من التصيّد إلى الاختراق… كيف تتغير ملامح التهديدات السيبرانية في البنية الصناعية السعودية؟

الدفاع التنبؤي المعتمد على الذكاء الاصطناعي يمنح المملكة قدرة أكبر على رصد التهديدات مبكراً رغم استمرار الثغرات (شاترستوك)
الدفاع التنبؤي المعتمد على الذكاء الاصطناعي يمنح المملكة قدرة أكبر على رصد التهديدات مبكراً رغم استمرار الثغرات (شاترستوك)
TT

من التصيّد إلى الاختراق… كيف تتغير ملامح التهديدات السيبرانية في البنية الصناعية السعودية؟

الدفاع التنبؤي المعتمد على الذكاء الاصطناعي يمنح المملكة قدرة أكبر على رصد التهديدات مبكراً رغم استمرار الثغرات (شاترستوك)
الدفاع التنبؤي المعتمد على الذكاء الاصطناعي يمنح المملكة قدرة أكبر على رصد التهديدات مبكراً رغم استمرار الثغرات (شاترستوك)

تتغيّر خريطة الأمن السيبراني في البنية الصناعية السعودية بوتيرة أسرع من أي وقت مضى. فمع تقدّم المملكة في مشاريعها العملاقة وشبكاتها المترابطة ومدنها الذكية الناشئة، تتوسع معها بيئات التقنيات التشغيلية وأنظمة التحكم الصناعي، ويتسع معها سطح الهجوم بصورة غير مسبوقة.

لكن التهديد لم يعد مجرد زيادة في عدد الهجمات، بل بات أكثر تداخلاً وأكثر تلقائية، وأكثر امتزاجاً بين عالمَي تقنية المعلومات والتقنيات التشغيلية. وهذا التداخل أصبح التحدّي الحاسم الذي يرسم ملامح المرحلة المقبلة من حماية البنية التحتية الحيوية في السعودية.

كانت هذه الرسالة المحورية في حديث حسام صيداني، نائب رئيس شركة «أوبسوات» (OPSWAT) لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على هامش مؤتمر «بلاك هات» الشرق الأوسط 2025 المنعقد في الرياض.

وحسب صيداني، تدخل المملكة مرحلة تتغير فيها طبيعة التهديدات بقدر ما يزداد حجمها، مدفوعةً بالبنية التحتية المترابطة، واعتماد آلاف المتعاقدين، والوتيرة المتسارعة لاعتماد الذكاء الاصطناعي من جانب المهاجمين كما المدافعين.

حسام صيداني نائب رئيس شركة «أوبسوات» لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا متحدثاً لـ«الشرق الأوسط» (أوبسوات)

الهجوم يبدأ من مناطق الثقة

يشير صيداني خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن وتيرة التحوّل الرقمي في السعودية تُنتج كفاءة كبيرة، لكنها تُنتج أيضاً نقاط ضعف جديدة. وأسرع التهديدات نمواً اليوم ينبع من التقارب المتزايد بين بيئات تقنية المعلومات والتقنيات التشغيلية، وهو ما يتقنه المهاجمون جيداً. وأول مظهر لهذا الاتجاه هو زيادة المسارات التي تبدأ في بيئات تقنية المعلومات قبل أن تتسلل إلى أنظمة التقنيات التشغيلية، خصوصاً عبر البريد الإلكتروني والملفات الملوّثة والوصول عن بُعد.

ويضيف أن «أجهزة أنظمة التحكم الصناعي في الشرق الأوسط، بما في ذلك السعودية، تواجه تهديدات عبر البريد الإلكتروني بمعدل يفوق المتوسط العالمي بـ1.8 مرة». يعكس هذا الرقم الحجم الكبير لعمليات التصيّد التي تستهدف المنطقة.

الاتجاه الثاني يتمثل في تطور هجمات الفدية إلى هجمات متعددة المراحل تبدأ في شبكات تقنية المعلومات، ثم تتحرك بوعي نحو التقنيات التشغيلية لتعظيم الأثر التشغيلي. أما الاتجاه الثالث، فهو اتساع سطح المخاطر عبر سلسلة الإمداد، حيث تربط المشاريع العملاقة عشرات المقاولين والجهات التقنية بأنظمة حساسة؛ ما يخلق مسارات ثقة يمكن استغلالها بسهولة.

ويفيد صيداني بأن ما يجمع هذه الاتجاهات هو حقيقة أن «الخصوم يستغلون المسارات الموثوقة لتجاوز الدفاعات التقليدية»؛ ما يفرض على المؤسسات إعادة التفكير في الرؤية والحوكمة داخل شبكاتها الصناعية.

ملامح الهجوم الحديث

تبدو الهجمات على البنية التحتية اليوم مختلفة جذرياً عمّا كانت عليه قبل سنوات. فالمهاجمون يمزجون بين تقنيات عالم تقنية المعلومات وعالم التقنيات التشغيلية بسلاسة. يبدأ المهاجمون ببرمجيات خبيثة تقليدية للدخول إلى الشبكة، ثم ينتقلون إلى أدوات مخصصة للتحكم الصناعي للاقتراب من محطات الهندسة ووحدات التحكم.

وبعد دخولهم بيئة التقنيات التشغيلية، لا يتصرفون فوراً، بل يراقبون المشغلين ويدرسون منطق وحدات التحكم القابلة للبرمجة (PLC)، ويتتبعون أنماط الأمان لاختيار اللحظة الأكثر تأثيراً. ويقلّدون حركة المرور العادية لتجاوز أنظمة الكشف؛ ما يجعل أدوات التوقيعات التقليدية غير فعّالة.

وتتعقد الصورة أكثر مع دخول الذكاء الاصطناعي في ساحة الهجوم. ويحذّر صيداني من أنه «مع تسارع تطوير البرمجيات الخبيثة عبر الذكاء الاصطناعي، تصبح الهجمات الهجينة أكثر تلقائية ودقة، وأصعب بكثير في اكتشافها مبكراً».

خبراء: الذكاء الاصطناعي يعزز قدرات الكشف والتحليل دون استبدال الخبرة البشرية في اتخاذ القرارات التشغيلية الحساسة (شاترستوك)

الذكاء الاصطناعي والخبرة البشرية

تتعامل السعودية مع الذكاء الاصطناعي بصفته ركيزة وطنية للأمن السيبراني. ويقرّ صيداني بأن الذكاء الاصطناعي قادر على تغيير قواعد اللعبة عبر أتمتة مهام ضخمة الحجم، مثل تحليل تدفق الشبكات، واكتشاف المخاطر في الوقت الحقيقي وربط السجلات، وبناء خطوط سلوك قياسية للأصول الصناعية.

لكن ما لا يستطيع الذكاء الاصطناعي القيام به هو فهم السياق الفيزيائي - حسب صيداني - الذي يشرح بأن «مشغلي التقنيات التشغيلية يفهمون العواقب الفيزيائية وحدود السلامة وهوامش التشغيل، وهي تفاصيل لا يمكن للخوارزميات تفسيرها بالكامل».

أما الخطر الأكبر، فهو الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي في بيئات لا تحتمل الأخطاء. ولهذا؛ يؤكد صيداني «ضرورة ألا يمتلك الذكاء الاصطناعي سلطة مباشرة لإحداث تغييرات تشغيلية»، مشدداً على أن أنظمة التحكم التقليدية وأنظمة السلامة يجب أن تبقى صمامات الأمان النهائية.

ويتطلب ذلك قابلية تفسير عالية؛ إذ لا يمكن للمشغلين اتخاذ قرار دون فهم سبب إشعار الذكاء الاصطناعي. وتساعد التوائم الرقمية في اختبار النماذج قبل تركيبها فعلياً.

عودة التقسيم الفيزيائي

رغم حداثة التهديدات، يعود الاعتماد على أدوات كلاسيكية مثل «صمامات البيانات» (Data Diodes) إلى المشهد بقوة. فمع انتقال البيانات من بيئات التقنيات التشغيلية إلى السحابة للتحليلات، تحتاج المؤسسات إلى ضمان عدم عودة أي إشارة تحكم إلى الأنظمة الحساسة. وهنا توفّر صمامات البيانات طبقة حماية لا يمكن للبرمجيات وحدها توفيرها.

ويرى صيداني أن ذلك أصبح أكثر أهمية اليوم؛ لأن الهجمات المدعومة بالذكاء الاصطناعي تبحث عن أدق الثغرات. لذلك؛ يشكل العزل الفيزيائي مرساة أمان تمنع المخاطر التي قد تُدخلها التحولات الرقمية ذاتها.

أهمية المشاريع العملاقة

تشهد السعودية بيئات صناعية تُبنى من الصفر في مشاريع مثل «نيوم» و«البحر الأحمر» و«قديّة». ويصف صيداني هذه المشاريع بأنها تحمل إمكانيات هائلة لأمن «مُدمج من التصميم»، ولكنها في الوقت ذاته تُدخل مستويات عالية من التعقيد. أكبر ثغرة يلاحظها هي تعدد المقاولين والموردين، حيث يأتي كل طرف بممارساته وأجهزته وإجراءاته الخاصة؛ ما يخلق تفاوتاً في مستوى الحماية.

كما يحذر صيداني من الاعتقاد بأن الأنظمة الحديثة أكثر أماناً بطبيعتها، حيث تُنشأ الأنظمة المترابطة مثل التوائم الرقمية وأجهزة إنترنت الأشياء والمراقبة السحابية قبل اكتمال وضع معايير الأمن.

الهجمات الحديثة أصبحت هجينةً ومتعددة المراحل... تبدأ بالتصيّد والبرمجيات الخبيثة ثم تتقدّم نحو الأنظمة التشغيلية للسيطرة على المعدات (غيتي)

الدفاع التنبؤي

تستثمر السعودية بكثافة في الأمن التنبؤي، وهي خطوة تغيّر طريقة تعامل القطاعات الحيوية مع المخاطر. فالذكاء الاصطناعي قادر على رصد تغيّرات طفيفة تمثل بدايات هجوم. ويعدّ صيداني أن «الأمن التنبؤي لا يمنع كل الهجمات، لكنه يمنح المؤسسات وقتاً حيوياً لعزل التهديد والحد من أثره قبل أن يصل إلى التشغيل».

وينوّه أن المشاريع السعودية تتميز بثلاث سمات، هي الجرأة في التجربة، والتخطيط بعيد المدى والتركيز على بناء قدرات وطنية. وقد أسهم ذلك في وصول المملكة إلى المرتبة الأولى عالمياً في مؤشر الأمن السيبراني لعام 2025.

تقدم واضح... وثغرات مستمرة

شهدت السعودية تقدماً كبيراً في مجال رؤية الأصول وتجزئة الشبكات. لكن الأخطاء المتكررة تشمل عدم توحيد الضوابط الأساسية، مثل إدارة وسائط «USB» وتحديث الأجهزة المرتبطة بالتشغيل.

كما يظل الاعتماد على الثقة الداخلية مشكلة مستمرة؛ ما يتطلب تطبيق مبدأ انعدام الثقة بشكل صارم. ويؤكد صيداني على أهمية «تطبيق انعدام الثقة على كل من يدخل إلى شبكة التقنيات التشغيلية، مهما كان مصدره».

ويعتقد أن دمج التوأم الرقمي بالذكاء الاصطناعي سيكون التطور الأكثر تأثيراً في الأمن الصناعي. فهو يتيح محاكاة الهجمات وتوقّع تأثيراتها وصقل معايير السلوك دون المساس بالبيئة الحقيقية. ويعدّ أن «التوأمة الرقمية تتيح للذكاء الاصطناعي اختبار سيناريوهات التهديد والتنبؤ بآثارها دون تعريض البيئة الحقيقية لأي انقطاع».


مقالات ذات صلة

تكنولوجيا الأوتار الاصطناعية قد تصبح وحدات قابلة للتبديل لتسهيل تصميم روبوتات هجينة ذات استخدامات طبية واستكشافية (شاترستوك)

أوتار اصطناعية تضاعف قوة الروبوتات بثلاثين مرة

الأوتار الاصطناعية تربط العضلات المزروعة بالهياكل الروبوتية، مما يرفع الكفاءة ويفتح الباب لروبوتات بيولوجية أقوى وأكثر مرونة.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا أجهزة «إيكو شو» بشاشاتها المتحركة

أجهزة «إيكو» الجديدة: «أمازون» تدفع المنازل العربية إلى عصر الذكاء الاصطناعي والأتمتة المحيطية

بحث جديد يكشف عن التأثير المتنامي للمساعدات الصوتية في السعودية والإمارات

خلدون غسان سعيد (جدة)
تكنولوجيا شعار تطبيق «تشات جي بي تي» (رويترز)

شركة «أوبن إيه آي» تعلن حالة طوارئ في «تشات جي بي تي» بسبب المنافسة الشديدة

أعلن الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي» سام ألتمان عن حالة طوارئ شاملة في الشركة، في ظل المنافسة الشرسة التي تواجهها تقنيات برنامجها «تشات جي بي تي».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد شعار «إنفيديا» (رويترز)

«إنفيديا» تستحوذ على حصة بملياري دولار في «سينوبسيس» لتصميم الرقائق

استثمرت شركة «إنفيديا» مبلغ ملياري دولار في شركة «سينوبسيس» (Synopsys)، المتخصصة في برمجيات تصميم الرقائق.

«الشرق الأوسط» (كاليفورنيا)

كيف تطوّر «بلاك هات» في نسخته الرابعة عن النسخ السابقة؟

TT

كيف تطوّر «بلاك هات» في نسخته الرابعة عن النسخ السابقة؟

خالد السليم نائب الرئيس التنفيذي لقطاع الأعمال في الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز متحدثاً لـ«الشرق الأوسط» (تصوير: تركي العقيلي)
خالد السليم نائب الرئيس التنفيذي لقطاع الأعمال في الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز متحدثاً لـ«الشرق الأوسط» (تصوير: تركي العقيلي)

منذ إطلاق نسخته الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، في العاصمة السعودية الرياض، عقب النجاح الذي تحقق في فعالية «آت هاك» العام الذي قبله، شهد أكبر تجمع للأمن السيبراني في المنطقة، لحظات تحوّل لافتة، رصدها الزوّار والمهتمّون، ولاحظتها التغطيات المستمرة لـ«الشرق الأوسط»، وصولاً إلى النسخة الحالية.

يعدّ «بلاك هات» فعالية عالمية متخصصة في الأمن السيبراني، انطلقت في عام 1997، ويعد إحدى أهم المحافل العالمية لقطاع أمن المعلومات وقِبلة للمهتمين فيه، وبدأ كفعالية سنوية تقام في لاس فيغاس في الولايات المتحدة، قبل أن يجد في الرياض مستقرّاً سنويّاً لـ4 نسخ متتالية.

في النسخة الأولى من الفعالية التي ينظّمها «الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز»، الذي أنشأته السعودية لتحقيق أهدافها في تمكين مواطنيها من اكتساب الخبرات في مجال الأمن السيبراني والبرمجة لتحقيق رؤيتها الهادفة إلى تطوير كوادرها المحلية في مجالات التقنية الحديثة، إلى جانب شركة تحالف.

شهدت الفعالية مشاركة أكثر من 200 متحدث عالمي، وحضور أكثر من 250 شركة أمن سيبراني رائدة، منهم عمالقة التقنية العالميون، مثل Cisco وIBM وSpire وInfoblox، بالإضافة إلى أكثر من 40 شركة ناشئة في المجال نفسه، قبل أن تتصاعد هذه الأرقام وغيرها خلال النسخ اللاحقة.

خالد السليم نائب الرئيس التنفيذي لقطاع الأعمال في الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز متحدثاً لـ«الشرق الأوسط» (تصوير: تركي العقيلي)

«الشرق الأوسط» التقت خالد السليم، نائب الرئيس التنفيذي لقطاع الأعمال في الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز، الذي شرح بشكل مفصل، أنه «بدايةً من (آت هاك) في عام 2021 عندما بدأنا، وكان أول مؤتمر سيبراني يُقام في السعودية، وبعد النجاح الذي حققناه، استطعنا أن نستقطب (بلاك هات) نفسه من لاس فيغاس، الذي كان يقام منذ أكثر من 35 عاماً، وهذا هو العام الرابع لـ(بلاك هات) هنا، وكل عام يشهد زيادة في الحضور وعدد الشركات، وزيادة في ساعات المحاضرات».

ارتفاع عدد الشركات العالمية المشاركة بنسبة 27 في المائة

نائب الرئيس التنفيذي لقطاع الأعمال بيّن تطور «بلاك هات» في كل نسخة عن النسخ السابقة، من ناحية عدد الحضور وعدد الشركات. وأضاف السليم: «اليوم لدينا أكثر من 350 شركة محلية وعالمية من 162 دولة حول العالم، وعدد الشركات العالمية هذا العام زاد قرابة 27 في المائة عن العام الماضي».

ابتكارات جديدة في كل نسخة

السليم وضّح أن «بلاك هات» يبتكر في كل نسخة أشياء جديدة، مثل منطقة الفعاليات التي تضمّ تقريباً 10 فعاليات جديدة، بالإضافة إلى أكثر من 12 مسرحاً مع أكثر من 300 خبير في مجال الأمن السيبراني. وحول نوعية الشركات والجهات المشاركة، دلّل عليها بأن أغلب الشركات العالمية مثل «إف بي آي»، ووزارتي الداخلية والخارجية البريطانيتين، وتابع أن كل هذه الإضافات في كل نسخة «تعتبر متجددة، وكل نسخة تزيد الأرقام أكثر من النسخة التي سبقتها».

الجهات الوطنية «تؤدي عملاً تشاركياً»

وحول مساهمة «بلاك هات» في تحقيق المستهدفات الوطنية، ومنها تحقيق السعودية المرتبة الأولى في مؤشر الأمن السيبراني للتنافسية، نوّه السليم بأن الاتحاد (الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز)، والهيئة الوطنية للأمن السيبراني، والشركات السعودية في مجال الأمن السيبراني، تؤدي عملاً تشاركيّاً.

وأردف: «عندما يكون في (بلاك هات) أكثر من 300 ورشة عمل ومنطقة الفعاليات والتدريبات العملية التي تجري فيها والتدريبات المصاحبة لـ(بلاك هات) والشركات والمنتجات السعودية التي تُطرح اليوم، كلها تُساعد في رفع مستوى الأمان في المملكة، وهذا يُساعد في المؤشرات في مجال الأمن السيبراني».

واختتمت فعاليات «بلاك هات 2025»، الخميس، بجلسات استعرضت الهجمات المتطورة، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في الاستجابة للحوادث السيبرانية، كما ناقشت أحدث الاتجاهات والتقنيات التي تشكّل مستقبل الأمن السيبراني عالمياً.


بين «غوغل» و«يوتيوب»... كيف بدا المشهد الرقمي العربي في 2025؟

شكل تسارع التحول الرقمي واتساع تأثير الذكاء الاصطناعي ملامح المشهد العربي في عام 2025 (شاترستوك)
شكل تسارع التحول الرقمي واتساع تأثير الذكاء الاصطناعي ملامح المشهد العربي في عام 2025 (شاترستوك)
TT

بين «غوغل» و«يوتيوب»... كيف بدا المشهد الرقمي العربي في 2025؟

شكل تسارع التحول الرقمي واتساع تأثير الذكاء الاصطناعي ملامح المشهد العربي في عام 2025 (شاترستوك)
شكل تسارع التحول الرقمي واتساع تأثير الذكاء الاصطناعي ملامح المشهد العربي في عام 2025 (شاترستوك)

في عامٍ استثنائي اتّسم بتسارع التحوّل الرقمي واتّساع أثر الذكاء الاصطناعي وتحوّل المحتوى الرقمي إلى لغة يومية للمجتمعات، تداخلت ملامح المشهد العربي بين ما رصده بحث «غوغل» من اهتماماتٍ متصدّرة، وما كشفه «يوتيوب» عن لحظاته البارزة ومنتجاته الجديدة في الذكرى العشرين لانطلاقه. جاءت الصورة النهائية لعام 2025 لتُظهر كيف أصبح الإبداع الرقمي، بجميع أشكاله، مرآةً لنبض الشارع وعمق الثقافة وتطلعات الأجيال الجديدة.

منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بدت هذا العام أكثر ارتباطاً بالتكنولوجيا من أي وقت مضى. فقد تصدّرت أدوات الذكاء الاصطناعي قوائم البحث في «غوغل» في عدة دول عربية.

كانت «جيميناي» إلى جانب «تشات جي بي تي » و «ديب سيك» في طليعة الأدوات الأكثر بحثاً، مدفوعةً بفضول جماعي لفهم إمكانات النماذج التوليدية وتطبيقاتها الإبداعية. ولم يقتصر الأمر على التقنيات العامة، بل امتد إلى أدوات متخصصة مثل «نانو بانانا» لتحرير الصور و«فيو» لإنشاء مقاطع فيديو انطلاقاً من النصوص، ما يعكس تحوّل الذكاء الاصطناعي إلى جزء من الحياة اليومية.

يكشف «يوتيوب» عن ابتكارات جديدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتعزيز صناعة المحتوى وتحسين تجربة المشاهدة والتفاعل (شاترستوك)

الأكثر رواجاً في السعودية

وفي قلب هذا المشهد المتغير، برزت المملكة العربية السعودية بصورة لافتة، إذ كان التحول الرقمي العنوان الأبرز لاهتمامات السعوديين خلال عام 2025. فقد لجأ الأفراد إلى بحث «غوغل» لتسيير شؤونهم اليومية ضمن نمط حياة رقمي آخذ في التوسع، مع ارتفاع عمليات البحث المتعلقة بمنصات مثل قبول، وتسجيل الحرس الوطني، والمركز الوطني للقياس. وإلى جانب الإقبال على الخدمات الرقمية، حافظ الترفيه على مكانته في الأمسيات السعودية، حيث استمر مسلسل «شباب البومب 13» في جذب الأنظار، إلى جانب العمل الجديد «فهد البطل» الذي حقق انتشاراً واسعاً.

وفي السياق ذاته، أظهرت المملكة شغفاً متزايداً بتكنولوجيا المستقبل، مع اهتمام واضح بأدوات الذكاء الاصطناعي مثل «Gemini» و«Hailuo AI»، ما يعكس انفتاح المجتمع السعودي على التقنيات الحديثة وتبنّيها مبكراً.

هذا التفاعل مع التكنولوجيا لم يقتصر على السعودية، بل امتد إلى دول عربية أخرى بطرق متعددة. ففي العراق، تصدرت مباريات المنتخب الوطني واجهة البحث إلى جانب بروز أسماء إعلامية ومحتوى رقمي مؤثر. وفي الأردن وسوريا وفلسطين، ظل التعليم والخدمات العامة والدراما المحلية والرياضة في مقدمة الاهتمامات، لتبقى هذه المجتمعات متفاعلة مع مستجدات الحياة رغم اختلاف السياقات والتحديات. أما المغرب والجزائر، فحافظا على حضور كرة القدم في صدارة المشهد، إلى جانب انتشار الأدوات الذكية والأعمال الدرامية ونجاحات الإنتاجات العالمية.

أدوات الذكاء الاصطناعي مثل «جيميناي» و«شات جي بي تي» تصدّرت عمليات البحث في عدة دول عربية (شاترستوك)

من «غوغل» إلى «يوتيوب»

هذه الديناميكية الرقمية امتدت بقوة إلى «يوتيوب»، الذي اختار عامه العشرين ليقدّم أول «ملخص مشاهدة شخصي» عالمي، يسمح للمستخدمين باستعادة أبرز لحظاتهم عبر المنصة. وقد عكس هذا الإصدار فهماً عميقاً لطبيعة الجمهور العربي، الذي أظهر تفاعلاً كبيراً مع المواسم الثقافية كرمضان وعيد الأضحى، وناقش قضايا الذكاء الاصطناعي، وتابع بشغف نجوم كرة القدم العالميين مثل لامين يامال ورافينيا. كما حققت الأعمال الدرامية والأنمي والألعاب من «لعبة الحبّار» (Squid Game) إلى«Blue Lock» و«Grow a Garden» انتشاراً واسعاً، ما يعكس تنوع أذواق الجمهور واتساع رقعة التأثير الثقافي الرقمي.

وبرز عربياً هذا العام صعود لافت لصنّاع المحتوى، وفي مقدمتهم الفلسطيني أبو راني الذي تصدّر القوائم إقليمياً واحتل المرتبة الثانية عالمياً بعد «Mr. Beast» بمحتوى بسيط وواقعي يوثق تفاصيل الحياة اليومية في غزة.

وعلى مستوى الموسيقى، احتلت أغنية «خطية» لبيسان إسماعيل وفؤاد جنيد المرتبة الأولى، مؤكدة الدور المتصاعد لمنشئي المحتوى في تشكيل الذوق الفني الرقمي.

وإلى جانب رصد الظواهر، كشف «يوتيوب» خلال فعالية «Made on YouTube» عن سلسلة ابتكارات جديدة تستشرف مستقبل صناعة المحتوى. فقد بدأ دمج نموذج «Veo 3 Fast» لتمكين منشئي «شورتس» من تصميم خلفيات ومقاطع عالية الجودة مجاناً، وإضافة الحركة إلى المشاهد بمرونة غير مسبوقة. كما ستتيح ميزة «التعديل باستخدام الذكاء الاصطناعي» تحويل المقاطع الأولية إلى مسودة جاهزة، فيما تضيف ميزة «تحويل الكلام إلى أغنية» بعداً إبداعياً جديداً لمنشئي المحتوى الشباب.

وفي خطوة لتقوية البنية الإبداعية، أعلن «يوتيوب» عن تحسينات واسعة في «استوديو YouTube» تشمل أدوات تعاون بين صناع المحتوى واختبارات «A/B » للعناوين وترقيات تجعل الاستوديو منصة استراتيجية لتطوير المحتوى. كما يجري العمل على توسيع أداة «رصد التشابه» التي تساعد على متابعة الفيديوهات التي ينشئها الذكاء الاصطناعي باستخدام وجوه مشابهة لصناع المحتوى، وهي خطوة مهمة في زمن تتداخل فيه حدود الهوية الرقمية مع الإبداع الاصطناعي.

اهتمامات البحث تنوعت عربياً بين التعليم والرياضة والدراما والأدوات التقنية بحسب سياق كل دولة (أدوبي)

ماذا عن المشاهدات؟

على صعيد المشاهدة، فقد شهد المحتوى المباشر نمواً استثنائياً، إذ إن أكثر من 30 في المائة من مستخدمي «يوتيوب» شاهدوا بثاً مباشراً يومياً في الربع الثاني من عام 2025. لذلك تطلق المنصة أكبر تحديث لأدوات البث الحي لتعزيز تفاعل الجمهور وتوسيع قاعدة المشاهدين وزيادة مصادر الدخل. وفي المجال الموسيقي، تحمل «YouTube Music» ميزات جديدة مثل العد التنازلي للإصدارات وخيارات حفظ المفضلات مسبقاً، فيما تعمل المنصة على أدوات تربط الفنانين بمعجبيهم عبر محتوى حصري وتجارب مخصصة.

كما تتوسع فرص التعاون بين العلامات التجارية وصناع المحتوى، مع ميزات جديدة في «التسوق على يوتيوب» تشمل الروابط المباشرة داخل «شورتس» وإدراج مقاطع العلامات التجارية بسهولة أكبر، مدعومةً بإمكانات الذكاء الاصطناعي لتسهيل الإشارة إلى المنتجات وتوسيع الأسواق المتاحة.

في هذا المشهد المتفاعل بين «غوغل» و«يوتيوب» والجمهور العربي، يتضح أن المنطقة تعيش مرحلة جديدة يتقاطع فيها الذكاء الاصطناعي مع الإبداع الإنساني، ويتحوّل فيها المحتوى الرقمي إلى منصة للتعبير الجماعي وبناء المجتمعات وصياغة الاتجاهات الثقافية. وبين البحث والاستهلاك والإنتاج، يستمر عام 2025 في رسم ملامح عقدٍ مقبل يعد بأن يكون الأكثر ثراءً وتحولاً في تاريخ المحتوى العربي الرقمي.


شريحة دماغية تُمكّن المرضى من تحريك أطراف روبوتية بمجرد التفكير

منصة «إكس»
منصة «إكس»
TT

شريحة دماغية تُمكّن المرضى من تحريك أطراف روبوتية بمجرد التفكير

منصة «إكس»
منصة «إكس»

أعلنت شركة «نيورالينك»، التابعة لإيلون ماسك، أنّ شريحتها المزروعة في الدماغ باتت قادرة على مساعدة المرضى في تحريك أطراف روبوتية باستخدام الإشارات العصبية، في خطوة تُعد من أبرز التطورات في مجال الواجهات العصبية الحاسوبية، وفقاً لموقع «يورونيوز».

ويأتي هذا التقدّم في حين لا يزال الجهاز في مرحلة التجارب السريرية؛ إذ تتركّز الاختبارات على مستويات الأمان ووظائف الشريحة لدى الأشخاص الذين يعانون من أمراض وإصابات تحدّ من قدرتهم على الحركة.

وفي مقطع فيديو نشرته الشركة على منصة «إكس»، ظهر المريض الأميركي روكي ستاوتنبرغ، المصاب بالشلل منذ عام 2006، وهو يحرك ذراعاً روبوتية مستخدماً أفكاره فقط، قبل أن يرفع الذراع إلى وجهه ويقبّلها في مشهد لافت.

وقالت «نيورالينك» في بيان عبر المنصة إن «المشاركين في تجاربنا السريرية تمكنوا من توسيع نطاق التحكم الرقمي ليشمل أجهزة فيزيائية مثل الأذرع الروبوتية المساعدة»، مشيرة إلى أن الشركة تخطط لـ«توسيع قائمة الأجهزة التي يمكن التحكم بها عبر الشريحة مستقبلاً».

وتهدف هذه التقنية إلى مساعدة المرضى المصابين بالشلل على استخدام أجهزتهم الشخصية واستعادة جزء من قدرتهم على الحركة، من خلال واجهة تُعرَف بـ«واجهة الدماغ والحاسوب» (BCI)، وهي تقنية قادرة على تفسير الإشارات الصادرة عن الدماغ وتحويلها إلى أوامر رقمية.

وبحسب الشركة، فقد جرى منذ يناير (كانون الثاني) الماضي زرع الشريحة في 12 مريضاً حتى سبتمبر (أيلول) 2024. وكان أول المشاركين يعاني من شلل ناتج عن إصابة في الحبل الشوكي، واستطاع بفضل الشريحة تشغيل ألعاب الفيديو ولعبة الشطرنج بواسطة التفكير.

ويعاني باقي المتطوعين إما من إصابات في الحبل الشوكي أو من التصلب الجانبي الضموري (ALS)، وهو مرض يؤدي تدريجياً إلى فقدان القدرة على التحكم في عضلات الجسم.

وكشف ماسك أن أكثر من 10 آلاف شخص سجّلوا أسماءهم في سجل المرضى لدى «نيورالينك» على أمل المشاركة في التجارب المستقبلية.

وتعد «نيورالينك» واحدة من عدة شركات تعمل في مضمار تطوير واجهات الدماغ الحاسوبي، في حين تشير بيانات التجارب السريرية الأميركية إلى أن تقنيات مماثلة يجري اختبارها لمساعدة المصابين بالشلل الدماغي، والخرف، والجلطات الدماغية، وغيرها من الحالات الصحية المعقدة.