللهيان إن بلاده تلقت رسائل أميركية «لافتة» بعد مقتل سليماني، في أعقاب تهديد المرشد الإيراني علي خامنئي بتوجيه رد انتقامي. وادعى أن بلاده تلقت وعوداً أميركية بإلغاء جزء من العقوبات؛ إذ لم ترد الجمهورية الإسلامية (على مقتل سليماني). ونقل أيضاً عن المسؤولين الأميركيين قولهم: «نحن مستعدون لتحديد كيف تنتقمون منا... نحن من يحدد ذلك، وأن تبقوا صامتين بعد أن تنتقموا».

وأشار عبداللهيان إلى تلقي بلاده رسائل أخرى بعد الهجوم على «عين الأسد»، رداً على مقتل صاحب أعلى رتبة عسكرية في البلاد. وقال: «الجمهورية الإسلامية وجهت صفعة لأميركا في تلك المرحلة، وذلك بعدما قال الأميركيون إذا كان لدى إيران أدنى رد على مقتل سليماني ومرافقيه، ضد مصالحنا في المنطقة، فسنوجه في الوقت نفسه ضربات إلى 52 موقعاً استراتيجياً إيرانياً». وقال: «بعد الضربة وجهوا الرسالة: أوقفوا الضرب وأنهوا الهجوم».

وقال عبداللهيان: «عجزت الولايات المتحدة عن اتخاذ أدنى رد... دليل على عجزها في فرض الهيمنة الأميركية، ومن أدلة تغيير النظام العالمي».

قاسم سليماني يهمس لقائد الوحدة الصاروخية أمير علي حاجي زاده خلال مناسبة في طهران (مهر)

بعد الهجوم على «عين الأسد»؛ نقلت وكالة «رويترز» عن مصادر حكومية أميركية وأوروبية أن إيران سعت عمداً إلى تجنب وقوع أي خسائر في صفوف الجنود الأميركيين. وأضافت المصادر أنه من المعتقد أن الإيرانيين تعمدوا أن تخطئ الهجمات القوات الأميركية للحيلولة دون خروج الأزمة عن نطاق السيطرة مع توجيه رسالة عن قوة العزم لدى إيران.

وحينها، نقلت «رويترز» عن متحدث باسم رئيس الوزراء العراقي الأسبق عادل عبد المهدي أنه تلقى رسالة شفوية من إيران، تقول إن الرد على مقتل سليماني سيبدأ في وقت لاحق، على أن الهجوم سيستهدف أماكن وجود القوات الأميركية، دون تحديد موقعها.

بموازاة «رويترز»، نقلت شبكة «سي إن إن» الأميركية عن مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية أن مسؤولين عراقيين أبلغوا مسؤولين أميركيين بتعرض قواعد لهجوم إيران قبل ساعات من الهجوم، بناء على معلومات تلقوها من مسؤولين إيرانيين، وهو ما ساهم في تجنب الخسائر في صفوف العسكريين الأميركيين. وقال مسؤول إن الإنذار المبكر أتاح لأفراد القوات الأميركية الانتقال إلى أماكن آمنة قبل الضربة الإيرانية.

«إف بي آي» يلاحق عميلاً إيرانياً خطط لاغتيال بومبيو ومسؤولين في إدارة ترمب

كثفت الحكومة الأميركية من مطاردة عميل مخابرات إيراني، يعتقد مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) أنه كان يخطط لاغتيال مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين، بما في ذلك وزير الخارجية السابق مايك بومبيو.

وأصدر مكتب التحقيقات الفيدرالي في ميامي بولاية فلوريدا، تحذيراً عاماً للحصول على معلومات عن ماجد دستجاني فرحاني (42 عاماً)، وهو عضو مشتبه به في وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية.

وقال المكتب في بيان إن فرحاني يقوم بتجنيد «أفراد لتنفيذ عمليات في الولايات المتحدة، بما في ذلك استهداف وتصفية عدد من المسؤولين الحاليين والسابقين في حكومة الولايات المتحدة».

الانتقام لمقتل سليماني

وتعهدت الحكومة الإيرانية مراراً وتكراراً على مدى السنوات الأربع الماضية بالانتقام لمقتل مسؤول العمليات الخارجية في «الحرس الثوري»، الجنرال قاسم سليماني، الذي قضى في غارة شنتها مسيرة أميركية في بغداد، بعد موافقة الرئيس السابق دونالد ترمب.

واتهمت وزارة العدل أعضاء في «الحرس الثوري» الإيراني في عام 2022 بالتآمر لقتل مستشار الأمن القومي السابق لترمب، جون بولتون، الذي خدم في البيت الأبيض في الأشهر التي سبقت مقتل سليماني.

صورة العميل الإيراني كما ورد في بيان مكتب التحقيقات الفيدرالي

وقال مسؤولون أميركيون، إنهم يعتقدون أن بومبيو ومبعوث ترمب الخاص لإيران، بريان هوك، مدرجان أيضاً على قائمة طهران المستهدفة. ومنذ ذلك الوقت، لا تزال حكومة الولايات المتحدة توفر للرجلين حماية أمنية على مدار الساعة؛ نظراً لخطورة التهديد.

ورغم عدم وجود تفسير عن سبب صدور التحذير من ولاية فلوريدا، فإن المذكرة التي صدرت الأسبوع الماضي قالت إن فرحاني يتحدث الإسبانية، فضلاً عن الإنجليزية والفرنسية ولغته الفارسية. وأضافت أنه يتنقل بشكل متكرر بين إيران وفنزويلا.

وقال مكتب التحقيقات الفيدرالي إن فرحاني كان يقوم بتجنيد أفراد «انتقاماً» لمقتل سليماني، ولإجراء «أنشطة مراقبة تركز على المواقع الدينية والشركات والمرافق الأخرى في الولايات المتحدة». وفرضت وزارة الخزانة عقوبات على فرحاني في ديسمبر (كانون الأول).

عملاء إيران

وكانت وزارة العدل الأميركية قد أدانت عميلاً إيرانياً مزعوماً بالعمل في عام 2011 مع عصابات المخدرات المكسيكية لمحاولة اغتيال سفير المملكة العربية السعودية السابق في واشنطن، عادل الجبير، أثناء تناول العشاء في أحد مطاعم العاصمة واشنطن. وفي يناير (كانون الثاني)، اتهمت وزارة العدل عميلاً إيرانياً بالعمل مع أعضاء في عصابة «ملائكة الجحيم» لقتل المنشقين الإيرانيين الذين يعيشون في ولاية ماريلاند.

ونقلت وسائل إعلام أميركية عن مسؤولين، قولهم إن هناك أدلة متزايدة على أن إيران وحلفاءها يعملون بقوة داخل الولايات المتحدة. وفي أغسطس (آب) 2022، طعن أحد مؤيدي إيران، الروائي البريطاني الأميركي سلمان رشدي في مهرجان أدبي شمال ولاية نيويورك، الذي صدرت فتوى دينية إيرانية لقتله منذ عام 1989، ولا تزال وزارة العدل تحقق فيما إذا كان منفذ الهجوم، وهو أميركي من أصل لبناني، تصرف بمفرده أو بأوامر إيرانية.

وفي يناير الماضي، وجهت وزارة العدل الاتهام إلى ثلاثة مواطنين أذربيجانيين بزعم محاولتهم قتل الناشطة الإيرانية الأميركية في مجال حقوق المرأة، مسيح علي نجاد، في نيويورك. كما أحبطت السلطات مؤامرة إيرانية عام 2021 كانت تهدف إلى اختطافها في بروكلين ونقلها بقارب سريع إلى فنزويلا.

تجاوز الخط الأحمر

ورغم تصاعد التوتر بين واشنطن وطهران، على خلفية الحرب الإسرائيلية مع «حماس» في قطاع غزة، وقيام الميليشيات التي تدعمها إيران بمهاجمة قواعد أميركية، والتي أدت إحداها في يناير الماضي إلى مقتل 3 جنود أميركيين، غير أن قتل أحد المسؤولين الأميركيين أو أحد المنشقين على الأراضي الأميركية، سيعد تجاوزاً للخط الأحمر، وقد يؤدي إلى تنفيذ ضربات أميركية مباشرة ضد إيران.

ولا تزال طهران، تعتمد في جميع عملياتها تقريباً ضد الولايات المتحدة، بما في ذلك الضربات العسكرية ومؤامرات الاغتيال، على وكلائها. ويقول المسؤولون الأميركيون إنهم يفترضون أن طهران ستحافظ على هذا المبدأ في أي هجوم على مسؤولين في عهد ترمب، ويبدو أن فرحاني يعمل أيضاً على هذا المبدأ، بما يجعل إثبات المسؤولية عن أي هجوم أمراً صعباً للغاية.

وقال بريان هوك، المبعوث الأميركي السابق، أمام جلسة استماع بالكونغرس الأسبوع الماضي، إنه يعتقد أن المؤامرات ضده مستمرة وشكر السلطات على حمايته. وقال: «أتمنى لو كنا في مكان لم يكن فيه الأمر ضرورياً، ولكن هذا هو المكان الذي نحن فيه».

وجعلت الحكومة الإيرانية من الانتقام لاغتيال سليماني أحد أهم أهدافها للأمن القومي. وقال كبار أعضاء «الحرس الثوري» الإيراني في الأسابيع الأخيرة إن هجوم «حماس» في أكتوبر (تشرين الأول) على إسرائيل كان مدفوعاً جزئياً بهذا الهدف.

ونقلت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية عن رمضان شريف، المتحدث باسم «الحرس الثوري» الإيراني، قوله في ديسمبر (كانون الأول): «كان طوفان الأقصى إحدى عمليات انتقام محور المقاومة ضد الصهاينة لاغتيال قاسم سليماني».

كما هدد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي علناً المسؤولين الأميركيين خلال خطاب ألقاه في سبتمبر (أيلول) في الأمم المتحدة في نيويورك. وقال إن «الجمهورية الإسلامية الإيرانية، من خلال جميع الأدوات والإمكانات، لن تهدأ حتى يتم تقديم مرتكبي الجرائم وكل من كان لهم يد في العمل الإرهابي الذي أقرته هذه الحكومة إلى العدالة... دماء المظلومين لن تُنسى».

عبداللهيان يقدم رواية جديدة من «رسائل أميركية» بعد مقتل سليماني

قدم وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان رواية جديدة من الساعات التي أعقبت مقتل مسؤول العمليات الخارجية في «الحرس الثوري» قاسم سليماني بضربة أميركية في بغداد مطلع 2020، خصوصاً قصف «الحرس الثوري» الإيراني لقاعدة عين الأسد.

وقال عبداللهیان في ملتقى استضافته الخارجية الإيرانية إن بلاده تلقت رسائل أميركية «لافتة» بعد مقتل سليماني، في أعقاب تهديد المرشد الإيراني علي خامنئي بتوجيه رد انتقامي. وادعى أن بلاده تلقت وعوداً أميركية بإلغاء جزء من العقوبات، إذ لم ترد الجمهورية الإسلامية (على مقتل سليماني). ونقل أيضاً عن المسؤولين الأميركيين قولهم: «نحن مستعدون لتحديد كيف تنتقمون منا، نحن من يحدد ذلك، وأن تبقوا صامتين بعد أن تنتقموا».

ووفقاً لرواية وزير الخارجية الإيراني، تجاهلت طهران الرد على الرسائل الأميركية. وبعد توجيه الضربة، تلقت إيران رسائل أخرى بحسب عبداللهيان. ونقلت وكالة «إيسنا» الحكومية قوله في هذا الصدد إن «الجمهورية الإسلامية وجهت صفعة لأميركا في تلك المرحلة بالهجوم على (عين الأسد)، وذلك بعدما قال الأميركيون إذا كان لدى إيران أدنى رد على مقتل سليماني ومرافقيه، ضد مصالحنا في المنطقة، سنوجه في الوقت نفسه ضربات لـ52 موقعاً استراتيجياً إيرانياً». وقال: «بعد الضربة وجهوا الرسالة: أوقفوا الضرب وانهوا الهجوم». ولم يتطرق عبداللهيان للرد الإيراني على هذا الطلب الأميركي بعد الهجوم.

ووصف عبداللهيان قصف قاعدة عين الأسد في الثامن من يناير (كانون الثاني) 2020، بـ«الرد الحازم» على مقتل سليماني، وأضاف: «عجزت الولايات المتحدة عن اتخاذ أدنى رد»، وعدّ ذلك أنه «دليل على عجزها في فرض الهيمنة الأميركية، ومن أدلة تغيير النظام العالمي».

يأتي سرد عبداللهيان للتفاصيل الجديدة بعد أسابيع من صفقة إيرانية - أميركية لتبادل السجناء، وشملت إطلاق أصول إيران المجمدة بقيمة 6 مليارات دولار في بنوك كوريا الجنوبية. وذكرت مصادر غربية أن الصفقة جزء من تفاهم محدود بين واشنطن وطهران لخفض التصعيد، وتشمل الخطوات وقف هجمات تشنها ميليشيات حليفة لإيران، على مواقع القوات الأميركية في العراق وسوريا، ومن ذلك خفض جزئي لتخصيب اليورانيوم عالي التخصيب في إيران.

وقبل أن يتولى منصب وزير الخارجية، كان عبداللهيان رئيساً للجنة التي أنشئت بعد مقتل سليماني باسمه وركزت على متابعة ملفه القضائي، ورعاية مهرجانات دعائية ممولة من مكتب المرشد الإيراني و«الحرس الثوري».

روایات متضاربة

قدمت إيران روايات متباينة عن الهجوم الباليستي الذي شنته قوات «الحرس الثوري» للثأر من مقتل صاحب أعلى رتبة عسكرية في البلاد، ما عمق مخاوف من نشوب حرب جدية في الشرق الأوسط حينذاك. وكانت إيران ترفع شعار «الصبر الاستراتيجي» و«السير على حافة الهاوية» مقابل الضغوط القصوى التي انتهجها الرئيس الأميركي دونالد ترمب لدفع إيران على تغيير سلوكها الإقليمي تحت الضغط.

وبعد لحظات من الهجوم، قال التلفزيون الرسمي الإيراني إن إيران أطلقت 15 صاروخاً باليستياً على قاعدة عين الأسد العراقية التي كانت تضم القوات الأميركية، وحلفاءها في التحالف الدولي لمكافحة تنظيم «داعش». وادعى الإعلام الإيراني مقتل 80 أميركياً، لكن على خلاف ذلك، كانت وكالة «رويترز» قد نقلت عن مصادر حكومية أميركية وأوروبية أن إيران سعت عمداً إلى تجنب وقوع أي خسائر في صفوف الجنود الأميركيين. وأضافت المصادر، أنه من المعتقد أن الإيرانيين تعمدوا أن تخطئ الهجمات القوات الأميركية للحيلولة دون خروج الأزمة عن نطاق السيطرة مع توجيه رسالة عن قوة العزم لدى إيران.

وقالت المصادر الغربية حينذاك، إنه يُعتقد أن إيران حاولت ضرب أجزاء معينة لتقليل الخسائر البشرية إلى أدنى حد، ولتفادي قتل أميركيين على وجه الخصوص.

بموازاة «رويترز»، نقلت شبكة «سي إن إن» الأميركية عن مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية أن مسؤولين عراقيين أبلغوا مسؤولين أميركيين بتعرض قواعد لهجوم إيران قبل ساعات من الهجوم، بناء على معلومات تلقوها من مسؤولين إيرانيين، وهو ما ساهم في تجنب الخسائر في صفوف العسكريين الأميركيين.

وقال مسؤول أميركي إن الإنذار المبكر أتاح لأفراد القوات الأميركية الانتقال إلى أماكن آمنة قبل الضربة الإيرانية. وتحدثت الاستخبارات الأميركية عن رصد تحرك إيراني لنقل أسلحة بما فيها الصواريخ الباليستية والمسيّرات، في مناطق غرب إيران، في الأيام التي فصلت عن الهجوم.

واتضح لاحقاً أن العشرات من الجنود الأميركيين أصيبوا بارتجاج في المخ، وجرى نقلهم لتلقي العلاج في مستشفيات خارج العراق.

وبعد ساعات من الضربة الإيرانية، قال وزير الخارجية الإيراني حينذاك، محمد جواد ظريف، إن بلاده اتخذت «إجراءات محسوبة» في إطار الدفاع عن النفس، مضيفاً أن الضربات «أكملت» رد إيران على مقتل سليماني. وأضاف: «لا نسعى إلى التصعيد أو الحرب، لكن سندافع عن أنفسنا في وجه أي عدوان».

وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، توعد قائد «الحرس الثوري»، حسين سلامي، الأميركيين بـ«انتقام جاد حقيقي» لمقتل سليماني، وخاطب الأميركيين بقوله: «عندما ضربنا (عين الأسد)، لم نكن نتوقع عدم ردكم، وكنا نفترض أنكم تردون. وعندها، كنا قد جهزنا مئات الصواريخ للإطلاق، لندمر الأهداف المحددة، في حال الرد».

الحلقة الأولى: بومبيو يروي تفاصيل تصفية سليماني... ويعد نظام طهران «إرهابياً»


تفاصيل مثيرة للغاية وضعها وزير الخارجية الأميركي سابقاً مايك بومبيو، في كتاب مذكراته «لا تعطِ أي بوصة، القتال من أجل أميركا التي أحب»، ليس فقط في روايته الأحداث وكيف رآها بعيني كبير الدبلوماسيين الأميركيين خلال عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، بل أيضاً بنظرة مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، باعتبارها جهاز التجسس التابع لأقوى دولة في العالم: الولايات المتحدة. كشف بومبيو جوانب من بعض التحديات الهائلة التي واجهها وهو يرتقي سلم المراتب والمناصب في عمله عبر الإدارات الأميركية، كاشفاً أن الهجوم الذي استهدف مقر وحدات مشاة البحرية الأميركيين (المارينز)، في بيروت منتصف الثمانينات من القرن الماضي «ترك أثراً عميقاً» لا يمّحي من ذاكرته. كاد يقول إن وعيه حيال إيران وأدواتها من «حزب الله» و«الجهاد الإسلامي» وغيرهما، تشكل في تلك اللحظة. وأكد أنه أدرك في وقت مبكر، أن «النظام الإيراني مجرد تنظيم إرهابي» تجلبب بعباءة واتخذ هيئة «دولة بما فيها من مكونات». لكن وصوله إلى المراتب العليا كشف له أيضاً أن النخب الحاكمة في الولايات المتحدة، بما في ذلك ترمب نفسه، لم يكن في واردهم إطاحة النظام و«قطع رأسه»، على الرغم من القرار الاستثنائي الذي قاده إلى قرار القضاء على قائد «فيلق القدس» لدى «الحرس الثوري» الجنرال قاسم سليماني، رداً على استمراره في استهداف مصالح الولايات المتحدة. وهو خلص إلى أن المقر الرئيسي لتنظيم «القاعدة» في طهران، و«ليس في تورا بورا بأفغانستان، أو باكستان، أو العراق أو سوريا».
على الرغم من أن بومبيو كشف بعض أسرار الاجتماعات التي رسمت خلالها خيارات السياسات الأميركية في عهد ترمب، والجهود الكبيرة التي بذلت لإصلاح ما أفسدته إدارة الرئيس السابق باراك أوباما ونائبه آنذاك الرئيس الحالي جو بايدن، فإن بومبيو بدا حذراً في تجاوز ما يمكن اعتباره «خطوطاً حمراء» في عالمي الدبلوماسية والجاسوسية. ولم يتردد في عرضه الشيق لرحلته السريّة الأولى إلى كوريا الشمالية، واجتماعه مع زعيمها كيم جونغ أون، في محاولة لإحداث اختراق في الجهود للتخلص من ترسانته للأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل.

بشار الأسد (أ.ف.ب)

«مهمة سريّة»
تتألف مذكرات بومبيو من 17 فصلاً في 438 صفحة، ويستهلها برواية عن «مهمة سريّة» قام بها يوم الجمعة العظيمة 30 مارس (آذار) 2018، أوصلته كمدير لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) إلى بيونغ يانغ؛ «أحد أكثر الأمكنة ظلاماً» على الأرض، للاجتماع مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون؛ «أحد أكثر سكانها قتامة»، موضحاً أن غايته كانت تتمثل في «تصحيح جهود الماضي الفاشلة التي لم تُزِل» الأسلحة النووية والدمار الشامل لدى كوريا الشمالية النووية، مما «قاد حقيقة إلى التهديد الكبير الحالي». وكشف أن «ترمب أبلغني أنه مستعد للقيام بمجازفات، وأنا كمدير لـ(سي آي إيه)، كنت مستعداً للقيام بذلك أيضاً». وذكر أنه عندما دخلت طائرته الأجواء الكورية الشمالية، رافقتها طائرات حربية معادية، مشيراً إلى أنه «في العادة، يشير هذا العمل إلى عدوانية، وربما إلى هجوم وشيك. غير أن طاقمنا وأنا، كنا على ثقة بأن ذلك مجرد وعيد كوري شمالي نموذجي». ووصف اسم «جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية»؛ أي الاسم الرسمي لكوريا الشمالية، بأنه «كذبة»، لأنها «ليست ديمقراطية، وليست جمهورية، وهي بالتأكيد لا تخدم مصالح شعبها»، مضيفاً أنه عند الوصول إلى مطار بيونغ يانغ، تبلغ الوفد بأن حراس بومبيو لا يمكنهم أن يأخذوا أسلحتهم إلى وسط المدينة. وعندما نزل بومبيو من الطائرة، كان عند أسفل السلم «أحد أبغض الرجال الذين التقيتهم»؛ الجنرال المتقاعد كيم يونغ تشول، الذي يخدم نائباً لرئيس حزب العمال الكوري، الاسم الرسمي للحزب الشيوعي الكوري الشمالي.

قاسم سليماني (أ.ف.ب)

«أكلنا العشب 50 عاماً»
عوض أن يصافح ضيفه أو يرحب به، قال تشول: «أكلنا العشب في الأعوام الـ50 الأخيرة. يمكننا أن نأكل العشب في الأعوام الـ50 المقبلة». وقال بومبيو: «بالطبع، لم يكن تشول يأكل العشب. كغيره من جميع أفراد النخبة الكورية الشمالية المصابين بهوس السرقة، كان يحتسي أفخر الكحول ويولم على لحم الوانغيو البقري. أكل العشب كان للناس العاديين»، مضيفاً أنه اتخذ «مجازفة محسوبة»، وأجاب: «جنرال تشول، جميل أني أراك أيضاً. أتطلع بشغف إلى الغداء. وأفضل عشبي مطبوخاً على البخار». ثم عرض لتفاصيل الزيارة وشروطها الأميركية، ومنها رفض أي «حيلة» أو «بروباغندا» كورية شمالية، بما في ذلك عبر المطار والطريق إلى مكتب الزعيم كيم جونغ أون في بيونغ يانغ، مضيفاً أن شقيقته كيم يو جونغ التي رافقت بومبيو وفريقه عبر أبواب عملاقة وسقوف عالية، وصولاً إلى مكتب كيم الذي «كان واقفاً عند نهاية سجادة حمراء طويلة، مرتدياً بدلة (الزعيم الصيني التاريخي) ماو (تسي دونغ) السوداء النموذجية أمام جدار برتقالي لامع». وشرح أن «أسوأ ديكتاتور في العالم استقبلني بابتسامة». ونقل عن كيم قوله: «حضرة المدير، لم أعتقد أنك ستأتي. أعرف أنك كنت تحاول قتلي». ورد بومبيو مازحاً: «حضرة الرئيس، لا أزال أحاول قتلك».
كانت هذه مجرد افتتاحية للفصل الأول في كتاب بومبيو، الذي «غاص» في عرض مسهب للسياسات الخارجية الأميركية قبل عهد ترمب، منتقداً خصوصاً أوباما ونائبه آنذاك بايدن. ثم عرض لانتقاله من الكونغرس إلى «سي آي إيه»، وما رافق ذلك من «مطبات» السياسات الداخلية والخارجية الأميركية، بما في ذلك انتفاضات الربيع العربي، وصولاً إلى قرار الرئيس ترمب ونائبه بنس، تعيينه أولاً مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية، ثم وزيراً للخارجية.

ترمب وكيم عند الخط الفاصل بين الكوريتين في يونيو 2019 (أ. ب)

مشكلة الشرق الأوسط
في محطة لاحقة، كتب بومبيو أن «الديكتاتور السوري بشار الأسد المدعوم من إيران دعا روسيا إلى الحارة (العربية) واستخدم الأسلحة الكيميائية ضد شعبه، وأوباما وجه رسالة سيئة لأخصام أميركا بتراجعه بضعف عن الخط الأحمر الذي وضعه هناك»، مضيفاً أن لبنان تردى بعدما «طور حزب الله، وهو ميليشيا تابعة لإيران، ووضع الآلاف من الصواريخ الموجهة بدقة على الحدود الشمالية لإسرائيل». وقال إن «الدول الخليجية، بينما كانت تحاول التوازن علانية، كانت أيضاً خائفة من الدعم الأميركي لإيران»، ملاحظاً أن «ثقتهم بالولايات المتحدة انحدرت إلى أدنى مستوياتها» بسبب ذلك.
وكشف أن استراتيجيته للشرق الأوسط «استندت إلى أعمدة رئيسية قليلة: بناء سياسات تعكس حقيقة رئيسية: إيران هي أكبر صانع مشاكل في الشرق الأوسط؛ استعادة العلاقة مع إسرائيل؛ وإنشاء شراكة أمنية خليجية إسرائيلية جديدة». وأكد أن «المهمة الشرق الأوسطية، التي استوجبت عنايتنا الفورية، هي إلحاق هزيمة مميتة بخلافة دولة (داعش) في العراق وسوريا». وأوضح أنه بموازاة وضع الخطط العسكرية للقتال ضد الإرهاب، «اتخذنا خطوات أولى للابتعاد عن سياسة أوباما - بايدن للمحاباة الفاشلة ومواجهة النظام الإيراني». وأكد أن «المهمة رقم واحد لي كمدير لوكالة الاستخبارات المركزية هي التأكد من أن لدينا الأدوات التي نحتاج إليها لمواجهة (المرشد الإيراني علي خامنئي) وأتباعه»، مضيفاً أنه «فيما أعلن الرئيس ترمب أن تغيير النظام ليس مهمتنا، وأنا اتبعت هذا التوجيه، كنت أعرف أن وضع ضغط على النظام سيرفع بشكل كبير إمكانية انهياره». وكشف أن مهمته هذه «تظللت بخلاف في الإدارة»، إذ إن ترمب وعد في حملته الانتخابية بترك الاتفاق النووي، المعروف رسمياً باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، والذي عقده الرئيس أوباما مع إيران عام 2015 آسفاً، «لأننا لم نتراجع عن هذا الفشل بالسرعة المبتغاة». وأكد أن «فريق الرئيس للأمن القومي بكامله - وزير الدفاع جيم ماتيس ووزير الخارجية ريكس تيليرسون ومستشار الأمن القومي هـ. ماكماستر - اعتقدوا أن البقاء هو الخيار الصحيح»، لأن الانسحاب من الاتفاق «خطر للغاية، ويمكن أن يقودنا إلى حرب»، لافتاً إلى أنه كمدير لوكالة الاستخبارات المركزية «بدا له ذلك تماماً» مثل تفكير وزير الخارجية السابق جون كيري ومدير «سي آي إيه» سابقاً جون برينان وبايدن. واعتبر أن «الخطوة الأولى لمواجهة التهديد النووي من إيران عدم الاستماع إلى المحللين المؤيدين بشدة للاتفاق النووي (…) وإنشاء مركز مهمة الجمهورية الإيرانية» كفريق دعم ضد «الحرس الثوري» الإيراني، وهو «وحدة نخبة عسكرية»، ولكنها أيضاً «مافيا محلية في وحشيتها وسيطرتها الفاسدة على الاقتصاد الإيراني»، كاشفاً أنه وضع عميلاً اسمه «مايك» على رأس فريق الدعم الذي «زود بمشغلين مخضرمين عملوا على أهداف صعبة في العراق وأفغانستان وروسيا».
أما «الخطوة الثانية في مواجهة إيران»، فتمثلت بـ«بناء شراكات دولية»، مضيفاً أن «لا علاقة كانت أكثر حرجاً كالتي كانت لدى أميركا، ويجب أن تستمر مع إسرائيل والموساد». وإذ أشاد برئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي آنذاك، يوسي كوهين، قال: «بخلاف وضعي، هو جاسوس حقيقي، بوظيفة لها قصة بدأت في الثمانينات» من القرن الماضي، واصفاً إياه بأنه «لا يخاف، مبتكر، وجذاب»، يعتقد أن «إيران هي المشكلة»، علماً بأن «سي آي إيه» كانت تعتبر أن «إيران مشكلة» من كثير من المشاكل. وأشار إلى أنهما اجتمعا للمرة الأولى في فبراير (شباط) 2017 بفندق الملك داود بالقدس خلال رحلته الدولية الأولى مديراً لوكالة الاستخبارات، مؤكداً أنهما اتفقا على أن «عملنا المشترك لسحق إيران يجب أن يتكامل 100 في المائة»، فضلاً عن بناء علاقة وثيقة للغاية عائلياً ودينياً.

هجوم بيروت
وروى بومبيو في كتابه، أنه وجد الرئيس ترمب محقاً تماماً في قوله إن «العالم مكان لئيم وسيئ»، مستذكراً كم تأثر يوم الأحد 23 أكتوبر (تشرين الأول) 1983، حين كان في الكلية العسكرية الأميركية، بخبر عن «هجوم إرهابي قتل وجرح المئات من مشاة البحرية الأميركيين في ثكناتهم ببيروت». وتساءل يومها: «من يفعل ذلك بجنود أميركيين؟ ما دافعهم؟»، إلى أسئلة أخرى، مضيفاً: «علمنا سريعاً أن تجسيداً مبكراً لتنظيم حزب الله الإرهابي المدعوم من إيران نفذ التفجير»، الذي قُتل فيه 241 من العسكريين الأميركيين وجُرح 128 آخرون. وقال: «لم أنسَ قط تلك اللحظة عندما قتل فيها الإيرانيون عناصر الجيش الأميركي». وبالإضافة إلى ذلك، ذكر بالثورة الإسلامية الإيرانية التي قادها المرشد الأول آية الله الخميني عام 1979، ثم مهاجمة السفارة الأميركية بطهران واحتجاز العاملين فيها رهائن لمدة 444 يوماً، موضحاً أن «النظام الإيراني اليوم هو القوة خلف شبكة جماعات إرهابية تقاتل لإنشاء (الهلال الشيعي) لأراضٍ (…) تمتد من إيران إلى العراق ولبنان وسوريا واليمن». ولفت إلى وقوف إيران وراء هجوم أبراج الخبر في المملكة العربية السعودية عام 1996، حين سقط 19 من سلاح الجو الأميركي قتلى. ورأى أن «النظام الإيراني الشيعي أنشأ قضية مشتركة مع تنظيم القاعدة السني. انسَ ما تفكر به حول الخصام السني - الشيعي الذي يحول دون تعاونهما»، مكرراً أن «طهران هي اليوم القاعدة الرئيسية لقيادة القاعدة الرفيعة». وقال: «المقر الرئيسي العملاني لـ(القاعدة) ليس في تورا بورا بأفغانستان، أو في باكستان. ليس في سوريا أو العراق. إنه في عاصمة إيران»، متهماً «النظام الإيراني بأنه في الواقع جماعة إرهابية. ولكن بخلاف غالبية الجماعات الإرهابية، يمتلك النظام - بحماية الحرس الثوري - كل أدوات فن الحكم: حدوداً معترفاً بها دولياً، ودبلوماسيين في الأمم المتحدة، وعملة إلزامية، وتحكماً تاماً بحقول نفط هائلة، ومصارف، وقطاعات أخرى في الاقتصاد الإيراني».

«ما أفسده أوباما»
وكتب وزير الخارجية السابق كيف سعى ترمب إلى إصلاح «ما أفسده أوباما»، مكرراً مساوئ الاتفاق النووي بشكل خاص ودعم إيران لجماعات مثل «حزب الله» في لبنان و«حماس» و«الجهاد الإسلامي» في الأراضي الفلسطينية والحوثيين في اليمن، قائلاً إن «العقل المدبر لهذا المشروع الشرير هو قائد في الحرس الثوري اسمه قاسم سليماني، الذي صار محور التركيز في جهودنا الحازمة لإحباط أجندة إيران». وشكلت هذه الرؤية محور الفصل السادس من مذكرات بومبيو الذي كشف أنه كتب يوماً رسالة لسليماني قال فيها: «إننا سنحاسبه ونحاسب إيران على أي هجمات ضد المصالح الأميركية في العراق من القوى التي تحت سيطرته»، مؤكداً أن ذلك كان مؤشراً إلى «تغيير هائل» في سياسة الإدارة الأميركية، التي كانت قبل ترمب متساهلة للغاية مع سقوط ضحايا أميركيين في الهجمات التي تشنها جماعات مدعومة من إيران، مضيفاً أن سليماني لم يرد قط على رسالته. ولكن «بعد سنتين، في 29 ديسمبر (كانون الأول) 2019. كنت جالساً مع الرئيس ترمب بمنزله الفخم في فلوريدا، مارالاغو، وهذه المرة كوزير للخارجية. وكان بجانبي وزير الدفاع ورئيس الأركان المشتركة. كنا هناك في عمل خطير: سيدي الرئيس، لدينا توصية لك - الهدف هو الجنرال قاسم سليماني». وأضاف: «في غضون أيام قليلة فحسب، سيشعر سليماني والإيرانيون بالأثر الكامل لرفضنا محاباة شرهم. بدلاً من ذلك، سيلقون طعم الهجوم الأميركي». وشرح أنه «رغم المكانة الضئيلة لسليماني، زرع الخوف الحقيقي في قلوب زعماء الشرق الأوسط»، مضيفاً أنه «متصلب بكونه رأس حربة عقود من العمل العسكري الإيراني في العراق ولبنان وسوريا، قاد سليماني منذ عام 1998 وحدة قوة القدس الإجرامية»، التي تعد «السبب الرئيسي لماذا بلدان مثل العراق ولبنان وسوريا واليمن في حال فوضوية اليوم». وحمل سليماني المسؤولية عن مقتل 600 من الجنود الأميركيين خلال حرب العراق. وكشف أنه ذهب إلى بغداد يوماً واجتمع مع رئيس الوزراء آنذاك حيدر العبادي لإقناعه بعدم الحصول على موارد الطاقة من إيران، فقال العبادي لبومبيو: «حضرة المدير، حين تغادر، سيأتي قاسم سليماني ليراني. يمكنك أن تأخذ أموالي. هو سيأخذ حياتي».
ثم تحدث عن اجتماعات مع مسؤولين عراقيين آخرين، بينهم الرئيس آنذاك برهم صالح وعادل عبد المهدي، في ظل تصاعد التهديدات الإيرانية ضد المصالح الأميركية في العراق، وصولاً إلى قوله إن «عواقب رفضنا لمحاباة إيران عبر التراجع عن العقوبات كان أيضاً واضحاً في 14 سبتمبر (أيلول) 2019. فبعد شهرين تقريباً من إسقاط إيران مسيرة (أميركية)، أطلقت صواريخ كروز من إيران لضرب المملكة العربية السعودية. الأهداف كانت منشآت نفط رئيسية عائدة لشركة أرامكو السعودية، وبالتالي أدى الهجوم إلى تهديد إمدادات الطاقة العالمية». وأشار إلى التعاون بين الولايات المتحدة والسعودية «لإعادة المنشآت إلى العمل. أرامكو قامت بعمل رائع» في هذا السياق. وأضاف أن «السعوديين كانوا يريدون أيضاً أن يعرفوا ما الذي كنا مستعدين للقيام به في هذا الوقت الخطر. أوصيت الرئيس بأن نرسل أنظمة دفاع جوي إلى المملكة العربية السعودية. فوافق على توفير أسلحة دفاعية لها، لكنه رفض الجزء الثاني من توصيتي - أن تنفذ الولايات المتحدة هجوماً بعمل مباشر لتدفع إيران الثمن».

القضاء على سليماني
وفي وقت غير بعيد، استهدفت القوات الأميركية «كتائب حزب الله العراقي» رداً على هجوم قتل فيه متعهد أميركي. وبعد هجوم آخر، شارك بومبيو في اجتماع عقده الرئيس ترمب بتاريخ 29 ديسمبر (كانون الأول) 2019 في مارالاغو بمشاركة وزير الدفاع مارك أسبر ورئيس الأركان الجنرال مارك ميلي. واستهله بومبيو: «سيدي الرئيس، سليماني مسافر من بيروت إلى دمشق ثم بغداد. يطير على رحلات تجارية، ونعرف طريق رحلته. إنه يتآمر لقتل المزيد من الأميركيين. ولدينا الأدوات الضرورية لوقف قيادته لهذه الجهود الإجرامية. لقد أسقطوا مسيرتين أميركيتين، أطلقوا صواريخ باليستية على المملكة العربية السعودية، والآن قتلوا أميركياً... كل ذلك بتوجيه من الجنرال سليماني. حان الوقت لوقف حكمه الإجرامي. هذا هدف عسكري مشروع». وكتب بومبيو مفسراً أن «الذهاب إلى هجوم عبر قتل سليماني سيكون حدثاً مزلزلاً. طبيعياً، حين تخلصت أميركا من قائد إرهابي في عالم ما بعد 11 سبتمبر (أيلول) 2001، يتبع التنظيم البلا قيادة ما يسميه مدربو فرق كرة القدم الأميركية عقلية الرجل التالي - أي ثاني أفضل اللاعبين المتوافرين في الملعب». وفي «حال سليماني، سيأتي جنرال آخر» ولكن «لا أحد لديه هذا المزيج من السلطة، والعقول، والوحشية، والجاذبية العامة داخل إيران» لأن محاولة استبداله تشبه محاولة تغيير (لوحة أصلية) لرامبراندت» (بلوحة مقلدة). وأكد أن الرئيس ترمب «تفهم المخاطر الكبيرة. كما فعلنا جميعاً. ولكن الوقت حان للضغط على الزناد». وأضاف أن «ميلي وأسبر أطلعا الرئيس على الخطة المقترحة. وأضفت أننا على استعداد للتواصل مباشرة مع الإيرانيين بعد الهجوم حتى نوضح أن هذه ليست محاولة لقطع رأس النظام، بيد أننا مستعدين للتصعيد إذا كانت هذه أمنيتهم». وأجاب ترمب: «هلم». وجرى تحديد 3 يناير (كانون الثاني) 2020 موعداً للعملية مع وصول سليماني إلى مطار بغداد الدولي حيث استقبله مؤسس «كتائب حزب الله» أبو مهدي المهندس. وكتب أنه مع انطلاق موكبه «كانت مسيرة أميركية من طراز أم كيو - 9 ريبر تتقفى كل حركتهما. ومع مغادرة سيارة سليماني المطار (...) سقطت عليها صواريخ هيل فاير (...) ضرب الردع الأميركي، وسليماني لن يؤذي أحداً على الإطلاق بعد الآن».

عبداللهيان يقدم رواية جديدة من «رسائل أميركية» بعد مقتل سليماني

قدم وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان رواية جديدة من الساعات التي أعقبت مقتل مسؤول العمليات الخارجية في «الحرس الثوري» قاسم سليماني بضربة أميركية في بغداد مطلع 2020، خصوصاً قصف «الحرس الثوري» الإيراني لقاعدة عين الأسد.

وقال عبداللهیان في ملتقى استضافته الخارجية الإيرانية إن بلاده تلقت رسائل أميركية «لافتة» بعد مقتل سليماني، في أعقاب تهديد المرشد الإيراني علي خامنئي بتوجيه رد انتقامي. وادعى أن بلاده تلقت وعوداً أميركية بإلغاء جزء من العقوبات، إذ لم ترد الجمهورية الإسلامية (على مقتل سليماني). ونقل أيضاً عن المسؤولين الأميركيين قولهم: «نحن مستعدون لتحديد كيف تنتقمون منا، نحن من يحدد ذلك، وأن تبقوا صامتين بعد أن تنتقموا».

ووفقاً لرواية وزير الخارجية الإيراني، تجاهلت طهران الرد على الرسائل الأميركية. وبعد توجيه الضربة، تلقت إيران رسائل أخرى بحسب عبداللهيان. ونقلت وكالة «إيسنا» الحكومية قوله في هذا الصدد إن «الجمهورية الإسلامية وجهت صفعة لأميركا في تلك المرحلة بالهجوم على (عين الأسد)، وذلك بعدما قال الأميركيون إذا كان لدى إيران أدنى رد على مقتل سليماني ومرافقيه، ضد مصالحنا في المنطقة، سنوجه في الوقت نفسه ضربات لـ52 موقعاً استراتيجياً إيرانياً». وقال: «بعد الضربة وجهوا الرسالة: أوقفوا الضرب وانهوا الهجوم». ولم يتطرق عبداللهيان للرد الإيراني على هذا الطلب الأميركي بعد الهجوم.

ووصف عبداللهيان قصف قاعدة عين الأسد في الثامن من يناير (كانون الثاني) 2020، بـ«الرد الحازم» على مقتل سليماني، وأضاف: «عجزت الولايات المتحدة عن اتخاذ أدنى رد»، وعدّ ذلك أنه «دليل على عجزها في فرض الهيمنة الأميركية، ومن أدلة تغيير النظام العالمي».

يأتي سرد عبداللهيان للتفاصيل الجديدة بعد أسابيع من صفقة إيرانية - أميركية لتبادل السجناء، وشملت إطلاق أصول إيران المجمدة بقيمة 6 مليارات دولار في بنوك كوريا الجنوبية. وذكرت مصادر غربية أن الصفقة جزء من تفاهم محدود بين واشنطن وطهران لخفض التصعيد، وتشمل الخطوات وقف هجمات تشنها ميليشيات حليفة لإيران، على مواقع القوات الأميركية في العراق وسوريا، ومن ذلك خفض جزئي لتخصيب اليورانيوم عالي التخصيب في إيران.

وقبل أن يتولى منصب وزير الخارجية، كان عبداللهيان رئيساً للجنة التي أنشئت بعد مقتل سليماني باسمه وركزت على متابعة ملفه القضائي، ورعاية مهرجانات دعائية ممولة من مكتب المرشد الإيراني و«الحرس الثوري».

روایات متضاربة

قدمت إيران روايات متباينة عن الهجوم الباليستي الذي شنته قوات «الحرس الثوري» للثأر من مقتل صاحب أعلى رتبة عسكرية في البلاد، ما عمق مخاوف من نشوب حرب جدية في الشرق الأوسط حينذاك. وكانت إيران ترفع شعار «الصبر الاستراتيجي» و«السير على حافة الهاوية» مقابل الضغوط القصوى التي انتهجها الرئيس الأميركي دونالد ترمب لدفع إيران على تغيير سلوكها الإقليمي تحت الضغط.

وبعد لحظات من الهجوم، قال التلفزيون الرسمي الإيراني إن إيران أطلقت 15 صاروخاً باليستياً على قاعدة عين الأسد العراقية التي كانت تضم القوات الأميركية، وحلفاءها في التحالف الدولي لمكافحة تنظيم «داعش». وادعى الإعلام الإيراني مقتل 80 أميركياً، لكن على خلاف ذلك، كانت وكالة «رويترز» قد نقلت عن مصادر حكومية أميركية وأوروبية أن إيران سعت عمداً إلى تجنب وقوع أي خسائر في صفوف الجنود الأميركيين. وأضافت المصادر، أنه من المعتقد أن الإيرانيين تعمدوا أن تخطئ الهجمات القوات الأميركية للحيلولة دون خروج الأزمة عن نطاق السيطرة مع توجيه رسالة عن قوة العزم لدى إيران.

وقالت المصادر الغربية حينذاك، إنه يُعتقد أن إيران حاولت ضرب أجزاء معينة لتقليل الخسائر البشرية إلى أدنى حد، ولتفادي قتل أميركيين على وجه الخصوص.

بموازاة «رويترز»، نقلت شبكة «سي إن إن» الأميركية عن مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية أن مسؤولين عراقيين أبلغوا مسؤولين أميركيين بتعرض قواعد لهجوم إيران قبل ساعات من الهجوم، بناء على معلومات تلقوها من مسؤولين إيرانيين، وهو ما ساهم في تجنب الخسائر في صفوف العسكريين الأميركيين.

وقال مسؤول أميركي إن الإنذار المبكر أتاح لأفراد القوات الأميركية الانتقال إلى أماكن آمنة قبل الضربة الإيرانية. وتحدثت الاستخبارات الأميركية عن رصد تحرك إيراني لنقل أسلحة بما فيها الصواريخ الباليستية والمسيّرات، في مناطق غرب إيران، في الأيام التي فصلت عن الهجوم.

واتضح لاحقاً أن العشرات من الجنود الأميركيين أصيبوا بارتجاج في المخ، وجرى نقلهم لتلقي العلاج في مستشفيات خارج العراق.

وبعد ساعات من الضربة الإيرانية، قال وزير الخارجية الإيراني حينذاك، محمد جواد ظريف، إن بلاده اتخذت «إجراءات محسوبة» في إطار الدفاع عن النفس، مضيفاً أن الضربات «أكملت» رد إيران على مقتل سليماني. وأضاف: «لا نسعى إلى التصعيد أو الحرب، لكن سندافع عن أنفسنا في وجه أي عدوان».

وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، توعد قائد «الحرس الثوري»، حسين سلامي، الأميركيين بـ«انتقام جاد حقيقي» لمقتل سليماني، وخاطب الأميركيين بقوله: «عندما ضربنا (عين الأسد)، لم نكن نتوقع عدم ردكم، وكنا نفترض أنكم تردون. وعندها، كنا قد جهزنا مئات الصواريخ للإطلاق، لندمر الأهداف المحددة، في حال الرد».

الحلقة الأولى: بومبيو يروي تفاصيل تصفية سليماني... ويعد نظام طهران «إرهابياً»


تفاصيل مثيرة للغاية وضعها وزير الخارجية الأميركي سابقاً مايك بومبيو، في كتاب مذكراته «لا تعطِ أي بوصة، القتال من أجل أميركا التي أحب»، ليس فقط في روايته الأحداث وكيف رآها بعيني كبير الدبلوماسيين الأميركيين خلال عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، بل أيضاً بنظرة مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، باعتبارها جهاز التجسس التابع لأقوى دولة في العالم: الولايات المتحدة. كشف بومبيو جوانب من بعض التحديات الهائلة التي واجهها وهو يرتقي سلم المراتب والمناصب في عمله عبر الإدارات الأميركية، كاشفاً أن الهجوم الذي استهدف مقر وحدات مشاة البحرية الأميركيين (المارينز)، في بيروت منتصف الثمانينات من القرن الماضي «ترك أثراً عميقاً» لا يمّحي من ذاكرته. كاد يقول إن وعيه حيال إيران وأدواتها من «حزب الله» و«الجهاد الإسلامي» وغيرهما، تشكل في تلك اللحظة. وأكد أنه أدرك في وقت مبكر، أن «النظام الإيراني مجرد تنظيم إرهابي» تجلبب بعباءة واتخذ هيئة «دولة بما فيها من مكونات». لكن وصوله إلى المراتب العليا كشف له أيضاً أن النخب الحاكمة في الولايات المتحدة، بما في ذلك ترمب نفسه، لم يكن في واردهم إطاحة النظام و«قطع رأسه»، على الرغم من القرار الاستثنائي الذي قاده إلى قرار القضاء على قائد «فيلق القدس» لدى «الحرس الثوري» الجنرال قاسم سليماني، رداً على استمراره في استهداف مصالح الولايات المتحدة. وهو خلص إلى أن المقر الرئيسي لتنظيم «القاعدة» في طهران، و«ليس في تورا بورا بأفغانستان، أو باكستان، أو العراق أو سوريا».
على الرغم من أن بومبيو كشف بعض أسرار الاجتماعات التي رسمت خلالها خيارات السياسات الأميركية في عهد ترمب، والجهود الكبيرة التي بذلت لإصلاح ما أفسدته إدارة الرئيس السابق باراك أوباما ونائبه آنذاك الرئيس الحالي جو بايدن، فإن بومبيو بدا حذراً في تجاوز ما يمكن اعتباره «خطوطاً حمراء» في عالمي الدبلوماسية والجاسوسية. ولم يتردد في عرضه الشيق لرحلته السريّة الأولى إلى كوريا الشمالية، واجتماعه مع زعيمها كيم جونغ أون، في محاولة لإحداث اختراق في الجهود للتخلص من ترسانته للأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل.

بشار الأسد (أ.ف.ب)

«مهمة سريّة»
تتألف مذكرات بومبيو من 17 فصلاً في 438 صفحة، ويستهلها برواية عن «مهمة سريّة» قام بها يوم الجمعة العظيمة 30 مارس (آذار) 2018، أوصلته كمدير لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) إلى بيونغ يانغ؛ «أحد أكثر الأمكنة ظلاماً» على الأرض، للاجتماع مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون؛ «أحد أكثر سكانها قتامة»، موضحاً أن غايته كانت تتمثل في «تصحيح جهود الماضي الفاشلة التي لم تُزِل» الأسلحة النووية والدمار الشامل لدى كوريا الشمالية النووية، مما «قاد حقيقة إلى التهديد الكبير الحالي». وكشف أن «ترمب أبلغني أنه مستعد للقيام بمجازفات، وأنا كمدير لـ(سي آي إيه)، كنت مستعداً للقيام بذلك أيضاً». وذكر أنه عندما دخلت طائرته الأجواء الكورية الشمالية، رافقتها طائرات حربية معادية، مشيراً إلى أنه «في العادة، يشير هذا العمل إلى عدوانية، وربما إلى هجوم وشيك. غير أن طاقمنا وأنا، كنا على ثقة بأن ذلك مجرد وعيد كوري شمالي نموذجي». ووصف اسم «جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية»؛ أي الاسم الرسمي لكوريا الشمالية، بأنه «كذبة»، لأنها «ليست ديمقراطية، وليست جمهورية، وهي بالتأكيد لا تخدم مصالح شعبها»، مضيفاً أنه عند الوصول إلى مطار بيونغ يانغ، تبلغ الوفد بأن حراس بومبيو لا يمكنهم أن يأخذوا أسلحتهم إلى وسط المدينة. وعندما نزل بومبيو من الطائرة، كان عند أسفل السلم «أحد أبغض الرجال الذين التقيتهم»؛ الجنرال المتقاعد كيم يونغ تشول، الذي يخدم نائباً لرئيس حزب العمال الكوري، الاسم الرسمي للحزب الشيوعي الكوري الشمالي.

قاسم سليماني (أ.ف.ب)

«أكلنا العشب 50 عاماً»
عوض أن يصافح ضيفه أو يرحب به، قال تشول: «أكلنا العشب في الأعوام الـ50 الأخيرة. يمكننا أن نأكل العشب في الأعوام الـ50 المقبلة». وقال بومبيو: «بالطبع، لم يكن تشول يأكل العشب. كغيره من جميع أفراد النخبة الكورية الشمالية المصابين بهوس السرقة، كان يحتسي أفخر الكحول ويولم على لحم الوانغيو البقري. أكل العشب كان للناس العاديين»، مضيفاً أنه اتخذ «مجازفة محسوبة»، وأجاب: «جنرال تشول، جميل أني أراك أيضاً. أتطلع بشغف إلى الغداء. وأفضل عشبي مطبوخاً على البخار». ثم عرض لتفاصيل الزيارة وشروطها الأميركية، ومنها رفض أي «حيلة» أو «بروباغندا» كورية شمالية، بما في ذلك عبر المطار والطريق إلى مكتب الزعيم كيم جونغ أون في بيونغ يانغ، مضيفاً أن شقيقته كيم يو جونغ التي رافقت بومبيو وفريقه عبر أبواب عملاقة وسقوف عالية، وصولاً إلى مكتب كيم الذي «كان واقفاً عند نهاية سجادة حمراء طويلة، مرتدياً بدلة (الزعيم الصيني التاريخي) ماو (تسي دونغ) السوداء النموذجية أمام جدار برتقالي لامع». وشرح أن «أسوأ ديكتاتور في العالم استقبلني بابتسامة». ونقل عن كيم قوله: «حضرة المدير، لم أعتقد أنك ستأتي. أعرف أنك كنت تحاول قتلي». ورد بومبيو مازحاً: «حضرة الرئيس، لا أزال أحاول قتلك».
كانت هذه مجرد افتتاحية للفصل الأول في كتاب بومبيو، الذي «غاص» في عرض مسهب للسياسات الخارجية الأميركية قبل عهد ترمب، منتقداً خصوصاً أوباما ونائبه آنذاك بايدن. ثم عرض لانتقاله من الكونغرس إلى «سي آي إيه»، وما رافق ذلك من «مطبات» السياسات الداخلية والخارجية الأميركية، بما في ذلك انتفاضات الربيع العربي، وصولاً إلى قرار الرئيس ترمب ونائبه بنس، تعيينه أولاً مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية، ثم وزيراً للخارجية.

ترمب وكيم عند الخط الفاصل بين الكوريتين في يونيو 2019 (أ. ب)

مشكلة الشرق الأوسط
في محطة لاحقة، كتب بومبيو أن «الديكتاتور السوري بشار الأسد المدعوم من إيران دعا روسيا إلى الحارة (العربية) واستخدم الأسلحة الكيميائية ضد شعبه، وأوباما وجه رسالة سيئة لأخصام أميركا بتراجعه بضعف عن الخط الأحمر الذي وضعه هناك»، مضيفاً أن لبنان تردى بعدما «طور حزب الله، وهو ميليشيا تابعة لإيران، ووضع الآلاف من الصواريخ الموجهة بدقة على الحدود الشمالية لإسرائيل». وقال إن «الدول الخليجية، بينما كانت تحاول التوازن علانية، كانت أيضاً خائفة من الدعم الأميركي لإيران»، ملاحظاً أن «ثقتهم بالولايات المتحدة انحدرت إلى أدنى مستوياتها» بسبب ذلك.
وكشف أن استراتيجيته للشرق الأوسط «استندت إلى أعمدة رئيسية قليلة: بناء سياسات تعكس حقيقة رئيسية: إيران هي أكبر صانع مشاكل في الشرق الأوسط؛ استعادة العلاقة مع إسرائيل؛ وإنشاء شراكة أمنية خليجية إسرائيلية جديدة». وأكد أن «المهمة الشرق الأوسطية، التي استوجبت عنايتنا الفورية، هي إلحاق هزيمة مميتة بخلافة دولة (داعش) في العراق وسوريا». وأوضح أنه بموازاة وضع الخطط العسكرية للقتال ضد الإرهاب، «اتخذنا خطوات أولى للابتعاد عن سياسة أوباما - بايدن للمحاباة الفاشلة ومواجهة النظام الإيراني». وأكد أن «المهمة رقم واحد لي كمدير لوكالة الاستخبارات المركزية هي التأكد من أن لدينا الأدوات التي نحتاج إليها لمواجهة (المرشد الإيراني علي خامنئي) وأتباعه»، مضيفاً أنه «فيما أعلن الرئيس ترمب أن تغيير النظام ليس مهمتنا، وأنا اتبعت هذا التوجيه، كنت أعرف أن وضع ضغط على النظام سيرفع بشكل كبير إمكانية انهياره». وكشف أن مهمته هذه «تظللت بخلاف في الإدارة»، إذ إن ترمب وعد في حملته الانتخابية بترك الاتفاق النووي، المعروف رسمياً باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، والذي عقده الرئيس أوباما مع إيران عام 2015 آسفاً، «لأننا لم نتراجع عن هذا الفشل بالسرعة المبتغاة». وأكد أن «فريق الرئيس للأمن القومي بكامله - وزير الدفاع جيم ماتيس ووزير الخارجية ريكس تيليرسون ومستشار الأمن القومي هـ. ماكماستر - اعتقدوا أن البقاء هو الخيار الصحيح»، لأن الانسحاب من الاتفاق «خطر للغاية، ويمكن أن يقودنا إلى حرب»، لافتاً إلى أنه كمدير لوكالة الاستخبارات المركزية «بدا له ذلك تماماً» مثل تفكير وزير الخارجية السابق جون كيري ومدير «سي آي إيه» سابقاً جون برينان وبايدن. واعتبر أن «الخطوة الأولى لمواجهة التهديد النووي من إيران عدم الاستماع إلى المحللين المؤيدين بشدة للاتفاق النووي (…) وإنشاء مركز مهمة الجمهورية الإيرانية» كفريق دعم ضد «الحرس الثوري» الإيراني، وهو «وحدة نخبة عسكرية»، ولكنها أيضاً «مافيا محلية في وحشيتها وسيطرتها الفاسدة على الاقتصاد الإيراني»، كاشفاً أنه وضع عميلاً اسمه «مايك» على رأس فريق الدعم الذي «زود بمشغلين مخضرمين عملوا على أهداف صعبة في العراق وأفغانستان وروسيا».
أما «الخطوة الثانية في مواجهة إيران»، فتمثلت بـ«بناء شراكات دولية»، مضيفاً أن «لا علاقة كانت أكثر حرجاً كالتي كانت لدى أميركا، ويجب أن تستمر مع إسرائيل والموساد». وإذ أشاد برئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي آنذاك، يوسي كوهين، قال: «بخلاف وضعي، هو جاسوس حقيقي، بوظيفة لها قصة بدأت في الثمانينات» من القرن الماضي، واصفاً إياه بأنه «لا يخاف، مبتكر، وجذاب»، يعتقد أن «إيران هي المشكلة»، علماً بأن «سي آي إيه» كانت تعتبر أن «إيران مشكلة» من كثير من المشاكل. وأشار إلى أنهما اجتمعا للمرة الأولى في فبراير (شباط) 2017 بفندق الملك داود بالقدس خلال رحلته الدولية الأولى مديراً لوكالة الاستخبارات، مؤكداً أنهما اتفقا على أن «عملنا المشترك لسحق إيران يجب أن يتكامل 100 في المائة»، فضلاً عن بناء علاقة وثيقة للغاية عائلياً ودينياً.

هجوم بيروت
وروى بومبيو في كتابه، أنه وجد الرئيس ترمب محقاً تماماً في قوله إن «العالم مكان لئيم وسيئ»، مستذكراً كم تأثر يوم الأحد 23 أكتوبر (تشرين الأول) 1983، حين كان في الكلية العسكرية الأميركية، بخبر عن «هجوم إرهابي قتل وجرح المئات من مشاة البحرية الأميركيين في ثكناتهم ببيروت». وتساءل يومها: «من يفعل ذلك بجنود أميركيين؟ ما دافعهم؟»، إلى أسئلة أخرى، مضيفاً: «علمنا سريعاً أن تجسيداً مبكراً لتنظيم حزب الله الإرهابي المدعوم من إيران نفذ التفجير»، الذي قُتل فيه 241 من العسكريين الأميركيين وجُرح 128 آخرون. وقال: «لم أنسَ قط تلك اللحظة عندما قتل فيها الإيرانيون عناصر الجيش الأميركي». وبالإضافة إلى ذلك، ذكر بالثورة الإسلامية الإيرانية التي قادها المرشد الأول آية الله الخميني عام 1979، ثم مهاجمة السفارة الأميركية بطهران واحتجاز العاملين فيها رهائن لمدة 444 يوماً، موضحاً أن «النظام الإيراني اليوم هو القوة خلف شبكة جماعات إرهابية تقاتل لإنشاء (الهلال الشيعي) لأراضٍ (…) تمتد من إيران إلى العراق ولبنان وسوريا واليمن». ولفت إلى وقوف إيران وراء هجوم أبراج الخبر في المملكة العربية السعودية عام 1996، حين سقط 19 من سلاح الجو الأميركي قتلى. ورأى أن «النظام الإيراني الشيعي أنشأ قضية مشتركة مع تنظيم القاعدة السني. انسَ ما تفكر به حول الخصام السني - الشيعي الذي يحول دون تعاونهما»، مكرراً أن «طهران هي اليوم القاعدة الرئيسية لقيادة القاعدة الرفيعة». وقال: «المقر الرئيسي العملاني لـ(القاعدة) ليس في تورا بورا بأفغانستان، أو في باكستان. ليس في سوريا أو العراق. إنه في عاصمة إيران»، متهماً «النظام الإيراني بأنه في الواقع جماعة إرهابية. ولكن بخلاف غالبية الجماعات الإرهابية، يمتلك النظام - بحماية الحرس الثوري - كل أدوات فن الحكم: حدوداً معترفاً بها دولياً، ودبلوماسيين في الأمم المتحدة، وعملة إلزامية، وتحكماً تاماً بحقول نفط هائلة، ومصارف، وقطاعات أخرى في الاقتصاد الإيراني».

«ما أفسده أوباما»
وكتب وزير الخارجية السابق كيف سعى ترمب إلى إصلاح «ما أفسده أوباما»، مكرراً مساوئ الاتفاق النووي بشكل خاص ودعم إيران لجماعات مثل «حزب الله» في لبنان و«حماس» و«الجهاد الإسلامي» في الأراضي الفلسطينية والحوثيين في اليمن، قائلاً إن «العقل المدبر لهذا المشروع الشرير هو قائد في الحرس الثوري اسمه قاسم سليماني، الذي صار محور التركيز في جهودنا الحازمة لإحباط أجندة إيران». وشكلت هذه الرؤية محور الفصل السادس من مذكرات بومبيو الذي كشف أنه كتب يوماً رسالة لسليماني قال فيها: «إننا سنحاسبه ونحاسب إيران على أي هجمات ضد المصالح الأميركية في العراق من القوى التي تحت سيطرته»، مؤكداً أن ذلك كان مؤشراً إلى «تغيير هائل» في سياسة الإدارة الأميركية، التي كانت قبل ترمب متساهلة للغاية مع سقوط ضحايا أميركيين في الهجمات التي تشنها جماعات مدعومة من إيران، مضيفاً أن سليماني لم يرد قط على رسالته. ولكن «بعد سنتين، في 29 ديسمبر (كانون الأول) 2019. كنت جالساً مع الرئيس ترمب بمنزله الفخم في فلوريدا، مارالاغو، وهذه المرة كوزير للخارجية. وكان بجانبي وزير الدفاع ورئيس الأركان المشتركة. كنا هناك في عمل خطير: سيدي الرئيس، لدينا توصية لك - الهدف هو الجنرال قاسم سليماني». وأضاف: «في غضون أيام قليلة فحسب، سيشعر سليماني والإيرانيون بالأثر الكامل لرفضنا محاباة شرهم. بدلاً من ذلك، سيلقون طعم الهجوم الأميركي». وشرح أنه «رغم المكانة الضئيلة لسليماني، زرع الخوف الحقيقي في قلوب زعماء الشرق الأوسط»، مضيفاً أنه «متصلب بكونه رأس حربة عقود من العمل العسكري الإيراني في العراق ولبنان وسوريا، قاد سليماني منذ عام 1998 وحدة قوة القدس الإجرامية»، التي تعد «السبب الرئيسي لماذا بلدان مثل العراق ولبنان وسوريا واليمن في حال فوضوية اليوم». وحمل سليماني المسؤولية عن مقتل 600 من الجنود الأميركيين خلال حرب العراق. وكشف أنه ذهب إلى بغداد يوماً واجتمع مع رئيس الوزراء آنذاك حيدر العبادي لإقناعه بعدم الحصول على موارد الطاقة من إيران، فقال العبادي لبومبيو: «حضرة المدير، حين تغادر، سيأتي قاسم سليماني ليراني. يمكنك أن تأخذ أموالي. هو سيأخذ حياتي».
ثم تحدث عن اجتماعات مع مسؤولين عراقيين آخرين، بينهم الرئيس آنذاك برهم صالح وعادل عبد المهدي، في ظل تصاعد التهديدات الإيرانية ضد المصالح الأميركية في العراق، وصولاً إلى قوله إن «عواقب رفضنا لمحاباة إيران عبر التراجع عن العقوبات كان أيضاً واضحاً في 14 سبتمبر (أيلول) 2019. فبعد شهرين تقريباً من إسقاط إيران مسيرة (أميركية)، أطلقت صواريخ كروز من إيران لضرب المملكة العربية السعودية. الأهداف كانت منشآت نفط رئيسية عائدة لشركة أرامكو السعودية، وبالتالي أدى الهجوم إلى تهديد إمدادات الطاقة العالمية». وأشار إلى التعاون بين الولايات المتحدة والسعودية «لإعادة المنشآت إلى العمل. أرامكو قامت بعمل رائع» في هذا السياق. وأضاف أن «السعوديين كانوا يريدون أيضاً أن يعرفوا ما الذي كنا مستعدين للقيام به في هذا الوقت الخطر. أوصيت الرئيس بأن نرسل أنظمة دفاع جوي إلى المملكة العربية السعودية. فوافق على توفير أسلحة دفاعية لها، لكنه رفض الجزء الثاني من توصيتي - أن تنفذ الولايات المتحدة هجوماً بعمل مباشر لتدفع إيران الثمن».

القضاء على سليماني
وفي وقت غير بعيد، استهدفت القوات الأميركية «كتائب حزب الله العراقي» رداً على هجوم قتل فيه متعهد أميركي. وبعد هجوم آخر، شارك بومبيو في اجتماع عقده الرئيس ترمب بتاريخ 29 ديسمبر (كانون الأول) 2019 في مارالاغو بمشاركة وزير الدفاع مارك أسبر ورئيس الأركان الجنرال مارك ميلي. واستهله بومبيو: «سيدي الرئيس، سليماني مسافر من بيروت إلى دمشق ثم بغداد. يطير على رحلات تجارية، ونعرف طريق رحلته. إنه يتآمر لقتل المزيد من الأميركيين. ولدينا الأدوات الضرورية لوقف قيادته لهذه الجهود الإجرامية. لقد أسقطوا مسيرتين أميركيتين، أطلقوا صواريخ باليستية على المملكة العربية السعودية، والآن قتلوا أميركياً... كل ذلك بتوجيه من الجنرال سليماني. حان الوقت لوقف حكمه الإجرامي. هذا هدف عسكري مشروع». وكتب بومبيو مفسراً أن «الذهاب إلى هجوم عبر قتل سليماني سيكون حدثاً مزلزلاً. طبيعياً، حين تخلصت أميركا من قائد إرهابي في عالم ما بعد 11 سبتمبر (أيلول) 2001، يتبع التنظيم البلا قيادة ما يسميه مدربو فرق كرة القدم الأميركية عقلية الرجل التالي - أي ثاني أفضل اللاعبين المتوافرين في الملعب». وفي «حال سليماني، سيأتي جنرال آخر» ولكن «لا أحد لديه هذا المزيج من السلطة، والعقول، والوحشية، والجاذبية العامة داخل إيران» لأن محاولة استبداله تشبه محاولة تغيير (لوحة أصلية) لرامبراندت» (بلوحة مقلدة). وأكد أن الرئيس ترمب «تفهم المخاطر الكبيرة. كما فعلنا جميعاً. ولكن الوقت حان للضغط على الزناد». وأضاف أن «ميلي وأسبر أطلعا الرئيس على الخطة المقترحة. وأضفت أننا على استعداد للتواصل مباشرة مع الإيرانيين بعد الهجوم حتى نوضح أن هذه ليست محاولة لقطع رأس النظام، بيد أننا مستعدين للتصعيد إذا كانت هذه أمنيتهم». وأجاب ترمب: «هلم». وجرى تحديد 3 يناير (كانون الثاني) 2020 موعداً للعملية مع وصول سليماني إلى مطار بغداد الدولي حيث استقبله مؤسس «كتائب حزب الله» أبو مهدي المهندس. وكتب أنه مع انطلاق موكبه «كانت مسيرة أميركية من طراز أم كيو - 9 ريبر تتقفى كل حركتهما. ومع مغادرة سيارة سليماني المطار (...) سقطت عليها صواريخ هيل فاير (...) ضرب الردع الأميركي، وسليماني لن يؤذي أحداً على الإطلاق بعد الآن».