جانب من الدمار الذي لحق بدرنة جراء الإعصار أمس وفي الإطار فرق إنقاذ مصرية تعاين الخسائر في المدينة الواقعة شرق ليبيا (رويترز)
على حافة البحر المتوسط، المقابلة لمدينة درنة، تترقب العديد من الأسر المنتظرة هناك أن تعيد أمواجه جثث ذويهم، التي جرّفها إعصار «دانيال» الأحد الماضي، وكلما التقطت فرق الإنقاذ التابعة لجمعية الهلال الأحمر أياً منها تجمعوا حولها علّهم يتعرفون عليها.
يأتي ذلك في ظل شكاوى المواطنين في درنة من وجود أعداد كبيرة من الجثث تحتاج إلى مَن ينتشلها، إلى جانب عشرات أخرى يقذفها موج البحر، فضلاً عن اتساع حالة النزوح من المدن التي شهدت «الكارثة» شرق ليبيا.
وتحدثت المنظمة الدولية للهجرة عن وجود نحو 36 ألف نازح، من بينهم 30 ألفاً في درنة فقط، ويتوزع الباقون على مدينتي البيضاء والمخيلي الواقعتين بين بنغازي ودرنة.
وأكدت المنظمة أن «عدد الوفيات غير مؤكد حتى الآن»، إذ تباينت الأرقام بين 5300 قتيل في درنة، بحسب محمد أبو لموشة، المسؤول الإعلامي بوزارة الداخلية بحكومة «الاستقرار»، و20 ألفاً سقطوا في المدن المنكوبة جراء السيول، وفق مدير مركز البيضاء الطبي عبد الرحيم مازق.
وبالنظر إلى فداحة الأوضاع المأساوية، بعثت رانيا الصيد، عضو الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، استغاثة، وقالت لـ«الشرق الأوسط»، إن «الجثث متراكمة في الشوارع، في ظل عدم وجود فرق إنقاذ كافية للمساعدة في نقلها». وتتحدث الصيد عن الكثير من المفقودين، «العديد منهم تحت الأنقاض، وفي البحر».
ووجّه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بتجهيز حاملة الطائرات «ميسترال» لتكون مستشفى ميدانياً للمساعدة في جهود الإغاثة في ليبيا. وقالت الرئاسة المصرية، في حسابها الرسمي على منصة «إكس»، أمس، إن السيسي وجّه أيضاً بإقامة معسكرات إيواء في المنطقة الغربية العسكرية لمن فقدوا ديارهم من الليبيين جراء الإعصار.
ووصل إلى العاصمة طرابلس، وفق منصة «حكومتنا» (الأربعاء)، فريق إسباني مختص في عمليات البحث والإنقاذ وانتشال الجثث، مزوّد بالكلاب المدربة، وطائرتا «درون» متطورتان وجهازا استشعار، وتوجّه الفريق بالتنسيق مع مركز طب الطوارئ والدعم وسفارتي البلدين إلى مدينة بنغازي، ومنها إلى درنة لبدء العمل الميداني.
جدَّد ليبيون عديدون رفضهم ومخاوفهم من «محاولات أميركية» لترحيل مهاجرين غير نظاميين، ممن لديهم «سجلات جنائية»، إلى بلدهم، ووصفوا هذا الأمر بـ«الخطير جداً».
تباين ليبي بشأن قرار الدبيبة إغلاق 25 سفارة ومراجعة «عقود نفطية»
الدبيبة أمر بتقليص عدد الموظفين الدبلوماسيين بنسبة 20 % بقصد تخفيض الإنفاق (الوحدة)
تباينت ردود الفعل في ليبيا إزاء القرارات التي أصدرها عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، التي وُصفت بأنها «تقشفية»، ومن أبرزها إغلاق 25 سفارة في الخارج، وتقليص عدد الموظفين الدبلوماسيين بنسبة 20 في المائة، إلى جانب مراجعة بعض «العقود النفطية». وقد لاقت هذه الإجراءات ترحيباً من بعض السياسيين الذين عدَّوها «خطوة في اتجاه الإصلاح»، في حين رأى آخرون أنها «محاولة لامتصاص غضب الشارع، بهدف البقاء في السلطة».
وكان الدبيبة قد قرر حزمة من الإجراءات العاجلة، من بينها تشكيل لجنة مشتركة من ديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية لمراجعة عقود قطاع النفط، التي أبرمت في السنوات الأخيرة، وإحالة أي مخالفات بها لمكتب النائب العام، علاوة على تقليص عدد السفارات.
الصديق الصور النائب العام الليبي (مكتب النائب العام)
ويرى عضو مجلس النواب الليبي، علي الصول، أن قرارات الدبيبة تستهدف «لفت نظر الرأي العام، سواء المحلي أو الدولي، لأداء حكومته»، ويعتقد أن رئيس حكومة «الوحدة»، وحليفه المجلس الرئاسي «يدركان أن محطة مغادرتهما المشهد السياسي باتت قريبة جداً؛ لذا يسعيان للبقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة، من خلال إصدار قرارات اللحظة الأخيرة».
في مقابل ذلك، ورغم إقراره بأن حكومة «الوحدة» ورئيسها كان لديهما كثير من الوقت لاتخاذ مثل هذه الإجراءات «التقشفية»، رحَّب عضو المجلس الأعلى للدولة، محمد معزب، بهذه القرارات التي اتخذها الدبيبة. واستند معزب في موقفه إلى المقولة الشهيرة «أن تأتي متأخراً أفضل من ألا تأتي»، وقال إن أغلب الخطوات التي أعلن عنها، سواء مراجعة ملف الأدوية، أو عقود النفط أو إغلاق عدد من السفارات، طالبت بها من قِبل نخب سياسية، وخبراء الاقتصاد والشارع الليبي.
ويرى معزب أن جميع الأجسام والسلطات الموجودة بالمشهد الليبي «تستشعر أن هناك تغييراً قادماً، ولا ترغب في استبعادها؛ لذا تعمل على تحقيق بعض الإنجازات ليتم دمجها في السلطة القادمة أو إطالة فترة وجودها في السلطة».
ومن بين المشيدين بقرارات الدبيبة، الصحافي الليبي محمود الشركسي، الذي عدَّها في إدراج له بصفحته على موقع «فيسبوك»، «موفقة وبداية للإصلاح».
في المقابل، يرى المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، أن قرارات الدبيبة مجرد «محاولة لتهدئة الانتقادات الحادة التي توجه لحكومته، من قبل النخب السياسية وخبراء الاقتصاد، بشأن توسع الإنفاق العام للحكومتين».
ويرى محفوظ أن الدبيبة «لم يجد أمامه سوى القيام بتلك الإجراءات لإثبات أن حكومته تسعى للتصحيح، وتقليص الإنفاق، وكبح استنزاف العملة الأجنبية عبر خفض عدد السفارات والعاملين بها، وإيقاف البعثات التعليمية».
واجهة البنك المركزي في طرابلس (رويترز)
وكان المصرف المركزي قد حمَّل حكومتَي ليبيا مسؤولية تدهور قيمة الدينار؛ بسبب إنفاقهما الذي تجاوز 224 مليار دينار خلال العام الماضي، لافتاً إلى أن حكومة الدبيبة أنفقت 123 ملياراً، في حين أنفقت نظيرتها في شرق ليبيا المكلفة من البرلمان، برئاسة حماد، نحو 59 ملياراً. (الدولار يساوي 5.45 دينار في السوق الرسمية).
ولليبيا أكثر من 130 سفارة، ووفقاً لتقرير ديوان المحاسبة، فقد جرى عام 2023 صرف مليار و525 مليوناً و173 ألفاً و256 ديناراً رواتب لنحو 3478 عاملاً بالسفارات والقنصليات والبعثات الليبية في الخارج، من دبلوماسيين وعمالة محلية.
ويرى وكيل وزارة الخارجية الأسبق بالحكومة المؤقتة، حسن الصغير، ورغم تأكيده أنه يتطلع مثل كل الليبيين لخفض الإنفاق العام، وتقليص عدد العاملين بالخارج، أن «قرار فتح أو غلق سفارة يخضع للدولة وليس للحكومات»، مشيراً إلى «ضرورة مشاركة سلطات الدولة كافة في هذا القرار، كونه يتعلق بمصالح متبادلة بينها».
أسامة حماد رئيس حكومة «الاستقرار» (الاستقرار)
ويعتقد الصغير أن الدبيبة يستهدف «تقديم نفسه بصفته شخصاً مسؤولاً أمام البعثة الأممية، على أمل تكليفه بحكومة جديدة، تجمع قيادات من شرق ليبيا وغربها».
وعلى منصات التواصل وجد الدبيبة مهاجمين ومدافعين عن قراره؛ حيث انتقد البعض قراره بإيقاف البعثات التعليمية، التي أشار الدبيبة لإنفاق نصف مليار دينار عليها، وأنه بصدد توجيه تلك المبالغ لتطوير التعليم بالداخل، مشيرين إلى أن الإيفاد بالأساس متوقف منذ سنوات، باستثناء أبناء كبار المسؤولين بحكومته والمقربين منهم، فيما عدَّ البعض قراراته موفقة.