مستقبل السودان كما يراه دبلوماسيون أميركيون

تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» عن رؤيتهم لحل النزاع وحذروا من «سيناريو ليبي»... ودعوة إلى احترام تطلعات السودانيين

TT

مستقبل السودان كما يراه دبلوماسيون أميركيون

البرهان و«حميدتي» في أحد لقاءاتهما قبل اندلاع النزاع (أ.ف.ب)
البرهان و«حميدتي» في أحد لقاءاتهما قبل اندلاع النزاع (أ.ف.ب)

في ظل التصعيد الحاد الذي تشهده الساحتان السياسية والميدانية في السودان، والتحذيرات الأممية من «تدمير كامل» للبلاد «وكارثة إنسانية» في المنطقة، استعرضت «الشرق الأوسط» آراء مسؤولين أميركيين سابقين في الملف السوداني، وسألتهم عن تصورهم لمستقبل البلاد واحتمالات التوصل إلى حل.

وتطرق الحديث إلى جولة القائد العام للقوات المسلحة الفريق عبد الفتاح البرهان، وتصريحات قائد قوات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي) حول الفيدرالية، بالإضافة إلى دور دول المنطقة في مساعي إنهاء القتال، والدور الأميركي في ظل احتجاج وزارة الخارجية السودانية على تصريحات السفير الأميركي في الخرطوم، جون غودفري، الأخيرة، التي دعا فيها طرفي النزاع إلى وقف القتال.

تحذيرات أممية

يقول المبعوث الخاص السابق إلى السودان دونالد بوث، إن 4 أشهر من القتال بين القوات المسلحة وقوات «الدعم السريع» ولّدت «كارثة في البلاد»، مشيراً إلى مقتل «الآلاف، وتهجير نحو 5 ملايين سوداني، وانهيار الخدمات الصحية على مستوى واسع». ويشدد في حديث مع «الشرق الأوسط» على أهمية وقف القتال بسرعة، مضيفاً أن «وقف القتال أساسي لإنقاذ الشعب السوداني من عذابه، لكن لا يبدو أن القوات المسلحة ولا قوات (الدعم السريع) مستعدتان لوقف القتال، والحديث معاً، ومع ممثلين عن الشعب السوداني المعذّب، حول كيفية إحقاق السلام في السودان. إذا استمر القتال؛ فسيواجه السودان مستقبلاً قاتماً من الفقر وتهديد الوحدة الوطنية».

دونالد بوث (الشرق الأوسط)

ويوافق القائم السابق بأعمال السفارة الأميركية في الخرطوم، ألبرتو فرنانديز، على مقاربة بوث، فيقول لـ«الشرق الأوسط»: «ما دام هناك جمود عسكري دموي من دون مسار سياسي لإنهاء الصراع، فإن ما سنراه هو مزيد من الجوع والأوبئة والتهجير في السودان».

كلمات ردد صداها المدير السابق لمكتب المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان، كاميرون هادسون، الذي حذّر من سيناريو مشابه لليبيا، وتوسع رقعة الصراع. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «استمرار القتال، وعدم تمكن أي طرف من تحقيق نصر كاسح، سوف يؤديان إلى استمرار البلاد على هذا المسار، مما سيخلق سيناريو انهيار للدولة مشابهاً لليبيا. وإذا حصل هذا، فسوف يؤدي إلى تصدير زعزعة الاستقرار في المنطقة بأكملها، مع خطر محتمل لتوسع الأزمة في الساحل لتصل إلى البحر الأحمر».

مستقبل السودان

ويعرب هادسون عن تشاؤمه إزاء مستقبل السودان، مشيراً إلى أن الأمل في مستقبل البلاد «ضئيل ما دام القتال مستمراً». ويفسر سبب تشاؤمه هذا قائلاً: «لست واثقاً بأن المجتمع الدولي، يستطيع أن يدفع باتجاه مسار سياسي تنجم عنه نهاية للصراع وحكومة ذات مصداقية».

كاميرون هادسون (الشرق الأوسط)

لكن كلاً من فرنانديز وبوث يعارض المقاربة المتشائمة هذه، فيؤكد الأول: «بالطبع السودان لديه مستقبل. لكن في بعض الأحيان ولسوء الحظ فإن بعض البلدان تنهار جزئياً قبل أن تعود إلى الحياة. رأينا هذا الوضع في بلدان مثل ليبيريا وسيراليون، حيث شهدتا حرباً مفتوحة دمّرت معظم البلاد. اليوم البلدان يتمتعان بنظام ديمقراطي، لكن العذاب كان فظيعاً خلال سنين الصراع». ويعقّب: «في السودان تم تدمير الكثير، وهذا سيتطلب أعواماً لإعادة البناء في حال أعطيت البلاد فرصة لذلك».

موقف يدعمه بوث الذي تساءل: «طبعاً هناك أمل بمستقبل أفضل في السودان. فإلى أي مدى يمكن أن تسوء الأمور؟». وأشار بوث إلى أن تاريخ السودان «مشبع بفشل الحكومات العسكرية» وأضاف: «السودان أمة كبيرة ومتنوعة، والسلام لا يتطلب وقفاً للعمليات القتالية فحسب؛ بل أيضاً يتطلب نقاشاً وطنياً شاملاً حول كيف يمكن حكم أمة متنوعة بهذا الشكل، بطريقة تتم فيها معاملة الشعب السوداني كله بمساواة، وتمكّن من سماع أصواتهم واحترامها. لن يكون هذا نقاشاً سهلاً، لكنه ضروري لإنقاذ السودان من مزيد من التشتت».

تصريحات السفير الأميركي

وأثارت تصريحات السفير الأميركي في الخرطوم، جون غودفري، استياء وزارة الخارجية السودانية، التي رفضت المقارنة بين القوات المسلحة، وقوات «الدعم السريع»، في دعوته الأخيرة لإنهاء الصراع... وقد دافع فرنانديز عن موقف غودفري، مشيراً إلى أنه «محق» وأن «كلماته اختيرت بعناية، وتعكس وجهة نظر الحكومة الأميركية».

جون غودفري (الشرق الأوسط)

وأضاف فرنانديز؛ الذي خدم بمنصبه في الخرطوم من عام 2007 إلى 2009: «البعض في السودان احتضن بشكل كلي قضية الجيش ضد قوات حميدتي، لكن الجيش لديه تاريخ رهيب في قتل السودانيين وقمعهم على مدى عقود. البرهان وحميدتي شاركا في الانقلاب العسكري منذ أقل من عامين. والقوات المسلحة إضافة إلى قوات (الدعم السريع) عملتا عن قرب خلال المجزرة في دارفور منذ 20 عاماً. إن أيادي الجهتين غير نظيفة».

من ناحيته، يعدّ بوث أنه «من المنطقي أن يدعو السفير الأميركي الطرفين إلى وقف القتال والبدء بالحوار». ويقول إن «القوات المسلحة السودانية وبقايا الحكومة التي قادتها قبل اندلاع المواجهات مع قوى (الدعم السريع) في أبريل (نيسان) تروج لفكرة أنها تدافع عن السودان ضد وحدة عسكرية متمردة»، مضيفاً: «من المثير للاهتمام أن أغلبية المجموعات المدنية السياسية، ولجان المقاومة في الجوار، ومنظمات المجتمع المدني والموقعين على اتفاق جوبا للسلام، لا يدعمون هذه الفكرة. ويرفضون دعم أي من الطرفين، بل يدعونهما إلى وقف القتال والبدء بالحديث معهم حول مسار مستقبلي للسودان».

ألبرتو فرنانديز (الشرق الأوسط)

لكن هادسون؛ الذي يخالفهما الرأي، انتقد مقاربة السفير الأميركي، مشيراً إلى أن «الحديث بشكل عام هكذا غير فعال، ويتجاهل الخلافات الأساسية التي يتقاتل من أجلها كل طرف». ويفسّر هادسون هذا الموقف قائلاً: «بينما ارتكب الطرفان جرائم حرب، فإنه لا تمكن مقارنة مستوى ونطاق هذه الجرائم». ويذكر: «في النهاية، لن يكون هناك يوم في السودان من دون جيش وطني، لكن سوف يأتي يوم تغيب فيه قوات (الدعم السريع)، وتصريح السفير يتجاهل هذا الواقع الأساسي».

وقف القتال أساسي لإنقاذ الشعب السوداني، لكن لا يبدو أن الجيش و«الدعم السريع» مستعدان لذلك

دونالد بوث

حميدتي والفدرالية:

ترافق التصعيد في حدة اللهجة السياسية مع طرح حميدتي «الفيدرالية» بوصفها جزءاً من حل سوداني، ويشير بوث الذي خدم في منصبه مبعوثاً خاصاً في إدارتي الرئيسين باراك أوباما ودونالد ترمب، إلى أن «الدعوات والمناقشات لحكم السودان بأسلوب فيدرالي ليست جديدة»، ويضيف: «أرجّح أن النظر في هيكلية فيدرالية للحكومة ستشكل جزءاً من أي نقاش وطني بعد القتال، متعلق بنظام حكم مستقبلي للسودان خلال العملية الانتقالية أو بعدها».

قائد قوات «الدعم السريع» حميدتي (أ.ب)

ويشير فرنانديز كذلك إلى أن كلمة فيدرالية «تستعمل بشكل مستمر في السودان»، مضيفاً أن «نظام البشير استعملها كذلك». ويتحدث السفير السابق عن التحديات المحيطة بطرح من هذا النوع فيقول: «بوصفها هدفاً، إنها فكرة جيدة في بلد كبير ومتعدد مثل السودان. لكن تطبيقها، يعني فعلياً تجريد الخرطوم من بعض صلاحياتها، وهو التحدي هنا. يستطيع حميدتي استعمال هذه الكلمة، لكن كثيرين لن يصدقوا أي شيء يقوله. إن تشخيصه للمشكلة بين النفوذ في الوسط، وغياب النفوذ في المناطق، واقعي، لكنه أمر غير جديد وليس حكراً عليه. إنها مشكلة تاريخ السودان منذ البداية».

استمرار القتال وعدم تمكن أي طرف من تحقيق نصر كاسح، سيخلقان سيناريو انهيار للدولة مشابهاً لليبيا

كاميرون هادسون

أما هادسون فقد شنّ هجوماً لاذعاً على حميدتي قائلاً: «كل ما يتفوه به حميدتي يهدف إلى التشويش والإرباك. يجب ألا نصدّق أي شيء يقوله؛ لأنه يهدف إلى التغطية على حقيقته، وهي أنه شخص ارتكب مجازر وعمليات اغتصاب جماعي وتعذيب وقتل. وقد قام بأغلبية هذا عندما كان عميلاً للبشير، وهو يستمر بهذه التصرفات إلى يومنا هذا».

جولة البرهان

مع بدء البرهان جولته في المنطقة، شددّ بوث على أهمية دور دول المنطقة في حل الصراع، وقال: «مصر والسعودية لديهما مصلحة في رؤية الاستقرار يعود إلى السودان. السعودية تكاتفت مع الولايات المتحدة لدفع الأطراف السودانية نحو وقف إطلاق النار، والسماح بمرور المساعدات الإنسانية، وعقد مفاوضات سياسية في نهاية المطاف. ومصر عقدت اجتماعاً لجيران السودان لمحاولة العثور على طريقة لإنهاء القتال».

لقاء يجمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالبرهان يوم 29 أغسطس 2023 (أ.ف.ب)

وأضاف بوث أن «هذه المساعي لم تنجح حتى الساعة؛ لأن كلاً من القوات المسلحة و(الدعم السريع) لا تزال تعتقد أنها تستطيع الفوز ضد الأخرى. ومن المستبعد أن يتغير هذا الاعتقاد، إلا في حال نجاح غير محتمل لطرف عسكري بشكل أحادي، أو حتى تتوصل الأطراف الخارجية كلها، التي تعتقد حالياً بأن مصالحها هي أن يهزم طرف الآخر، إلى قناعة بأن مصالحها تقضي بإنهاء القتال واستتباب الأمن في السودان، بناء على توافق واسع من السودانيين».

من ناحيته، أشار فرنانديز إلى الأهمية البالغة لدور السعودية قائلاً: «للسعودية مصداقية مع الطرفين، وأنا أتوقع استئناف محادثات جدة في نهاية المطاف. لكن قبل ذلك أتوقع أن يقوم الطرفان بدفع أخير في جهودهما لانتزاع نصر عسكري في ساحة المعركة. لسوء الحظ لم ينتهِ القتل».

ما دام هناك جمود عسكري دموي من دون مسار سياسي، فإن ما سنراه هو مزيد من الجوع والأوبئة والتهجير في السودان

ألبرتو فرنانديز

وتوقع هادسون استئناف محادثات جدة، لكنه عدّ أنه «من الصعب تحقيق أي تقدم، إلا في حال تغيّر أمر ما، سواء على أرض المعركة أو في المقاربة الأميركية». وانتقد توجه الإدارة الأميركية لإعطاء السفير غودفري منصب مبعوث خاص، وقال: «لن يكون هذا كافياً. هو دور يلعبه أصلاً ولن يعطيه أي صلاحيات مختلفة عن تلك التي يملكها الآن».

خيانة تطلعات السودانيين

ورفضت وزارة الخارجية الأميركية الانتقادات الموجهة للسفير غودفري، وعلق مسؤول في «الخارجية»، رفض الكشف عن اسمه، على الأحداث في السودان، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «إن العنف الذي ارتكبته القوات المسلحة وقوات (الدعم السريع) هو خيانة لمطالب الشعب السوداني الواضحة بتشكيل حكومة مدنية وعملية انتقالية نحو الديمقراطية». وأضاف أن الرئيس بايدن أكد هذا المنحى في السابق، وأن «الشعب السوداني يريد أن يعود المقاتلون إلى ثكناتهم وألا يعيثوا خراباً في محاولة منهم لانتزاع السلطة للحكم». وتابع المسؤول: «نحن نستمر في التأكيد على رسالة وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، للشعب السوداني في 22 مايو (أيار) الماضي، حين قال إن المدنيين السودانيين يجب أن يكونوا هم من يحدد مسار السودان قدماً، وأن يقودوا مساراً سياسياً لإعادة العملية الانتقالية الديمقراطية وتشكيل حكومة مدنية. إن مستقبل السودان السياسي هو ملك للشعب السوداني، ويجب على الجيش الانسحاب من الحكم والتركيز على الدفاع عن الأمة في وجه التهديدات الخارجية».

وأكد المسؤول نفسه أن الوزارة «سوف تستمر تحديداً في إدانة الفظاعات التي يتم الإبلاغ عنها، وبالدعوة لمحاسبة المسؤولين عنها، كما فعلت في تصريحات الوزارة في 15 يونيو (حزيران) حول الانتهاكات في غرب دارفور، وفي 25 أغسطس (آب) حول العنف الجنسي من قبل (الدعم السريع) والميليشيات التابعة لها في غرب دارفور».


مقالات ذات صلة

الجيش السوداني يستعيد السيطرة على بلدات في الجزيرة

شمال افريقيا سودانيون فارُّون من المعارك في منطقة الجزيرة داخل مخيم للنازحين بمدينة القضارف (أ.ف.ب)

الجيش السوداني يستعيد السيطرة على بلدات في الجزيرة

شن الجيش السوداني، الأربعاء، هجوماً برياً كبيراً من عدة محاور على أطراف ولاية الجزيرة وسط البلاد، استعاد على أثرها، السيطرة على عدد من البلدات والقرى

محمد أمين ياسين (نيروبي)
الولايات المتحدة​ السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد (أ.ف.ب)

أميركا تتهم روسيا بتمويل طرفَي الحرب في السودان

اتهمت الولايات المتحدة، روسيا، بتمويل الطرفين المتحاربين في السودان.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا أطفال يحملون حزماً من المساعدات الإنسانية في مدرسة للنازحين بمدينة القضارف شرق السودان (أ.ف.ب)

أزمة بيع مواد الإغاثة تتفاقم في السودان... وتبرؤ حكومي

تفاقمت أزمة بيع المواد الإغاثية في أسواق سودانية، فيما تبرَّأت المفوضية الإنسانية التابعة للحكومة من المسؤولية عن تسريبها.

محمد أمين ياسين (نيروبي) وجدان طلحة (بورتسودان)
المشرق العربي الحرب في السودان والقيود المفروضة على توصيل المساعدات تسببتا في مجاعة في شمال دارفور (رويترز)

الأمم المتحدة: أكثر من 30 مليون شخص في السودان بحاجة إلى المساعدة

قالت الأمم المتحدة الاثنين إن أكثر من 30 مليون شخص، أكثر من نصفهم من الأطفال، يحتاجون إلى المساعدة في السودان بعد عشرين شهرا من الحرب المدمرة.

«الشرق الأوسط» (بورتسودان)
العالم العربي مواطنون في بورتسودان 30 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

10 قتلى في غارة جنوب الخرطوم

أفاد مُسعفون متطوعون أن عشرة مدنيين سودانيين قُتلوا، وأصيب أكثر من 30، في غارة جوية جنوب الخرطوم.

«الشرق الأوسط» (بورتسودان (السودان))

السودان يرحب بالعقوبات ضد حميدتي ويطالب بموقف دولي موحد

قائد قوات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي) (رويترز)
قائد قوات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي) (رويترز)
TT

السودان يرحب بالعقوبات ضد حميدتي ويطالب بموقف دولي موحد

قائد قوات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي) (رويترز)
قائد قوات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي) (رويترز)

رحبت الحكومة السودانية بقرار إدارة الرئيس الأميركي جورج بادين (المنتهية ولايته) الذي فرضت بموجبه عقوبات على قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي» وعدد من الشركات التابعة له، وحثت بقية دول العالم على اتخاذ خطوات مماثلة، واتخاذ موقف موحد وصارم من قبل الأسرة الدولية ضد ما سمته «المجموعة الإرهابية» لإجبارها على وقف الحرب.

لكن «قوات الدعم السريع»، عدت القرار امتداداً لما سمته فشل سياسة إدارة الرئيس المنتهية ولايته، الشرق أوسطية، وقالت إنه «بلا قيمة»، اتبع فيه معايير «مزدوجة» لدعم التيار الإسلامي الرافض لوقف الحرب، وعدّته أيضاً أنه «تعميق للأزمة»، وتوعدت بالاستمرار فيما أطلقت عليه «اقتلاع دولة الظلم والطغيان».

ورحب مساعد القائد العام الفريق أول، ياسر العطا، بالقرار الأميركي، وقال في تصريحات، إنه يدعم جهود السودان في تعزيز الأمن وسيادة القانون، واعترافاً من واشنطن بأن هدف قوات «الدعم السريع» هو السيطرة على السودان بالقوة.

الفريق ياسر العطا (وكالة السودان للأنباء)

وأعلنت وزارة الخارجية السودانية في بيان صحافي، الأربعاء، حصلت عليه «الشرق الأوسط»، اتفاقها على ما مع جاء في القرار الأميركي، وأن «حميدتي مسؤول عن فظائع ممنهجة ضد الشعب السوداني، تتضمن اغتصابات جماعية»، وأن الرجل يوظف «واجهات تجارية» في دول إقليمية لتمويل حربه ضد السودان. ودعت الخارجية، الأسرة الدولية لاتخاذ خطوات مماثلة ضد «قيادة الميليشيا ورعاتها»، وتبني موقف «موحد وصارم» في مواجهة «الجماعة الإرهابية، وإجبارها على وقف حربها ضد الشعب السوداني ودولته ومؤسساته الوطنية».

«الدعم»: مكافأة لدعاة الحرب

‏وانتقدت «قوات الدعم السريع» القرار الأميركي وعدّته «مؤسفاً ومجحفاً»، ومكافأة للطرف الآخر (القوات المسلحة السودانية). وقالت في بيان على منصة «تلغرام» إن القرارات التي صدرت من إدارة جو بايدن المنتهية ولايتها، سياسية «محضة» تم اتخاذها دون تحقيق دقيق ومستقل حول الطرف المتسبب في اندلاع هذه الحرب «الكارثية». وأضافت: «لقد تم إشعال هذه الحرب من قيادة القوات المسلحة السودانية والإسلاميين، والأدلة التي تثبت ذلك متاحة للجميع».

«قوات الدعم السريع» متهمة بقصف مخيم زمزم بدارفور وارتكاب مجازر في الجنينة (مواقع سودانية)

وأشارت إلى قرار الخارجية الأميركية بخصوص ارتكاب «قوات الدعم السريع» إبادة جماعية في السودان، وقال إنه قرار «جانبه الصواب، لم يذكر على وجه التحديد المجموعة التي ارتكبت ضدها الإبادة الجماعية، ولا مكان وقوعها». وذكر البيان أن «جريمة الإبادة الجماعية خطيرة ولا ينبغي للإدارة الاميركية أن تتعامل معها بهذا المستوى من التعميم، الذي يؤكد أن القرار تم اتخاذه لاعتبارات سياسية لا علاقة لها بالأسس القانونية المتعلقة بالإبادة الجماعية من حيث التعريف والإثبات». ووصفت «الدعم السريع» القرارات بأنها انتقائية، لن تساعد في تحقيق التوصل إلى حل سياسي. كما «تجاهل القرار الانتهاكات الفظيعة التي ترتكبها القوات المسلحة السودانية على نطاق واسع بالقصف الجوي، الذي أودى بحياة أكثر من 4 آلاف مدني» حسب بيان «الدعم السريع». وأشار البيان إلى أن «العقوبات الأميركية وضعت العربة أمام الحصان، وتمثل مكافأة للطرف الرافض لإيقاف الحرب، ومعاقبة دعاة الوحدة والسلام».

فشل إدارة بايدن

من جهته، وصف مستشار «حميدتي»، الباشا طبيق، على صفحته بمنصة (إكس) القرار الأميركي بأنه تعبير عن فشل إدارة الرئيس جو بايدن في التعاطي مع الأزمة السودانية، أسوة بفشلها في كثير من ملفات الشرق الأوسط.

وعدّ القرار امتداداً لنهج «ازدواجية» المعايير الذي دأبت إدارة الرئيس المنتهية ولايته على اتباعه، بالاستجابة لـ«لوبيات الضغط» المعلومة، وطرائق تعاملها مع مثل هذه الملفات. وأبدى طبيق أسفه على القرار، وعدّه «دفعة معنوية» للحركة الإسلامية بقيادة علي كرتي، وتشجيعاً لها على «الاستمرار في إبادة الشعب السوداني، وارتكاب مزيد من الجرائم الشنيعة ضد المدنيين، ومواصلة الطيران الحربي للمزيد من قتل النساء والأطفال».

وعدّ طبيق القرار دعماً لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، لتكوين المزيد مما سماها «الميليشيات الإرهابية والقبلية لإطالة أمد الحرب»، ووصفه بأنه «ليست له قيمة ولن يؤثر على الوضع الراهن، بل قد يعقد الأزمة والتوصل لمفاوضات جادة». وقطع طبيق بأن القرار لن يثني الدعم السريع عن الاستمرار في «اقتلاع دولة الظلم والطغيان، وإنهاء الهيمنة السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، وبناء الدولة الجديدة على أسس المواطنة والعدالة والمساواة».

دورية لـ«الدعم السريع» في إحدى مناطق القتال بالسودان (رويترز)

من جهة أخرى، قلل دبلوماسي سوداني طلب حجب اسمه، من تأثير القرار، وبأنه لن يحدث أثراً كبيراً بعدّه أحادياً ولم يصدر عن الأمم المتحدة أو مجلس الأمن الدولي، وأنه غير ملزم لدول العالم. ونوه إلى أن الإدارة الجديدة بقيادة الرئيس دونالد ترمب، ستنشغل بالقضايا الداخلية وليس السودان من أولوياتها، وأن ملف التنفيذ سينتظر الإعلان عن السياسة الخارجية للرئيس ترمب.

وقال رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور، الصادق علي حسن، وهي هيئة حقوقية طوعية لـ«الشرق الأوسط»، إن العقوبات كانت متوقعة، استناداً إلى «الممارسات الجسيمة» التي ترتكب في مناطق سيطرة الدعم السريع. وتابع: «هي رسالة لقائد القوات وحلفائه».

وتوقع المحامي حسن، أن تحدث العقوبات تغييرات كبيرة في المشهد السياسي، تتأثر بها على وجه الخصوص المجموعة التي تستعد لإعلان «حكومة منفى»، وأضاف: «ستجد نفسها في أوضاع لا تحسد عليها، وأن تقديراتها كانت متعجلة، ولم تُبنَ على قراءة ناضجة»، وذلك في إشارة إلى مباحثات تجري بين «الدعم السريع» والجبهة الثورية ومدنيين منتمين لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم» لتشكيل حكومة تنتزع الشرعية من الحكومة التي يترأسها قائد الجيش.

قائمة العقوبات تضم كرتي

وفرضت الإدارة الأميركية، أمس، عقوبات على قائد «قوات الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو «حميدتي»، وسبع شركات توفر المعدات العسكرية والتمويل لقواته في ارتكاب جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية، في أثناء الصراع المسلح مع الجيش السوداني.

علي كرتي الأمين العام لـ«الحركة الإسلامية» في السودان (غيتي)

وقال وزير الخارجية أنتوني بلينكن، إن «الدعم السريع»، ارتكبت «إبادة جماعية في دارفور، وتورطت في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي، وقامت بعمليات القتل بدوافع عرقية، وارتكبت أعمال العنف الجنسي كسلاح حرب»، وإن حميدتي بصفته المسؤول عن هذه القوات يتحمل المسؤولية عن الأفعال البغيضة وغير القانونية.

ولا تعد هذه العقوبات الأولى ضد شخصيات ومسؤولين سودانيين، فقد أصدرت وزارة الخزانة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، عقوبات على مسؤولين سابقين؛ هم «مدير مكتب البشير السابق طه عثمان أحمد الحسين، ومدير جهاز الأمن السابق صلاح عبد الله (قوش)، ومديره الأسبق صلاح محمد عطا المولى»، لدورهم في تقويض الأمن والسلام.

وشملت العقوبات الأميركية الأمين العام للحركة الإسلامية، علي أحمد كرتي، وقائد منظومة الصناعات الدفاعية، ميرغني إدريس، وقائد عمليات «قوات الدعم السريع» (عثمان عمليات)، والقائد الميداني بـ«الدعم السريع»، علي يعقوب، الذي قتل في معارك مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور قبل عدة أشهر.