العليمي للحوثيين: ارفعوا الحصار عن اليمنيين أولاً

قال في حوار مع «الشرق الأوسط» إن اليمن رفض الانضمام إلى التحالف الأميركي

د.رشاد العليمي خلال حواره مع «الشرق الأوسط» (الرئاسة اليمنية)
د.رشاد العليمي خلال حواره مع «الشرق الأوسط» (الرئاسة اليمنية)
TT

العليمي للحوثيين: ارفعوا الحصار عن اليمنيين أولاً

د.رشاد العليمي خلال حواره مع «الشرق الأوسط» (الرئاسة اليمنية)
د.رشاد العليمي خلال حواره مع «الشرق الأوسط» (الرئاسة اليمنية)

مستحضراً تاريخاً متراكماً من الوساطات والدعم، يُعول رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، د.رشاد العليمي، على «خبرة المملكة العربية السعودية» لتحقيق السلام بين الحكومة اليمنية والحوثيين، واستعادة اليمن الذي يعاني ويلات الحرب لمدة تقترب من 10 سنوات، منذ انقلاب الجماعة المدعومة من إيران في سبتمبر (أيلول) 2014 حتى اللحظة.

من قصر «معاشيق» الرئاسي الواقع على الواجهة البحرية للمحيط الهندي في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، التقت «الشرق الأوسط» رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الذي قال للحوثيين: «ارفعوا الحصار عن تعز أولاً»، إذ يرى أن هجماتهم البحرية أفادت إيران وليست غزة. كما تحدث عن أسباب رفض اليمن المشاركة في التحالف الأميركي لمجابهة التهديدات الحوثية للملاحة الدولية.

مدمرة أميركية في البحر الأحمر تطلق صاروخاً ضد أهداف حوثية نهاية مارس 2024 (رويترز)

وقال العليمي إن «السعودية بذلت جهوداً كبيرة لإقرار السلام في اليمن خلال السنتين الماضيتين، وحتى قبل ذلك»، مشيراً إلى أن «المملكة حاولت إقناع (الميليشيات الحوثية) بالانخراط في عملية السلام (مع الحكومة)».

وخلال حديثه، أعرب العليمي مرّات عدة عن «تقديره لجهود السعودية»، مؤكداً أن «الرياض كانت دائماً تدعم مصلحة اليمنيين»، مستشهداً بدور المملكة في «تسوية الصراع في اليمن إبان ستينات القرن الماضي والتي أسفرت عن اتفاق المصالحة الوطنية بين الجمهوريين والملكيين عام 1970». ويقول: «لدى المملكة تجربة وخبرة تراكمية نعوّل عليها وعلى رؤية السعودية لما فيه صالح اليمن واليمنيين».

مجلس سلام لا حرب

طوال عامين، قضاهما العليمي على رأس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، حرص على التجاوب مع دعوات السلام. وقال: «أعلنّاها صراحةً بعد تشكيل المجلس، أنه مجلس سلام وليس مجلس حرب، وباركنا جهود السعودية، لأن السلام مصلحة يمنية وإقليمية ودولية».

يرأس العليمي مجلساً يضم سبعة أعضاء من مختلف القوى السياسية والتشكيلات العسكرية المناهضة للحوثيين، نُقلت السلطة إليه من جانب الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، في 7 أبريل (نيسان) 2022، في محاولة لتكوين «حكومة شرعية» تتولى إدارة البلاد وحسم الصراع.

وأسفرت جهود الوساطة السعودية بمشاركة عمانية، عمّا وصفها العليمي بـ«خريطة طريق يمكن البناء عليها أساساً لعملية السلام». ويقول إن «المملكة ناقشت نقاطاً عدة مع الجماعة والحكومة، وبعد جدل ومفاوضات خلصت إلى مادة تشكل أساساً يمكن البناء عليه لعملية سلام».

ويترقب الرئيس «أن تدفع خريطة الطريق السعودية نحو عملية سلام شاملة، مستندةً إلى المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، وقرارات الشرعية الدولية المتمثلة في قرار مجلس الأمن رقم 2216 الذي أُكِّد عليه أخيراً، عبر قرار آخر أدان هجمات جماعة (الحوثي) على السفن المارة في البحر الأحمر».

ويطالب قرار مجلس الأمن رقم 2216، في مادته الأولى، جميع الأطراف اليمنية، لا سيما الحوثيين، بالتنفيذ الكامل للقرار رقم 2201 والقرار2015 والامتناع عن اتخاذ مزيد من الإجراءات الأحادية التي يمكن أن تقوض عملية الانتقال السياسي في اليمن. وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، أصدر مجلس الأمن قراراً بإدانة هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، نصَّ على «إدانة توفير الأسلحة والمواد ذات الصلة من جميع الأنواع للحوثيين في انتهاك للقرار 2216». ودعا إلى «مزيد من التعاون العملي لمنع الحوثيين من الحصول على المواد اللازمة لمزيد من الهجمات».

حرب غزة

بينما كانت مساعي تسوية النزاع تسير في اتجاه التوافق على بنود رئيسية، جاءت هجمات السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، وأعقبتها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لتلقي بظلالها على الأزمة اليمنية، وتزيد من تعقيدها. وذكر العليمي أن «اليمن تأثر بالحرب في غزة»، مشدداً على أن «إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في إطار حل وفقاً لمبادرة السلام العربية، هو السبيل الوحيد لإنهاء الصراع، بعيداً عن خلط الأوراق». ويوضح أن «هناك مشروعين في المنطقة؛ الأول تنمية ونهضة تقوده السعودية ومصر والإمارات، والآخر تدميري فوضوي تنفّذه ميليشيات مسلحة»، لافتاً إلى أن «أحد أوجه هذا الصراع تسبب في تشريد نحو 5 ملايين شخص داخل وخارج اليمن».

ويُحمل رئيس مجلس الحكم اليمني إيران «المسؤولية عن أزمات المنطقة»، مشيراً إلى أن «الميليشيات المحسوبة على طهران في اليمن وسوريا ودول أخرى تُغلّب مصالح إيران على مصالح الجميع». ويلفت إلى أن «إيران خططت مبكراً للسيطرة على البحر الأحمر»، لافتاً إلى أنه «سبق وحذر من ذلك في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) 2022».

عسكرة البحر

يحاول الحوثيون «الهروب» من التزاماتهم الدولية والأممية، بداعي «مناصرة غزة»، هذا ما يقوله العليمي، الذي يقارن بين حصار إسرائيل لقطاع غزة، وحصار الحوثيين مدينة تعز اليمنية. ويقول مخاطباً الحوثيين: إن «الهروب لن يفيد... ارفعوا الحصار عن اليمنيين أولاً». ويضيف أن «هجمات الحوثيين على السفن أدت إلى عسكرة البحر الأحمر، وتشكلت تحالفات واسعة لصد تلك الهجمات، مما تسبب في تراجع معيشة المواطن اليمني، وارتفاع الأسعار، تزامناً مع زيادة تكاليف الشحن نحو ست مرات».

مراكب صيد راسية على شاطئ عدن (الشرق الأوسط)

يستورد اليمن نحو 90 في المائة من احتياجاته من الخارج، والحديث لرئيس مجلس القيادة الذي يرى أن «هجمات الحوثي في البحر الأحمر لا تخدم غزة، بل تخدم إيران التي تسعى للتفاوض مع الولايات المتحدة بشأن العقوبات وإطلاق يدها بوصفها لاعباً إقليمياً في المنطقة».

وأثّرت الهجمات الحوثية في حركة الملاحة الدولية، ودفعت شركات شحن كبرى إلى تحويل مسارها والدوران حول رأس الرجاء الصالح، متجنّبين المرور بقناة السويس المصرية، مما أدى إلى تراجع عائدات القناة بنسبة وصلت إلى 50 في المائة، وزيادة تكلفة الشحن ومدته. ونتيجة لتضرر التجارة العالمية، شكَّلت الولايات المتحدة تحالفاً لصد ضربات «الحوثي»، وحتى استهدافها في معاقلها في اليمن.

استعادة سلطة الدولة

رغم أن العليمي عدّ الضربات الأميركية والبريطانية قواعد الحوثيين «إضعافاً للميليشيا المدعومة من إيران»، فإنه «يؤمن بأن الحل النهائي لن يكون بالضربات الجوية»، موضحاً أن «التهديد يأتي من البر، وهو تحت سيطرة الميليشيات، ولمواجهته لا بد من استعادة سلطة الدولة وفرض سيطرتها على المناطق كلها، بدعم المجتمع الدولي. هذا هو السبيل الوحيد لتأمين البحر الأحمر».

عدم اقتناع رئيس المجلس القيادي بقدرة الضربات الجوية على وضع حد لتوترات البحر الأحمر، دفعه إلى «رفض» الانضمام لتحالف «حارس الازدهار» الذي شكَّلته الولايات المتحدة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي لصد هجمات الحوثيين. وقال العليمي: «لم نشارك في التحالف بناءً على رؤية نابعة من قدراتنا وإمكاناتنا»، موضحاً أن «الحكومة اليمنية لا تملك قدرات عسكرية أصلاً للمشاركة، كما أن دعم الحكومة الشرعية وقدراتها تطبيقاً لقرارات مجلس الأمن، هو السبيل لإنهاء هذا التوتر»، مشيراً إلى أن «مجلس الأمن نص على استحياء في قراره على دعم (قوات) خفر السواحل (اليمنية)». وتابع: «هذه خطوة أولى على طريق دعم الجيش اليمني كله».

تشكيل الولايات المتحدة تحالفاً لصد هجمات الحوثي، وشنها مع بريطانيا هجمات على معاقل الحوثيين في اليمن، جاء «نتيجة لتضرر الملاحة الدولية من توترات البحر الأحمر». وهنا أعرب العليمي عن أمله في أن «يكون المجتمع الدولي قد تنبه لخطورة هذا النوع من الميليشيات»، مشيراً إلى أن «الغرب كان دائم الضغط على الحكومة الشرعية للقبول بمقاربات سياسية للتسوية، مما ساعد على استمرار (الحوثيين)». وأضاف: «يبدو أن الغرب غيَّر من نظرته للأزمة وتبنى مقاربة عسكرية بعدما فشلت السياسية».

آثار الرصاص شاهدة على فترة صعبة خاضتها عدن في أثناء الحرب (الشرق الأوسط)

لكنّ تبني الغرب «مقاربة عسكرية» لم يثنِ العليمي عن «إيمانه بالسلام حلاً للصراع الدائر في البلاد». وأكد أن «السلام مصلحة يمنية... لكن شريطة أن يستعيد الدولة ومؤسساتها ويحتكر السلاح في يدها وينفّذ قرار مجلس الأمن»، مستدركاً: «قرارات مجلس الأمن خريطة طريق تتضمن حلاً سياسياً وعسكرياً وأمنياً للمسألة اليمنية، ولو نفّذه المجتمع الدولي سيحقق السلام».

لكنّ هذا لا يلغي أهمية القوة العسكرية، حيث أكد العليمي أنه «لولا (عاصفة الحزم) لكان الحوثيون في عدن اليوم»، مشيراً إلى أن «الحكومة الشرعية تسيطر على 80 في المائة من الأراضي في البلاد، لكن الكتلة السكانية في صنعاء الواقعة تحت تأثير الحوثي تبلغ نحو 40 في المائة».

وأطلقت دول تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية «عاصفة الحزم» في السادس والعشرين من مارس (آذار) 2015، بهدف إعادة الاستقرار إلى اليمن ومنع سقوط الأراضي اليمنية في أيدي ميليشيات الحوثي، بعدما سيطرت على العاصمة صنعاء ووصلت إلى عدن.

ويعترف العليمي بتغير المواقف الدولية من الأزمة اليمنية، وهو تغير تم على مراحل عدة: الأولى مع تولي مجلس القيادة وتبنيه استراتيجية تدعو للسلام وتنبذ الحرب، مروراً بمشاركة «الحكومة الشرعية» مفاوضات التسوية، و«التزامها» ما عليها في إطار اتفاق التهدئة، وحتى هجمات «الحوثي» في البحر الأحمر التي أضرت بالغرب.

جانب من المباني المطلة على ميناء عدن (الشرق الأوسط)

لكن رغم ذلك يؤكد رئيس مجلس القيادة أن «الدول ليست جمعيات خيرية، وتحركها مصالحها»، مشيراً إلى «عزمه العمل على الاستفادة من تغير المواقف الدولية بشأن أزمة اليمن عبر خطوات استراتيجية واضحة ومحددة».

سك العملة

تعليقاً على إعلان الحوثيين سك عملة معدنية من فئة 100 ريال يمني، حديثاً، أكد العليمي أن «هذه العملة غير شرعية، وقد اتخذ البنك المركزي في عدن قرارات عدة لمواجهة ذلك، تدعمها الحكومة الشرعية». وأضاف أن «القرار سيكون له تبعات قضائية وقانونية ونقدية، لأنه يجسد الانفصال للمناطق التي تم تنفيذ سك العملة فيها، مما يدحض مزاعم (الحوثي) القائلة بأنها تسعى للوحدة».

وأكد رئيس مجلس القيادة عزمه على «مواجهة هذا الإجراء من جانب الحوثي»، مشيراً إلى أن «صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تواصلا مع الحكومة الشرعية، وستكون هناك اجتماعات لبحث الإجراءات التي سيتخذها المجتمع الدولي لدعم البنك المركزي في عدن».

استدعاء التاريخ

طوال حواره مع «الشرق الأوسط»، حرص العليمي على «استدعاء نماذج من التاريخ، لدعم وجهة نظره للتعامل مع الحاضر، لا سيما جماعة (الحوثي)»، ويقول: «قراءة تاريخ هذه الميليشيات يشير إلى أنها تمر بمراحل صعود وهبوط».

ولأن التاريخ جزء أصيل من تفسيره للأزمة، يُرجع العليمي أصول الصراع مع «الحوثي» إلى بداية الثمانينات من القرن الماضي، عندما تشكل «حزب الله» في لبنان. ويوضح «كانت هناك خلايا يمنية تذهب إلى لبنان وتعود لتنفذ عمليات إرهابية في اليمن»، مشيراً إلى «اعتقال عدد منهم وفرار آخر إلى إيران، قبل أن يعودوا مرة أخرى إلى اليمن ويجددوا نشاطهم، ليتطوروا من (الشباب المؤمن) إلى (الحوثي)». ولفت إلى أن «الخلاف مع الحوثي ليس خلافاً سياسياً، بل خلاف وجودي».

ومنذ أبريل 2022 حتى أكتوبر من نفس العام، شهد اليمن هدنة برعاية أممية ودعم من تحالف دعم الشرعية في اليمن. ورفضت جماعة الحوثي مدّها 6 أشهر أخرى، لكن هذا لم يمنع الحكومة اليمنية من الالتزام ببنودها، في وقت «لم يلتزم فيه الحوثيون».

يؤرق الوضع في اليمن، رئيس مجلس القيادة، الذي يقول إنه «يسعى إلى استعادة أمن واستقرار البلاد، وتحسين أحوال الشعب، ووقف نزيف الدم اليومي في إطار الصراع مع ميليشيا ذات توجهات فكرية عقائدية»، معتمداً «السلام منهجاً، والتاريخ درساً».


مقالات ذات صلة

العراق لمجلس الأمن: إسرائيل تخلق مزاعم وذرائع لتوسيع رقعة الصراع

المشرق العربي جانب من الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية في بيروت (رويترز)

العراق لمجلس الأمن: إسرائيل تخلق مزاعم وذرائع لتوسيع رقعة الصراع

قالت وزارة الخارجية العراقية إن بغداد وجهت رسائل لمجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة والجامعة العربية و«التعاون الإسلامي» بشأن «التهديدات» الإسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
الاقتصاد جانب من جلسات غرفة جدة حول ريادة الأعمال (الشرق الأوسط)

القطاعات الاقتصادية واللوجيستيات تدفع جدة السعودية لمنافسة المدن العالمية

تشهد مدينة جدة، غرب السعودية، حراكاً كبيراً في القطاعات الاقتصادية والسياحية كافة، فيما يدفع قطاع اللوجيستيات المدينة للوصول لمستويات عالية في تقديم هذه الخدمة.

سعيد الأبيض (جدة)
الخليج الأمير عبد العزيز بن سعود خلال مشاركته في الاجتماع الـ41 لوزراء الداخلية بدول الخليج في قطر (واس)

تأكيد سعودي على التكامل الأمني الخليجي

أكد الأمير عبد العزيز بن سعود وزير الداخلية السعودي، الأربعاء، موقف بلاده الراسخ في تعزيز التواصل والتنسيق والتكامل بين دول الخليج، خصوصاً في الشأن الأمني.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
الخليج الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي خلال إلقائه كلمته في الجلسة الثالثة لقمة دول مجموعة العشرين (واس)

السعودية تدعو إلى تبني نهج متوازن وشامل في خطط التحول بـ«قطاع الطاقة»

أكدت السعودية، الثلاثاء، أن أمن الطاقة يمثل تحدياً عالمياً وعائقاً أمام التنمية والقضاء على الفقر، مشددة على أهمية مراعاة الظروف الخاصة لكل دولة.

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو)
يوميات الشرق التنوع البيئي وجماليات الشعب المرجانية في البحر الأحمر (واس)

ابيضاض الشعب المرجانية يضرب العالم... والبحر الأحمر الأقل تضرراً

تعدّ الشُّعَب المرجانية رافداً بيئياً واقتصادياً لكثير من الدول؛ فقد نمت فيها عوائدها لمليارات الدولارات؛ بسبب تدفّق السياح للاستمتاع بسواحلها وبتنوع شعبها.

سعيد الأبيض (جدة)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.