قالت هيئة الدفاع عن الرئيس الموريتاني السابق، محمد ولد عبد العزيز، إن قرار المحكمة العليا الصادر الثلاثاء، في حق موكلهم بالسجن 15 عاماً، «قرار سياسي محض»، ووصفته بأنه «انتهاك للدستور»، فيما عبَّر فريق المحامين الذين يمثلون الطرف المدني في المحاكمة عن ارتياحهم للقرار، وقالوا إنه يطوي أربع سنوات من الإجراءات القضائية.
كانت المحكمة العليا قد ثبَّتت الثلاثاء، حكماً بالسجن 15 عاماً، سبق أن صدر في حق ولد عبد العزيز، المدان بتهم تتعلق بالفساد واستغلال النفوذ والإثراء غير المشروع، في واحدة من أكثر المحاكمات إثارةً في التاريخ الموريتاني.
محاكمة سياسية
في أول رد فعل على القرار، وصفت هيئة الدفاع عن ولد عبد العزيز قرار المحكمة العليا بأنه «ينتهك الدستور (...)، ولا يستند إلى أي بينة»، مشيرةً إلى أن «محاكم القضاء العادي، بما فيها المحكمة العليا، غير مختصة على الإطلاق باتهام ومحاكمة رؤساء الجمهورية في موريتانيا بقوة المادة 93 من الدستور».
وتقول هذه المادة إنه «لا يكون رئيس الجمهورية مسؤولاً عن أفعاله في أثناء ممارسته سلطاته، إلا في حالة الخيانة العظمى»، وتضيف أن المحاكمة تتم أمام «محكمة العدل السامية»، التي يتم تشكيلها على مستوى الجمعية الوطنية (البرلمان).

لكن قراءة أخرى لهذه المادة يقول أصحابها إن ولد عبد العزيز لم يعد في منصب رئيس الجمهورية، ويحاكَم بتهم لا تتعلق بممارسته لصلاحياته، وبالتالي فإن القضاء العادي يحق له النظر في القضية.
غير أن هيئة الدفاع ترفض هذه القراءة، وتشير إلى أن المحكمة «مشكَّلة تشكيلاً فاسداً»، حيث إن رئيس المحكمة العليا ينشط في صفوف الحزب الحاكم، مما يؤكد -حسب الهيئة- الطابع السياسي لمحاكمة الرئيس السابق.
وأكدت الهيئة في بيانها الأخير أن ولد عبد العزيز «زعيم سياسي وبطل قومي شجاع، حارب الفساد والنفوذ الأجنبي والتطبيع، وبنى موريتانيا وخدم شعبها بأمانة وإخلاص».
ارتياح للحكم
من جهة أخرى، أصدر فريق الدفاع عن الدولة الموريتانية في المحاكمة، بياناً، مساء الثلاثاء، عبَّر فيه عن ارتياحه لقرار المحكمة العليا، والمراحل التي مر بها الملف خلال أربع سنوات من الإجراءات القضائية.
وثمَّن الفريق ما قال إن المحاكم تحلَّت به من «صبر وأناة ومسؤولية، واستحضار للقواعد والأصول والاتفاقيات الدولية، التي تكفل المحاكمة العادلة لكل متقاضٍ، مهما كان جرمه أو مركزه».
وأوضح الفريق أنه بقرار المحكمة العليا «اكتملت المساطر القضائية في هذه القضية، وتم طي الملف نهائياً»، مبرزاً أنه «لم يبقَ إلا مباشرة إجراءات التنفيذ وما يترتب عليها»، ومشدداً على أن الرئيس السابق أُدين بـ«اقتراف أفعال بالغة الخطورة متعددة، سببت إضراراً بالدولة وبمؤسسات وهيئات تابعة لها».
من الرئاسة إلى المحاكمة
حكمَ ولد عبد العزيز (68 عاماً)، وهو جنرال متقاعد في الجيش الموريتاني، البلاد إثر انقلاب عسكري عام 2008، ليكون ثامن رئيس في تاريخ موريتانيا، وترشح للانتخابات عام 2009 وفاز بها، ثم أعيد انتخابه عام 2014، وغادر السلطة عام 2019، بعد ولايتين رئاسيتين، حيث يمنعه الدستور من الترشح لولاية رئاسية ثالثة.
تسلم الحكم بعده صديقه الشخصي ورفيقه في السلاح ووزير دفاعه السابق، الجنرال المتقاعد محمد ولد الشيخ الغزواني (68 عاماً)، بعد أن فاز ولد الغزواني بانتخابات 2019، التي دعمه فيها ولد عبد العزيز بقوة، لكن سرعان ما توترت العلاقة بين الرجلين، لأسباب تتعلق بإدارة السلطة والمواقف السياسية.

في عام 2020 شكَّل البرلمان الموريتاني لجنة للتحقيق في شبهات فساد خلال فترة حكم ولد عبد العزيز، وأصدرت اللجنة تقريراً يوجِّه إليه، مع بعض المقربين منه، اتهامات بالفساد، وغسيل الأموال والإثراء غير المشروع والخيانة العظمى.
واستمرت محاكمة ولد عبد العزيز، وعدد من المقربين منه، والوزراء الذين عملوا معه، لأكثر من خمس سنوات، وكانت واحدة من أهم وأخطر المحاكمات في التاريخ الموريتاني الحديث، حيث لم يسبق أن حوكم رئيس سابق بتهمة الفساد.
وصدر الحكم الابتدائي على ولد عبد العزيز في شهر ديسمبر (كانون الأول) عام 2023، حيث قررت المحكمة الابتدائية الحكم عليه بالسجن خمس سنوات، بعد إدانته بتهم عديدة، من بينها «غسل الأموال والإثراء غير المشروع»، كما قضت بمصادرة أمواله وحرمانه من حقوقه المدنية.
وفي شهر مايو (أيار) من العام الجاري، أكدت محكمة الاستئناف الحكم الابتدائي لكنها رفعت مدة السجن إلى 15 عاماً، لتأتي المحكمة العليا لتؤكد حكم الاستئناف، في آخر محطات مسار طويل من المحاكمات.




