تباين صيني - روسي إزاء «القبة الذهبية» الأميركية

بكين اتّهمت ترمب بـ«تقويض الاستقرار العالمي»... وموسكو عدّت المشروع «شأناً سيادياً»

تبلغ تكلفة برنامج «القبة الذهبية» 175 مليار دولار (أ.ب)
تبلغ تكلفة برنامج «القبة الذهبية» 175 مليار دولار (أ.ب)
TT

تباين صيني - روسي إزاء «القبة الذهبية» الأميركية

تبلغ تكلفة برنامج «القبة الذهبية» 175 مليار دولار (أ.ب)
تبلغ تكلفة برنامج «القبة الذهبية» 175 مليار دولار (أ.ب)

كشف الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن خطط بناء درع صاروخية تحت اسم «القبة الذهبية»، بهدف حماية الولايات المتحدة من هجمات خارجية، مؤكداً أنها ستدخل الخدمة في غضون ثلاث سنوات. وأعلن ترمب، الثلاثاء، تخصيص 25 مليار دولار تمويلاً أولياً للمشروع، مضيفاً أن كلفته الإجمالية قد تصل إلى نحو 175 ملياراً.

وجاءت الردود الصينية والروسية متباينة حيال إعلان ترمب. فبينما حذّرت من أن المشروع «يقوض الاستقرار العالمي» واتّهمت الولايات المتحدة بإشعال سباق تسلح، اكتفى الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف بالقول إن المشروع «يتعلق بالسيادة الأميركية». وأضاف بيسكوف أنه «في المستقبل القريب، سيتطلب مسار الأحداث استئناف الاتصالات بهدف استعادة الاستقرار الاستراتيجي» بين واشنطن وموسكو.

درع صاروخية متطوّرة

وقال ترمب في البيت الأبيض: «خلال الحملة الانتخابية، وعدت الشعب الأميركي بأنني سأبني درعاً صاروخية متطورة جداً»، وأضاف: «يسُرّني اليوم أن أعلن أننا اخترنا رسمياً هيكلية هذه المنظومة المتطورة». وأوضح: «ستكون القبة الذهبية قادرة على اعتراض الصواريخ حتى لو أُطلقت من جوانب أخرى من العالم، وحتى لو أُطلقت من الفضاء. إنها مهمة جداً لنجاح بلدنا ولبقائه أيضاً».

وأشار الرئيس الأميركي إلى أن الجنرال مايكل غيتلاين من قوة الفضاء الأميركية سيترأس المشروع، مضيفاً أن كندا أعربت عن اهتمامها بالمشاركة فيه لأنها «تريد الحصول على الحماية أيضاً». لكن فيما قال ترمب إن الكلفة الإجمالية للمشروع هي 175 مليار دولار، قدّر مكتب الميزانية في الكونغرس كلفة الصواريخ الاعتراضية للتصدي لعدد محدود من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات بين 161 مليار دولار و542 ملياراً على مدى عشرين عاماً.

وللقبة الذهبية أهداف أوسع، إذ قال ترمب إنها «ستنشر تقنيات الجيل المقبل براً وبحراً وعبر الفضاء، بما في ذلك أجهزة الاستشعار الفضائية والصواريخ الاعتراضية».

بدوره، أوضح وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث متحدثاً إلى جانب ترمب، أن هذه المنظومة تهدف إلى حماية «البلاد من صواريخ كروز والصواريخ الباليستية والصواريخ الفرط صوتية، سواء كانت تقليدية أو نووية».

روسيا تُخفّف انتقاداتها

عند توقيع ترمب، في نهاية يناير (كانون الثاني)، على مرسوم لبناء «قبة حديدية أميركية»، تكون درعاً دفاعية متكاملة مضادة للصواريخ، وجّهت كلّ من روسيا والصين انتقادات حادّة لواشنطن. ورأت روسيا وقتها أن المشروع «أشبه بحرب النجوم»، في إشارة إلى المصطلح الذي استُخدم للدلالة على مبادرة الدفاع الاستراتيجي الأميركي في عهد الرئيس رونالد ريغان إبان الحرب الباردة. كما انتقدت موسكو وبكين، في وقت سابق من الشهر الحالي، مفهوم القبة الذهبية، وعدّتا أنه «مزعزع للاستقرار» وقالتا إنه يهدد بتحويل الفضاء إلى «ساحة حرب». وجاء في بيان نشره الكرملين بعد محادثات بين الجانبين أن المشروع «ينص بشكل واضح على تعزيز كبير للترسانة اللازمة لمعارك في الفضاء».

إلا أن روسيا خفّفت بشكل ملموس من حدّة انتقاداتها، بعد الاتصال الثالث بين الرئيس الأميركي ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، الاثنين. وقال بيسكوف، لصحافيين، الأربعاء، إن «هذا شأن يتعلق بالسيادة الأميركية. إذا كان تقدير الأميركيين يؤشر إلى وجود تهديد باليستي، فسيقومون بطبيعة الحال بتطوير نظام دفاع صاروخي». وأضاف: «في المستقبل القريب، سيتطلب مسار الأحداث استئناف الاتصالات بهدف استعادة الاستقرار الاستراتيجي» بين واشنطن وموسكو، مشيراً إلى أن التواصل بشأن التوازن الاستراتيجي بين القوتين النوويتين يجب أن يستأنف «لمصلحة البلدين ومصلحة الأمن العالمي».

فكرة تستلهم «حرب النجوم»

وتستلهم فكرة القبة الذهبية مبادرة الدفاع الاستراتيجي الأميركي في عهد الرئيس رونالد ريغان، إبان الحرب الباردة، التي لُقّبت من طرف منتقديها بـ«حرب النجوم». ودفع ريغان بفكرة توفير مظلة دفاعية ضد الصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية. وفي ذلك الوقت، عدّ الخبراء الفكرة غير قابلة للتنفيذ.

ويقول قادة البنتاغون إن التكنولوجيا أصبحت متقدمة بما يكفي لبناء قبة غير مرئية، واقية من الرادارات الفضائية والصواريخ وأسلحة الليزر. وحالياً، تستخدم الولايات المتحدة نظام دفاع صاروخي متعدد الطبقات، يُعرف باسم نظام القيادة والتحكم وإدارة المعارك والاتصالات (C2BMC) الذي يستخدم الرادار لاكتشاف الصواريخ القادمة وإطلاق الصواريخ الاعتراضية، إضافة إلى تقنيات دفاعية عالية مثل بطاريات ثاد لاعتراض الصواريخ الباليستية، وبطارية باتريوت لاعتراض صواريخ كروز.

من سيبني «القبة الذهبية»؟

تتنافس شركات دفاعية وشركات التقنية الرفيعة المستوى، بما في ذلك شركة «سبيس إكس» التابعة لإيلون ماسك، على بناء درع القبة الذهبية، حيث تقدمت هذه الشركات بعروضها مباشرةً إلى وزير الدفاع بيت هيغسيث. لكن الخبراء أعربوا أيضاً عن شكوكهم بشأن الإطار الزمني والتكلفة اللذين حدّدهما البيت الأبيض، وأيضاً بشأن جدوى مثل هذا المشروع.

وقدّم البنتاغون خيارات «صغيرة ومتوسطة وكبيرة» إلى البيت الأبيض لتطوير القبة الذهبية. ولم يحدد ترمب خياراً نهائياً يوم الثلاثاء، لكنه قال إنهم «اختاروا تصميماً لهذا النظام المتطور». وأعرب مسؤولون عسكريون عن شكوكهم في تقديرات الإدارة للتكلفة ووقت البناء، مشيرين إلى أن إنشاء هذا النظام قد يستغرق من 7 إلى 10 سنوات، وقد يتكلف مئات المليارات، وقد لا يكون قادراً إلا على حماية المباني الفيدرالية الحيوية والمدن الكبرى.


مقالات ذات صلة

واشنطن تُخاطر بالتحوّل من حليف للاتحاد الأوروبي إلى خصم

حصاد الأسبوع الرئيس الأوكراني فولودمير زيلينسكي محاطاً بقادة أوروبيين ومفاوضين أميركيين في برلين يوم 15 ديسمبر 2025 (أ.ب)

واشنطن تُخاطر بالتحوّل من حليف للاتحاد الأوروبي إلى خصم

شهدت العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في عهد دونالد ترمب، بولايته الثانية، تحوّلاً نوعياً وعميقاً، انتقلت فيه القارة الأوروبية من موقع الشريك الاستراتيجي التقليدي إلى هدف سياسي معلن في الخطاب الأميركي الجديد. لم يعد البيت الأبيض يقدّم الاتحاد الأوروبي بوصفه ركيزة للنظام الغربي، بل كعبءٍ حضاري وأمني واقتصادي يحتاج إلى «تصحيح» جذري في البنية والسياسات والقيادة. هذا التغيّر في الرؤية لم يبقَ حبيس اللغة الدبلوماسية، بل خرج في الأسابيع الأخيرة إلى العلن عبر تصريحات نارية من واشنطن وتسريبات لأخبار ووثائق أثارت قلق بروكسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
المشرق العربي وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)

سوريا تؤكد التزامها «الثابت» بمكافحة تنظيم «داعش»

أكدت سوريا، اليوم، التزامها الثابت بمكافحة تنظيم «داعش»، مشيرة إلى أنها ستواصل تكثيف العمليات العسكرية ضد التنظيم في جميع المناطق التي يهددها.

الولايات المتحدة​ رياضيون يجدفون في نهر تشارلز أمام حرم جامعة «هارفارد» بماساتشوستس (أ.ف.ب) play-circle

ترمب يستأنف أمراً قضائياً بإعادة تمويل جامعة هارفارد

استأنفت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمراً قضائياً أعاد إلى حد كبير التمويل الذي قطعته عن جامعة هارفارد، على خلفية اتهامات بتفشي معاداة السامية.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الولايات المتحدة​ صورة وزعتها لجنة الرقابة بمجلس النواب الأميركي تُظهر الرئيس ترمب مع جيفري إبستين وقد نشرها الديمقراطيون في اللجنة في واشنطن (رويترز) play-circle

إدارة ترمب تبدأ نشر جزء من ملف إبستين بعد أشهر من المماطلة

بدأت وزارة العدل الأميركية، الجمعة، نشر ملفات طال انتظارها تتعلق بالتحقيق في قضية الاتجار بالجنس التي تورط فيها جيفري إبستين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يترأس اجتماعاً مع كبار مسؤولي الأمن والدفاع الروس في مقر إقامة الدولة نوفو - أوغاريوفو خارج موسكو 12 أغسطس 2024 (أ.ب) play-circle

بوتين: قدمنا تنازلات مهمة والكرة في ملعب الأطراف الأخرى

بوتين: موسكو لم ترفض خطة السلام التي اقترحها الرئيس الأميركي وقدمت «تنازلات مهمة»، متهماً الأوروبيين بعرقلة مسار السلام، عادّاً أن «الكرة باتت في ملعبهم».

رائد جبر (موسكو)

روبيو: فنزويلا تتعاون مع إيران و«حزب الله»

طائرة عسكرية أميركية من طراز «سي 17 غلوب ماستر» في بورتوريكو (رويترز)
طائرة عسكرية أميركية من طراز «سي 17 غلوب ماستر» في بورتوريكو (رويترز)
TT

روبيو: فنزويلا تتعاون مع إيران و«حزب الله»

طائرة عسكرية أميركية من طراز «سي 17 غلوب ماستر» في بورتوريكو (رويترز)
طائرة عسكرية أميركية من طراز «سي 17 غلوب ماستر» في بورتوريكو (رويترز)

تواصل الولايات المتحدة تصعيدَها ضد فنزويلا، إذ لوَّح الرئيس دونالد ترمب مجدداً بالدخول في حرب معها فيما اتَّهمها وزير خارجيته، ماركو روبيو، بالتعاون مع إيران و«حزب الله».

وقال ترمب خلال مقابلة مع شبكة (​إن. بي. سي نيوز) نشرت أمس، إنَّه يترك احتمال الحرب مع فنزويلا مطروحاً على الطاولة. وأضاف في المقابلة عبر الهاتف: «لا أستبعد ذلك، ‌لا».

بدوره، اتَّهم روبيو «النظام غير الشرعي» في فنزويلا بـ«التعاون مع المجرمين الذين يهدّدون أمننا القومي». وقال روبيو إنَّ نظام الرئيس نيكولاس مادورو «يتعاون مع إيران و(حزب الله) وعصابات تهريب المخدرات».

وسط هذا التصعيد اقترح كلٌّ من الرئيس البرازيلي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، والرئيسة المكسيكية، كلوديا شينباوم، القيامَ بوساطة في الأزمة بين واشنطن وكراكاس.


ترمب يستأنف أمراً قضائياً بإعادة تمويل جامعة هارفارد

رياضيون يجدفون في نهر تشارلز أمام حرم جامعة «هارفارد» بماساتشوستس (أ.ف.ب)
رياضيون يجدفون في نهر تشارلز أمام حرم جامعة «هارفارد» بماساتشوستس (أ.ف.ب)
TT

ترمب يستأنف أمراً قضائياً بإعادة تمويل جامعة هارفارد

رياضيون يجدفون في نهر تشارلز أمام حرم جامعة «هارفارد» بماساتشوستس (أ.ف.ب)
رياضيون يجدفون في نهر تشارلز أمام حرم جامعة «هارفارد» بماساتشوستس (أ.ف.ب)

استأنفت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمراً قضائياً أعاد إلى حد كبير التمويل الذي قطعته عن جامعة هارفارد، على خلفية اتهامات بتفشي معاداة السامية والانحياز في المؤسسة المرموقة.

ومنذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني) الماضي، اتّهم ترمب عمداء جامعات أميركية بالضلوع في نشر آيديولوجيا «اليقظة» (ووك)، وهو مصطلح كثيراً ما يستخدمه المحافظون للإساءة إلى الأفكار التقدمية.

كذلك، اتهمت إدارته هذه الجامعات بعدم توفير الحماية الكافية للطلاب اليهود أو الإسرائيليين أثناء الاحتجاجات التي جرت في جامعاتهم للمطالبة بوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.

وبناءً على ذلك، جمّدت ما يزيد قليلاً على 2.6 مليار دولار من المنح الفيدرالية لهارفارد، تشمل الرعاية الصحية، وألغت شهادة «سيفيس» التي يتم عبرها السماح للطلاب الأجانب بالدراسة في الولايات المتحدة.

وفي سبتمبر (أيلول)، أمرت قاضية في بوسطن بإلغاء قرار تجميد التمويلات، «باعتبارها تنتهك التعديل الأول» من الدستور.

وفي مذكرة موجزة للمحكمة في وقت متأخر، الخميس، كتب محامو الإدارة الأميركية أنّ «المدعى عليهم يستأنفون (الحكم) أمام محكمة استئناف أميركية...»، ولم يتم تحديد موعد لجلسة الاستماع أمام الاستئناف.

وشكل الطلاب الدوليون 27 في المائة من إجمالي عدد الطلاب المسجّلين في جامعة هارفارد للعام الدراسي 2024 - 2025، وهم مصدر رئيسي لدخلها.


الأمم المتحدة تندد بالعقوبات الأميركية على قاضيين بالجنائية الدولية

مقر «المحكمة الجنائية الدولية»... (أ.ف.ب)
مقر «المحكمة الجنائية الدولية»... (أ.ف.ب)
TT

الأمم المتحدة تندد بالعقوبات الأميركية على قاضيين بالجنائية الدولية

مقر «المحكمة الجنائية الدولية»... (أ.ف.ب)
مقر «المحكمة الجنائية الدولية»... (أ.ف.ب)

نددت الأمم المتحدة، الجمعة، بالعقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب على قاضيين في المحكمة الجنائية الدولية بسبب تحقيقات تتعلق بإسرائيل، عادّة ذلك يشكل تصعيداً في «التدابير الانتقامية» بحق المؤسسات الدولية.

والقاضيان المعنيان، الجورجي غوتشا لورديكيباندزه والمنغولي إردينيبالسورن دامدين، كانا قد صوتا الأسبوع الحالي ضد طعن تقدمت به إسرائيل لإغلاق تحقيق في جرائم حرب في غزة.

وتأتي هذه الإجراءات ضمن سلسلة عقوبات أميركية طالت سابقاً تسعة قضاة ومدعين في المحكمة على خلفية التحقيق في جرائم حرب تتهم إسرائيل بارتكابها في قطاع غزة، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

ونشر مكتب المفوض الأممي السامي لحقوق الإنسان، على منصة «إكس»، أن «العقوبات (...) تمثل تصعيداً جديداً في التدابير الانتقامية من المؤسسات الدولية».

وترتبط العقوبات بقرار المحكمة الجنائية الدولية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 إصدار مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وقال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إن القاضيين المشمولين بالعقوبات صوتا هذا الأسبوع لصالح الإبقاء على مذكرتي التوقيف.

وفي يوليو (تموز)، فرضت واشنطن عقوبات أيضاً على فرانشيسكا ألبانيزي المقررة الخاصة للأمم المتحدة لشؤون حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بعد اتهامها المتكرر لإسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة.

وأكد مكتب المفوض الأممي أن «العقوبات على قضاة أو مدعين أو خبراء بالأمم المتحدة تتعارض مع سيادة القانون وإدارة العدالة».