السودان: 68 عاماً من الاستقلال... 60 عاماً من الحروب

جميعها انتهت بالمفاوضات... في انتظار حسم «حرب الجنرالين»

البشير خاض نظامه حروباً لسنوات عديدة في جنوب السودان ودارفور (أ.ف.ب)
البشير خاض نظامه حروباً لسنوات عديدة في جنوب السودان ودارفور (أ.ف.ب)
TT

السودان: 68 عاماً من الاستقلال... 60 عاماً من الحروب

البشير خاض نظامه حروباً لسنوات عديدة في جنوب السودان ودارفور (أ.ف.ب)
البشير خاض نظامه حروباً لسنوات عديدة في جنوب السودان ودارفور (أ.ف.ب)

تتجه أنظار السودانيين إلى جنيف والمفاوضات الجارية هناك، بانتظار التوصل لحل تفاوضي يوقف نزيف الدم وينهي الموت الذي يحوم فوق رؤوس الناس منذ أكثر من 16 شهراً، ويضع حداً للمأساة الإنسانية التي تهدّد أكثر من نصف سكان البلاد، لكن الحكومة السودانية المدعومة من الجيش، التي تتخذ من بورتسودان عاصمة مؤقتة، ترفض الذهاب إلى هناك، وتتمسك بمواصلة القتال ما لم تتم الاستجابة لشروطها.

يُجمع معظم المواطنين في السودان والإقليم والعالم على أن الحرب بين الجيش و«قوات الدعم السريع» التي تُسمى اختصاراً بـ«حرب الجنرالين» لن تسفر عن منتصر، ومصيرها طاولات التفاوض كحال الحروب السودانية كلها، التي انتهت بالتفاوض واتفاقات السلام. فالجيش الذي خاض حروباً استمرت قرابة 60 عاماً، لم تنتهِ واحدة منها بانتصار عسكري حاسم، بل بتفاوض وتوقيع اتفاقات سلام.

حرب «الكتيبة الاستوائية» 1955 ـ 1972

تاريخياً، بدأت أولى حروب الجيش السوداني قبيل استقلال البلاد بعام واحد في 1955، بتمرد «الكتيبة الاستوائية»، الذي تطور لينتج الحركة المتمردة الشهيرة المسماة «أنانيا 1» في جنوب السودان القديم، بقيادة جوزيف لاقو، التي انتهت في عام 1972 عبر التفاوض، بما عُرفت في التاريخ السياسي السوداني بـ«اتفاقية أديس أبابا»، التي توسّط فيها إمبراطور إثيوبيا وقتها هيلاسلاسي، ورعاها مجلس الكنائس العالمي في عام 1972.

الرئيس الراحل جعفر النميري خلال جولة في جنوب السودان في يناير1977 وخلفه (في الوسط) أبل ألير رئيس المجلس التنفيذي الأعلى لجنوب السودان (غيتي)

ونال جنوب السودان بموجب هذه الاتفاقية مطلبه في الحكم الذاتي، وحصل بموجبها زعيم المتمردين الجنرال جوزيف لاقو على منصب نائب رئيس الجمهورية.

حرب 1983 – 2005 وانفصال الجنوب

لكن التمرد عاد مجدداً بعد إعلان الرئيس الأسبق جعفر النميري ما عُرفت بـ«قوانين الشريعة الإسلامية» عام 1983، ونشأت تبعاً لذلك «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق، التي خاضت واحدة من أطول الحروب في العالم وأكثرها ضراوة، وراح ضحيتها نحو مليونَي مدني، لتسجل أعلى نسبة ضحايا في صفوف المدنيين منذ الحرب العالمية الثانية.

وبعد ضغوط من المجتمع الدولي، اضطرت الحكومة لتوقيع ما عُرفت بـ«اتفاقية السلام الشامل» في مدينة نيفاشا الكينية، في 2004، بعد 21 عاماً من القتال، وقضت بمنح جنوب السودان «حق تقرير المصير» عبر استفتاء مواطنيه.

وخلال الفترة الانتقالية التي امتدت حتى 2011 شغل قائد الحركة الشعبية جون قرنق ديمبيور منصب النائب الأول للرئيس عمر البشير، وبعد رحيله في 2005 خلفه في المنصب نائبه سلفا كير ميارديت، الرئيس الحالي لجمهورية جنوب السودان.

اتفاق 9 يناير 2005 بين البشير وقرنق وعلي عثمان طه الذي وضع حداً لـ21 سنة من الحرب الأهلية في الجنوب (رويترز)

وأدى استفتاء تقرير المصير في 2010 إلى تصويت 99 في المائة من المواطنين الجنوبيين لصالح الانفصال، وأُعلنت تبعاً لنتيجته رسمياً «جمهورية جنوب السودان»، وخسر السودان نحو ثلث مساحته وربع سكانه و75 في المائة من ثرواته.

حروب دارفور 2003 - 2020

انطفأت نار الحرب باستقلال جنوب السودان، لكن نيران حرب أخرى اشتعلت في دارفور في غرب البلاد، بين الجيش وحركتين متمردتين هما «تحرير السودان»، و«العدل والمساواة»، للأسباب ذاتها التي أدت إلى حرب جنوب السودان.

واستمرت حرب دارفور من 2003 حتى عام 2020، وانتهت بتوقيع الجيش إبان فترة الحكومة المدنية الانتقالية «اتفاقية جوبا لسلام السودان» مع الحركات المسلحة، برعاية من دولة جنوب السودان، وحصلت بموجبها أيضاً على حصة في السلطة والثروة.

وبعد حرب الجنوب، تعد حرب دارفور الأشرس، إذ راح ضحيتها أكثر من 300 ألف مدني؛ ما أدى لاتهام الجيش والحكومة الإسلامية بقيادة عمر البشير بممارسة التطهير العرقي وارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ففي سابقة دولية، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر بالقبض على الرئيس السابق عمر البشير و3 من معاونيه الكبار، ولا تزال المحكمة تطاردهم.

الرئيس الجنرال إبراهيم عبود (1958-1964) في عهده اندلعت حرب الجنوب الأولى (غيتي)

وتنقلت المفاوضات بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة الدارفورية بين موائد تفاوض عدة، في تشاد وليبيا ونيجيريا وقطر، وأفلحت هذه المفاوضات في توقيع اتفاق سلام فصيل من حركة «تحرير السودان» بقيادة حاكم دارفور الحالي مني أركو مناوي، وظل شقها الآخر بقيادة عبد الواحد محمد النور يرفض أي اتفاق سلام، وهو لا يزال يسيطر على مناطق واسعة من جبل مرة ووسط إقليم دارفور.

ونال مناوي بعد توقيعه اتفاقية أبوجا بنيجيريا 2006، منصب مساعد رئيس الجمهورية، لكنه اضطر للتمرد مرة أخرى، وظل متمرداً حتى توقيع اتفاقية جوبا لسلام السودان في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، بعد سقوط نظام الإسلاميين بقيادة عمر البشير.

حرب كردفان وجنوب النيل الأزرق

وخلال حرب دارفور اشتعلت حروب أخرى في ولايتَي جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، أو في «المنطقتين» بحسب توصيف اتفاقية السلام الشامل لهما، إثر تمرد «الحركة الشعبية لتحرير السودان - الشمال»، المكونة من مواطنين سودانيين اختاروا في السابق الانحياز لجنوب السودان في الحرب الأهلية وانضموا لـ«الحركة الشعبية الجنوبية» بقيادة نائب رئيس المجلس السيادي الحالي مالك عقار.

ولم تتوقف الحرب مع «الحركة الشعبية لتحرير الشمال» منذ 2011 وحتى الآن، وشهدت خلال ذلك عدداً من جولات التفاوض مع الحكومة و«الحركة الشعبية». وانشقت «الحركة الشعبية» إلى حركتين، واحدة بقيادة مالك عقار وقّعت «اتفاق جوبا لسلام السودان»، بينما واصلت الأخرى بقيادة عبد العزيز آدم الحلو القتال في جنوب كردفان وأجزاء من النيل الأزرق، ولا تزال تسيطر على منطقة كاودا بجنوب كردفان وأجزاء من ولاية النيل الأزرق، كما لا تزال تخوض قتالاً ضد الجيش السوداني استمرّ حتى إبان حرب الجيش و«الدعم السريع».

حرب شرق السودان

بدورها، خاضت قوات «التجمع الوطني الديمقراطي» المعارض، المكونة من القوى التي أطاح بها انقلاب الإسلاميين بقيادة حسن الترابي في يونيو (حزيران) 1989، حرباً ضد الجيش انطلاقاً من دولة إريتريا، انتهت بتفاوض أعقبه توقيع اتفاقية السلام الشامل الذي عُرف بـ«اتفاق القاهرة».

وفي الشرق، انتهت الحرب مع «جبهة شرق السودان» بتفاوض مع الحكومة السودانية في العاصمة الإريترية، أسمرا، واتفاق عُرف بـ«اتفاق شرق السودان»، الذي نال بموجبه قائد قوات شرق السودان، موسى محمد أحمد، منصب مساعد رئيس الجمهورية.

حرب الجنرالين 2023 - مستمرة

أوقعت حرب الجنرالين المستمرة منذ أبريل (نيسان) 2023، عشرات الآلاف من القتلى، وأدت إلى أزمة إنسانية كبرى، وفق الأمم المتحدة. وأرغم النزاع أكثر من خُمس السكان على النزوح، بينما يواجه نحو 25 مليون شخص، أي أكثر من نصف عدد سكان السودان، «انعدام الأمن الغذائي الحاد»، وفق ما أفاد تقرير مدعوم من الأمم المتحدة في يونيو. دفعت الحرب بمخيم زمزم للنازحين قرب مدينة الفاشر المحاصرة في إقليم دارفور بغرب البلاد إلى المجاعة. ورغم ذلك ورغم التجارب الماضية والدروس من حروب الماضي، فإن الجيش السوداني، الذي يقاتل حليفه السابق، (قوات الدعم السريع)، لا يزال يرفض التفاوض في منبر جنيف الحالي، ويريد أن يتم التفاوض عبر الحكومة المدعومة من قبله، متجاهلاً أنه تفاوض مع «الدعم السريع» في جدة في 11 مايو (أيار) 2023، ووقّعا بوصفهما جيشَين «إعلان جدة الإنساني»، وبيان 7 يونيو 2023.

قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان أيام تحالفهما (أرشيفية)

كما جمعت مائدة تفاوض في المنامة البحرينية كلاً من نائب القائد العام الفريق أول شمس الدين كباشي، والقائد الثاني لـ«قوات الدعم السريع» الفريق عبد الرحيم دقلو، وتوصلا سراً إلى مشروع اتفاق بين جيشيهما، ثم تراجع الجيش عنه من دون أي تعليق بعد تسرب الاتفاق إلى العلن.

سيناريوهات مرتقبة

يرجع المقدم بحري المتقاعد عمر أرباب، مشكلة الجيش التي تدفعه لرفض التفاوض الجاري، إلى أنه يبحث عن «وضع تفاوضي أفضل»، لذلك يلجأ لـ«التعنت» بحثاً عن شرعية دون حساب للموقف الميداني. ويتابع أرباب لـ«الشرق الأوسط»: «معلوم أن أي عملية تفاوضية تلحق بعمل عسكري ترتكز عليه، وترتكز على موازين القوى في الأرض».

ويشير المقدم أرباب إلى سيناريوهين يلعب عليهما الجيش والحكومة، أولهما تليين موقف الوسطاء ليحقق مكاسب تفاوضية، والثاني يتمثل في انتظار الحصول على «موقف ميداني أفضل»، يتغير به الواقع الميداني العسكري، ليفاوض من موقف أقوى.

ويتساءل المقدم أرباب: «هل يمكن لطرف متقدم عسكرياً أن يقدم تنازلات تفاوضية دون مقابل؟». ويتابع: «هل بالإمكان تحقيق تقدم ميداني كبير يؤثر في العملية التفاوضية؟».

ويقطع أرباب بعجز الجيش عن تحقيق تقدم ميداني آني، مضيفاً: «التعنت قد يؤثر سلباً في عملية الإمداد اللوجيستي للقوات، وبذلك يضر بالعمل العسكري، وقد يقود لفرض مزيد من العقوبات، والتضييق، والحصار اللوجيستي الذي قد يتطور إلى حلول عسكرية وتدخل دولي».

الجيش لا يريد اتفاقاً

وتوقّع المقدم أرباب إرسال الجيش وفداً إلى جنيف بهدف «تخفيف الضغوط الدولية الواقعة عليه وتقليل آثارها السالبة، وليس من أجل الوصول لاتفاق، بل من أجل رفض جديد لأي اتفاق».

بدوره، يرى المحلل السياسي والقانوني حاتم إلياس، أن موقف الجيش يستند إلى «أخذ الشعب السوداني رهينة» يساوم بها المجتمع الدولي، وفي الوقت ذاته يستغل المخاوف من تهديد الاستقرار والسلم في الإقليم. ويقول: «تقع الأزمة الإنسانية التي لفتت أنظار العالم كله في آخر اهتمامات الجيش، لذلك يستغلها ليقدم نفسه جيشاً وحكومةً».

البرهان لم يوافق حتى الآن على إنهاء الحرب الحالية والجلوس للتفاوض مع حليفه السابق قائد «الدعم السريع» محمد حمدان (أ.ف.ب)

ويصف إلياس موقف الجيش بـ«المناورة» التي تهدف للحصول على ترتيبات حل عسكري وسياسي معاً تبقيه ضمن المعادلة السياسية، والحصول على اعتراف دولي بأنه سلطة سياسية وعسكرية معاً. ويتابع: «يسعى الجيش لكسب موقع المفاوض السياسي والعسكري معاً، ورفضه ليس نابعاً من كونه جيشاً مستقلاً لأنه غارق تماماً في السياسة، بل هو صوت الإسلاميين والحركة الإسلامية».

ويصف إلياس جهود المجتمع الدولي لإقناع الجيش بالتفاوض بأنها محاولة «لإنهاء اختطافه للشعب». ويضيف: «يبدو المجتمع الدولي وكأنه يقود تفاوضاً (هيولوودياً) في تعامله مع الأزمة الإنسانية. وهو يدخل مع الجيش في تفاوض لإنهاء اختطافه للشعب». ويتابع: «المجتمع الدولي لن يعطيه كل ما يريد، لأنه أصبح مكشوفاً بوصفه واجهة للإسلاميين، والتفاوض معه يهدف لإنهاء حالة الاختطاف».


مقالات ذات صلة

السودان يعلن تفشي وباء الكوليرا

شمال افريقيا امرأة وطفلها في مخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور السودان يناير 2024 (رويترز)

السودان يعلن تفشي وباء الكوليرا

أعلن وزير الصحة السوداني السبت تفشي وباء الكوليرا فيما تهطل منذ أسابيع أمطار غزيرة على السودان الذي تمزقه الحرب منذ أكثر من ستة عشر شهراً.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا وزير التعليم السوداني الراحل محمود سر الختم الحوري (مجلس السيادة السوداني)

وفاة وزير التعليم السوداني خلال وجوده بالقاهرة

توفي وزير التعليم السوداني محمود سر الختم الحوري بالعاصمة المصرية القاهرة، مساء الجمعة، إثر تعرضه لأزمة «صحية».

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا سودانيات تجمعن أمام مقر «الأمم المتحدة» في جنيف دعماً لمفاوضات وقف الحرب (أ.ف.ب) play-circle 00:56

واشنطن تتفاوض مع «البرهان» هاتفياً وتتحدث عن اختراقات إيجابية

رغم غياب ممثلي الجيش السوداني عن محادثات وقف النار في جنيف، فإن المبعوث الأميركي توم بيرييلو يؤكد أن التواصل معهم يتم عبر الهاتف يومياً وبشكل مكثف.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا مرضى بمستشفى مؤقت تابع لمنظمة «أطباء بلا حدود» في أدري بتشاد على الحدود مع السودان 6 سبتمبر 2023 (رويترز)

الإبلاغ عن أكثر من 300 حالة وفاة بالكوليرا في السودان والعدد مرشّح للازدياد

قالت منظمة الصحة العالمية إن الأزمة الإنسانية الناجمة عن الحرب الأهلية في السودان تؤدي أيضاً إلى تفاقم انتشار أمراض منها الكوليرا الذي سبب وفاة أكثر من 300 شخص.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا 
من مؤتمر صحافي للمبعوث الأميركي إلى السودان عقده في مقر البعثة الأميركية بجنيف (إ.ب.أ)

مفاوضات جنيف السودانية على وتيرتها

تواصلت في جنيف، أمس، مفاوضات وقف الحرب السودانية، بمشاركة وفد «الدعم السريع»، بينما لم يحصل الوسطاء على ردّ قاطع من الجيش بالمشاركة.

محمد أمين ياسين (ود مدني (السودان) ) «الشرق الأوسط» (جنيف - واشنطن )

الإقبال «اللافت» على التعليم الأزهري يثير جدلاً في مصر

جانب من الدراسة داخل أحد المعاهد الأزهرية (الأزهر الشريف)
جانب من الدراسة داخل أحد المعاهد الأزهرية (الأزهر الشريف)
TT

الإقبال «اللافت» على التعليم الأزهري يثير جدلاً في مصر

جانب من الدراسة داخل أحد المعاهد الأزهرية (الأزهر الشريف)
جانب من الدراسة داخل أحد المعاهد الأزهرية (الأزهر الشريف)

أثار الإقبال الكبير على الالتحاق بالتعليم الأزهري في مصر جدلاً مع نشر وسائل إعلام محلية تقديرات تشير إلى تقديم أكثر من 440 ألف طلب التحاق بالمعاهد الأزهرية في مرحلتي «الروضة» و«الابتدائي» للعام الدراسي المقبل.

ولاقى الخبر تفاعلاً عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي، وشارك الكاتب خالد منتصر بتدوينة ساخرة عبر حسابه على «فيسبوك»، قال فيها: «نحن نسير بخطى واثقة وبسرعة الصاروخ نحو طريق الحداثة».

طلاب أزهريون خلال أحد الأنشطة المدرسية (الأزهر الشريف)

ولاقت تدوينة منتصر ردود فعل متباينة من متابعيه، بين منتقدين للتعليم الأزهري، وآخرين أشادوا بمستوى التعليم الأزهري وخريجيه، ورفضوا ما وصفوه بـ«الصورة الذهنية غير الصحيحة عن التعليم الأزهري».

كما حظي نشر الأرقام بتفاعل عبر منصة «إكس»، وسجل مدونون إشادات بالتعليم الأزهري، وما شهده من طفرة في التطوير خلال السنوات الماضية.

بينما تساءل آخرون عن مدى قدرة التعليم الأزهري على التعامل مع هذه الأعداد الكبيرة من المتقدمين، وانبرى بعضهم في توجيه انتقادات للتعليم الأزهري ومخرجاته.

وقال وكيل قطاع المعاهد الأزهرية لشؤون التعليم، الدكتور أحمد الشرقاوي: «هناك أكثر من 440 ألف طلب للالتحاق بمرحلتي (رياض الأطفال) و(الابتدائي) للعام الدراسي المقبل»، مشيراً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «هذه الأعداد ليست نهائية، لأن الأوراق ستتم مراجعتها بشكل تفصيلي بناءً على استيفاء الملفات، بالإضافة إلى وجود بعض الحالات التي يسجل فيها أولياء الأمور أبناءهم في التعليم الرسمي والأزهري بالتوقيت نفسه».

وأضاف أن «العام الماضي شهد استقبال 280 ألف طالب، الأمر الذي يجعلنا ندرس آليات التعامل مع الأعداد الكبيرة المتقدمة من خلال استغلال وتوظيف الفراغات والحجرات الإدارية، والتوسع في استخدام فناءات المعاهد الأزهرية، بما لا يخل بضوابط الجودة لاستيعاب أكبر عدد من المتقدمين».

وتعزو عضوة مجلس النواب (البرلمان)، النائبة فريدة الشوباشي، الإقبال على إلحاق الأطفال بالأزهر إلى «تفاؤل أولياء الأمور بتعليم أبنائهم صحيح الدين داخل المدارس والمعاهد الأزهرية المختلفة»، مضيفة لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك ضرورة للحفاظ على الوسطية والاعتدال في تدريس الدين من خلال المناهج الدراسية المختلفة».

طلاب أزهريون في المرحلة الابتدائية (الأزهر الشريف)

وأشارت إلى أن «المناهج الأزهرية خضعت لتطوير وتنقيح خلال السنوات الماضية»، معربة عن أملها في أن تركز المناهج الأزهرية على بناء الإنسان بجانب العلوم الدينية التي يدرسها الطلاب.

لكن الكاتب المصري عادل نعمان يصف الإقبال على التعليم الأزهري بـ«الردة الحضارية» التي تستوجب دراسة من الدولة لأسبابها، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «استمرار وجود نظام منفصل للتعليم الأزهري بالمناهج الدراسية الخاصة التي تتضمن تمييزاً للرجل عن المرأة، بالإضافة إلى آراء وفتاوى متطرفة، كل ذلك يؤدي لـتخريج طلاب لديهم قوميات مختلفة داخل الدولة».

وأضاف أن «التعليم الأزهري معروف أنه وجهة البسطاء لتعليم أبنائهم في ظل السهولة النسبية لمناهجه الدراسية، لكن ما يحدث اليوم بات يتطلب وقفة من الدولة لدراسة أسبابه، من أجل تجنب آثاره المستقبلية على الخريجين».

وأطلق الأزهر قبل عامين «الخطة الاستراتيجية للتعليم قبل الجامعي 2022-2030»، التي تستهدف تطوير المنظومة التعليمية للقطاعات الأزهرية المختلفة، مع الاهتمام بالبنية الرقمية التحتية للمعاهد الأزهرية، ورفع جودة الخدمات مع ضمان تكامل السياسات والقرارات والقوانين والتشريعات المنظمة للتعليم الأزهري، وهي الاستراتيجية المعني بها أكثر من 11 ألف معهد أزهري على مستوى المدن المصرية.

ويفسر البعض زيادة الإقبال على التعليم الأزهري بانخفاض الرسوم الدراسية التي تصل إلى أقل من ثلث الرسوم المحصلة في التعليم الحكومي، كما تحصل المعاهد الأزهرية الخاصة التي تقوم بتدريس اللغات على رسوم أقل من مدارس اللغات الخاصة.

لكن وكيل قطاع المعاهد الأزهرية لشؤون التعليم يؤكد أن «الأمر ليس مرتبطاً بالمصاريف الدراسية فحسب، ولكن بحب المصريين للأزهر، ومكانته في قلوبهم، ورغبتهم في استفادة أبنائهم منه»، مشيراً إلى أن «التعليم في الأزهر يتيح للطالب دراسة المواد التعليمية إلى جانب المواد الشرعية التي تصقل معرفتهم بالدين».