في الوقت الذي فاقمت فيه الهجمات الحوثية في البحر الأحمر وخليج عدن من تدهور الاقتصاد اليمني الهش، وتراجع سعر العملة المحلية، جدّدت بريطانيا دعواتها لإيران من أجل الضغط على الحوثيين لوقف تصعيدهم، مع التعويل على دور عُماني من أجل المساعدة في التهدئة.
ومنذ أن بدأ الحوثيون هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، بدعاوى أنها سفن إسرائيلية، ودخول واشنطن ولندن على خط التصدي للهجمات ومحاولة تحجيمها، شهد الريال اليمني في مناطق سيطرة الشرعية تراجعاً قياسياً، رغم مساعي الحكومة للاحتواء ومعالجة التبعات.
في هذا السياق، حض وزير الدفاع البريطاني غرانت شابس، الثلاثاء، إيران على استخدام نفوذها على الحوثيين وفصائل مسلحة أخرى بالمنطقة لخفض التصعيد. وأضاف شابس بحسابه على منصة «إكس»: «نحن مستمرون في العمل مع الولايات المتحدة من أجل تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط».
وشاركت بريطانيا في ضربتين من أصل 10 ضربات إلى جانب الولايات المتحدة، ضد أهداف حوثية في مناطق يمنية متفرقة، إلا أن ذلك لم يحل دون استمرار الهجمات ووعيد قادة الجماعة، الثلاثاء، بتحويل البحر الأحمر إلى «سياج من نار»؛ وفق تصريحات وزير دفاع الجماعة الموالية لإيران، محمد العاطفي، المشمول أخيراً بعقوبات أميركية وبريطانية إلى جانب ثلاثة من كبار القادة.
وفي ظل السعي البريطاني لعدم التصعيد واللجوء للحلول الناعمة، قالت وزارة الخارجية البريطانية، الثلاثاء، إن الوزير ديفيد كاميرون سيتوجه إلى سلطنة عمان؛ حيث من المتوقع أن يدعو إلى الاستقرار، وسط هجمات الحوثيين المستمرة في البحر الأحمر، وتهدئة التوتر في الشرق الأوسط.
وسيلتقي كاميرون، في زيارته الرابعة للشرق الأوسط، نظيره العُماني بدر البوسعيدي؛ للبحث في سبل خفض التوتر في المنطقة.
وقالت وزارة الخارجية البريطانية في بيان، إن هجمات الحوثيين على سفن تابعة لشركات شحن دولية في البحر الأحمر، ستكون من المحاور الرئيسية لهذه الزيارة.
وأضاف البيان أن كاميرون سيؤكد التزام بريطانيا بإيصال المساعدات إلى اليمن، وسيحدد الإجراءات التي تتخذها بريطانيا لردع الحوثيين عن استهداف السفن في البحر الأحمر؛ وفق ما نقلته «رويترز».
ويؤكد مجلس القيادة الرئاسي اليمني أن الضربات العسكرية الأميركية والبريطانية ضد الحوثيين ليست الحل، وأن الحل هو دعم القوات الحكومية لتحرير الحديدة، واستعادة مؤسسات الدولة من قبضة الجماعة التي تنفذ أجندة إيران.
تمسك حوثي بالتصعيد
رغم الضربات الأميركية والبريطانية والتحذيرات الدولية، بما في ذلك القلق الصيني، من تبعات الهجمات الحوثية على التجارة العالمية، وتهديد الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، فإن قادة الجماعة تمسكوا باستمرار التصعيد، زاعمين أنه لن يتوقف إلا بانتهاء الحصار على غزة.
آخر هذه التصريحات الحوثية جاء على لسان «وزير دفاع» الجماعة، محمد العاطفي، الثلاثاء، خلال اجتماعه مع كبار قادة الجماعة في قواتها البحرية؛ حيث قلل من أهمية الوعيد الأميركي والبريطاني، وقال: «نحن من يضع الخاتمة المؤلمة للهيمنة الأميركية التي تكتب نهايتها بيدها».
وزعم القيادي العسكري الحوثي أن جماعته اتخذت «الخطوات المدروسة كافة بأبعادها القريبة والبعيدة»، وأن لديها «الاستعداد لمواجهة طويلة الأمد»، كما لديها ما يكفي لتعزيز ما وصفه بـ«الصبر الاستراتيجي».
وتوعد العاطفي المشمول أخيراً بعقوبات أميركية بريطانية بقوة جماعته التي قال إنها ستجعل «من البحرين الأحمر والعربي سياجاً من نار»، مع زعمه أن الملاحة متاحة بأمان لكل السفن باستثناء السفن الإسرائيلية، أو المتجهة من وإلى موانئ تل أبيب، إلى جانب السفن الأميركية والبريطانية.
وشنت الجماعة المدعومة من إيران، نحو 34 هجوماً بحرياً بالصواريخ والطائرات المُسيَّرة ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وأدت بعض الهجمات إلى إصابات مباشرة في السفن، والتسبب في حريق وأضرار، كما حدث أخيراً مع ناقلة نفط بريطانية في خليج عدن.
وقرصنت الجماعة في أولى هجماتها سفينة الشحن الدولية «غالاكسي ليدر» واحتجزت طاقمها حتى اللحظة، وحولتها إلى مزار لأتباعها، بينما ردت واشنطن بتشكيل تحالف بحري متعدد الجنسيات لحماية السفن، سمته «حارس الازدهار» قبل أن تلجأ إلى شن ضربات جوية وبحرية ضد أهداف حوثية على الأراضي اليمنية.
واعترف الحوثيون بمقتل 15 عنصراً خلال الضربات، منهم 10 مسلحين قتلتهم البحرية الأميركية في 31 ديسمبر (كانون الأول) الماضي على متن ثلاثة قوارب في جنوب البحر الأحمر، عندما حاولوا قرصنة إحدى السفن التجارية.
تضرر الاقتصاد اليمني
التصعيد الحوثي بحرياً تسبب في مفاقمة الاقتصاد اليمني الذي يعاني في الأساس منذ نحو 15 شهراً من توقف تصدير النفط من المناطق المحررة، جراء الهجمات الحوثية؛ حيث ارتفعت الأسعار لجهة ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين إلى الموانئ اليمنية، إلى أكثر من أربعة أضعاف، وسط مساعي الحكومة لاتخاذ تدابير تحد من التبعات.
وتجاوز الريال اليمني حاجز 1600 ريال مقابل الدولار الواحد في المناطق المحررة الخاضعة للحكومة اليمنية، في حين يراوح في مناطق سيطرة الحوثيين عند 525 ريالاً للدولار، وهو سعر مفروض بقوة سطوة الجماعة الأمنية التي أسست لنظام اقتصادي موازٍ في مناطق سيطرتها.
وذكر الإعلام الرسمي أن الحكومة اليمنية برئاسة معين عبد الملك، اجتمعت لمناقشة التطورات الاقتصادية والمعيشية والخدمية والسياسية والعسكرية والأمنية، واتخذت عدداً من القرارات والإجراءات في هذا الشأن.
ونقلت وكالة «سبأ» أن الاجتماع الحكومي تدارس المتغيرات المتعلقة بتقلبات أسعار الصرف، والإجراءات الكفيلة بتحقيق الاستقرار النسبي لسعر العملة، والسلع الأساسية، وتخفيف المعاناة الإنسانية التي فاقمتها هجمات الحوثيين على المنشآت النفطية، وخطوط الملاحة الدولية.
ووفق الوكالة، التزمت الحكومة بتوجيهات مجلس القيادة الرئاسي في انتظام دفع رواتب الموظفين وتحسين الإيرادات العامة، والمضي قدماً في الإصلاحات الاقتصادية، والإدارية والمالية الشاملة.
وتطرق رئيس الوزراء معين عبد الملك إلى الأدوار المتوقعة من الوزارات والجهات في حكومته، للتعاطي مع إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية من قبل واشنطن، لضمان عدم تأثر النشاط التجاري والقطاع الخاص الوطني وسلاسة تدفق المواد والسلع الغذائية، والعمل الإنساني والإغاثي.
وفي الاجتماع الحكومي نفسه، حذَّر وزير الدفاع اليمني من تصعيد الحوثيين على خطوط التماس مع القوات الحكومية، وقال إن «هذه التحركات الحوثية الإرهابية المتزامنة مع تصعيدها ضد الملاحة الدولية واستهداف السفن التجارية تؤكد أن ردع هذه الميليشيا لن يكون إلا باستكمال استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب».
وطبقاً للإعلام الرسمي، أقرت الحكومة اليمنية مشروع قرار البدء في مراحل تطبيق نظام النفقات ومراقبة الالتزامات، وإدراجه ضمن الدورة المستندية للنفقات وفق مراحل المشروع، ووافقت على مشروع قرار بشأن أسس تحديد القيمة للأغراض الجمركية، كما أعادت تشكيل اللجنة الوزارية العليا لمكافحة التهريب.