باريس تندد بسياسة «الابتزاز المستمر» الإيرانية وتطالب بـ«الإفراج الفوري» عن 4 من مواطنيها

سنتان انقضتا على اعتقال سيسيل كوهلر وجاك باريس وأصوات تربطه بـ«دبلوماسية الرهائن» التي تمارسها طهران

متظاهرة تحمل صورة الرهينة الفرنسية في إيران سيسيل كوهلر المعتقلة منذ عامين في 23 مارس الماضي (أ.ف.ب)
متظاهرة تحمل صورة الرهينة الفرنسية في إيران سيسيل كوهلر المعتقلة منذ عامين في 23 مارس الماضي (أ.ف.ب)
TT

باريس تندد بسياسة «الابتزاز المستمر» الإيرانية وتطالب بـ«الإفراج الفوري» عن 4 من مواطنيها

متظاهرة تحمل صورة الرهينة الفرنسية في إيران سيسيل كوهلر المعتقلة منذ عامين في 23 مارس الماضي (أ.ف.ب)
متظاهرة تحمل صورة الرهينة الفرنسية في إيران سيسيل كوهلر المعتقلة منذ عامين في 23 مارس الماضي (أ.ف.ب)

مرة أخرى، ترفع فرنسا الصوت بوجه إيران للمطالبة بالإفراج «الفوري» عن أربعة فرنسيين، ثلاثة منهم معروفو الهوية وهم: سيسيل كوهلر، وجاك باريس، ولويس أرنو، فيما تتكتم السلطات الفرنسية والإيرانية عن هوية الشخص الرابع. وثمة من يزعم، في باريس، أنه عميل للمخابرات الفرنسية. والمدهش أن الجانب الإيراني الذي يلصق تهمة التجسس أو الاعتداء على المصالح العليا للجمهورية الإسلامية، أو التحضير لأعمال تخريبية، امتنع، حتى تاريخه، عن كشف هوية الشخص الرابع، أو عن الاتهامات الموجهة إليه، والتي تبرر اعتقاله.

ويوم الثلاثاء، عادت مسألة الفرنسيين الأربعة إلى الواجهة بمناسبة مرور عامين على اعتقال كوهلر، وباريس، فعمدت وزارة الخارجية الفرنسية إلى إصدار بيان متشدد، اتهمت فيه إيران بممارسة «سياسة رهائن الدولة»، ونددت بـ«الابتزاز المستمر» الذي لا تتوقف عن ممارسته.

وثمة قناعة مترسخة، ليس فقط في باريس، وإنما في كل العواصم التي لديها رهائن في إيران، بأن طهران تستخدم الرهائن الغربيين إما للحصول على امتيازات، أو لتحرير مواطنين لها معتقلين في هذه البلدان.

جاك باريس رفيق درب سيسيل كوهلر اعتقل في اليوم نفسه وما زال محتجزا في سجن آلفين في طهران (أ.ف.ب)

وسبق للتلفزة الإيرانية أن بثت «اعترافات» لاثنين من الرهائن الأربعة، أعلنا خلالها بأنهما «عميلان للمخابرات الفرنسية». وفي هذا الخصوص، أدانت فرنسا «الممارسة المقيتة التي تمارسها الجمهورية الإسلامية المتمثلة في الاعترافات القسرية والعلنية» كما نددت بـ«ظروف الاحتجاز اللاإنسانية والمهينة التي يتعرض لها مواطنونا».

وإذ حملت الخارجية الفرنسية السلطات الإيرانية «المسؤولية عن مصير الرهائن ومعاملتهم»، فإنها طالبت بـ«الإفراج الفوري وغير المشروط عنهم». وانتهى البيان الفرنسي بالإعراب عن «التعاطف مع جميع الرهائن الأوروبيين الآخرين المحتجزين في السجون الإيرانية، وهم أبرياء من التهم العبثية الموجهة إليهم في محاكمات صورية»، مؤكداً أن «السلطات الفرنسية لا تزال ملتزمة التزاماً كاملاً بتأمين إطلاق سراح مواطنيها الأربعة»، وهي تواظب على التواصل مع عائلاتهم. وبحسب معلومات متداولة في باريس، فإن هناك ما بين 20 و30 رهينة غربية في إيران يندرج وضعها تحت خانة «دبلوماسية الرهائن» التي دأبت طهران على ممارستها.

وفي 7 مايو (أيار) من العام 2022، ألقى الأمن الإيراني القبض على سيسيل كوهلر ورفيق دربها جاك باريس بنهاية زيارة سياحية دامت ثلاثة أسابيع. كلاهما منخرط في التعليم: الأولى أستاذة الآداب المعاصرة في إحدى مدارس منطقة «إيفلين» القريبة من باريس، والثاني أستاذ رياضيات متقاعد. وهما معتقلان في سجن «إيفين» القريب من طهران. وحتى تاريخه، لم تتم محاكمتهما، كما أن المحامين المكلفين بالدفاع عنهما لم يطلعوا بعد على ملفيهما فيما التواصل بين المحتجزين وعائلتيهما متقطع.

سيسيل كوهلر وشقيقتها ناعومي في صورة تعود للعام 2020 (أ.ف.ب)

في المقابل، فإن الرهينة الثالثة لويس أرنو تمت محاكمته وإدانته بـ«التجسس لحساب قوى خارجية»... وصدر بحقه حكم بالسجن خمس سنوات. وتسعى لجان تشكلت للدفاع عن كوهلر وباريس للضغط على الحكومة الفرنسية لدفعها لمزيد من التحرك، علماً بأن أي اتصال رسمي بين باريس وطهران يأتي دوماً على ملف الرهائن الأربعة.

ورغم الدعوات الفرنسية المتكررة المطالبة، على كافة المستويات، بإطلاق سراح الأربعة، فإن الطرف الإيراني يصم أذنيه عن المطالب الفرنسية. وبحسب مطلعين على هذا الملف، فإن مشكلة باريس هي أن الاتصالات لا تتم مع الجهات التي بيدها الحل والربط أي «الحرس الثوري»، والجهاز القضائي المرتبط به. ومن جهة ثانية، تسعى هذه اللجان إلى المحافظة على اهتمام الرأي العام بالرهائن، حتى لا يلفهم عالم النسيان.

وكان باريس وكوهلر ينشطان في العمل النقابي في قطاع التربية. وجاء القبض عليهما في سياق حراك الجسم التعليمي في إيران (نهاية العام 2021)، الأمر الذي يفسر اتهامهما بـ«التعاون والتواطؤ للنيل من أمن البلاد».

وقبل أيام، تحدثت ناعومي كوهلر، شقيقة سيسيل، عن ظروف اعتقالها، فأكدت أنها فيما يسمى «القسم 9» في سجن «إيفين» الذي نقلت إليه بعد أن أمضت عدة أشهر في عزلة تامة، وهي حالياً تتقاسم خليتها في السجن التي تبلغ مساحتها تسعة أمتار مربعة مع نساء أخريات.

وأفادت ناعومي بأن سيسيل لم تحظ سوى بثلاث زيارات قنصلية منذ اعتقالها، وقد تمت تحت مراقبة شديدة من حراس السجن. وباستثناء الاتصالات الهاتفية النادرة مع عائلتها، فإنها «معزولة عن العالم الخارجي». ويسمح للرهينة الفرنسية، بحسب شقيقتها، بثلاث نزهات قصيرة في فناء السجن. وخلاصتها أن شقيقتها «رهينة لعبة تتخطاها، إذ إنها تتناول مصالح أبعد بكثير مما تمثله».

صورة لسيسيل كوهلر تعود لأيام قبل اعتقالها وتظهرها في زيارة لمسجد في مدينة أصفهان (صورة مصدرها عائلة كوهلر)

والمناشدات والضغوط الفرنسية لم تجدِ حتى اليوم في إخراج الرهائن الأربعة من إيران، بعكس ما حصل عند الإفراج عن رهينتين فرنسيتين قبل عام تماماً هما بنجامين بريير (37 عاماً) وبرنار فيلان (64 عاماً) «لأسباب إنسانية». وتأمل عائلتا كوهلر وباريس أن تعمد طهران لبادرة إنسانية مشابهة في الأسابيع أو الأشهر المقبلة. وكان الاثنان محتجزين في سجن «وكيل آباد» في مدينة مشهد حيث كان حكم على بريير بالسجن لمدة ثماني سنوات بتهمة التجسس. إلا أن محكمة استئناف برأته من التهمة لكنه بقي معتقلاً. أما فيلان الذي يحمل أيضاً الجنسية الآيرلندية، إلى جانب جنسيته الفرنسية، فكان يعمل في القطاع السياحي، وأدين بتهمة «المساس بالأمن القومي» الإيراني، وحكم عليه بالسجن لست سنوات ونصف.

وأكدت كاترين كولونا، وزيرة الخارجية الفرنسية وقتها، أن باريس «ستواصل العمل مع شركائها الأوروبيين للإفراج عن مواطنيها، وعددهم أربعة، وعن جميع المواطنين الأوروبيين، وعددهم كبير للأسف، وهم معتقلون من دون سبب في إيران». وفي شهر فبراير (شباط) الماضي، أفرجت طهران عن الباحثة فريبا عادلخاه من سجن إيفين حيث كانت تمضي عقوبة بالسجن خمسة أعوام صدرت بحقها في 2020 لإدانتها بتهمة «المساس بالأمن القومي»، وهي تهمة سبق لها أن نفتها. لكن حتى اليوم، لم يسمح لها بمغادرة إيران.

ويحظى جاك باريس بتعبئة شبيهة بما تحظى به سيسيل كوهلر. ونشر 16 عالماً في مجال الرياضيات رسالة طلبوا فيها «الإفراج الفوري» عنه، مؤكدين أن إيران «تخالف القوانين الدولية في العديد من النقاط، منها انتزاع اعترافات بالقوة، وظروف اعتقال مهينة إنسانياً، ومنع المحامين من الاطلاع على ملفه القضائي، وحجزه مع أربعة آخرين في خلية سجن ضيقة، ومنعه من التواصل مع الخارج، واحتجاز سلطات السجن ما يرسل إليه من كتب، وأموال»... وتؤكد الرسالة أن ما سبق «يبين أن إيران تخالف المواد 9 و10 و14 من الشرعة الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية، والمبادئ التي تحكم ظروف وشروط الاعتقال».


مقالات ذات صلة

غروسي: أود لقاء بزشكيان في أقرب فرصة

شؤون إقليمية إسلامي يتحدّث إلى غروسي على هامش مؤتمر «الاجتماع الدولي للعلوم والتكنولوجيا النووية» في أصفهان مايو الماضي (أ.ب)

غروسي: أود لقاء بزشكيان في أقرب فرصة

أعلن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، رغبته في زيارة طهران، خلال رسالة وجّهها إلى الرئيس الإيراني، مسعود بزشكیان.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​  المرشّح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترمب (أ.ف.ب)

ترمب يتطرّق في منشور إلى «محو إيران عن وجه الأرض»

تطرّق المرشّح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترمب إلى القضاء على إيران، وذلك في منشور على شبكة للتواصل الاجتماعي استعاد فيه أسلوبه الناري.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية ناقلة النفط «سانت نيكولاس» التي تحتجزها إيران (رويترز)

إيران تفرج عن شحنة نفط على متن ناقلة محتجَزة

أفرجت إيران اليوم الخميس عن شحنة النفط الخاصة بالناقلة «سانت نيكولاس» التي كانت قد احتجزتها بخليج عمان في وقت سابق من هذا العام.

«الشرق الأوسط» (أثينا)
شؤون إقليمية شعار «لا للإعدام في إيران» على برج إيفيل في باريس (أ.ف.ب)

السلطات الإيرانية تعدم سجيناً سياسياً كردياً بعد 15 عاماً على اعتقاله

قالت مجموعات حقوقية إن السلطات الإيرانية نفذت الخميس حكم الإعدام بحق السجين السياسي الكردي كامران شيخه، بتهمة «الحرابة»، و«الإفساد في الأرض».

«الشرق الأوسط» (باريس)
شؤون إقليمية صورة نشرها السفير البريطاني في طهران لرفع علم أوكرانيا في مقر السفارة تضامناً مع كييف في فبراير 2022

طهران تستدعي سفير بريطانيا لتسليم إيراني للولايات المتحدة

استدعت إيران سفير بريطانيا؛ احتجاجاً على تسليم لندن مواطناً إيرانياً للولايات المتحدة، بتهمة الالتفاف على العقوبات الأميركية في تصدير «تطبيقات عسكرية» لطهران.

«الشرق الأوسط» (لندن-طهران)

إيطاليا تعين سفيراً لدى سوريا

وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني (أرشيفية - إ.ب.أ)
وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني (أرشيفية - إ.ب.أ)
TT

إيطاليا تعين سفيراً لدى سوريا

وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني (أرشيفية - إ.ب.أ)
وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني (أرشيفية - إ.ب.أ)

أعلن وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، الجمعة، أن بلاده قررت تعيين سفير لدى سوريا «لتسليط الضوء» عليها، ما يجعل إيطاليا أول دولة من مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى التي تستأنف عمل بعثتها الدبلوماسية في دمشق منذ أن عصفت حرب أهلية بالبلاد.

استدعت إيطاليا جميع الموظفين من سفارتها بدمشق عام 2012، وعلقت النشاط الدبلوماسي في سوريا احتجاجاً على «العنف غير المقبول» من حكومة الرئيس بشار الأسد ضد المواطنين.

واستعاد الأسد السيطرة على معظم سوريا بعد أن ساعدته إيران وروسيا على هزيمة جماعات من المعارضة المسلحة، تحركت ضده قبل 13 عاماً، مما أدى إلى حرب راح ضحيتها مئات الآلاف ودفعت ملايين من اللاجئين صوب أوروبا.

وتم الإعلان عن تعيين المبعوث الخاص حالياً لوزارة الخارجية إلى سوريا، ستيفانو رافاجنان، سفيراً. وقال تاياني لوكالة «رويترز» إنه من المقرر أن يتولى منصبه قريباً.

أرسلت إيطاليا و7 دول أخرى في الاتحاد الأوروبي، الأسبوع الماضي، رسالة إلى مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد، جوزيب بوريل، تطلب أن يلعب التكتل دوراً أكثر فاعلية في سوريا.

وجاء في الرسالة التي اطلعت عليها «رويترز»: «لا يزال السوريون يغادرون بأعداد كبيرة، مما يزيد من الضغوط على الدول المجاورة، في فترة يتصاعد فيها التوتر في المنطقة، ما ينذر بخطر موجات جديدة من اللاجئين».

وإلى جانب إيطاليا، وقّعت النمسا وقبرص وجمهورية التشيك واليونان وكرواتيا وسلوفينيا وسلوفاكيا على الرسالة. وعبّرت عن أسفها إزاء «الوضع الإنساني» في البلاد الذي «زاد تدهوراً» في ظل بلوغ اقتصادها «حالة يرثى لها».

وقال تاياني، الجمعة: «كلف بوريل دائرة العمل الخارجي الأوروبي بدراسة ما يمكن القيام به»، مضيفاً أن تعيين سفير جديد «يتماشى مع الرسالة التي أرسلناها إلى بوريل... لتسليط الضوء على سوريا».

هناك 6 سفارات لدول في الاتحاد الأوروبي مفتوحة في الوقت الحالي بدمشق، وهي سفارات رومانيا وبلغاريا واليونان وقبرص وجمهورية التشيك والمجر. ولم تُقْدم باقي دول مجموعة السبع بعد، وهي الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا، على خطوة إعادة تعيين سفراء لها لدى سوريا.