​تقرير حقوقي: الحوثيون استغلوا حرب غزة للتوسع في تجنيد الأطفال

إغراءات مالية ومعنوية والتركيز على المناطق الفقيرة

تحت ادعاء مناصرة قطاع غزة تنفذ الجماعة الحوثية حملات واسعة لاستقطاب المقاتلين خصوصاً من الأطفال (أ.ف.ب)
تحت ادعاء مناصرة قطاع غزة تنفذ الجماعة الحوثية حملات واسعة لاستقطاب المقاتلين خصوصاً من الأطفال (أ.ف.ب)
TT

​تقرير حقوقي: الحوثيون استغلوا حرب غزة للتوسع في تجنيد الأطفال

تحت ادعاء مناصرة قطاع غزة تنفذ الجماعة الحوثية حملات واسعة لاستقطاب المقاتلين خصوصاً من الأطفال (أ.ف.ب)
تحت ادعاء مناصرة قطاع غزة تنفذ الجماعة الحوثية حملات واسعة لاستقطاب المقاتلين خصوصاً من الأطفال (أ.ف.ب)

خمسة أشهر فقط كانت المدة بين التحاق الطفل اليمني محمد ديان، بمخيمات الحوثيين تحت اسم مساندة قطاع غزة ومقتله في معارك ضد الجيش اليمني في منطقة ميدي التابعة لمحافظة حجة (شمال غرب)، إذ أسهمت الحالة المعيشية المتدهورة لعائلته وانقطاعه عن التعليم في سقوطه ضحية هذه المزاعم الحوثية.

ويعد ديان، وهو اسم مستعار، واحداً من بين 10 أطفال و20 شاباً ينتمون إلى قرية الأدبعة في مديرية مبين التابعة لمحافظة حجة (شمال غرب)، التحقوا بصفوف الجماعة الحوثية تحت المبرر نفسه، قبل أن يسقط قتيلاً في 5 من مايو (أيار) الماضي، وهو المصير الذي قاده إليه إغراء القادة الحوثيين له وأقرانه بالحصول على مصدر دخل، إلى جانب مساندة غزة، وفقاً لتقرير حقوقي.

طفل جندته الجماعة الحوثية يحرس مظاهرة لها ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها العسكرية (غيتي)

تمكن الحوثيون من تجنيد ديان من خلال أحد قياداتهم الذي أبلغه عند مصادفته في ساحة القرية بالاستعداد للانتقال إلى فلسطين، وكانت سعادة الطفل كبيرة لرغبته في أن يحمل السلاح ويتفاخر به أمام أقرانه، وفي منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي جرى نقله رفقة آخرين إلى أحد معسكرات التدريب، بعد محاضرات في مسجد القرية، امتدت لثلاثة أيام.

ويقول التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان (رصد) إن العطلة الصيفية التي انتهت مبكراً في مناطق سيطرة الحوثيين، شهدت استهدافاً واسعاً للأطفال من خلال الدعاية للمخيمات التدريبية لـ«نصرة غزة»، التي أسهمت فيها مراكز تجنيد تشرف عليها ما تعرف بالهيئة الإشرافية للتعبئة العامة والتحشيد، والتي تتبعها فروع في كل المدن الواقعة تحت سيطرة الجماعة الحوثية.

وتقع هذه المعسكرات تحت إدارة مشرفي الجماعة في المحافظات ومسؤولي التجنيد، إلا أن أماكنها تحاط بسرية مطلقة، وينقل إليها الأطفال ويكونون معصوبي الأعين»، وفقاً لفريق التحالف الحقوقي.

إلى جانب غسل الأدمغة تدفع الجماعة الحوثية العائلات للفخر بأبنائها بوصفهم مقاتلين أو ضحايا (غيتي)

ويؤكد فريق الرصد التابع للتحالف اليمني لرصد الانتهاكات أن أهالي قرية الأدبعة ويعمل معظمهم في الزراعة لا يتبنون فكرة التجنيد أو يؤيدونها رغم تعاطفهم الشديد مع الفلسطينيين، إلا أن جهود التحشيد والتجنيد المغلفة بالخطاب الديني دفعت بعضهم للاقتناع والدفع بأبنائهم للقتال.

تحشيد واسع

يذهب المشرفون الحوثيون المسؤولون على التحشيد والتعبئة إلى المناطق الريفية بأنفسهم، ويعقدون محاضرات تثقيفية لتشجيع الأطفال على الانضمام لمعسكراتهم، ويقدمون لهم عروضاً مالية مثل الرواتب والسلال الغذائية لعائلاتهم التي تعاني من تدهور الوضع المعيشي.

ويوضح مطهر البذيجي، الرئيس التنفيذي للتحالف الحقوقي، لـ«الشرق الأوسط» أن عمليات الرصد والتوثيق لانتهاكات تجنيد الأطفال «تتم عبر راصدين وباحثين ميدانيين، ومن خلال إجراء المقابلات مع ذوي الضحايا والشهود، وكذلك من خلال الرصد من المصادر المفتوحة والإنترنت وإعلام الحوثيين، وما ينشر من أخبار وفيديوهات خاصة بتجنيد الأطفال.

يسهم تدهور التعليم وتسرب الأطفال منه في الزج بهم بمعارك الحوثيين بحثاً عن مصدر دخل (رويترز)

ويضيف أن الجماعة الحوثية «استخدمت المدارس والمساجد والمراكز الصيفية للذكور، واتضح أن لديها قدرة فائقة على استقطاب وتجنيد الأطفال عبر سلسلة من المشرفين، من شيوخ القبائل ومسؤولي الحارات، وسخَّرت من أجل ذلك كثيراً من الأموال لتسهيل عملهم في التأثير على الأطفال».

ويبين البذيجي أن الجماعة «استغلت الحرب في غزة، خصوصاً منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وزجت بالآلاف الأطفال عبر دورات تدريبية مكثفة استمرت لثلاثة أشهر، بعدد دورتين على الأقل في مدن سيطرتها، واستخدمت الدعاية المكثفة للحرب في غزة، واستفادت منها لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الأطفال؛ تمهيداً لإرسالهم للجبهات المختلفة تحت ذريعة الحرب ضد إسرائيل، ونصرة لغزة وفلسطين».

واستغلت الجماعة الردود العسكرية الغربية على هجماتها في البحر الأحمر، لتواصل التجنيد بمبرر محاربة إسرائيل وأميركا وبريطانيا، وتمكنت من التأثير على كثير من العائلات، خصوصاً في المناطق الريفية الفقيرة، والتي تعاني من محدودية التعليم، وهو ما أسهم في زيادة أعداد من تم إغراؤهم بالانضمام للمعسكرات.

إغراءات معنوية

تمكن التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان من رصد سقوط 31 قتيلاً من الأطفال الذين تم تجنيدهم تحت ذريعة مناصرة الفلسطينيين، ومن أولئك الطفل الذي رمز إلى اسمه بالحرفين (م ق)، الذي قُتل في ظروف غامضة، بعد استدراجه خلال حملة تحشيد وتجنيد واسعة في مديرية بني حشيش في محافظة صنعاء أواخر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، التي تولاها القيادي فايز الحنمي.

وتمكن أحد القادة الحوثيين من إقناع والد الطفل (م ق) بتجنيد طفله لنصرة غزة، الأمر الذي سيسهم في رضا المشرف الحوثي في منطقته عنه، ليهتم بوضع عائلته ضمن أولويات المساعدات الإنسانية التي تقدمها المنظمات الأممية والدولية.

الحوثيون يستدرجون الأطفال للتجنيد بصفتهم الفئة الأكثر عند غسل الأدمغة وعرض الإغراءات (أ.ف.ب)

وبعد أكثر من أسبوعين من التدريب نقل الطفل مع مشاركين آخرين في الدورة القتالية إلى إحدى الجبهات، إلا أنه سقط قتيلاً بعد أيام من تجنيده، في ظروف غامضة، ولم يتم إبلاغ عائلته بمصيره إلا بعد ثلاثة أيام من مقتله في الجبهة.

وينقل التحالف الحقوقي عن شهود من أهالي المنطقة أن القادة الحوثيين عملوا على مواساة والد الطفل ودفعه للشعور بالفخر وتجاوز صدمة فقدان ولده، وشاركوا في تشييعه بأنفسهم، فيما يظنون أنها وسيلة لإغراء بقية الآباء بدفع أطفالهم إلى الجبهات.

وتستغل الجماعة الإذاعات المدرسية بشكل مكثف منذ أكتوبر الماضي للتحريض على الجهاد نصرة لغزة، إلى جانب الندوات في المساجد، والتحشيد عن طريق شيوخ القبائل.

ويرى الباحث اليمني صادق الوصابي أن الجماعة الحوثية تمكنت من استغلال الزخم الإعلامي الذي تحظى به بسبب العمليات العسكرية التي تقوم فيها في البحر الأحمر لتجنيد الأطفال، بعد تعريضهم لعمليات غسل أدمغة من قبل القادة والمشرفين.

ونوه الوصابي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن الدعاية الحوثية مؤثرة بحكم ضخامتها وكيفية إدارتها، واستغلالها مشاعر اليمنيين وتعاطفهم الدائم مع القضية الفلسطينية.


مقالات ذات صلة

اليمن: تصاعد الانتهاكات في مناطق سيطرة الانقلابيين

العالم العربي دورية حوثية في أحد شوارع صنعاء (إ.ب.أ)

اليمن: تصاعد الانتهاكات في مناطق سيطرة الانقلابيين

صعَّدت الجماعة الحوثية انتهاكاتها ضد اليمنيين بالتزامن مع اعترافها بتلقي مئات الشكاوى من تعسف عناصرها الأمنيين في صنعاء وغيرها من المناطق الخاضعة لها

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي حكومة الانقلاب الحوثي الجديدة صدمت السكان بتجاهلها رواتب الموظفين (إعلام حوثي)

رواتب الموظفين خارج اهتمامات حكومة الانقلاب الحوثية

وجَّهت الحكومة الانقلابية غير المعترف بها التي شكلها الحوثيون صدمة لسكان مناطق سيطرتها، بتجاهلها الحديث عن رواتب مئات الآلاف من الموظفين المقطوعة منذ 8 أعوام.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي مركز الملك سلمان للإغاثة أبرز الممولين لبرامج مكافحة سوء التغذية في اليمن (الأمم المتحدة)

حالات سوء تغذية حرجة لأول مرة في المناطق اليمنية المحررة

أطلقت أربع منظمات أممية تحذيراً من الزيادة الحادة في سوء التغذية بين السكان بمناطق سيطرة الحكومة اليمنية وقالت إن مناطق الساحل الغربي تعاني مستويات حرجة

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي العليمي يعود إلى عدن ويشدد على مواجهة تحديات الاقتصاد والإرهاب

العليمي يعود إلى عدن ويشدد على مواجهة تحديات الاقتصاد والإرهاب

شدد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني على توحيد الصف لمواجهة التحديات التي تواجهها الشرعية وفي مقدمها الاقتصاد والتنظيمات الإرهابية غداة هجوم في أبين.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي منظر لمجرى مياه الفيضانات بعد هطول الأمطار في صنعاء (رويترز)

متضررو السيول في اليمن يصلون إلى 180 ألف فرد

كشفت بيانات حديثة وزعتها الأمم المتحدة عن ارتفاع عدد الأشخاص الذين تضرروا من السيول والأمطار التي ضربت اليمن الأسبوع الماضي إلى 180 ألف شخص.

محمد ناصر (تعز)

العليمي يعود إلى عدن ويشدد على مواجهة تحديات الاقتصاد والإرهاب

العليمي يعود إلى عدن ويشدد على مواجهة تحديات الاقتصاد والإرهاب
TT

العليمي يعود إلى عدن ويشدد على مواجهة تحديات الاقتصاد والإرهاب

العليمي يعود إلى عدن ويشدد على مواجهة تحديات الاقتصاد والإرهاب

شدد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي على ضرورة توحيد الصف لمواجهة التحديات التي تواجهها الشرعية، وفي مقدمها الاقتصاد والتنظيمات الإرهابية، وذلك غداة هجوم انتحاري في محافظة أبين أدى إلى مقتل 16 جندياً ونحو 18 جريحاً.

تصريحات العليمي جاءت، السبت، بعد عودته إلى مدينة عدن، حيث العاصمة المؤقتة للبلاد، قادماً من السعودية؛ حيث أجرى فيها سلسلة لقاءات ومشاورات مع الفاعلين الإقليميين والدوليين.

وتطرقت اللقاءات - بحسب الإعلام الرسمي - إلى مستجدات الوضع اليمني، والتطورات في المنطقة، والدعم المطلوب للحكومة ومؤسسات الدولة للوفاء بالتزاماتها الخدمية، والمعيشية، والتخفيف من وطأة الأزمة الإنسانية التي فاقمتها الهجمات الحوثية على المنشآت النفطية، وخطوط الملاحة الدولية بدعم من النظام الإيراني.

وطبقاً لوكالة «سبأ» الرسمية، شدّد رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي لدى وصوله إلى العاصمة المؤقتة عدن على أهمية وحدة الصف، والعمل بروح الفريق الواحد، خصوصاً في ظل الظروف الاستثنائية التي يواجه فيها الشعب اليمني تحديات غير مسبوقة، وفي المقدم منها المشكلة الاقتصادية والتمويلية، والمحاولات المستميتة من جانب التنظيمات، والميليشيات الإرهابية لزعزعة الأمن والاستقرار في المحافظات المحررة.

وجدّد العليمي تقديره لتحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية والإمارات، من أجل استعادة مؤسسات الدولة، وتماسكها، وتحقيق تطلعات الشعب اليمني في السلام والاستقرار والتنمية.

بصمات حوثية

عودة العليمي إلى عدن تزامنت مع تصريحات لوزير داخليته اللواء إبراهيم حيدان اتهم فيها الحوثيين بالضلوع في هجوم أبين الذي أدى إلى مقتل وجرح عشرات الجنود في مديرية مودية.

ونقل الإعلام الأمني اليمني عن الوزير حيدان قوله إن «العملية الإرهابية الآثمة والمدانة التي استُشهد على أثرها 16 فرداً وأُصيب آخرون من منتسبي (اللواء الثالث دعم وإسناد) في مودية بمحافظة أبين لن تزيد الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة إلا لُحمة وتماسكاً وإصراراً على استئصال شأفة الإرهاب وتنظيماته بمختلف أسمائها الحوثية والقاعدية والداعشية وعناصره المارقة».

وذكر الوزير حيدان أن الهجوم يحمل «بصمات ميليشيات الحوثي الإرهابية وبالتخادم مع تنظيم القاعدة الإرهابي». وأضاف أن العملية الإرهابية «لن تزيد القوات المسلحة والأجهزة الأمنية بكل تشكيلاتها إلا تماسكاً وإصراراً على اجتثاث الإرهاب».

وشدد وزير الداخلية اليمني على أهمية تماسك المجتمع اليمني إزاء الإرهاب، الذي قال إن مصدره إيران. ودعا المجتمع الإقليمي والدولي إلى إدانة كل أشكال الإرهاب التي تستهدف اليمن والوقوف إلى جانب الحكومة الشرعية وتقديم كل الدعم للتخلص من هذه الآفة التي تستهدف المجتمع في البر والبحر، وفق تعبيره.

وكانت الحكومة اليمنية قد أكدت، في بيان سابق، أن الهجوم الذي استهدف موقعاً عسكرياً في مديرية مودية بمحافظة أبين، وخلف عدداً من القتلى والجرحى «لن ينال من عزيمة اليمنيين في معركتهم لاستكمال استعادة الدولة، وهزيمة التنظيمات الإجرامية، وعلى رأسها (القاعدة) و(داعش) المتخادمان مع الحوثيين المدعومين من إيران».

وأكد البيان أن الهجوم «يشير مجدداً إلى التخادم الواضح بين ميليشيا الحوثي والتنظيمات الإرهابية لزعزعة الأمن والاستقرار في المحافظات المحررة».

وشددت الحكومة اليمنية على أهمية اليقظة العالية ورفع الجاهزية الأمنية وتعزيز جهود مواجهة ما وصفته بقوى «الإرهاب والظلام» وتكامل عمل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية مع الرفض الاجتماعي والشعبي للحركات الإرهابية بطريقة تصب في مسار تجفيف منابع الإرهاب والقضاء على عناصره الضالة.

وأكد البيان أن هجوم أبين «تذكير بأهمية مضاعفة الجهود لمكافحة التنظيمات الإرهابية بالتعاون مع شركاء اليمن في مكافحة الإرهاب، وعدم التهاون في مواجهة هذه الأعمال، باعتبار الإرهاب ظاهرة عالمية تستدعي تضافر جميع الجهود لاستئصالها والقضاء عليها».